array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 125

إفريقيا من منظور القوى الكبرى.. ساحة للتنافس عى مخزون استراتيجي

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2017

تعد إفريقيا قارة ضخمة بكل المعايير سواء جغرافيا أومن خلال تنوع ساكنيها وتعدد ثرواتها الطبيعية الهائلة. فإفريقيا بموقعها الجيو-استراتيجي وما تزخر به القارة الإفريقية من مقدرات يدفعنا إلى فهم خلفيات التسابق الدولي.

         فهذا الفضاء الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والبشري الواسع تحول إلى حلبة صراع وتنافس بين القوى الكبرى لمن يستطيع أن يضمن موطئ قدم ولمن يتمكن من ضمان تمركز لمؤسساته وقواعده.

          فإفريقيا كانت ولا تزال تعد محط صراع حقيقي بين أقطاب القوى الدولية باعتبار أن إفريقيا في حسابات الدول الكبرى مخزون استراتيجي للطاقة والموارد الطبيعية. فمعظم الباحثين يجمعون أن القارة الإفريقية تعد إحدى أغني بقاع العالم في الموارد الطبيعية والمعدنية , المواد الخام المهمة في الصناعات الإستراتيجية (خاصة النووية) بالنسبة للدول الكبرى وأنها قارة الألفية الثالثة. فكل هذه الأمور جعلتها محطة جذب لصراع النفوذ وطموحات استراتيجية بين القوى العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل هذا من جهة ولاعتبار المكانة التي تكتسبها إفريقيا جيو-سياسيًا في ظل خريطة التحولات العالمية الجديدة.

      ففي السنوات الأخيرة لوحظ اهتمام غربي كبير بالقارة الإفريقية. ولقد اتخذ هذا الاهتمام أشكال عديدة، أبرزها التدخل الدولي، لحل الأزمات التي تدور في بؤر التوتر على غرار إفريقيا الوسطى ومالي ونيجيريا وغيرها من الدول الإفريقية.

       وتتنافس القوى الكبرى في إطار صراع خفي على أكبر قدر من النفوذ الممكن في إفريقيا، وعلى غرار التدخلات الفرنسية المعروفة في إفريقيا، والإشارات الأميركية بالاهتمام بالأوضاع الأمنية في القارة السمراء، برزت الصين القوة الاقتصادية كفاعل مؤثر في إفريقيا واتخذ ذلك العديد من الوجوه، أبرزها التأثير اقتصاديا.

فيما تتخذ الدول الآسيوية العملاقة موطئ قدم لها في القارة السمراء منذ عقدين من الزمن معتمدة في ذلك على حضورها الاقتصادي بينما تواصل القوى التقليدية الرهان على دبلوماسية ذات قدم راسخة.

     وسنحاول أن نسلط الضوء على أهمية إفريقيا من حيث الموارد الاستراتيجية والطاقوية. ودوافع الصراع الدولي في القارة الإفريقية.

 

أولا-أهمية إفريقيا الجيو-استراتيجية:

      تكتسي إفريقيا أهمية بالغة استراتيجيًا من حيث المخزون الحيوي والاستراتيجي من الطاقة بأنواعها ويضاف إلى ذلك أهمية القارة الإفريقية من حيث أنها تعتبر سوق استهلاكية واعدة ومحفزة للقوى العالمية بالإضافة إلى العنصر البشري وهي عناصر مهمة تجعل  إفريقيا تحظى باهتمام القوى الكبرى وتتحول في كثير من المحطات إلى ساحة تنافس وصراع.

فالأهمية الإستراتيجية للقارة الإفريقية تكمن في:

1-تكمن الأهمية الإستراتيجية للقارة الإفريقية في احتياطات الغاز والبترول حيث تحتكم إفريقيا على 124 مليار برميل من احتياطي النفط، وهو ما يقدر بحوالي 12% من إجمالي احتياطي النفط العالمي، هذا بالإضافة إلى 100 مليار برميل على شواطئ القارة في انتظار أن يتم اكتشافها.

تتركز الثروة النفطية بالقارة في دول نيجيريا والجزائر ومصر وأنجولا وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية والكونغو والجابون وجنوب إفريقيا.وما نسبته 23% من إجمالي إنتاج القارة من البترول يتم تصديره للولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 14% للصين، و8% لكل من إيطاليا والهند، بينما تحظى دول الاتحاد الأوروبي بأكثر من 25% من إجمالي الإنتاج.

