array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

الاستفتاء كشف هشاشة الفيدرالية وأكد على ضرورة التعددية وتجاوز المذهبية

الإثنين، 23 تشرين1/أكتوير 2017

لم يكن إجراء الرئيس مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق استفتاء حول استقلال الإقليم يوم 25 سبتمبر الماضي هو الأول، فقد سبق له أن أعلن عن الترتيب لإجراء مثل هذا الاستفتاء عده مرات، كان أخرها عام 2014م، ولكن لأسباب مختلفة لم تجري، وجاء الاستفتاء الأخير ليطرح من جديد القضية الكردية في العراق، والعلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد، ورئاسة الإقليم في أربيل، وكذلك قضية المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، وهي المناطق التي يطالب الكرد بضمها للإقليم.

الدوافع الكردية لإجراء الاستفتاء:

طرح إجراء الاستفتاء تساؤلاً حول توقيت إجرائه وما هي أهدافه؟، إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب النظر في العلاقة بين بغداد وأربيل منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، وإسقاط النظام العراقي السابق وصيغة التحالف، خاصة الشيعي الكردي، الذي ساهم في ذلك ونجح في صياغة وثائق النظام السياسي الجديد، خاصة الدستور العراقي الدائم والذي أقر فيدرالية الدولة العراقية.

نجح الكرد في تضمين الدستور العراقي ما يخدم مصالحهم كقومية وأقرت لهم الأطراف السياسية العراقية ذلك. ورغم ذلك ظلت العلاقة بين بغداد وأربيل مرتبكة طوال السنوات الماضية، خاصة وأن القيادات الكردية تريد استثمار ما أقرته لها تلك المواثيق في تثبيت مصالحها والانطلاق لتحقيق مزيد من المكاسب وصولاً إلى الدولة الكردية المستقلة، وبغداد تناور وتساوم دون حسم لقضايا الخلاف التي من أهمها تطبيق المادة 58 والمادة 140 من الدستور العراقي وكلتاهما تتعلقان بالمناطق المتنازع عليها، خاصة محافظة كركوك البترولية، ومناطق في محافظات نينوى وصلاح الدين وغيرها وتتضمن إجراء تعدادًا سكانيًا ثم استفتاء لسكانها إما بالانضمام إلى إقليم كردستان أو البقاء خارجه، ولم تُفعل المادتان وتم تأجيل ذلك منذ عام 2007م، حتى الآن وهو الأمر الذى يستند إليه الأكراد في عدم تنفيذ الحكومة العراقية التزاماتها الدستورية تجاههم، وفى الحقيقة فإن الموقف الكردي على هذا المستوى والذى بدا مهادنًا إلى حد كبير ترافق مع إجراءات لتثبيت النفوذ داخل تلك المناطق وإعادة تسكين آلاف العائلات وهو ما غير من الواقع الديموغرافي حسب وجهة نظر بعض المراقبين في تلك المناطق.

الأبعاد الداخلية كمحفز للاستفتاء:

ارتبط توقيت إعلان الاستفتاء بوجود استياء شعبي كبير لدى سكان الإقليم من تعامل الحكومة المركزية معهم وصعوبة الحياة الاقتصادية المترتبة على ذلك والامتناع عن سداد مرتبات المتقاعدين خاصة قوات البشمرجة العسكرية، وزاد من ذلك التقييم الكردي لأداء حكومة السيد المالكي رئيس الوزراء السابق والذي أفرز مناخًا مذهبيًا غير مسبوق في العراق وأثر سلبيًا على صيغة التحالف الشيعي الكردي. ورغم إجراء بعض الحوارات بين مسؤولين أكراد ومسؤولين في الحكومة العراقية بعد رحيل المالكي، إلا أن سقف هذا الحوار ظل محكومًا بنوع من الاحتقان والتوتر دون تقديم بدائل قابلة للنقاش، وقد ارتبط الاستفتاء في جانب منه بعوامل داخلية في إقليم كردستان أدركتها الحكومة المركزية في بغداد وراهنت عليها لإجهاض هذا الاستفتاء ومن أهم هذه العوامل، رفض قوى وأحزاب كردية مؤثرة لتوقيت الاستفتاء ومطالبتها بحل الأزمة السياسية في الإقليم كأولوية وتفعيل المؤسسات الدستورية والحد من ديكتاتورية رئيس الإقليم المنتهية ولايته، كما أدركت الحكومة في بغداد أن إعلان السيد برزاني ارتبط في جانب منه بالمزايدة على أكراد سوريا (المرتبطين بعبد الله أوجلان) والذين حققوا مكاسب عسكرية وسياسية بمساندة أمريكية تؤثر سلبًا على طموحه للزعامة الكردية ويسحبون من رصيده، كما تُدرك كذلك أن الواقع والبيئة الإقليمية ليست مواتية لانفصال الإقليم حاليًا.

