array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 123

زيارة لقضية العرب على ضوء المتغيرات العربية والدولية دون توحيد الجهد الفلسطيني تظل قضيته عائمة وسط الصراع

الأربعاء، 27 أيلول/سبتمبر 2017

في نوفمبر هذا العام 2017م، يكون قد مر على القضية الفلسطينية قرن كامل منذ إعلان وعد بلفور 2 نوفمبر 1917م[1]، منذ ذلك الوقت تصاعدت ما عرف في تاريخ الأدب السياسي العربي بمسمى (القضية) وهي التي سادت على جميع الأحداث بعد ذلك التاريخ وحتى الساعة، و(القضية) وبجانبها (اكتشاف النفط وتسويقه) في المنطقة العربية، شكلا معًا السمة الرئيسية لمجمل التداعيات والتطورات في هذا العالم الممتد من المحيط إلى الخليج تقريبًا منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم. لقد ساهمت تداعيات (القضية) بشكل مباشر أو غير مباشر بالكثير من الأحداث والتطورات في هذه المنطقة، ثورات، حروب أهلية، قمع، ودكتاتوريات، وتغيير أنظمة وانقلابات، واغتيالات ،وظهور واختفاء أحزاب ،وحتى (إرهاب)، و تمت تغييرات في حدود الدول العربية، خاصة المجاورة لإسرائيل (التي أعلنت وطن قومي تنفيذًا لذلك الوعد في عام 1984م، مع عدد غير قليل من الأحداث الكبرى المتتابعة في منطقة الشرق الأوسط (العربية) و التي كانت عبارة  عن تأثير  ( ميكانزمات القضية وملابساتها )  أثرت في حياة ملايين العرب والمسلمين في هذه المنطقة، لقد أصبحت ولا زالت  هذه (القضية  الفلسطينية) هي بمثابة (قميص عثمان الحديث) للبعض، بمعنى الكلمة لا بالمجاز ، وربما تؤثر مفاعيل هذه القضية برمتها على الأجيال العربية القادمة، وحتى غير العربية التي تعيش في هذه المنطقة من العالم .

القضية

من الجانب العربي فإن الإشارة إلى (القضية) في الإعلام وفي العمل السياسي هي في الغالب تعني (القضية الفلسطينية) وفي دارسة تطوراتها يتبين لنا اليوم كم من الأخطاء الكبرى التي ارتكبت، في تقديري بسبب الجهل السياسي، ولا زالت ترتكب، بسبب ذلك العامل، الذي تتداخل فيه عوامل أخرى أيضًا. وأثرت تلك الأخطاء في المسيرة التاريخية للقضية وفي تطور الدول العربية الناشئة بعد الحرب العظمى الأولى، وخاصة قُبيل وبعد الحرب العالمية الثانية.  نلاحظ هنا حزمة اقتصادية\ اجتماعية\سياسية\ ثقافية، ساهمت في تطور مسار القضية كما سارت حتى الآن. فقد استفاد ( الصهيوني المغتصب) من علوم مختلفة تطورت في القرن التاسع عشر في أوروبا ( التي صدرت أولى الهجرات الصهيونية إلى فلسطين) ، استفادمن تلك العلوم الحديثة و منها العلوم العسكرية و النفسية قبيل وبعد إنشاء الدولة اليهودية، كي يستخدمها في قضم الأرض الفلسطينية، والتوسع و شن الحروب، على سبيل المثال عند مراجعة ( ما عرف بالإرهاب) وجذوره في منطقة الشرق الأوسط، نجد أن ( الموسوعة البريطانية) في طبعاتها الأولى تقرر في موضوع ( الإرهاب في الشرق الأوسط) إنه إرهاب  نابع من عمل (العصابات الصهيونية) التي انتعشت إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين (الانتداب) بين الحرب العالمية الأولى و حتى خروج بريطانيا عام 1948م، وكان ضحية ذلك الإرهاب عددًا من ضباط وجنود الاحتلال البريطاني في فلسطين، وأيضًا الفلسطينيون العرب السكان الأصليون في البلاد[2]، من جهة أخرى  لقد استخدمت تلك العصبات ( ثقافة) ( العار) المترسخة لدى المجتمع الفلسطيني ( المدني ،وخاصة الفلاحي) بإشاعة التخويف من عمليات  (الاغتصاب للفتيات والنساء)، فقامت بالفعل بعمليات (قتل واغتصاب) وضخمتها دعايتها، مما جعل قطاع كبير من أهل القرى الفلسطينية يهجر منازلهم  (خوفًا) من تلك الفعلة، فكان أن غادر البعض منازلهم وقراهم على أمل عودتهم لها في القريب بسبب تدخل ( القوات العسكرية  العربية) [3] المرجوة  وقت ذلك، وهكذا تعاملت العصابات الصهيونية باستخدام العلم الاجتماعي و العلم الوضعي لتوسيع سيطرتها على الأرض الفلسطينية في مجالات شتى، من العلم العسكري إلى العلم الاستخباراتي في مقابل ردود فعل عربية ( فلسطينية) في الغالب عاطفية وقاصرة عن فهم العمل السياسي، أو أهمية العلم الحديث في المقاومة ، لقد صادف ( العلم) ( الجهل) في عدد من الملفات في مسار القضية، فكان من الطبيعي أن ينتصر العلم، ودون التسلح بالعلم الحديث ( الاجتماعي والبحثي و التطبيقي) والاعتماد عليه، فان معركة ( إحقاق الحق) سوف تطول، إلا أنه لا بد من القول أن  (المقاومة) التي أبداها الشعب الفلسطيني طوال هذا الزمن، ولا زال يقدمها أبناؤه ، تعني أنه لدى هذا الشعب قوى كامنة على نخبته توظفها بالطرق الصحيحة والفعالة والعلمية !

