array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 124

تأثير العراق على الخليج: الأزمة الكردية قد تتحول إلى صراع عسكري محدود أو واسع

الأحد، 29 تشرين1/أكتوير 2017

ليس جديدًا القول أن المنطقة العربية (خاصة المشرقية منها) تمر بمرحلة تغير كبرى، ربما تشبه تلك المرحلة التي أعقبت الحرب العظمى الأولي، من حيث تغيير الحدود والتحالفات، وانبثاق دول لم تكن موجودة في السابق، واختفاء أخرى. تلك المرحلة التي شهدت انحسار (الدولة العثمانية) وظهور الدول المختلفة في المنطقة، التي كان للدولة العثمانية نفوذ فيها، كالعراق والشام[1]. المرحلة التاريخية اليوم تشبه تلك المرحلة، ولو بمعطيات مختلفة وبلاعبين جدد. فإن بدلنا اللاعبين القدامى (الدولة العثمانية، بريطانيا العظمى، دول المنطقة) بلاعبين جدد، هم (الولايات المتحدة، الجمهورية الإيرانية، ودول المنطقة) سوف نجد أن السيناريوهات واحدة تقريبًا. في السابق كانت بريطانيا تريد أن تجفف نفوذ الدولة العثمانية، لأسباب كثيرة لها علاقة بمصالح بريطانيا نفسها، ونجد أن الولايات المتحدة اليوم تسعى لتجفيف و(انحسار) النفوذ الإيراني في المنطقة، لأن (الإدارة الجديدة) تشعر أن ذلك النفوذ يهدد مصالحها في المدى المتوسط والبعيد. طبعًا المقارنة هنا مع اختلاف الزمان والدوافع السياسية. فقد كانت الإدارة الأمريكية السابقة (إدارة السيد باراك أوباما) لأسباب وحسابات مختلفة قد (سهلت) أو حتى شجعت التمدد الإيراني خارج خريطة إيران المعروفة، ربما لتصور سياسي، أن إيران إذا قُبلت في المجتمع الدولي، و تم تخفيف (مخاوفها) من (تغيير النظام)، فإنها سوف تتصرف (كدولة مسؤولة)، تلك مراهنة جعلت من اتفاق (الدول الست مع إيران)[2]في يوليو 2015م، (اتفاقية البرنامج النووي الإيراني) ممكنًا، رغم كل الملاحظات التي أبدتها دول عديدة (منها دول مجلس التعاون)[3] حيث أن ذلك الاتفاق لا ينص بوضوح (على تقييد أو تقليص التوسع الإيراني في الجوار) وخاصة في كل من سوريا و العراق (التي هي محور حديثنا هنا) وأيضًا التدخل في دول الخليج!

العراق من احتلال إلى احتلال:

على رغم المعاناة التي واجهها العراقيون تحت حكم البعث (1958 – 2003م) إلا أن العراق ظل في معظم هذه الفترة له استقلالية في المجال الدولي، رغم كل الآثام التي ارتكبها نظام البعث في الداخل العراقي، ورغم كل الأخطاء التي تمت في الجوار وفي العلاقات الدولية مع العالم.  إلا أن مسألتين كانتا مؤرقتين للعراق في تلك الفترة، الأولى هي ما يمكن أن يعرف بالمسألة الكردية، والثانية العلاقة مع إيران، على ما فيهما من تداخل، إلا أن (تحرير العراق من البعث) أوقعه في (احتلال آخر من إيران) فأصبح ما يواجه العراق من مسألتين سابقتين، قد تجددا من جديد (إيران والكرد)! ولكن بثوب آخر.

المسألة الكردية:

في السنوات الأخيرة وخلف الأبواب المغلقة في العواصم المحيطة بالعراق، القريبة والبعيدة المهتمة كان هناك مجموعات تدرس موضوعًا واحدًا وهو محاولة الإجابة عن سؤال مركزي يخص مجتمعات تلك الدول ومصالحها، السؤال هو: هل عراق موحد، و(إن شاء الله ديمقراطي نسبي)، هو الأفضل في جوارنا، أم عراق مقسم إلى أقاليم ـ على الأقل ثلاثة، الكرد في الشمال، السنة في الغرب والشيعة في الجنوب؟  على ضوء التطورات التي كانت تحدث في العراق، من شقاق طائفي وفشل إداري وفساد سياسي، وتغول (إرهابي\داعشي) وأضف إليها منطقة شبه مستقلة في الشمال! وتتراوح الإجابات على تلك الأسئلة باختلاف مصالح ورؤى وتمنيات تلك الدول. واضح من قراءة الأحداث الأخيرة أن القيادة الكردية في كردستان العراق قد اتخذت قرارًا، لا رجعة عنه، كما فعلت عام 2014م[4]، أن تسير في ترتيباتها لإقامة استفتاء عام بين سكان إقليم كردستان العراق هذه المرة دون خضوع لضغوط تشابه ضغوط 2014م، حيث تراجعت وقتها عن ذلك وقد سُئل السكان في المناطق الخاضعة للحكم الذاتي الكردي[5]، فيما إذا كانوا يفضلون الاستقلال كدولة، أو الانتماء إلى عراق موحد؟  وكانت الإجابة التي ظهرت يوم 27 سبتمبر 2017م[6] أن هناك أغلبية مريحة من أجل الاستقلال، مما أطلق تداعيات لا زالت جارية في الإقليم ككل، ليس في العراق وحده، بل إيران وتركيا ومنطقة الخليج.

 

 

السيد مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق منذ 1992م، يبدو أنه يقرأ كتاب السيد نيكولا ميكافيلي (الأمير)، الذائع الصيت، والصادر في أوائل القرن السادس عشر ميلادي، كانت نصيحة ميكافيلي للحاكم، أن يكون الأسد والثعلب في نفس الوقت، الأسد لإخافة الذئب، والثعلب لتفادي الفخاخ! بارزاني الآن كلاهما، إلا أن التطورات قد تجبره أن يكون واحدًا فقط! يبدو أنه  يريد أن يفاوض بغداد من أجل الحصول على أكبر مجموعة من التنازلات، خاصة في توسيع جغرافيا الإقليم الكردي إلى مناطق تسمى عادة ( متنازع عليها) بما فيها مدينة كركوك، وفيها مصادر الثروة  النفطية، وهو في الوقت نفسة يتوخى الفخاخ السياسية باختيار التوقيت المناسب تمامًا لانتزاع أفضل ما يمكن الحصول عليه من (سيادة)، فالسلطة الرسمية العراقية في بغداد منقسمة على نفسها، خاضت وتخوض حربًا مكلفة مع داعش، وتتعدد لديها القوى ليس السياسية فقط، ولكن حتى العسكرية، والقوات الكردية من جهة (البشمرجة) قد تطور تسليحها وأسهمت في الحرب ضد ( الإرهاب)، و ساعدت على طرد كثيرين من المتشددين، فهي تستحق أن تجازى ! ومن جهة أخرى هناك (الحشد الشعبي) وكله طائفي، والجيش العراقي، وقوات إيرانية كثيفة وقوات تركية، ولو محدودة، في الشمال، أي أن هناك (مجموعة من البنادق لا بندقية واحدة في الدولة العراقية) مما يضعف الدولة.

