وحدها هي الحناجر الفلسطينية التي كانت تصدح في باحات الأقصى دون مساعدة أو مساندة، ولو في الحد الأدنى من تحقيق المؤازرة لهذا الصوت ونقله إلى أصحاب القرار، سواء لهؤلاء الذين يمتلكون قوة الردع، وحتى هؤلاء الذين ما زالوا يتشدقون بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ووحدها أيضًا هي الصدور العارية التي كانت وما زالت تتحدى إرادة المحتل الغاصب في تهويد القدس ومحاولاته في فرض واقع جديد فيها يفضي إلى تقسيم الأقصى مكانيًا وزمانيًا، ووحدها هي السلطة الفلسطينية أيضًا الممزوجة آلام قادتها بفعل التكالب عليها بتساؤلات إلى حد اليأس من الصمت الدولي على الدم الذي ما زال يسيل على بوابات الأقصى في ظل عجز السلطة نفسها عن حماية الحق الفلسطيني ووقف الجرح النازف في باحات الأقصى وعلى بواباته في ظل إدراكها التام بأنه ما كان لإسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة أن تحاصر الأقصى لتعمل على مواصلة إجراءاتها التهويدية في ظل تحد واضح، ليس للقانون الدولي فحسب، وإنما لمشاعر العرب والمسلمين أيضًا دون الخذلان والتراجع العربي.
وحيث أن القدس قبلة المسلمين الأولى، وأنها ما زالت تتعرض لاستهداف ليس لمعالمها فقط، وانما لوجودها أيضًا، فإنه لا بد لنا أن نستقرئ معًا بعض الوقائع للإجابة على بعض التساؤلات التي يمكننا من خلالها معرفة ما يمكن أن تكون عليه القدس حاضرًا ومستقبلا وانعكاسات ما يجري فيها من وقائع، ليس على الشعب الفلسطيني فقط، وإنما على العالم أجمع باعتبار أن القدس هي مفتاح للحرب, تمامًا كما هي مفتاح للسلام، ولنبدأ من حيث الواقع العربي المتردي في ظل ما يسمى الربيع العربي الذي لولاه ما كان لإسرائيل ان تتجرأ فيه على الأقصى.
فهل يمكن القول حقًا بأنه لولا الربيع العربي لما كان لإسرائيل أن تصل إلى مرحلة من القوة والنفوذ لا يمكن ردعها عن كل ما تحاول الإقدام عليه؟، وهل يمكن أن يتحول الصراع فيما بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى صراع ديني فيما لو استمر الاحتلال بإجراءاته التهويدية ؟،أم أن هذا الصراع ونتيجة ما يقدمه الفلسطينيون من تضحيات لتحقيق آمالهم في التحرر، ومن أجل أن تصبح القدس عاصمة لدولتهم، ونتيجة أيضًا ما يمكن أن تفعله القدس من قلب موازين القوة والمعادلات بالمنطقة قد يوحد العرب بعد انقسام واقتتال ولا سيما مع انتشار الإرهاب وتمدد تنظيم "داعش" مما يمثله هذا التمدد من تهديد للأمن القومي العربي؟.
أسئلة كثيرة تحتاج منا الإجابة عليها وصولاً لمعرفة آفاق مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن السؤال الأبرز والرئيس هو ما إذا كانت القدس هي حقًا مفتاح للحرب والسلام، وأن لا سلام بالمنطقة دون تحقيق ما يتمناه الشعب الفلسطيني من حيث الحق التاريخي والقانوني بإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس، حيث سنحاول معرفة ما طرحناه في ظل المعطيات الحالية، ولنبدأ من حيث انعكاسات الربيع العربي وإفرازاته.
إجراءات التصعيد في ظل ما يسمى ربيع العرب
علينا الإقرار أولا بأن دولة الاحتلال لا تخشى من العرب أحدًا عند القيام بإجراءاتها التهويدية، وإن كانت تخشى إثارة الوازع الديني الذي يمكن من خلاله إدخال المنطقة في متاهات لا تريد أميركا الدخول فيها, ولا حتى محاولة الغوص في تعقيداتها بحثًا عن حلول لها وتوصيات، ولذلك فإن قادة الحركة الصهيونية ومنذ ظهورهم السياسي كانوا يعملون على الإضعاف والتفكيك وفقًا لما جاء في بروتوكولاتهم, من حيث تفكيك دول وإعادة تركيبها وبما يتوافق ذلك مع مصلحة إسرائيل وحمايتها ومنع أي اعتداء عليها، فمع انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية وتيقظ الشعور الثوري العربي نتيجة المخططات الاستعمارية التي اكتشفتها الجماهير العربية في وقت متأخر كان لا بد من إيقاف هذا المد وانحساره ,فجاءت موجة الانقلابات بحجة القضاء على الدكتاتوريات أو الفساد حينًا ، وبحجة القضاء على الدعم النازي لبعض الكيانات حينًا آخر.