الثورات العربية

من أهم نتائج ( الهجمة الإسرائيلية على فلسطين) أن جميع الثورات العربية التي قامت في الدول العربية ( سميتها ثورات أو انقلابات) كان شعارها الأكثر وضوحًا هو ( فلسطين) ، من الثورة المصرية عام 1952م،  إلى العراقية في الخمسينات، إلى السودانية إلى الليبية إلى اليمنية، كلها كانت أحد أهم تبريراتها  في الانقلاب على النظام القائم ( لأن النظام السابق) ساعد في خسارة فلسطين، لذلك يجب تغييره، في مصر على سبيل المثال ، كان هناك ما عرف (بفضيحة الأسلحة الفاسدة ) حيث تصاعدت احتجاجات من المحاربين على الجبهة المصرية\ الفلسطينية، أنهم زودوا من النظام ( الملكي) بأسلحة فاسدة ،وفي العراق كان الاتهام المعلن هو أن النظام السابق ( تقاعس أو تآمر) على فلسطين! أما في سوريا فقد كان موضوع فلسطين هو ما دار حوله الصراع بين الجماعات المتنافسة للوصول والاحتفاظ بالحكم في دمشق، أما في ليبيا فقد كانت (القضية الفلسطينية) هي خبز وزبد نظام السيد معمر القذافي الطويل!  باسم فلسطين والاستعداد لاسترجاعها، اختفت في عدد من الدول العربية الحريات العامة وتلاشت خطط التنمية، وانتهكت حقوق الإنسان، وعظم بناء السجون، وتفننت الأنظمة في التعذيب لقطاعات كبيرة من الشعوب وتهميش النخب، في مقابل قصف غير منقطع على الدول التي لم تكن في هذا الوارد (وارد القمع) وسميت بالمحافظة أو الرجعية، مما شق الصف العربي، وأضعف مقاومته للمتغيرات، وخاصة (التوسع الإسرائيلي) في الجوار. لقد اعتقدت النخب العربية أو كثير منها أن (الثورات العربية) سوف تُعد العدة لتخليص فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وتسامحت مع الاختلال الداخلي العميق، الإنساني والاقتصادي والثقافي، في سبيل يوم (التحرير) الموعود، حتى جاء عام 1967م، (أي منذ خمسين عامًا) تقريبًا لتقتنع النخبة العربية أو بعض مستنيريها على الأقل، أن ما ظنته (أسدًا) لم يكن أكثر من (نعجة)! وأن الشعوب المغلوبة داخليًا لا يمكن أن تنتصر خارجيًا! وأن من يعتمد على الجهل غير من يعتمد على العلم، بعد ذلك العام 1967م، دخلت (القضية) مرحلة أخرى شبيهة بما تم في السابق، ولكن بأيدولوجيات أخرى، تشابه فيها المخبر واختلف المظهر.

 

الحرب ضد المغتصب في أراضٍ أخرى!