الواضح إذن أن هناك أسباب داخلية وأزمة كبيرة في إقليم كردستان دفعت السيد مسعود برزاني لتبني هذا الاستفتاء للقفز على هذه الأزمة وتحقيق مكاسب تستعيد له ولحزبه نفوذًا على حساب القوى السياسية الأخرى.

مستقبل الأزمة الكردية:

ومن الواضح أن الأزمة الكردية بأبعادها الحالية تشير إلى عدد من الحقائق التي يتعين الانتباه لها ومن أهمها:

إن حلم إقامة الدولة الكردية المستقلة سوف يبقى قائمًا وقد عبر عن ذلك بوضوح السيد/ جلال طالباني رحمه الله في لقاء شرفت به معه عام 2004م، حيث قال إن الظروف الإقليمية والدولية لن تسمح لنا بإقامة الدولة الكردية المستقلة حاليًا ونحن ندرك ذلك ونخشى من تجربة سابقة يمكن أن تجهض هذا الحلم لكن سوف نسعى لتوفير البنية الأساسية لهذه الدولة وعلى الأجيال القادمة استثمار ذلك لإقامة هذه الدولة.

أن هناك مواد في الدستور العراقي سوف تكون مجالاً للنزاع خاصة المادة 140 الخاصة بالمناطق المتنازع عليها وسوف تكون مجالاً للتجاذب خلال الفترة المقبلة. وبصفة عامة يمكن القول أن الطرف الكردي والسيد/ مسعود برزاني بالتحديد قد استهدف من مبادرته بإعلان الاستفتاء محاولة الالتفاف على الأزمة الداخلية في الإقليم، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب من الحكومة المركزية. ولا شك أن هناك مؤشرات كبيرة على عدم المبادرة باتخاذ خطوات مقبلة للانفصال تحقيقاً لنتائج هذا الاستفتاء لتخفيف حدة الاحتقان مع الحكومة المركزية.

أ شك أن تشدد الحكومة المركزية في بغداد واتخاذها خطوات عقابية مقبلة والتهديد بإجراءات أكثر فاعلية تكفل محاصرة الإقليم، قد دفعت القيادة الكردية للاتجاه إلى التهدئة ببعض الشروط التي من أهمها تحديد سقف زمني لتحقيق المطالب الكردية والاتفاق على تعديل الدستور بما يكفل مزيدًا من الاستقلالية للإقليم (الكونفدرالية) وضمان تمرير هذه التعديلات بعيدًا عن سيطرة الأغلبية في البرلمان، واتخاذ خطوات فعلية فيما يتعلق بقضية المناطق المتنازع عليها.

المواقف الإقليمية والدولية من الاستفتاء الكردي:

عارضت العديد من القوى الدولية إجراء الاستفتاء الكردي والسعي للانفصال عن الدولة العراقية، وتعددت أسبابها وكان على رأس هذه الدول الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى والأمم المتحدة، وتعددت وساطتها لتأجيل الاستفتاء، إلا أن السيد/ مسعود برزاني لم يستجب. ورأت هذه الدول أن تمرير الاستفتاء والسعي للانفصال من شأنه تعزيز النزعات الانفصالية للأقليات الدينية والعرقية في عدد من دول الإقليم، وترى حسب وجهة نظرها أن توقيت ذلك ليس مناسبًا، وشاركت في ذلك قوى إقليمية أهمها تركيا وإيران لأسباب ذاتية مختلفة، وقد اتخذت هذه القوى على الرغم من اختلافاتها السياسية وتباين مواقفها من قضايا المنطقة إجراءات مشتركة استباقية لتقويض فرص الاستقلال السياسي والاقتصادي للإقليم في حالة انفصاله، فضلاً عن التهديد بالتدخل العسكري.