 الرغبة الكردية في الاستقلال ليست جديدة، فقد  حصل الأكراد، بعد حرب طويلة مع نظام البعث العراقي  على (حكم ذاتي) عام 1970م، كان وقتها حزب البعث العراقي يحاول توسيع سلطته والتغلب على خصومه في الداخل العراقي، و لديه معارضين أقوياء في عقر داره، فأراد أن يتفرغ لهم لبسط سلطته الكاملة، ويحيد الاكراد، فأعطاهم حق الحكم الذاتي، على أن يعود لهم عندما تستقر له الأمور، وهذا ما تم بالفعل، فبعد أن أصبح الحزب القائد (البعث) مسيطرًا، عاد مرة أخرى لحرب الأكراد متنكرًا لما وقع عليه من وثائق، في المقابل انتظم الأكراد في حلف مصلحي مع إيران، التي كان يحكمها الامبراطور محمد رضا بهلوي (الشاه)، الذي وجد أن إزعاج خصمه في بغداد هو أمنية تتحقق من خلال الأكراد، التقت مصالح مشتركة، سرعان ما باع الشاه القضية الكردية، عندما قدم له صدام حسين في الجزائر عام 1975م، (وجبة) سياسية و جغرافية لا يستطيع  رفضها، هي الجزء الذي كانت تحلم به إيران في شط العرب، وهكذا بقى الأكراد (سلعة) في سوق المناورات السياسية، وما أن اندلعت الحرب العراقية الإيرانية، بعد سقوط الشاه في طهران عام 1979م، حتى شنت السلطة البعثية العراقية حربًا شعواء على الأكراد، كانت قمتها مذبحة حلبجة المشهورة، التي استخدمت فيها الغازات السامة. النتيجة النهائية المهمة أن الحكم الذاتي الذي أعطي للكرد عام 1970م، الذي ظنه نظام البعث أنه مناورة مؤقتة، ظل قائمًا، و تأكد بعد سقوط النظام البعثي في عام 2003م، أولاً في الدستور الجديد،  الذي انتزع فيه الأكراد (حكم ذاتي رسمي) وثانيًا في العلم الكردي والاستقلال المالي، ذلك هو الدرس الأهم في القيمة المعنوية  للاستفتاء في سبتمبر 2017م، أمام العالم اليوم أغلبية في الإقليم صوتت بشكل حر على (الاستقلال)، سوف يصبح ذلك التصويت الحجر الآخر ( بعد الحكم الذاتي) في طريق طويل لدولة كردية قد تتبلور، مع فارق مهم هو أن السلطة العراقية في بغداد لا تملك حتى جزءًا من السلطة التي كان يملكها البعث وقت توقيع اتفاق 1970م، حتى يتم اعتراض المسيرة .

على مقلب آخر، فإن الكرد وجدوا أنفسهم حلفاء دون حليف بعد سقوط نظام البعث عام 2003م، سُلموا موقع (رئيس الجمهورية) المنزوع السلطة، كما حصلوا على بعض المقاعد في الوزارات، سرعان ما جردوا من أهمها، وحتى دون احترام أو لياقة، كما حدث للسيد هوشيار زيباري بخروجه من الوزارة متهمًا بالفساد[7]!  تشتت السلطة العراقية في بغداد له شواهد كثيرة، فالكرد يشعرون بقلق حقيقي حول تقوية وتعضيد (الحشد الشعبي) وهو قوة عسكرية ضاربة مكونة من لون طائفي واحد ومدعوم من إيران، عدى التصريح الصارخ الذي نقل عن السيد حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، أن (الحشد الشعبي باق تحت سلطة الحكومة والمرجعية)[8]! أي تحول السلطة المدنية إلى شبة ثنائية و (ثيوقراطية) شبيهة بالجارة إيران!!  أصبح الاستفتاء خلفنا قد يكون قفزة إلى المجهول، وقد يكون حسبة (معلم من السيد مسعود بارزاني) الأيام سوف تقرر لنا ذلك. المهم أن لدينا أطروحتان، الأولى للكرد العراقيين، تقول أنهم دخلوا في شراكة مع المكونات العراقية الأخرى بعد عام 2003م، من أجل بناء عراق وطني (ديمقراطي مدني حديث)، ووجدوا بعد طول تجربة، أنه عراق طائفي / ديني تتخلل مسامه شرور الفساد، ومتدخًل في شؤونه من عدد من الدول، على راسها إيران الخمينية، تجره جرًا إلى نوع من (ولاية الفقيه)!  أي فشل ذريع في إقامة الدولة الوطنية الحديثة فلا مفر إذًا من فك الشراكة، في الوقت الذي كان السيد مسعود بارزاني يتحدث فيه إلى العالم عشية الاستفتاء يوم  24 سبتمبر 2017م، من خلال مؤتمر صحفي عالمي، ينُقل مباشرة على شاشات التلفزيون، ظهر السيد  حيدر  العبادي ليدافع عن وجهة نظر السلطة المركزية، وتحدث الأخير كثيرًا، ولكنه لم يكن مُقنعًا، فقد ذهب إلى التذكير  بقهر و ظلم وعسف صدام حسين ( وهذا غير مشكوك فيه) وأن البعض قد تعاون معه من كل المكونات العراقية ( إشارة إلى الزعامات الكردية) ولكن السيد العبادي لم يقدم مشروعًا مقابل أطروحات الكرد التي تشير إلى الفشل في إقامة ( دولة مدنية حديثة وغير طائفية) والشعوب تتوق إلى أن تلقي  السمع إلى من يتحدث عن مستقبلها لا عن سفاحيها. وعلى الرغم من أن (مشروع استقلال كردستان العراق) سوف يثير من الآن وصاعدًا اللغط والأخذ والرد والشجار السياسي، وربما يتحول إلى شيء أكثر سخونة، حيث لا يعتمد قيام الدولة الكردية القادمة فقط على قدرة القيادة الكردية في المناورة، ولا على ضعف الدولة العراقية المركزية التي تشتت القرار فيها، لكن أيضًا يعتمد على رضا أو ضعف اللاعبين الآخرين، إيران، سوريا، تركيا. ربما الدوائر الإيرانية هي الأشد قلقًا من التطور في كردستان العراق فالاستقلال يمكن أن يكون مساعدًا أو يقوم بتعضيد أي حركة كردية عند أكراد إيران للقيام بالمثل، فإيران لديها حوالي.8 مليون كردي إيراني (أكثر قليلا من 10% من مجموع سكان إيران)[9] فهي في حساب المصالح، تفضل أن يبقى العراق موحدًا، وأكثر ان يُحجم الكرد المثيرين للشغب، وأصدقاء الولايات المتحدة! وقتها يمكن التحكم في معظم ثروات العراق وسكانه، بل وإشاعة الحكم الثيوقراطي الإيراني ولو بطبعة عراقية! سوريا ربما يأخذ أكرادها في نهاية الأمر طريق أكراد العراق، على الأقل في حكم ذاتي، قد يتطور إن سمحت الظروف، تركيا التي ترى وجود دولة كردية على حدودها الجنوبية مشجعًا لكردها الذين يطالبون منذ فترة طويلة بحكم ذاتي على الأقل! وقد دخل بعضهم في صراع مسلح دام حتى الآن عقود من الزمن، وكرد تركيا يبلغ عددهم خمسة عشر مليون، أي حوالي 20% من إجمالي سكان تركيا[10]، لكرد تركيا تاريخ من النزاع (حتى المسلح) الذي قد يهدد استقرار تركيا، إن وجد في جنوبها كيان كردي مستقل، كما يخطط المسؤولون في تركستان العراق، ليساعد أو يصبح حاضنة لحركة كرد تركيا.

