array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 126

إيران قايضت أمريكا بأموال وقدرات العراق.. والهوية العربية تعرضت لتراجع ممنهج

الثلاثاء، 09 كانون2/يناير 2018

شهدت العلاقات الخليجية-العراقية بعضًا من التحسن في العام 2017م، بعد عدة سنوات من تباطؤ الطرفين في إظهار مؤشرات للانفتاح، والتي فسرت ضمنًا بسبب قوة التيار المحسوب أيديولوجيا على إيران (خط ولاية الفقيه) في القرار السياسي العراقي.

ومع الشروع بخطوات التحسن، صار يطرح موضوع إمكانية أن تشهد تلك العلاقات تحولات أخرى على حساب قوة حضور القيود والكوابح، وهذا الأفق الطموح يمثل رغبات موجودة في أوساط خليجية وعراقية، ترى وجوب تصحيح مسار العلاقات، فكل من الطرفين يمثل على المدى البعيد عمقًا استراتيجيًا للآخر. مع ذلك، فإن سقف الطموح لا يغيب عنه أن التصحيح هو مسألة: إرادية، وثنائية، والأهم ما زالت مسألة سياسية وليست مجتمعية ولا اقتصادية، وهذا ما نتناوله بالنقاط التالية:

 

أولاً-تحولات الواقع

تعاني البلدان الخليجية من عدم تجانس عوامل القوة، فمزايا: المكانة الدينية والموقع وموارد الطاقة، يقابلها وجود معوقات تكبل القرار السياسي الخليجي، ومنها:

  • أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية لا تتيح التحول نحو إنشاء كيان سياسي خليجي عربي واحد، أو التعامل بمنظور واحد.
  • وتعاني تلك البلدان من نقص في القدرات البشرية التي يمكن أن تنقلها سريعًا إلى مصاف القوى الإقليمية المؤثرة باستثناء الدول الكبيرة في هذه المنظومة الخليجية.
  • وما زالت تنفق بشكل مكلف على قطاعات الدفاع والأمن وغيرها، وتستهلك عوامل القوة العسكرية والتصنيعية ولا تنتجها أو تشارك بعملية صنعها، وإن كانت بعض دول مجلس التعاون الخليجي وضعت خططًا للتصنيع العسكري مؤخرًا.

أما العراق البلد الغني بثرواته، لكنه يعاني من مشكلة تحديد هويته بسبب موقعه الجغرافي وتداخله الاثني والمذهبي مع دول الجوار. وسياسيًا، فيه تنوع في الاتجاهات، حتى داخل التيار الواحد:

1-على صعيد الوسط الشيعي (55% من حجم المجتمع العراقي)، فيتألف من خمس دوائر مرتبطة بدرجات متباينة بإيران: في الدائرة الصغيرة جدًا([1]) والمؤثرة جدًا هناك اعتقاد بولاية الفقيه بنسختها الإيرانية وعدم خروج على القرار الإيراني، وفي الدائرة الأكبر منها حجمًا في المجتمع الشيعي سياسيًا وعدديًا هي قريبة جدًا من إيران إلا أنها تتعامل مع القوى الغربية بلا تحفظات([2])، وفي الدائرة السياسية التالية الأكبر من الناحية العددية والأقل تأثيرًا في القرار السياسي الشيعي والعراقي ورغم أنها قريبة من إيران إلا أنها منفتحة على التعامل المصلحي مع العرب([3])، ثم تليها قوى اجتماعية قبلية-مذهبية تقاربها من إيران يمثل عمل مصلحي وليس تعبيرًا عن خط ولائي ورغم أن حجمها يقارب ثلث حجم المجتمع الشيعي إلا أنها قوى غير منظمة سياسيًا، وفي الدائرة الأوسع هناك تيارات علمانية-مدنية بعيدة نسبيًا عن إيران وحجمها العددي يقارب ثلث حجم المجتمع الشيعي إلا أنها تفضل الركون إلى العزوف عن الانتخاب بسبب عدم تنظيمها سياسيًا. وباستثناء الدائرتين الأولى والثانية التي لا تفكر خارج الأوامر الجاهزة من إيران. إن القوى في الدوائر الأخرى تبادر أحيانًا بالعمل السياسي ضمن الخطوط العامة التي لا تعارض المصالح الإيرانية في العراق والشرق الأوسط

2-على صعيد الوسط السياسي العربي السني (تقريبًا 25% من المجتمع)، فهو ما زال مفككًا، ولا يتوقع أن يعاد تنظيمه في المستقبل القريب بسبب حجم الانتهازية السياسية السائدة فيه، وغياب الأولويات والهوية المذهبية والسياسية، وحجم التمزق والاستنزاف الذي تعرضت له قاعدته الجماهيرية.