كان الموقف التركي لافتًا، حيث كانت تركيا مساندة بشكل كبير لحكومة إقليم كردستان وكان هناك ما يشبه التحالف بين أردوغان والبرزاني، ارتبط في جانب منه بمحاصرة مكاسب أكراد سوريا، وكانت تركيا طوال السنوات الماضية معبرًا لنفط الإقليم دون اهتمام بموقف الحكومة المركزية. إلا أن الاتجاه لانفصال الإقليم عن العراق ضرب كل هذا التحالف، وهدد حسب رأى المسؤولين الأتراك الأمن القومي التركي.

ويرى كثير من المراقبين أن تحالف تركيا وإيران الذي تبلور مؤخرًا خاصة في مواجهة تطورات كردية في العراق وسوريا، هو تحالف هش يحاول تجاوز تسكين خلافات جوهرية في مواقف كل منهما حول التطورات في سوريا والعراق ومستقبل الأوضاع في المنطقة، وأن التحالف فرضته مخاوف البلدين من المبادرات الانفصالية التي تهدد كيان دولتيهما وأن زوال هذا الخطر الانفصالي سوف يعري هذا التحالف.

يعتبر الموقف الإسرائيلي استثناء في المواقف الإقليمية والدولية وجاء مساندًا للاستفتاء ولانفصال الإقليم لأسباب متعددة من أهمها العلاقة التاريخية بينها وبين بعض القادة الكرد في فترة الصراع بينهم وبين نظام صدام حسين ولأهداف استراتيجية أخرى خاصة تثبيت النفوذ في منطقة جوار مباشر مع إيران العدو الأساسي لإسرائيل ولدعم مفهوم الدول العرقية والدينية في المنطقة وتفتيت الدول العربية المركزية، واحتمال تكرار نفس الصيغة في سوريا.

تتنوع السياسات العقابية التي اتخذتها كلاً من بغداد وأنقرة وطهران ضد إقليم كردستان بين سياسات عقابية جماعية على غرار الحظر النفطي والجوي ضد الإقليم، وسياسات عقابية منفردة اتخذها كل طرف. وتهدف تلك السياسات تحقيق مجموعة من الأهداف المرحلية، والتي يتمثل أهمها في التأكيد على حصرية التعامل مع الحكومة المركزية العراقية، وإدخال المزيد من الدول في منظومة حصار الإقليم، وتأليب الداخل في الإقليم ضد قادته. وتبدو الخيارات المتاحة أمام حكومة إقليم كردستان للرد على تصعيد بغداد وأنقرة وطهران محدودة ومرتبكة، وستنحصر تلك الخيارات خلال الفترة المقبلة في محاولة دفع بعض الأطراف الدولية للمساهمة في وقف الإجراءات العقابية المفروضة على الإقليم، ومحاولة الدفع سريعًا نحو إجراء حوار مع بغداد.

الخيارات المطروحة لحل الأزمة:

من الواضح إذًا أن الضغوط التي مارستها الحكومة العراقية وكذلك المواقف الإقليمية والدولية قد ساهمت في نقل الأزمة إلى مستوى يسمح بحوار أقل حدة والحديث حاليًا سواء داخل الإقليم أو في بغداد يتركز على كيفية الوصول إلى حلول وسط تسمح ببقاء الحلم القومي الكردي  في الدولة المستقلة، دون الذهاب للانفصال في الوقت الحالي وكيفية التعامل فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، وقد تكون فكرة الإدارة المشتركة لكل مكوناتها الديموجرافيا أمرًا مطروحًا يدفع لتسكين المواقف المضادة بخصوصها، إلا أنه من المؤكد أن العراق قد دخل في مرحلة سياسية جديدة يتعين على قادته اتخاذ سياسات تولي المزيد من الاهتمام لقضية المواطنة على حساب الطرح المذهبي، وأن يكون لمقتضيات الشراكة تقديراً أكبر في تعامل الحكومة المركزية مع الإقليم، وإدراك أن الموقف الدولي –خاصة- الرافض للانفصال حالياً، قابل للتغير مع تغير المصالح وفى إطار تطورات الصراع الدولي في المنطقة.