الولايات المتحدة، وبعض الدول الغربية تقف بشكل (غامض) تجاه التطورات في تركستان العراق، وكانت تتمنى على مسعود بارزاني تأخير الاستفتاء لا إلغاءه!، وقد رد، إن لم يكن الوقت الحالي مناسبًا، فمتى الوقت المناسب؟ محاولة ذكية منه لاستصدار رأي من واشنطن، قد يكون ملزم في المستقبل، ويضاف إلى الحجج المتراكمة، إن هي اقترحت وقتًا آخر للاستفتاء، والاقتراح بحد ذاته إن حدث هو اعتراف بأحقية الإقليم بالاستقلال، إلا أنه لم يحدث، وقد تم الاستفتاء، وآثار ولا يزال يثير الكثير من اللغط السياسي والتهديدات المختلفة من كل من بغداد، وطهران، وأنقرة! قد تقود إلى صراع لا يتوقف في العراق، بل يشمل الإقليم.

إلا أن الطريق إلى الاستقلال الكردي ليس مفروشًا بالزهور، فهناك تحديات أمنية واقتصادية سوف يواجهها الإقليم، قد يكون من بينها حربًا جديدة مدمرة، هذه المرة تأخذ العراق إلى قاع غير مسبوق من الصراع، تصبح معه تحرير الموصل، لعبة صغيرة.  بغداد خيارتها قليلة أيضًا وتضيق في طريق استيعاب الكرد، فهي تحتاج إلى استراتيجية من ثلاثة عوامل لتحقيق ذلك الاستيعاب، أولاً يجب أن تقلص ومن ثم تذويب الحشد الشعبي في القوات العسكرية العراقية الرسمية، ذات التعدد المذهبي والقيادة المركزية المهنية، وإبعاد قوى التشدد في قياداته إلى التقاعد، ووضع أفراده على قاعدة الاحتراف، لا التبعية، وثانيًا تقليص ومن ثم التخلص من النفوذ الإيراني، الأيديولوجي والعسكري، وثالثًا بناء فضاء سياسي قريب إلى الديمقراطية! وهي ثلاثية صعبة جدًا، إن لم تكن مستحيلة، أخذا بالوضع الحالي في بغداد.