3-أما على صعيد الكرد (تقريبًا 15% من المجتمع)، فإنهم منقسمون بين ثلاث مجموعات: التيار القومي الممثل بزعامة البرزاني وحجمه نحو نصف كرد العراق، والتيار الإسلامي وحجمه نحو الربع لكنه يعاني من غياب الهوية، وهناك الحركات اليسارية (القريبة من إيران) والقبلية (غير المهتمة بالعمل السياسي).

لقد دخل العراق بعد عام 2014م، في مرحلة إحداث توازن بين الاتجاهات السياسية وتعزيز مكانة الدائرة الشيعية التي تتعامل مع الغرب بلا تحفظات، وهو ما تسبب بأن يتجه العراق إلى الانفتاح نسبيًا على البلدان العربية.

إن ما يجمع كل من بلدان الخليج والعراق هو البيئة الخليجية، التي تعاني منذ عدة عقود من وجود مشكلة أوجدتها القوى الغربية بدعم ابراز مكانة ودور إيران كقوة ايديولوجية عنصرية تظهر كحامل لرسالة (أيديولوجية). في هذه البيئة، سبق أن شهدت علاقات الطرفين تحولات كبيرة بين عامي 1968-2014م، وهو ما تسبب بصدامين:

الأول-بين 1991-2003م، فبعد مرحلة قومية راديكالية مرتبكة تغيرت هوية العراق بمشاركة خليجية إلى طابع أيديولوجي متأثر بالنموذج الإيراني

والصدام الثاني كان في المرحلة بين 2011-2014م، فبعد مرحلة سعت فيها بعض بلدان المنطقة إلى إنشاء تنظيمات مسلحة (ارهابية/مرتزقة) عابرة لحدود الدول تصرف بها سياساتها تجاه بعض بشكل غير مباشر، وتمول ماليًا وبشريًا وتسليحيًا من بلدان كثيرة ومنها ما بين 170-360 مليار دولار أموال فساد التي خرجت من العراق إبان فترة حكم المالكي، ارتبكت البيئة الإستراتيجية لعموم المشرق العربي بفعل تحولين، هما: ما عرف بالربيع العربي، والاتفاق على البرنامج النووي الإيراني الذي جاء تتويجًا من الغرب بأن إيران قوة إقليمية، وكلاهما كان في غير صالح الخليجيين العرب مرحليًا. وكانت نقاط الصدام الرئيسة في: العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، بمعنى أن العراق كان أحد محاور تفاعل البلدان الخليجية وإيران، إلا أنه تفاعل عكس وجود إرادة غربية لإضعاف تلك البلدان ولصياغة خارطة شرق أوسط جديدة، تكون فيه الدول غير العربية هي الأقوى، ضمن حسابات أيديولوجية لقوى مؤثرة في سياسات القوى الكبرى، ولم تكن الإرادة الغربية جادة في سياسات كبح إيران داخل العراق، فاستثمرت إيران تمكين الولايات المتحدة أموال وقدرات العراق لقوى تربطها معها علاقات تاريخية لصالح دعم حضورها ونفوذها إقليميًا على حساب الخليجيين العرب في اليمن وسوريا ولبنان، أما العراق فإنه شهد تحولات مهمة اذ تعرضت الهوية العربية لتراجع حاد مخطط له.

إن تلك البيئة خلقت اجواءً سلبية في العلاقة بين البلدان الخليجية والحكومة العراقية، لم يحدث تحول عليها إلا في نهاية عام 2014م، عندما اجتاح تنظيم داعش اجزاءً واسعة من العراق، وطلبت معه الحكومة العراقية التزامات دولية وإقليمية لمحاربة التنظيم، وهو ما سمح بفتح عدة ملفات في تلك العلاقات، ومنها:

1-مطالب خليجية بتصحيح ممارسات حكومية أو شبه حكومية (لقوى شيعية ممثلة بالحكومة) في العراق تعد سلبية سياسيًا وإعلاميًا تجاه الانتماء العربي للعراق، واستمر عدم التزام بإجراء تصحيح قابل للملاحظة خلال المدة بين 2014-2016م، بفعل ضغوط قوى التيار القريب من إيران قبل أن تظهر الحكومة العراقية بعض المرونة في الانفتاح على تلك البلدان ودون الانتقاص من حجم العلاقة مع إيران مستهل عام 2017م.