كما يقدر إنتاج القارة الإفريقية ما يعادل 6,5% من إجمالي الغاز الطبيعي حول العالم، بينما ما تزال تملك حوالي 500 تريليون متر مكعب من احتياطي الغاز الطبيعي، تمثل 10% من إجمالي احتياطي الغاز العالمي.

2-تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في اليورانيوم حيث تتميز القارة الإفريقية بكميات كبيرة من عنصر اليورانيوم الهام في الصناعات النووية.فالقارة الإفريقية تشارك بأكثر من 18% من إجمالي الإنتاج العالمي لليورانيوم، ومن أبرز الدول الإفريقية المنتجة لليورانيوم هي: النيجر، وناميبيا، وجنوب إفريقيا.

تمتلك القارة احتياطات تصل إلى ثلث إجمالي احتياطات العالم من هذا العنصر الهام.

3-تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في معدن الذهب حيث أنتجت القارة الإفريقية في السنوات الماضية حوالي 483 طنًّا من الذهب، بما يمثل حوالي 25% من إجمالي إنتاج العالم.

فنصف إنتاج القارة من الذهب يتم عبر جنوب إفريقيا بالإضافة لدول أخرى، مثل: غانا، وغينيا، ومالي، وتنزانيا. والقارة الإفريقية تمتلك مخزونا استراتيجيا من الذهب يقدر بحوالي 50% من إجمالي احتياطات العالم.

4-تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في الألماس حيث تتصدر القارة الإفريقية سوق الألماس العالمي؛ حيث تقوم بإنتاج 40% من إجمالي الألماس عبر العالم.ويتركز الألماس الإفريقي في دول بتسوانا وأنجولا وجنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية وناميبيا.واقترن الألماس الإفريقي بالعديد من الحروب الأهلية في القارة التي تم تمويلها باستخدام الألماس الذي تنتجه.

5-تكمن الأهمية الإستراتيجية للقارة الإفريقية في البلاتين حيث تنتج إفريقيا 80% من إجمالي البلاتين المنتج حول العالم.

6-تكمن الأهمية الإستراتيجية للقارة الإفريقية في الكوبالت حيث تنتج إفريقيا 27% من إجمالي كمية الكوبالت المنتجة حول العالم.

7-تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في الحديد حيث تنتج ما نسبته 9% من إجمالي إنتاج الحديد حول العالم.

8-تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في الزراعة حيث تنوع المناخ وكثرة الأنهار ساعدا على قيام الزراعة بصورة كبيرة. ويعمل ثلثا سكان القارة الإفريقية بالزراعة تقريبًا، والتي تساهم بحوالي 20 – 60% من إجمالي الناتج القومي لكل دولة من دول القارة.ففي المناطق الاستوائية يتم زراعة الأناناس والقهوة والكاكاو والنخيل لاستخراج الزيت منه.أما في مناطق السافانا يتم إنتاج الفول السوداني والفلفل والبطيخ، وفي مناطق الصحراء تكثر زراعة القطن ونخيل البلح، وفي حوض البحر المتوسط يتم زراعة الزيتون والحمضيات والطماطم وعدد كبير من الخضروات.

9- تكمن الأهمية الاستراتيجية للقارة الإفريقية في الخشب حيث تتميز إفريقيا بوجود الكثير من الغابات التي ينتج منها الأخشاب بكميات كبيرة.وتساهم صناعة الأخشاب بحوالي 6% من إجمالي الناتج القومي للقارة بأكملها، وهي أعلى نسبة في جميع القارات.

خارطة توزع الثروات في القارة الإفريقية.

    فمن خلال هذه النقاط تكمن أهمية القارة الإفريقية استراتيجيًا للقوى العالمية وخاصة للقوى النووية التي ترى في إفريقيا خزان استراتيجي ومصدر للطاقة كما تعد إفريقيا سوقا مهما يسيل لعاب القوى الاقتصادية العالمية وهذا ما يترجم سياسة العصا والجزرة في تعامل القوى الكبرى مع إفريقيا.