المتغيرات العراقية ودول مجلس التعاون:

خيارات السلطة المركزية في بغداد تجاه ما يحدث في تركستان العراق محدودة، بمحدودية قدرتها على الحركة، ما لدينا من خارطة سياسية اليوم في العراق لا تتيح فرصة ولو ضئيلة للاستبشار، هناك تدخل إيراني واضح في العراق، أصبح من المحرمات الحديث فيه أو حوله، كثير من السياسيين في بغداد يرجون رضا طهران اليوم أو وكلائها في بغداد، ومن يخرج عن (السمع والطاعة) تشن عليه حرب شعواء، ويخرج من دائرة الرضا، لذلك يتسابق كثيرون إلى طهران من أجل الوصول إلى كراسي الحكم في بغداد! تلك الحقيقة بذاتها تقيد إلى حد الاقعاد أي قدرة على الحركة إلى الأمام، أو أية قدرة على احتواء الشريك بشكل صحي / في دولة حديثة، سواء المكون الكردي أو المكونات الأخرى، وعلى رأسها المكون السني الذي هضمت حقوقه حتى الإهمال!

 الخيارات قليلة، من بين تلك الخيارات الذهاب إلى (صراع مسلح) وهو خيار قد يكون ممكن ولكنه مكلف ماليًا وبشريًا وحتى استراتيجيًا، لانه سوف يشعل المنطقة برمتها، والخيار الآخر هو تعضيد التحالف العراقي (السلطة المركزية) مع طهران وتركيا، وهو يعني (أقلمة الصراع) وهو خيار أيضًا صعب يرهن العراق إلى قوى إقليمية، أما الثالث فهو الذهاب إلى حوار (ربما بواسطة دولة كبرى أو متوسطة لها بعض النفوذ)، كل تلك الخيارات تعني شيئًا واحدًا هو (إضعاف العراق) و (تسهيل تدخل إيران في شؤونه) أكثر مما هي متدخلة الآن. يعني وضع العراق تحت (شبه وصاية إيرانية) وقد تطول. وجود إيران لفترة طويلة في العراق، يعني تهديد مباشر لدول الخليج، فمن ناحية تدخل العراق في فترة عدم استقرار، لا بد أن تترك تأثيراتها على دول الخليج، من خلال عدد من المدخلات، منها زيادة الحيطة والحذر من تلك التطورات مما يجعل دول الخليج في مكان البحث عن مصدات عسكرية وسياسية، وتحوط لاحتمال تدفق لاجئين بغزارة  من مراكز الصراع ، مما يعني استنزاف للموارد البشرية والمادية الخليجية، كما قد تتعرض العراق لتغيرات ديمغرافية من انتقال أعداد كبيرة من البشر من مكان إلى آخر، وتضغط على الحدود الشمالية لدول الخليج، وأيضًا اضمحلال وتهميش المكون السني العراقي وإخراجه من المعادلة بضغط إيراني! 

 

الصدام الأمريكي الإيراني:

في الأفق السياسي الإقليمي احتمال تصاعد صدام (أمريكي/ إيراني) سوف يكون المسرح العراقي هو الساحة الأولى، ولكن لا تستثنى الساحة الخليجية، فما أن بدى التنابز بين واشنطن وطهران حتى سمعنا تهديدًا واضحًا من إيران. وفي الأسابيع القليلة القادمة سوف تتضح استراتيجية الإدارة الأمريكية تجاه التعامل مع إيران، خاصة بعد تصريحات السيد رونالد ترامب، الرئيس الأمريكي مساء الجمعة 13 أكتوبر 2017[11]م، ومن المتوقع أن تتجه تلك الاستراتيجية التي رسم خطوطها العريضة الرئيس الأمريكي و أحالها إلى (الكونجرس) للتصرف حيالها، تتوجه إلى التضييق على إيران سياسيًا و لوجستيًا واقتصاديًا، وربما تتصاعد إلى مواجهة ساخنة بشكل ما، وقد مُهد لهذه الاستراتيجية من خلال عدد من التشريعات المقدمة  إلى الكونجرس، ضد إيران و أيضًا حزب الله التابع لها في لبنان[12]، كما أن تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني محمد على جعفري، الذي قال ( في حال أقرت أمريكا اجراءات حصر جديدة، فعليها أن تنقل قواعدها مسافة الفين كيلومتر عن حدود إيران)! وكذلك إن أقرت أن الحرس الثوري منظمة إرهابية!! والإشارة هنا إلى القواعد الأمريكية في دول الخليج! تلك تصريحات استفزازية لن تقابل إلا باستعداد على مستوى عال من الولايات المتحدة، وقد تحدث مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إلى وضع خطط عملية لتحويل تصريحات الرئيس إلى واقع، وقد تسعى إيران في هذه الحالة إلى تحريك (الخلايا النائمة) التابعة لها في بعض دول الخليج وإشاعة اضطراب من نوع ما في النسيج الداخلي الخليجي، أو الاستفادة من (الخلاف) الخليجي للولوج إلى داخل منظومة مجلس التعاون لتوسيع الفرقة.

الخلاصة

من الواضح في السرد السابق أن المنطقة برمتها سوف تدخل في الأشهر القليلة القادمة (مرحلة اضطراب سياسي) وقد يتحول إلى صراع عسكري محدود أو واسع، وربما شبه دولي يكون مسرحه الساحة الخليجية والقريبة منها، فالحرب كما قيل أولها كلام! ولا أكثر من الكلام المتطاير حولنا من القضية الكردية إلى اليمنية إلى السورية إلى العراقية إلى أخيرًا الإيرانية!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة الكويت ـ الكويت

 

[1] من اجل الاطلاع على تفاصيل اوفى لهذه المرحلة (تأثير الحرب العظمى الأولى) انظر الكتاب الغني بالتفاصيل: صبري فالح الحمدي، برسي كوكس والسياسية البريطانية إزاء الامراء (نجد، الكويت، الحجاز، حائل) 1915\م1923، الدار العربية للعلوم (ناشرون) الطبعة الأولى 2016.

[2] الدول الخمس هي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا الاتحادية، الصبن (دول دائمة العضوية في مجلس الامن) والمانيا

[3] اعترضت دول مجلس التعاون على عدم ادراج (الوضع في المنطقة والتمدد الإيراني) في ملف المفاوضات الطويلة التي تمت بين إيران والدول الست.

[4] 2014 خططت القيادة الكردية لاستفتاء ثم تراجعت عنه

[5] هناك خلاف بين بغداد واربيل (عاصمة إقليم الكردي) حول أي من الأراضي خاضعة للحكم الكردي الذاتي (في بعض الأوقات تسمى المناطق المتنازع عليها)

[6] تم الاستفتاء يوم 25 سبتمبر 2017

[7] اصبح عضوا في لجنة الاستفتاء التي جرمتها بغداد وترغب في مطاردة أعضائها جرميا

[8] واحدة من المآخذ التي يكررها الكرد ان سلطة بغداد (سلطة طائفية و تابعة لمرجعيات دينية) وبالتالي غير ديمقراطية كما ينص الدستور العراقي التوافق !

[9] اخر تعداد منشور لسكان ايران هو 75 مليون نسمة (حسب إحصاء2013م)   وفيها إثنيات عديدة بجانب الكرد ، التركمان، العرب ، البلوش

[10] حسب إحصاء 2014 وهم متعددو اللهجات ( اربع فئات) بالمناسبة ليس كل الكرد سنة ، بل بعضهم شيعة يسمون الفيلية!

[11] قوبلت تلك التصريحات بتأييد من المحنطة (السعودية والامارات والبحرين) حتى كتابة هذه المطالعة.

[12] من المحتمل ان تعلن الإدارة الأمريكية عدم اقتناعها بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 وبالتالي الطلب من الكونجرس تشديد العقوبات على إيران، وبالتالي تقوم ايران بردة فعل في شاعة اضطراب في الجوار (العراق والخليج)

مقالات لنفس الكاتب