2-مطالب خليجية بإنهاء حضور تنظيمات سياسية-عسكرية شيعية عراقية مع الأنشطة الإيرانية في بلدان عربية عدة، وخاصة أن الاتهام يتضمن أيضًا تحويل أموال الفساد التي يتم نقلها لتمويل أعمال عنف مصدرها إيران في المنطقة العربية

3-مطالب عراقية بإمكانية المشاركة الخليجية في محاربة تنظيم داعش، والاتجاه إلى دعم الحكومة العراقية سياسيًا وماليًا وإعلاميًا، ومنع تدفق الموارد لتنظيم داعش

4-معالجة بعض الملفات الخليجية في العراق، ومنها: المختطفون الخليجيون في جنوب العراق من قبل تنظيم مسلح شيعي نهاية العام 2015م، وتفعيل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الطرفين

5-وجود الحساسية الطائفية في العلاقات الرسمية، والمتمثلة بضعف حركة انتقال الأفراد عبر الحدود لغرض التجارة أو السياحة، وأيضًا بوجود حث إعلامي سلبي بين الطرفين، وهو ما ظهر بمطالب استبدال السفير السعودي في بغداد (ثامر السبهان) بسبب ضغط التيار القريب من إيران ومواقف السفير من قوى ذلك التيار.

إن التحول المهم في العلاقات الخليجية-العراقية تمثل بزيارة وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) للعراق في شهر فبراير 2017م، وخلالها عبرت السعودية عن مضمون مفاده:

  • إعلان الدعم للحكومة العراقية من أجل إنهاء تنظيم داعش.
  • مناقشة الإجراءات الأمنية على الحدود السعودية-العراقية، وهو ما تم أثناء زيارة رئيس الأركان السعودي للعراق في يوليو 2017م، وتلاه زيارة نظيره العراقي للسعودية في أكتوبر من العام نفسه.
  • مناقشة إمكانية الاستثمار في العراق.
  • الانفتاح على القوى السياسية وبضمنها القوى الكردية، لأن الخيار العربي في العراق أضعف واستنزف بشكل خطير بفعل الممارسات الأمريكية-الإيرانية.

وجاء بعد ذلك زيارة العبادي للسعودية في يونيو الماضي، ثم زارها زعيم التيار الصدري (مقتدى الصدر) في يوليو من العام نفسه، ثم زارها العبادي مرة أخرى في أكتوبر ضمن ما عُرف بالمجلس التنسيقي بين البلدين، في إطار زيارة إقليمية انتهت بإيران، فسرت بأنها تعكس حرص العبادي على تمرير رسالة: أن العراق سينفتح على الجميع، تزامنًا مع مشاركة كبيرة للسعودية في معرض بغداد الدولي (التجاري).

وباستثناء قطر، فالعلاقات الخليجية الأخرى شهدت استمرارية مع العراق، أما العلاقات القطرية العراقية فشهدت بعضًا من التحول في أعقاب إطلاق سراح المختطفين من العائلة الحاكمة القطرية في شهر أبريل 2017م، بعد أن دفعت قطر مبلغًا كبيرًا للجهة الخاطفة في العراق، وترتيبات سياسية-مسلحة في سوريا، ثم تلاها زيارة وزير خارجية قطر للعراق في شهر مايو الماضي، وتلاها مباشرة اندلاع الأزمة بين البلدان الخليجية الأخرى وقطر على خلفية التقاطع مع سلوك قطر في التعامل مع الوضع الخليجي والإقليمي. وهو ما دفع العراق للانفتاح على قطر، ثم زارها رئيس مجلس النواب العراقي (سليم الجبوري) في مستهل يونيو، ثم وزير الخارجية (ابراهيم الجعفري) في مستهل نوفمبر.