ومع إعادة الشعور الوطني وبداية انحسار الأنظمة الاستعمارية في ظل النفوذ الفدائي الفلسطيني وتصاعد العمليات ضد الاحتلال جاء الانقلاب في سوريا سريعًا على الحكومة التي أعطت الأوامر من أجل حماية المد الثوري، حيث استطاع حافظ الأسد في حينه الاستيلاء على مقاليد الحكم من أجل المساهمة في حماية الركيزة الاستعمارية في شرقي الأردن، وذلك بان أوقف الإمدادات التي أرسلها الرئيس الاتاسي من أجل حماية الثورة الفلسطينية هناك.
وفي ظل الانفراد الأمريكي في المنطقة والاتجاه نحو إعادة صياغة التوازن الدولي بطريقة شاملة وفقًا لرؤية تخدم مصالحها الجديدة ,فإنه كان لا بد من الاتجاه نحو صياغة نظام عربي يخدم نظام الشرق الأوسط البديل عن النظام العربي الحالي, ,ولذلك كان لا بد من الإعداد للثورات على تلك الأنظمة التي حمتها لعقود من أجل إعادة فك وتركيب الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة من حيث زوال دول أو تقليصها جغرافيًا، وإقامة دول أخرى جديدة على أقاليم تم استقطاعها من هذا الكيان أو ذاك تحت مسميات حقوق الأقليات كمقدمة لهذا التغيير وإعادة بناء المنطقة يقوم أساسه على الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات سياسية واستراتيجية معها، والعمل أيضًا على إنهاء الجامعة العربية كمنظمة إقليمية ذات طابع قومي وصولاً لتسوية القضية الفلسطينية سياسيًا، وبما يتوافق مع الرؤى الإسرائيلية والأمريكية، وبما يحقق أيضًا أمن إسرائيل المطلق وهيمنتها الإقليمية.
لقد وجدت دولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل الدعوات لحل القضية الفلسطينية، وفي ظل ما تشهده الدول العربية من رياح التغيير وإشغال الشعوب أيضًا بهموم داخلية وقضايا هامشية بأن الفرصة مواتية لفرض الأمر الواقع بالقدس، إلا أن الشعب الفلسطيني قد أوقف ذلك بصدوره العارية مما أثار خوف الآخرين بإفلات زمام الأمور وتطور الصراع إلى صراع ديني يخشاه الجميع في ظل تنامي مصالح الاستعمار وتصاعد نفوذهم دون خسارة في صفوفهم أو تحرك لأساطيلهم، فهل يمكن أن يتحول هذا الصراع إلى صراع ديني فيما لو استمر الاحتلال بإجراءاته؟
القدس ما بين صراع الحدود والصراع الديني
منذ أن دخل الفيلق الصهيوني إلى فلسطين جنبًا إلى جنب مع جيش الاحتلال البريطاني عام1917 م، فإن الحركة الصهيونية بدأت بإرساء مؤسسات الدولة التي وعدهم بلفور بإعلانها، بل وبدأت تعمل جاهدة أيضًا من أجل اكتساب شرعية الوجود التاريخي، مع عمل كل ما هو متاح لخلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها كالاستيطان ومحاولة إثبات وجود هيكلهم المزعوم.
إن تلك الوقائع وعمليات البحث التي قامت بها الحركة الصهيونية وما زالت تقوم بها حكومات إسرائيل المتعاقبة لا تشكل فقط بالنسبة اليهم تأكيدًا لشرعية الاستيطان، بل هي محاولة لإنهاء شرعيّة الوجود الفلسطيني أيضًا، ولذلك بدأت إسرائيل بالعمل نحو انتزاع الاعتراف بيهودية الدولة وهي ليست مسألة دينية، بل هي لمواجهة الخطر الديمغرافي، الذي يقوض شرعية إسرائيل وادعاءها التاريخي بأن فلسطين أرضًا بلا شعب، وهذا ما يؤكد أن الصراع مع الاحتلال وفقًا لأعمالهم بأنه صراع وجود لا صراع حدود, وهو صراع ديني أيضًا لا دنيوي، وإن كانت دولة الاحتلال تتخوف من إعلانه بشكل فعلي، وذلك منذ بدء الهبات والانتفاضات التي تم إعلانها للدفاع عن الأقصى بداية بهبة "البراق" عام 1929 م، ومرورًا بهبة " النفق" 1996م، وكذلك انتفاضة الأقصى عام 2000م
جاءت تلك الهبَات احتجاجًا على الإجراءات التهويدية للمسجد الأقصى، ولذلك سرعان ما كانت تتوقف تلك الإجراءات لحصر تلك الهبَات وإخفات أصواتها كلما لامست مشاعر المسلمين وبدأت صحوة الأمة الإسلامية بالتململ بفعل ما يحيط بأقدس مقدساتهم من أخطار التهويد وتغيير المعالم ,ولذلك اعتقد الإسرائيليون بأن الرد على العملية العسكرية التي قام بها أفراد من عائلة الجبارين داخل ساحات الأقصى مؤخرًا قد تشكل لهم فرصة لتحقيق ما سعوا إلى إتمامه من إجراءاتهم التهويدية في ظل انشغال العرببالمواجهة والصدام فيما بينهم بحثًا عن هويتهم ووجودهم .