بعد هزيمة 1967م، التي أحدث زلزالاً في المنطقة، و لدى الشعوب العربية، و خففت  إعلاميًا باستخدام مفهوم غامض ومضلل وهو ( النكسة) بعد أن  سميت الخسارة الأولى (1948م) أيضًا بمفهوم غامض  (النكبة)، توجه كثير من النشطاء إلى البحث عن ساحات أخرى و أيدولوجيات تبحث عن مخرج ، فكان نمو وتصاعد ما عرف لا حقًا ب ( الإسلام السياسي) على اختلاف قوس القزح الذي اشتمل عليه ( إخوان، سلف، سلف جهادي، ولاية الفقيه) وغيرها من الجماعات النشطة، في صلب شعرات  الكثير منها كانت فلسطين أو  ( القضية الفلسطينية ) من جديد، لقد كان ( الإخوان في مصر وخارجها) ينظرون إلى تجربة عبد الناصر، على أنها حكم  ( قامع لهم ومعادٍ للإسلام)[4] لذلك عوقب نظامه وما يدعو إليه بـ ( الهزيمة)، وأن الخروج من ذلك المأزق بالعودة إلى ( الإسلام وحمل راية الجهاد) وتضافر عدد من الأحداث من أجل إنعاش مثل ذلك التصور ، خاصة بعد احتلال الاتحاد السوفيتي وقتها أفغانستان المسلمة عام 1979م، وانطلاق مقاومة ضد ذلك الاحتلال، معظم حاملي إعلامها المختلفين كان شعارهم هو الإسلام، ووجد عدد من العرب والفلسطينيون أن العودة إلى فلسطين هي من خلال تحرير كابل![5] وآخرون من خلال تحرير القاهرة أو أية عاصمة عربية، هو الطريق إلى فلسطين!

وهكذا أصبحت القضية من خلال بعض ضحاياها ( الفلسطينيون)  يحملون شعار الإسلام السياسي، كمدخل لحل القضية، فكان عبد الرحمن عزام و الزرقاوي وسلسلة طويلة من الذين قادوا ( الجهاد) في أراض بعيدة يرون أن ذلك هو الطريق الصحيح لعودة فلسطين، دخل على الخط آخرون، منهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فاستغلت ذلك الشعار ( القريب إلى القلب العربي) تحرير فلسطين، لتنشئ مشروعًا من الجيوب التابعة لها ( مثل حزب الله في لبنان) و تقديم مساعدات لفصيل من الفلسطينيين ( حماس) من أجل كسب عواطف بعض العرب ، ومن ثم التحكم في مقدرات المنطقة. وقد انطلى ذلك الأمر على كثيرين، وربما بعضهم إلى اليوم، أما البعض الآخر، فقد اكتشف أن (حزب الله وأمثاله) ليس أكثر من (مخلب قط) للطموحات الإيرانية وولاية الفقيه لا غير.

العودة إلى القضية من جديدمن زاوية الحريات

ما أن يحدث حدث في فلسطين إلا وتظهر القضية من جديد، وقد حدث ذلك موخرًا في الصراع الذي انفجر حول ( الصلاة في الحرم القدسي)  ( يوليو 2017م) إلا أن القضية هي مشعلة الساحة السياسية العربية، تزداد توهجًا عند اندلاع أزمة ثم تختفي، إلا أن كثيرين يرون أن أصل الشرور في الشرق الأوسط في المائة سنة الأخيرة هو ( اغتصاب فلسطين)[6]  القضية الأم التي كنا نتحدث عنها في السابق كقضية مركزية، إنها قضية تختفي من شاشة الرادار السياسي العربي، لتعود تظهر  من جديد بصور مختلفة، إما بقوة أو من خلف الستار، و لكنها موجودة هناك في خلفية أي صورة سياسية في شرقنا المبتلى . منذ (معاهدة   سياكس بيكو) التي حلت ذكراها المئوية منذ سنة أي عام (1916م)، والتي كانت ثلاثية، أسقط منها التاريخ الجزء الخاص بالطرف الروسي، مرورًا بوعد بلفور، وحتى خطب المسؤولين العرب المعاصرين، كخطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في افتتاح محطة كهرباء غرب أسيوط (مايو 2016م). حيث عرج على الموضوع الفلسطيني، وقدم أفكارًا حول إمكانية الدفع بهذا الملف إلى شيء من الحوار الدولي الجاد، على خلفية المبادرة الفرنسية التي أرجئت وقت ذاك إلى وقت آخر، ثم نسيت[7]. حديث رئيس الجمهورية المصرية عن فلسطين، بعد كل ما حدث في الشرق الأوسط من تغيرات ضخمة، له دلالة يجب التوقف عندها، وهي أنها صلب التوتر الهائل الذي أصاب منطقتنا وارتداداتها، ولكن التوجه إليها يجب أن يكون من منظور آخر، هو الحريات، والتطور الأخير ذو مداخل أربعة على الأقل.