ثانيًا-دوافع التنافس الدولي على إفريقيا:

        أخذت القارة الإفريقية تكتسب بعدًا استراتيجيًا متناميًا على المستوى الدولي ,ويرجع هذا الاهتمام بالقارة الإفريقية نتيجة لما تحتويه أراضيها من مواد خام وموارد طبيعية لم تستغل بعد, وتتمتع القارة الإفريقية بثروات طبيعية ضخمة أغلبها غير مستكشف حتى الآن، كما تمتلك القارّة الإفريقية مخزون استراتيجي ضخم من الموارد الطبيعية والمواد الأوليّة مما جعلها تدخل في إطار التنافس الدولي الكبير الذي يستهدف هذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي عليها ونقصان الاحتياطيات العالمية من هذه الموارد في أماكن ومناطق أخرى من العالم. 

وسنحاول من خلال هذه الزاوية أن نتوقف عند الصراع الدولي على القارة الإفريقية ودوافع هذا الصراع:

1-الصراع الأمريكي ـ الصيني على القارة الإفريقية:

        ومن ملفات الصراع الدولي على الموارد الطبيعية خاصة النووية منها في إفريقيا ملف الطاقة حيث يمثل هذا الملف أهم محاور التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في إفريقيا، وتظهر معالم هذا الصراع بوضوح في السودان مع احتمال تطوره إلى صراع ينتقل من السودان إلى دول أخرى في القارة الإفريقية. وبما أن الصين تعتبر ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم،فإن الوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن ترتفع واردات الصين النفطية لتصل إلى ما يقدر بحوالي 13.1 مليون برميل يوميًا في عام 2030 م , وبما أنّ ما يقدر بحوالي 35% من واردات الصين من النفط تستورد من قارة إفريقيا بالمقارنة بحوالي 50% من إجمالي ما يصلها من منطقة الشرق الأوسط، نجد أن الصين أصبح لها تواجد مكثف في إفريقيا حيث يشكل النفط ضرورة قصوى لها لتأمين احتياجاتها المتزايدة من النفط ولمساعدتها على تحقيق سياسة أمن الطاقة الصينية القائمة على رفع نسبة التوزيع الجغرافي والتنويع لمصادر الطاقة وللاستفادة من خصائص النفط الإفريقي.

أما الولايات المتحدة الأمريكية فهي تعتبر من أكبر مستهلكي ومستوردي النفط في العالم، وهي لا تستطيع أن تتخلى عن النفط الذي يشكل أحد ركائز الاقتصاد الأمريكي، ويعتبر النفط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أحد أهم مرتكزات الأمن القومي الأمريكي ولسياستها الخارجية وعنصرًا غير قابل للمساومة وهو ما يفسر وجودها في أي مكان يوجد به النفط.

فالولايات المتحدة الأمريكية ترصد أي تحركلأي منافس حقيقي أو محتمل لها في الملعب الإفريقي من شأنه أن يضر بأمن الطاقة الأمريكي.

2-الصراع الروسي ـ الأمريكي في إفريقيا:
      ويعد ملف السلاح والأمن من حيث الأهمية بعد ملف الطاقة مباشرة في إطار التنافس الدولي على القارة الإفريقية حيث يشكّل هذا الملف أحد عناصر النزاع بين روسيا وأمريكا في إفريقيا حيث تعتبر القارة الإفريقية من أكثر المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة على مستوى العالم، وتنتشر هذه النزاعات المسلحة في أكثر من 20 دولة من دول القارة الإفريقية وتشير أحدث التقديرات إلى أن كلفة الصراعات المسلحة على التنمية الإفريقية بلغت خلال العقد الأخير بما يقدر بحوالي حوالي 250 مليار دولار.

 فالصراعات المسلحة أدت إلى تدني الاقتصاد الإفريقي بنسبة 17% وكبدته خسائر سنوية تقدر بحوالي 18 مليار دولار.  كما تضاعفت الصادرات العسكرية الروسية إلى دول القارة الإفريقية بنسبة 200% خلال العقد الأخير، حيث تهدف صفقات السلاح الروسي إلى تحقيق الأهداف التالية:

-صفقات بيع السلاح الروسي يدخل في إطار استعادة روسيا لنفوذها في القارة الإفريقية.

- صفقات بيع السلاح تشكل مدخلا لتوطيد العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية مما يسمح بالحصول على استثمارات وعقود في مجال البنى التحتية والقطاعات الحيوية.

-كما تعتبر روسيا صفقات السلاح مدخلاً لنقل تكنولوجيا الطاقة النووية وهذه السياسة الروسية تعتبرها الولايات المتحدة تهديدًا لمصالحها.