لا يستطيع أحد أن ينكر على الفلسطينيين إنجازًا حققوه بدمائهم وتضحيات أبنائهم، حيث استطاع المقدسيون وكل من استطاع الوصول ليكون معهم جنبًا إلى جنب من منع الاحتلال الاستفادة من العملية العسكرية في باحات الأقصى، وتوظيفها في الإقدام على خطوة ذات طابع أمني، تهدف إلى تحقيق مكسب سياسي تمامًا كما فعلوا من خطوات لفرض التقسيم الزماني والمكاني للحرم الإبراهيمي، إلا أن على الفلسطينيين فعل الكثير وذلك من أجل درء الأخطار المحدقة بهم وبالقدس التي لا تتوقف دولة الاحتلال عن العمليات التهويدية فيها.
الفلسطينيون ما بين امتداد الغضب وانحساره
لقد اثبتت الفعاليات الشعبية وجودها في إعلان الغضب الفلسطيني نصرة للقدس والأقصى، بما يشمله من نفير ومواصلة الاعتصام قبالة بوابات الأقصى، إلى جانب مسيرات عمت أرجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن هل ذلك هو المطلوب فقط؟
من المؤسف القول إن هبة القدس قد كشفت غياب الإرادة السياسية وانعدام التوحد أو التوافق على استراتيجية وطنية، تلك الإرادة التي حاولت السلطة الفلسطينية تثبيتها من خلال تذليل العقبات وتجاوز الانقسامات، وتوفر كل ما هو ضروري، لكي تتطور المواجهة من مجرد رفض البوابات الالكترونية إلى مستوى الأهداف الوطنية، حيث أطلق الرئيس الفلسطيني نداء القدس من أجل تصليب الجبهة الداخلية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تصدر عن إجماع الكل الوطني تعمل على تجسيد حقوق الشعب الفلسطيني وحماية إنجازاته وصولاً لتحقيق أمانيه في التحرر والاستقلال، وذلك ردًا على الصمت الأمريكي وإجراءات الاحتلال في تغيير معالم القدس, إلا أن حركة حماس رفضت التجاوب, بل وردت على نداء القدس بنداء مضاد قصد إفشال ما كان الرئيس قد دعا إلى تطبيقه.
تعاملت حماس مع ما يجري في القدس بما لا يتجاوز موقف الإدانة، لتثبيت أركان حكمها ومنع الانزلاق نحو الصدام مع إسرائيل، وذلك من خلال ضبط الحدود، بل وملاحقة كل ما يمكن أن يعكر صفو الهدوء التي تنعم به مستوطنات غلاف غزة ، وكأن ما يجري في الأقصى لا يعنيها، وأن السلطة الفلسطينية هي المتهمة بعدم حماية القدس والمقصرة بحقوق من فيها من المقدسيين، حيث أفشلت حركة حماس كل دعوات الدفع بها نحو الرد على جيش الاحتلال واقتصر ظهور قياداتها على إفراغ مطالبات الجماهير الغاضبة من محتواها من خلال إشرافهم المباشر على مسيرات الغضب في غزة، بل واستغلالها من أجل الهجوم على الرئيس الفلسطيني وإفشال ندائه الذي جاء من أجل الوحدة وتصليب الجبهة الداخلية.