المدخل الأول أن كثيرين ممن كتبوا عن ( الربيع العربي) أشاروا إلى ظاهرة ملفتة  في نظرهم، وهي أن كل الشعارات التي ظهرت في الميادين من مصر إلى تونس إلى ليبيا إلى  سوريا إلى اليمن، لم تأت من قريب أو بعيد لذكر (القضية الأم) كان ذلك القفز على القضية في شعارات الناس، مدخل إلى أن يصل المعلقون غربًا وشرقًا  إلى نتيجة بأن ( القضية الفلسطينية) لم تعد هي مركز اهتمام المواطن العربي  العادي ، أصبح مركز اهتمامه الحصول على لقمة العيش و الحرية ، التي حرم منها بسبب (ذريعة فلسطين)  كل تلك التحليلات كانت بعيدة عن الواقع، حتى  وإن لم تظهر كلمة فلسطين في الشعارات الميدانية، كانت في خلفية الصورة هي الحاكمة، كانت الدافع و المحرك ،ولكن لم يلاحظها أحد، فقد كانت المطالبة بالحرية، على أنها أحد أهم الأسلحة لمحاربة إسرائيل  فالمجتمع غير الحر لا يستطيع أن ينال حقوقه الوطنية أو القومية .

المدخل الثاني إن كل الانقلابات في بلاد العرب منذ الحرب العالمية الثانية، بدأت من مصر إلى سوريا إلى ليبيا  إلى السودان  إلى اليمن، كما أسلفنا، و كل من ركب الدبابة العسكرية، و ذهب إلى مقر الحكومة للقفز إلى السلطة من العرب، كان شعاره ( تحرير فلسطين) لقد بدأ تاريخ العرب مع الثورات العسكرية بفلسطين، وانتهى بدونها، كما ظن البعض، كانت المراهنة الاعتقاد  أن هؤلاء العسكر الذين قادوا الثورات ،سوف يقومون بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ، قبل أن يرتد للمواطن العربي طرفة!، بل إن شخصية من تلك الشخصيات الملتبسة ، وكان رئيس جمهورية سوريا في وقت ما السيد  أمين الحافظ، أعلن في مبنى الجامعة العربية، أن يعُطى فقط ( أسبوعين)[8] لتحرير فلسطين!! وأدخل الشعب العربي في كل تلك البلاد (الثورية) في قفص شبكات المباحث والسجون المظلمة و (المقاومة أخيرًا) من أجل تحرير فلسطين، فحرم من الحرية، وحرم من الخبز معًا، تحت ذريعة ذلك الشعار الذي سُوق للعامة معجونًا بالتسلط والقمع، إنه الطريق إلى فلسطين! فأصبحت (فلسطين) تحت تلك الأنظمة (نقمة) على الشعوب، لذلك كان مطلب الحرية الذي نادى به (أهل الربيع العربي) هو الجسر إلى التحرير.

المدخل الثالث : اكتشفت القوى الإقليمية مركزية فلسطين في ضمير المواطن  العربي ،فاستخدمتها بالكثير من الانتهازية و المزايدة السياسية،  فقامت تركيا باستدرار  عطف العرب المتمسكين بقضيتهم الأم ،فاستخدمت هذه البطاقة في القول وفي الفعل ، القول انسحاب السيد طيب اردوغان ( كرئيس وزراء تركيا)  من مناظرة في  ندوة دافوس مع شيمون بيرز، في فبراير 2009م، الذي حققت له شعبية لدى العرب، إلى درجة أن معظم أسماء المواليد في غزة بعد ذلك الشهر سُمو باسمه ، ومن ثم إرساله إلى شواطئ غزة  مساعدات في  سفينة ( مرمرة)  وفيها من المتطوعين  المتحمسين في مايو 2010م،  والتي صدتها إسرائيل  بجلافة، ثم دخلت الإدارة التركية  بعد ذلك في جفاء مع إسرائيل التي  كانت  تقريبًا متحالفة  معها ولفترة طويلة إلى درجة التعاون العسكري! إلا أن المصالح غلبت المواقف، فعاد ما اختلف عليه في العلن إلى الوفاق في السر، ثم ظهر إلى العلن! 