      فالولايات المتحدة الأمريكية ترى بان السياسة الروسية تؤدي إلى تغذية الصراعات بشكل يهدد أمن الطاقة وأمن الممرات المائية وأمن طرق النقل، وتدعم الأنظمة الفاسدة حسب وجهة نظرها وتصنيفها لدول العالم، وأن سياسة التسليح الروسية لها تداعيات , مما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز تواجدها العسكري في إفريقيا.

 

خارطة التواجد العسكري الأمريكي بالقارة الإفريقية

   

3-أوروبا والصراع لأجل الاحتفاظ بالسوق الإفريقية:

      يحاول الاتحاد الأوروبي الانفراد بالعمليات العسكرية في المناطق التي تعرف نزاعات مستمرة في القارة الإفريقية، وسمّى الاتحاد الأوروبي المشروع بـ «التمييز الأمني الأوروبي» في العمليات العسكرية.

وأطلق جهاز المصالح الأوروبية من أجل العمل الخارجيمشروع توحيد «السلوك الخارجي الأوروبي» وجعله منسجمًا وفعالاً،بخصوص منطقة الساحل الإفريقي من خلال ربط التنمية بتوفير الأمن في دول قلب الساحل الإفريقي «موريتانيا، مالي والنيجر»، وتركز على أربعة أهداف رئيسية تتمثل في:

- ترقية التنمية.

- بناء الحكم الراشد.

- دمج حكومات دول الساحل في التعاون الإقليمي.

- محاربة التطرف، وتقوية المجال الأمني والعسكري لدول الساحل الإفريقي عبر برامج التكوين والتدريب الذي تقدمه الدول الأوروبية.لكن يظل التنافس الدولي أقوى مما تتصوره الدول الأوروبية لأنها فقدت 20 بالمائة من السوق الإفريقية وصفقات الطاقة النووية معظمها منحت لروسيا و أمريكا والصين وهو ما يهدد استغلال أوروبا لحقول اليورانيوم مما دفع بالدول الأوروبية إلى غض النظر على النشاط المتنامي لظاهرة التهريب.

4-تركيا وإسرائيل قوى صاعدة تسعى للتوغل في القارة الإفريقية:

     انتقل الاستثمار التركي في إفريقيا جنوب الصحراء من 1.5 مليار دولار عام 2006 م، إلى 5.7 مليار دولار عام2016م، حسب المعهد التركي للإحصاء، ووصل حجم التبادل الاقتصادي التركي الإفريقي 23.4 مليار دولار سنة 2014م. كما تغطي خطوط الطيران التركي «TURKISH Airlines» رحلاتها نحو إفريقيا بمقدار 51 وجهة من مختلف المناطق الإفريقية.

       كما تسعى إسرائيل للتوغل في القارة الإفريقية خاصة في منطقة الساحل والصحراء إلى غاية القرن الإفريقي والاستثمارات الإسرائيلية تعرف وتيرة تصاعدية مما يدفع بالقول أن إفريقيا أضحت منطقة استقطاب ونشاط دولي ليس فقط اقتصاديًا بل وحتى استخباراتيًا.

5-التوغل الإيراني عبر بوابة التشيع في منطقة الساحل والصحراء:

اكتسح التمدد الشيعي في سياق استراتيجية ايرانية تجاه القارة الإفريقية حيث نجد 7 ملايين إفريقي تبنى المذهب الشيعي، ويتركز حوالي 70% منهم شمال نيجيريا، واعتمدت إيران استراتيجية مرت بثلاث مراحل رئيسية بدأت بــ:

 -المساعدات في قطاعي التعليم والصحة.

- دعم آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

- التعاون مع الحكومات والإشراف على بناء مشاريع ضخمة في خمس دول أهمها نيجيريا، غانا، البنين والنيجر والسنغال، هذه الأخيرة تعتبر القناة الدبلوماسية المباشرة لإيران في المنطقة.
       إن المشهد المستقبلي للصراع الدولي على الموارد الإفريقية يشير إلى أن التنافس الصيني الأمريكي في إفريقيا سوف يكون هو التنافس الأصعب والأكثر شراسة وقوة ومرارة لأنه ينطوي على عنصر النفط الذي يشكل أهم الأولويات الاستراتيجية. وهذا يعني أنّ التنافس سيكون على أشدّه، وستلعب العلاقات الدبلوماسية والقدرة المالية في هذه الأوضاع دورًا كبيرًا في حجز وتأمين الحاجات النفطية من القارة الإفريقية.

مقالات لنفس الكاتب