إن التحولات التي طرأت على العلاقات الخليجية-العراقية إنما تعكس تحولات مهمة، فخليجيًا، الأزمة التي تتعلق بقطر بينت أن البيت الخليجي يعاني من عدم انسجام وتقاطع في المصالح، وانكشاف في الأمن الإقليمي، فكان التوسع بالانفتاح على العراق كجزء من ترتيبات أمريكية لإدارة المنطقة، في حين أن الحكومة العراقية أرادت موقفًا خليجيًا لا يدعوها إلى تغيير طبيعة الحضور الإيراني في العراق، وإنما يمكن أن تتدخل الحكومة العراقية لتقييد حجم مشاركة قوى عراقية غير رسمية في الجهد الإيراني الإقليمي، مقابل دعم خليجي لمحاربة تنظيم داعش في العراق.

أما على صعيد البيئة الإقليمية، فإن إيران لم تظهر أي تحول في سياساتها في التعرض للأمن الخليجي، فهي قد زادت من حضورها في اليمن ولبنان وسوريا، ورفعت من سقف إخلالها بالأمن البحريني، وغيرها. أما دوليًا، فإن القمة التي عقدت بين بلدان إسلامية والولايات المتحدة في شهر مايو 2017م، فإنها قايضت السياسة الأمريكية بدعم الأمن الخليجي كسلعة، ولا يعبر على حرص أمريكي جدي بتحقيق الاستقرار الإقليمي.

 

ثانيًا-فرص وكوابح متوقعة

يطرح عام 2018م، تساؤلات عما ستكون عليه العلاقات الخليجية-العراقية، وهل يمكن أن يكون الخط العام هو التطور والنمو؟، إن الإجابة عن ذلك تتضح من خلال تتبع: الفرص الموجودة في تلك العلاقات، والكوابح المتصورة، وسنجد الآتي:

ما يتعلق بالفرص، أي ما يمكن أن يدعم سقف التقارب بين الطرفين والبناء على الإيجابيات المتحققة، فتتمثل:

1-خليجيًا، الخلاف المرتبط بوضع قطر، وضاغط على الصراع مع إيران، يجعل البلدان الخليجية تتقبل فكرة السير باتجاه تعظيم خيار الانفتاح على العراق، رغم الحساسية الطائفية من ممارسات سياسية وإعلامية لقوى سياسية واجتماعية عراقية مرتبطة بعلاقات قوية مع إيران، وأنه لا يمكن توقع إعادة تنظيم للعرب السنة خلال المستقبل المنظور، وأن الكرد لا يعول عليهم استراتيجيًا، وأن أقصى ما يمكن أن تحصل عليه البلدان الخليجية هو تعزيز القوة السياسية للتيار القبلي-المذهبي في جنوب العراق، في حين أن الاستثمار الاقتصادي في جنوب العراق هو أقرب إلى تمكين الجماعات المحسوبة على إيران وجعلها إقوى (لأنها هي المهيمنة في جنوب العراق) أكثر منه ربطها بمصالح خليجية استراتيجية. لقد استنزفت البلدان الخليجية جزءًا مهمًا من ثرواتها لحفظ أمنها، والعراق هنا يمثل فرصة أمنية (الانفتاح سيجعل العراق أقل ضررًا بالشأن الخليجي لأنه سيكون مسؤولاً عن تصرفات الجماعات السياسية داخله عما يمكن أن يخططوه أو ينفذوه تجاه بلدان الخليج)

2-أما عراقيًا، فإن العراق الرسمي بحاجة إلى تهدئة مخاوف دول الجوار العربية من سياساته وخطابه شبه الرسمي، وبحاجة إلى الانفتاح الاقتصادي للشروع في عملية إعادة الإعمار والتنمية، إلا أنه يواجه مشكلة ضاغط إيران في وضع سياسات خارجية تراعي مصالحه فقط، في حين إن البيئة المجتمعية العراقية غير مستقرة، ولا ننسى أن العراق مقبل على انتخابات نيابية ما زالت مقدماتها مرتبكة، فالأموال والأسلحة والتنظيم والإعلام بيد التيار المرتبط أيديولوجيًا بإيران، وأقصى ما يتوقع أن يحصل ذلك التيار على 15% من مقاعد البرلمان القادم، في حين يتوقع أن تحصل التيارات السياسية المرتبطة بإيران والتي تقبل الانفتاح على الغرب على نحو 25% من مقاعد البرلمان القادم، وسيكون حضورها على حساب القوى الشيعية الأخرى الأضعف تنظيمًا، في حين أن الكرد سيستمرون عند معدل 15-16%، في حين أن التيار العلماني سيتعزز وجوده السياسي في مناطق العرب السنة بشكل محدود مع ارتفاع معدل العزوف الانتخابي في هذه المناطق، وأن تحالف التيارات (التي ترتبط بروابط أضعف أيديولوجيا مع إيران) مع التيارات العلمانية والكردية يمكنها من تشكيل حكومة أقل عنصرية وأكثر اتزانًا سياسيًا، وهو خيار ممكن إلا أنه يبقى غير مستقر بفعل ضاغط إمكانية تدخل إيران عبر البوابة الأيديولوجية أو أعمال العنف المسلح لإعادة تنظيم القوى الشيعية سياسيًا لمصلحتها