إن موافقة حركة حماس على ما أطلقه الرئيس الفلسطيني من نداء لها سيؤدي حتمًا( إن خلصت النوايا) إلى التوافق على برنامج واستراتيجية وطنية تجعل من الفلسطينيين في حالة اصطفاف لا حالة تنافر ، مما يؤدي ذلك إلى إعاقة ما تتطلع إسرائيل إلى تحقيقه، وإذا ما أصرت حركة حماس على رفض ذلك النداء فإن ذلك سيؤدي إلى مواصلة إسرائيل إجراءاتها بشكل متصل ومتلاحق ودون توقف إلى أن يتم تحقيق أهدافها في تقسيم القدس مكانيًا وزمانيًا، ولذلك فإن على حماس أن تعلم أيضًا أن استمرار سيطرتها على غزة هي معول هدم لا بناء، ليس على مستوى القضية الفلسطينية، بل وحتى على مستوى العرب رسميًا وجماهيريًا ، لأن تلك الحالة قد تجعل العرب في حالة تحلل من التزاماتهم المالية والسياسية نحو القضية الفلسطينية، بل ستؤدي أيضًا إلى حالة من الصمت وعدم اتخاذ أية مواقف حاسمة لأنهم بطبيعة الحال ونتيجة للموقف الفلسطيني المترهل، وبذلك يتلاشى أي أمل نحو التفكير في اتخاد مواقف ولو بالحد الأدنى من عملية الحفاظ على هوية القدس والإبقاء على معالمها كونها العاصمة للدولة الفلسطينية المرتقبة وفقًا لما جاء في مبادرتهم للسلام مع إسرائيل، فهل ينجح الفلسطينيون بجذب العرب نحو الوحدة من أجل القدس ؟,أم أنهم في اتجاه تكريس التجزئة والتفتت بفعل الإذعان لسياسة المحاور والأحلاف ؟وهل سيساهم هذا الانقسام والتشرذم في انتشار وتوسع تنظيم "داعش" ؟, وما هي انعكاسات هذا الانتشار على الأمن الإقليمي العربي؟.
هبة الأقصى ما بين الانقسام العربي وتمدد داعش
القدس هي مدينة السلام، وهي مدينة للديانات الإسلامية والمسيحية، ولذلك ومنذ إعلان دولة إسرائيل، فإن حكوماتها المتعاقبة كانت وما زالت تعمل على توحيد القدس كعاصمة للدولة اليهودية، حيث تحاول إسرائيل ومنذ عام 1929م، إثبات أن حائط البراق هو بقايا هيكل سليمان المزعوم، ولذلك نراهم في الآونة الأخيرة يشترطون على العرب عامة، والفلسطينيين بشكل خاص بضرورة الاعتراف بيهودية هذه الدولة كشرط للسلام معهم.
لم تتوقف إجراءات الاحتلال نحو تجسيد واقع يفرض وجود الحق الديني المزعوم لدولة إسرائيل في القدس، وخاصة في ظل الواقع العربي المتردي، إلا أن الفلسطينيين وأينما كانوا أعلنوا موقفهم من خلال صدورهم العارية، وهنا لا بد من البحث عن آليات لتوحيد العرب والمسلمين على قاعدة استثمار إنجازات المقدسيين والبناء عليها، مع البحث أيضًا عما تميزت به هبة المقدسيين والدروس المستفادة منها وتوظيف ذلك فلسطينيًا من أجل حشد الدعم العالمي في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية في ظل حالة الانقسام العربي، وذلك تجنبًا لأية انعكاسات على الشعب الفلسطيني، بل وعلى الدول العربية وأنظمتها الرسمية أيضًا كأن يتم الإتيان بتنظيم "داعش" ، أو الدفع بهذا التنظيم الإرهابي من أجل أن يكون طرفًا في هذه الهبة المقدسية.
على القيادة الفلسطينية ألا تألو جهدًا لإنهاء الانقسام الفلسطيني وإيجاد برامج واستراتيجيات من أجل مقاومة شعبية منظمة وموحدة ,ليس في القدس فقط، بل في مختلف المدن والقرى التي ما زالت تخضع لسيطرة الاحتلال، لأن في ذلك العمل الجماهيري والموحد وخاصة في مدينة القدس ما يؤكد قلب الطاولة على رأس الاحتلال بأقل قدر من الكلفة والتضحيات، وهذا ما سيجعل المنطقة بأكملها في مرحلة ستتغير المعادلة فيها، حيث لن تستمر الشعوب العربية في حالة الصمت التي هم فيها نتيجة ما يجري فيما بينها من صدام وصراع مع الأنظمة على الحكم حينًا، وصراع البحث عن الهوية حينًا آخر، لان القدس هي العنوان الذي سيهتدون إلى الاستظلال تحت رايتها إن حاول الصهاينة العبث بها مجددًا وهم سيعبثون بذلك حتمًا لأن خطوات تهويد الأقصى ووفقًا لاستقراء الأحداث تأتي بمراحل متصلة ومتلاحقة وبدقة متناهية.