ورغم الحديث المتكرر عن خيارات عسكرية لمحاصرة نتائج الاستفتاء سواء من جانب بغداد أو تركيا وإيران، إلا أن معطيات الموقف المحلى والإقليمي والدولي ترجح استبعاد هذا الخيار وعدم الذهاب إليه، رغم المناورات العسكرية سواء العراقية الإيرانية قرب حدود الإقليم أو المحادثات التي أجرتها قيادات عسكرية تركية وإيرانية، فالموقف الدولي لن يسمح بذلك. وسوف يبقي هذا الخيار في إطار العنصر الضاغط لضبط الموقف الكردي، ومحاصرة أيه خطوات فعلية في اتجاه الانفصال، والخطورة الوحيدة على هذا المستوى هو استمرار التصعيد الجاري من جانب بعض فصائل الحشد، ويُشار بهذا الخصوص إلى تصريحات السيد/ قيس الخزعلي زعيم تنظيم عصائب أهل الحق والتي يمكن أن تؤدى إلى تدهور للأمن وتصاعد الخيار العسكري خاصة طروحات الحشد الشعبي ومساندة بعض الشخصيات المنتمية إلى الائتلاف الوطني الشيعي والتي هي بمثابة غطاء لتلك الفصائل، وسوف يمثل ذلك في النهاية عائقاً أمام تقريب وجهات النظر بخصوص المناطق المتنازع عليها بصفة خاصة.

ويتساءل البعض عن تأثير هذه الأزمة بأبعادها المختلفة على الحرب الجارية ضد تنظيم داعش على اعتبار أن القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي قد شاركتها قوات البشمرجة الكردية في ضرب هذا التنظيم خاصة في مناطق التماس مع الإقليم، وفى تقديري أنه لن تكون لتلك الأزمة أي تأثير على تلك الحرب خاصة وإن مناطق المواجهة حاليًا تتركز في بعض الجيوب في منطقة الحدود الجنوبية للعراق مع سوريا، وأن قوات البشمرجة لا تشارك حاليًا في تلك العمليات.

هكذا نرى أن أزمة الاستفتاء الكردي تضمنت تهديدًا واضحًا للأمن والاستقرار في العراق، وكشفت عن هشاشة الدولة العراقية الفيدرالية، وضعف النظام السياسي العراقي وأن الواقع بغرض مراجعة الدستور ووثائق هذا النظام الذي بُني على أرضيته تحالف المتضررين من النظام السابق، وصياغة نظام سياسي جديد يكفل التعددية، ويتجاوز الأطر المذهبية والابتعاد عن المحاصصة الطائفية والعرقية، قدر الإمكان، وإقرار صيغة جديدة تستوعب المطالب الكردية وتُبقي على تماسك الدولة العراقية.

وتحمل التطورات العراقية القادمة درجة كبيرة من الأهمية، فكثير من المراقبين يرون أن خروج كردستان من إطار النظام السياسي العراقي سوف يوفر لفرق الحشد الشعبي مجالاً أوسع للتأثير والنفوذ، وهو ما يمكن أن يهدد اتجاه قوى سياسية شيعية عراقية لفتح قنوات مع دول المحيط العربي وموازنة النفوذ الإيراني.

الخلاصة إذن أن التوجه الكردي للانفصال ارتباطًا بنتائج الاستفتاء، سوف يمثل متغيرًا جديدًا يحكم ليس فقط علاقة الإقليم بالحكومة المركزية، ولكن مستقبل النظام السياسي في العراق، كما سيمثل عامل تأثير على مستقبل النظام السياسي الجديد في سوريا بالنظر لانعكاسات أيه مكاسب يحققها الكرد في العراق على مواقف ورؤى الكرد في سوريا من النظام السياسي هناك. ولا شك أن هذا المتغير سوف يعنى أن القضية الكردية بأبعادها المختلفة ستكون قضية اهتمام مركزية في المنطقة تشغل الاهتمام والممارسة من جانب كافة القوى ذات التأثير وتفرض انعكاساتها على الأمن والاستقرار بصورة كبيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 

 

المراجع:

محمد مجاهد الزيات، لماذا الاستفتاء الكردي الآن؟، الأهرام، 23/9/2017م.

منى سليمان، عزل التهديدات: لماذا تدعم إسرائيل انفصال كردستان، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، 26/9/2017م.

جورج سمعان، هل تقع الحرب في كردستان .. أم الكونفدرالية، الحياة اللندنية، 2/10/2017.

د.مثنى العبيدي، خيارات اللحظة الأخيرة أمام استفتاء كردستان، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، 24/9/2017.

بسمة المؤمني، الأكراد فتحوا صندوق باندورا، موقع مركز بروكنجز الدوحة، 27/9/2017م.

رانج علاء الدين، لا تستهينوا بقدرة كردستان على الصمود، موقع مركز بروكنجز الدوحة، 22/9/2017م.

خورشيد دلى، الخيارات التركية لمواجهة استقلال إقليم كردستان، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبو ظبي، 3/10/2017م.

 

مجلة آراء حول الخليج