3-أما على صعيد البيئة الإقليمية، تعد إيران ضاغط وقيد على إمكانية تطور تلك العلاقات، فلا يستقيم تحقق المشروع الإيراني إقليميًا إلا عبر تطويع الإرادة الإقليمية وبضمنها الإرادة العراقية واستمرار جعلها أداة، والضغط على الخليجيين العرب من أجل قبول الدور القيادي لإيران، مع هذا تبقى إيران عدو يؤثر بشكل غير مباشر من خلال تحريك بعض المجتمعات العربية تحت عناوين ضعف الدمج السياسي للمجتمعات المحلية والتلاعب بالمشاعر المذهبية، ويوظف الأقليات الشيعية في بلدان آسيوية وإفريقية للقتال في شبكات وتنظيمات نيابة عنها بأموال تجارة المخدرات أو أموال الفساد التي سرقت من العراق، والفرصة هنا هي إدراك أن إيران لا تدخل صراعًا بمواردها الوطنية.

أما على صعيد برنامج إيران النووي، فإنه يفرض على البلدان الخليجية وجوب وضع استراتيجية طويلة الأمد بخطوات مدروسة لا تقبل التأجيل أو المماطلة للعمل على بناء قدرات استراتيجية ([4]). فهذا البرنامج أكد للبلدان الخليجية أنها الكيانات الأكثر تضررًا وعليها تصميم سياساتها بما يحقق لها مصالحها الاستراتيجية كدول مجتمعة وليس كيانات.

أما على صعيد ما عرف بالربيع العربي، فإنه نبه البلدان الخليجية إلى أن عليها في السنين القادمة العمل الجاد في ثلاثة محاور: بناء القدرات الوطنية لحفظ الأمن بخيارات محلية فالغرب يمكن أن يستخدم مجموعات محلية لإحداث عدم استقرار فيها، وعدم الوثوق بخيار شراء الأمن من الخارج كحل بعيد المدى، والعمل على تعزيز الهوية والاندماج والوحدة الخليجية لأنها العامل الرئيس في تحقيق الأمن الخليجي داخليًا.

4-أما أمريكيا، فإن البلدان الخليجية والعراق واقعان ظاهريا تحت المظلة الأمريكية، إلا أن التفاعلات بين هذه الاطراف الثلاثة تتجه بعيدا عن المصالح الامريكية، فالولايات المتحدة تمارس سياسة تعظيم عوائد تقديم الخدمات الأمنية، لكنها تضغط من أجل إحداث تفكيك للبنية السياسية والاجتماعية في البلدان الخليجية والعراق،وهذه الاتجاهات تجعل علاقاتهما مع الولايات المتحدة تتجه إلى التعارض وليس الالتقاء، وبسبب العامل الأمريكي فإن علاقاتهما يمكن أن تنفتح على التعاون.

إن هذه الفرص يمكن أن تسهم بتحقيق إحدى النتيجتين أو كلتاهما: تحقق مصالح للطرفين الخليجي والعراقي، والاستقرار الإقليمي، وذلك انطلاقًا من نظريتين مختلفتين بخط الشروع:

الأولى-توازن المصالح، فكلما كانت هناك احتياجات متبادلة كلما خففت الأطراف المعنية سقف مطالبها المتعارضة في العلاقات المتبادلة.

والثانية-توازن القوى، فكلما أدرك العراق وإيران أن البلدان الخليجية قوية كلما كانت تلك البلدان بمركز سياسي أقوى.

 

أما ما يتعلق بالكوابح، التي تباعد بين الطرفين، وهو يتعلق بإمكانية ظهور أو استمرار التعرض لضغط عوامل ومنها:

1-عدم الوضوح الخليجي بشأن: بناء القوة، وصياغة الاتجاه الاستراتيجي.

2-اضطراب العراق بفعل ضغط قوى سياسية مختلفة لمصادرة الدولة وجعلها طرفًا غير محايد في الصراعات الإقليمية المرتبطة بإيران، وعدم انسجام على صعيد هوية الدولة.