إن انتصار المقدسيين ما كان له أن يفرض انعكاساته على إجراءات المحتل بمعزل عن وحدتهم على الأرض، وهذا ما ميز هبتهم والتي يجب أن تكون مجرد خطوة أولى نحو إحقاق الحق ,وإشارة أيضًا إلى العالم العربي والإسلامي وإلى كافة الفلسطينيين أيضًا بإمكانية الانتصار على المحتل وإحباط محاولات تحقيق أحلامه في إقامة هيكلهم المزعوم بعد عملية انهيار المسجد الأقصى وفقًا لما هو مخطط له، ولذلك فإن على دول الاعتدال الرسمي أن تلتقط فرصة ما يجري في القدس من هبة واعتبارها مدخلاً، ليس لإعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك فقط ، بل لإعادة الوحدة والوئام وإعادة ترسيخ الثقة من خلال دعم هبة القدس والإعلان بأن القدس عنوان الحرب والسلام وأن محاولات استهدافها هو استهداف للأمة العربية، بل واستهداف للعالم أجمع.
لقد آن الأوان أن يعلم الجميع بأن القضاء على القيادة الفلسطينية هو مقدمة للقضاء على المنطقة أيضًا وذلك من خلال السماح لتنظيم "داعش" بالتمدد والتوسع لتمرير مخططات الاحتلال، مما يشكل خطرًا ليس على وحدة الفلسطينيين فقط، وإنما على الأمن الإقليمي العربي وذلك لما تمارسه داعش من جرائم مادية ومعنوية وهي بذلك تتوافق مع إسرائيل في تهديد الأمن العربي حاليًا بفعل ما تقوم به من أعمال إرهابية ووحشية لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها .
إن الاتفاق على قاعدة العمل العربي المشترك من أجل حماية الحق الفلسطيني ومساندة الشعب في إقامة دولته من خلال السلطة الفلسطينية هو بحد ذاته منع لتمدد داعش وعدم السماح لهذا التنظيم من خلال عملياته الإرهابية بقلب الموازين لمصلحة إسرائيل، من حيث قيام إسرائيل بتهويد القدس بذريعة إجراءاته في محاربة إرهاب هذا التنظيم وما يشكله من خطر على إسرائيل، كما أن
حماية السلطة الفلسطينية بتوفير شبكة أمان لها وعدم القيام بمحاولات تغييرها تساوقًا مع مخططات الاحتلال هو دعم لفلسطين وللقدس وحماية للأقصى أيضًا، لأن انهيار السلطة أو الخلاص من رئيسها هو مطلب إسرائيلي، وهذا ما أكد عليه ضابط كبير في جيش الاحتلال الذي نادى بوجوب الخلاص من الرئيس محمود عباس وقد جاءت تلك الرغبة بالتوافق مع توجه في الإدارة الأميركية لفرض الحصار على السلطة لموقفها من تصعيد هبة القدس ووقف التنسيق الأمني، حيث كان هذا الضابط قد قال "إن الرئيس الفلسطيني هو من يتحمل مسؤولية استمرار اشتعال الأحداث في القدس، وأنه يستغل الأحداث، ليظهر تغييرًا في قواعد اللعبة مع إسرائيل، ولذلك فإن المستوى الأمني والمستوى السياسي الإسرائيلي سيعملون على تدفيعه ثمن ذلك، ولكن بعد انتهاء موجة التحريض ضد إسرائيل وتهدئة الوضع الميداني"".
ما هو قادم أخطر مما يتوقع البعض، فالصراع على القدس لن يتوقف ، وإجراءات تهويد الأقصى ما زالت متصلة ومتلاحقة ، ولذلك فما على الفلسطينيين إلا التوحد والعمل أيضًا على جذب العرب للوقوف معهم جنبا الى جنب ليس ميدانيا، وإنما ماليًا ودبلوماسيا يتقدم كل ذلك وقف إجراءات البعض منهم في تقويض صلاحيات رئيس السلطة لأن في تلك الإجراءات توحد مع إجراءات إسرائيل لا مواجهة لها ومساهمة عربية في تهويد القدس لا حماية لمقدساتها، وعلى الدول العربية أن تعلم بأن نجاح إسرائيل في استغلال تمدد "داعش" هو نجاح لها في تحقيق بناء هيكلها المزعوم في ساحات الأقصى وبديلاً عنه وأن ذلك لن يجعل عروش وجيوش المنطقة في حالة من الأمن والاستقرار لأن القدس هي مفتاح الحرب في المنطقة، تماما كما هي مفتاح للسلام.