أما المدخل الرابع فأخذته إيران صاحبة ولاية الفقيه، فباسم فلسطين أنشأت إيران مليشيات لها في كل من لبنان واليمن، ظاهرها (الحرب على إسرائيل) ورفعت شعارات (الموت لإسرائيل وأمريكا) في الضاحية الجنوبية في بيروت، وفي ساحة السبعين في صنعاء كما في ساحات طهران! في الوقت الذي تتعامل إيران الرسمية مع إسرائيل في أكثر من مجال سابقًا ولاحقًا، وما ظهر أخيرًا من استئجار إيراني لوقت على القمر الصناعي الإسرائيلي (اموس) للبث التلفزيوني للعرب!  والذي كُشف النقاب عنه من مصادر روسية، هو أخر دليل على استخدام اسم فلسطين في العلن، للتغرير بالعامة والبسطاء، والظهور بمظهر يجذب بعض العرب للحلقة الإيرانية، في نفس الوقت التعامل من خلف الستار مع المحرم علنًا!

معظم الشرور التي ابتلي بها المواطن العربي والوطن العربي كانت بسبب الاستخدام الانتهازي والمبرمج للقضية الفلسطينية، وقد نتج عن ذلك أيضًا موجات من الإرهاب تحت غطاء اسم فلسطين، لتفريغ المظلومية في السياسية بشكل عبثي، صبري البناء (أبو نضال) والذي قتل من الفلسطينيين والعرب أكثر من أي عدو آخر، عبد الله عزام وأحمد الخلايلة (الزرقاوي)، حتى مجموعات (المقاومة في الضاحية الجنوبية) والتي هي لا أكثر من عصابات مسلحة تؤجر، كلها نتائج مباشرة أو غير مباشرة لاختطاف القضية الأم! .

أن يعود الرئيس المصري، على الرغم من كل ما تواجه مصر اليوم من تحديات سياسية وتنموية، إلى أصل المشكلة يعنى أن هناك اعتراف بأن أصل الشرور بما فيها الإرهاب المنتشر يعود إلى تلك القضية الأم، التي عانى شعبها من ظلم بيًن واضطهاد مستمر على طوال أكثر من سبعة عقود حتى اليوم. كما أن الوجه الانتهازي في استخدام تلك القضية أصبح واضح للجميع ومفضوحًا، وحل توقيت تعريته، سواء من أنظمة ركبت الموجة لاضطهاد شعوبها وحرمانهم من الحرية ووضعهم جميعًا في سجون مفتوحة، أو المزايدة من دول إقليمية تريد أن تمرر طموحاتها التوسعية تحت مظلة الخيمة الفلسطينية.

 