3-ضغط إيران السلبي على طرفي العلاقات لدفع بلدان الخليج إلى إدراك خسارة العراق كعمق قومي واستراتيجي، ودفع العراق إلى إدراك أن عمقه الأيديولوجي هو إيران وأن بلدان الخليج هي عدو أيديولوجي.

4-الولايات المتحدة تمثل أيضًا ضاغطًا سلبيًا على تلك العلاقات لأنها تريد استمرار التنافر الإقليمي بقصد استمرار دورها الأمني كنوع من التجارة المربحة، ويمكن أن تتدخل الولايات المتحدة للمساعدة أو التغاضي عن عدم استقرار بقصد رفع فاتورة الدعم للخليجيين، مستغلة انفتاح الخليجيين والعراق على صراعات جانبية محورها إيران بأدوات وأموال أغلبها عربية.

وهذه السلبيات أو الكوابح يمكن أن تسهم بتحقيق إحدى النتيجتين أو كلتاهما:

1-ابتعاد مصالح للطرفين الخليجي والعراقي.

2-بروز مؤشرات إضافية على ضعف الاستقرار الإقليمي.

وهو ما يستلزم من الطرفين التعامل مع تلك السلبيات وتخفيفها إن وجدت الإرادة المشتركة لتحسين العلاقات الثنائية.

ثالثًا-خيارات تصحيح وتطوير

إن تصحيح العلاقات الخليجية-العراقية والعمل على رفع مستواها عما تحقق خلال العام 2017م، يتطلب من الطرفين العمل على تعزيز حضور الفرص، وإضعاف القيود والكوابح، وفي كل من الحالتين فإن الذي يستحضر هو: الواقع الذي يمكن أن يظهر في تلك العلاقة، والإرادة السياسية للطرفين لتعزيز العلاقات.

أما ما يتعلق بالواقع:

إن كانت الفرص تهيئ الظروف الملائمة لإكمال تصحيح العلاقات، فإن الكوابح يمكن أن تدفع العلاقات نحو الصراع، و أخطرها هو المتعلق بالهوية والاتجاه الخليجي، ولا توجد مؤشرات كافية للحكم إن هناك إرادة خليجية موحدة وتعزيزها تجاه العراق وفي ، يقابله التخبط في العراق وسببه النزاع الصفري المدعوم إيرانيًا لتوجيه الهوية العراقية إلى الضد من الاقتراب من البلدان العربية عامة أو إلى الضد من الابتعاد عن إيران، ونصل منه إلى أن المشكلة تكمن في وجود إيران، بمعنى أن الكابح الثاني يتمثل بالعلاقات الخليجية الإيرانية وليس العلاقات الخليجية-العراقية، وتصحيحها يتم عبر أسلوبين:

  • بناء القدرات الخليجية (توازن قوى).
  • تعزيز ربط إيران خليجيًا (توازن المصالح) وإشعارها أنها بلد خليجي، وأن التفكير الأحادي ومحاولة أدلجة السياسة عمل لا يخدم إيران ولا الاستقرار الإقليمي على المدى البعيد، على أن يصاحب ذلك محاولة سحب البساط من يد إيران في مناطق مدت نفوذها إليها: الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، والنظام الحاكم في سوريا، وأحزاب في العراق، وهو ما يتم بتحميل الدول العربية التزاماتها التاريخية ضمن ميثاق الجامعة العربية بدعم المصالح العربية ومصالح البلدان الخليجية في مناطق الاضطراب العربية، أو بتشكيل حلف راغبين من العرب والبلدان الإسلامية لتصحيح متطلبات الاستقرار الإقليمي. ولا يمكن الشروع بذلك إلا بإطلاق استراتيجية بناء قدرات خليجية شاملة، والحوار مع إيران سياسيًا بعيدًا عن الولايات المتحدة.

وأما ما يتعلق بالإرادة السياسية:

إن التعامل مع الواقع بفرصه وكوابحه لا يفيد أن العلاقات الخليجية-العراقية سترتقي، إنما يتطلب الأمر توفر الإرادة الثنائية في عدة مواضع: سياسية وأمنية واقتصادية ومجتمعية، وهنا علينا إدراك أن إضعاف النفوذ الإيراني في العراق خلال وقت قصير غير ممكن، فهي استثمرت فيه سياسيًا وعسكريًا وماليًا وإعلاميًا وثقافيًا، وستتدخل بقوة للحفاظ على حضورها في الانتخابات النيابية عام 2018م.