العلة الداخلية

أكبر الأخطاء المرتكبة في مسيرة القضية هي التي، مع الأسف، ارتكبت من أبناء القضية، فالتشرذم الذي أصاب الحركات السياسية الفلسطينية، جعل من المناسب للقوى الدولية المناصرة لإسرائيل وأيضًا للدولة الإسرائيلية أن تستفيد من هذا التشرذم، ولم يستطع أحد بعد، من العرب أو من غيرهم، إقناع القوى الفلسطينية أن خلافهم الحاد فيما بينهم، هو خلاف على (طريدة لم تصطاد بعد)!  وأن المتغيرات العالمية على الساحة الدولية تضع (القضية) بشكلها الحالي و بالانقسام بين أهلها في زاوية حرجة، فيواجه الفلسطيني اليوم خلافًا حادًا بين (السلطة الفلسطينية و فتح) وبين (حماس) في بعض من أوقاته يكون التناقض بينهم أكبر وأوسع حتى من التناقض بين أحدهم وإسرائيل (هكذا يبدو للمراقب) ! فليس هناك مبرر عقلي أو سياسي أو ثقافي أو مصلحي يسوق هذا الخلاف، إلا إذا حسبنا (الخلاف على الكراسي والامتيازات وصراع الشخصيات) وهو علة ثقافية عربية مع الأسف، في الوقت الذي يعاني الفلسطيني المواطن من صلف الاحتلال وتبعاته الكارثية، نرى أن القيادات في واد آخر تمامًا، وغير معنية إلا بالشعارات، وكل ما مر يوم بدا أن هذا الشقاق يكبر، وتتدخل في مساره قوى إقليمية ودولية من أجل توسعة الشقة، وإبعاد الوفاق. وقد قامت دول عربية عديدة بمحاولات مضنية لجلب الفريقين إلى مكان من التوافق، كما فعلت المملكلة العربية السعودية، إلى درجة قيام الفريقين بحلف أغلظ الأيمان أمام الكعبة المشرفة[9]، في 8 فبراير 2007 م، ومع ذلك فشلت تلك الجهود، كما فشلت غيرها ، ودون توحيد الجهد الفلسطيني، سوف تظل القضية عائمة في وسط صراع ثقيل ، وسوف يبقى الشعب الفلسطيني،مع الأسف الشديد، يعاني أكثر أنواع الاضطهاد في القرن الواحد والعشرين، ويؤسف المطلع أن يقول أن قرنًا جديدًا من الآلام أمام شعب عربي  هو الشعب الفلسطيني ، جزئيًا بسبب الجهل العميق في فهم الظروف الدولية والنضالية المتسارعة حولنا، من قبل  قيادات الجماعات الفلسطينية، و جهل لتاريخ حركات التحرير الوطني في العالم، فلم تستطع أي حركة تحرير وطني في العالم الحديث الحصول على نتائحج إيجابية، وهي تدخل  في الصراع  مع مناوئيها برأسين !! وسوف تبقى ردات الفعل اللحظية على هذا أو ذاك من أعمال الإسرائيليين في الأرض وعلى البشر، تظهر ثم تختفي كما حدث مؤخرًا في أزمة (الصلاة في المسجد الأقصى)!  إن عدم قراءة المتغيرات الدولية الحادثة سوف يؤخر النضال الفلسطيني، وما الاستجابة (على حياء)[10]لمتطلبات العصر، إلا دليل على أن الخطوات المهمة المطلوبة تتخذ من قبل بعض القوى الفلسطينية في الساعة الخامسة والعشرين

 

[1] وعد بلفور أو رسالة بلفور  هو الاسم الشائع  المطلق على الرسالة ( الوعد) التي ارسلها ارثر جميس بفلور Balfour   إلى اللورد  ليونيل وولتر  دي روتشلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي  لليهود في فلسطين !

[2] الكثير من أعضاء تلك العصابات الإسرائيلية ، خدم بعد ذلك في مؤسسات الدولة في مراكز رفيعة .

[3] هناك عدد من الكتب ناقشت هذا الموضوع من أهمها كتاب أصدرته ال بي بي سي تحت عنوان the dirty years’ war: Israel and the Arabs ( BBC books) Ahron Bregman and Jihan El-Tahir

[4] في عهد عبد الناصر ، رغم انه كان معادي للحركة الاسلامية السياسية، الا انه بنى اكبر عدد من المساحد في مصر ، كما منع تجديد الكنائس !

[5] شعار العودة إلى فلسطين من طرق مختلفة ( بيعت على العامة) أكثر من مرة ، تارة من بيروت وأخرى من كابل و ثالثة من بسمان ( قصر الحكم في عمان\ الأردن) و تارة من دسمان( مقر السكن للحكم الكويني)!

[6] محمد الرميحي ( جريدة الشرق الأوسط) 21 مايو 2016

[7] تحمس رئيس الجمهورية الفرنسية السابق  هولند في أخر شهور حكمه  ودعا لمؤتمر دولي يعقد في باريس لبحث القضية ، إلا أن مقاومة إسرائيل للفكرة وأدتها

[8] كان الحديث  في ذلك الاجتماع العربي وقتها عن ( تحويل مياه نهر الأردن) !

[9] ما عرف باتفاق مكة  وكان راعية المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز ، وسمى في الصخف وقتها ( وأد الفتنة)  وكان بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتات ! انظر جريدة الرياض 9 فبراير 2007

[10] كمثل اعلان خماس  مؤخرا برنامجها الذي تقبل فيه بعص ما قبلت فتح قبل ربع قرن 

مجلة آراء حول الخليج