ويمكن إيجاد بعض الروابط المشتركة بين الخليجيين والعراق، التي يمكن أن يتم البناء عليها في سنين قادمة ومنها:

  • بناء وسائل إعلام مشتركة تحاول كسب مجتمعات الطرفين بعيدًا عن الاتجاهات السياسية ولتخفيف الضاغط الطائفي في العلاقات الثنائية.
  • تأسيس فروع لجامعات خليجية في العراق.
  • يمكن طرح تأسيس منتدى سياسي /أو أمني /أو اقتصادي /أو ثقافي بين مجلس التعاون الخليجي والعراق، وإنضاج آلية للحوار المؤسسي الدائم، بما يزيد من ربط العراق خليجيًا
  • العمل على تعزيز قوة التيارات السياسية ذات التوجه العربي في العراق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أستاذ السياسة الدولية ـ كلية العلوم السياسية ـ جامعة النهرين ـ العراق

 

 

 

[1]-وتتمثل بالآتي: حركة العصائب وحزب الله-تنظيم العراق وحركة النجباء وتنظيم الخرساني وحزب الدعوة-جناح المالكي، يضاف لها تنظيما تنظيم بدر والمجلس الاسلامي العراقي اللذان يتعاملا مع الغرب بتحفظات قليلة.

[2]-وتتمثل بالاتي: حزب الدعوة-جناح العبادي وتيار الاصلاح-الجعفري وتيار الحكمة..

[3]-وتتمثل بالاتي: التيار الصدري..

[4]-يجب هنا ان تتضمن تلك الإستراتيجية الاتي:

-بناء جيوش وطنية قادرة على اداء مهمة الدفاع عن الامن بقدرات ذاتية، ويمكن العمل على تجنيس مجموعات من الشباب العربي والمسلم (مثلا كل عام 50 ألف) مقابل الخدمة العسكرية الطويلة الامد يتم نشرها ضمن مناطق الانكشاف الإستراتيجي (شمال السعودية وشرقها ووسطها وجنوبها، وشرق الامارات العربية وجنوبها وغربها، وفي البحرين والكويت وقطر)

-التشجيع على زيادة عدد السكان بمعدل يفوق ال 5% لضمان الوصول الى معادلة القدرة السكانية في إيران وتركيا في مدة تتراوح بين 2040-2050، وقبلها امتلاك القدرة السكانية الوطنية لادارة مرافق البلاد المختلفة ومنها الامن

-بناء المدن العلمية والتكنولوجية والفنية والطبية والزراعية، ويمكن ان يتم تجنيس مجموعات من العلماء والمبتكرين الشباب العربي والمسلمين (مثلا 10 آلاف كل عام) مقابل العمل الدائم في تلك المدن، وتوزيعها في مناطق الخليج الداخلية غير المأهولة وغير المستثمرة بما يخلق قفزات تنموية حقيقية كبيرة

-تشجيع اقامة بنى صناعية متقدمة، سواء عبر راس المال الوطني أو بصيغ الاستثمار، وبضمنها انشاء مدن صناعية على سواحل بحر العرب والبحر الاحمر، والاهم من ذلك اهمية البدء بمشاريع التصنيع العسكري والصناعة النووية

-ايجاد طرق لنقل الطاقة والسلع خارج مضيق هرمز، سواء بإنشاء قناة تشق الامارات العربية، أو بإنشاء خطوط انابيب وسكك قطار عبر السعودية لربط المدن على الخليج العربي بساحل البحر الاحمر وبحر العرب

-الاستثمار الخليجي في انشاء قاعدة صناعية وعسكرية وتكنولوجية وعلمية في دول اسلامية مثل مصر والجزائر والسودان وتركيا وباكستان وبنغلادش، تحقق للبلدان الخليجية ربطا إستراتيجيا بتلك البلدان لتلبية ما تحتاج اليه وبضمنه ايجاد احتياط أو عمق إستراتيجي عند الضرورة

-الانفتاح على تحالف راغبين، ويجب ان يضم في اقل تقدير كل من: تركيا ومصر وباكستان (والبلدان الاسلامية ذات الكثافة السكانية الكبيرة)، بأبعاد عسكرية وسياسية ومالية وثقافية.

مقالات لنفس الكاتب