array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 126

العلاقات الخليجية الأمريكية عام 2018 : التوافق والتباين والتحديات المستقبلية

الإثنين، 15 كانون2/يناير 2018

شهدت العلاقات الخليجية – الأمريكية في العام 2017م، العديد من مراحل التوتر على أثر تغير الخارطة السياسية بعد الربيع العربي، ودخول قوى جديدة ومعسكرات متضادة، وبروز فاعلين جدد من ميليشيات مسلحة وتنظيمات إرهابية غير حكومية  وانبثاق تحالفات جديدة على المستويين الإقليمي والدولي، ناهيك عن العلاقات الخليجية - الأمريكية التي لم تكن في أفضل مستوياتها في ظل إدارة الرئيس السابق -  باراك أوباما - بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي الإيراني، وإقرار قانون جاستا وملفات سوريا، والعراق، واليمن وغيرها من القضايا التي لا تزال تداعياتها ماثلة في المنطقة، فضلاً عن سلبية الموقف الأمريكي تجاه سياسات إيران العدائية في المنطقة وتجاربها الصاروخية، ومحاولة بسط نفوذها والتحكم في المعابر البحرية التي تمثل مسألة حيوية لدول الخليج، وأهم نقاط الاشتباك معها، ولا نغفل التدخل الإيراني العسكري الذي طال دول الخليج وفي القلب منها المملكة العربية السعودية التي باتت في مواجهة ليس مع أنصار إيران في العراق واليمن فحسب، وإنما مع إيران نفسها التي بدأت تدخل على خط المواجهة المباشر، عبر أذرعها العسكرية في المنطقة وتعدياتها المتكررة على الأراضي السعودية.

 وفي خضم هذه التحولات وانعكاساتها على دول المنطقة، وتوجهاتها الخارجية  سواء في تفاعلاتها مع الأطراف الدولية الفاعلة، أو حتى على المستوى الإقليمي، أثيرت الكثير من الشكوك حول مدى التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي، وملابسات تأخير الإدارة الأمريكية لعدد من القرارات المتعلقة بمبيعات الأسلحة لدول الخليج، وما الذى يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة إعادة تأسيسه في مجال التعاون الأمني  وإطار ومعايير وأولويات مبيعات المعدات العسكرية والأسلحة لدول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الملفات والقضايا العالقة حتى اللحظة .

 العلاقات الخليجية – الأمريكية عام 2017: قضايا عالقة ومعوقات قائمة

بتقييم العلاقات الثنائية ما بين الخليج والولايات المتحدة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية والطاقة، واجهت دول الخليج في إدارة علاقتها مع الولايات المتحدة مجموعة من التحديات، وعجزًا في الثقة في العام 2017م،  لا سيما مع تصويت الكونغرس  لتجاوز حق النقض الذي يتمتع به - أوباما -على قانون جاستا، مما عزز شكوك دول مجلس التعاون الخليجي حول بقاء الولايات المتحدة كضامن للأمن الإقليمي والاستقرار الإقليمي، وتزامنت هذه الشكوك مع سلسلة من الإجراءات والخيارات السياسية للولايات المتحدة من الملف السوري إلى صعود الإسلام السياسي إلى الاتفاق النووي الإيراني وانتهاءً بالتواجد الروسي في المنطقة.

 وفيما يتعلق بالقضايا الأربعة، اتخذت دول مجلس التعاون الخليجي مسارًا مختلفًا عن الولايات المتحدة، وإن كانت الاختلافات تبدو جزئية أو تقنية، إلا أنهما ينظران إلى الأمور من منظور مختلفحتى خلال مشاركتهم في الضربة الجوية ضد تنظيم الدولة  الإسلامية، ففي الوقت الذي تبدو فيه أولوية دول الخليج، وقف التوسع الإيراني بكافة صوره وأشكاله، سارعت الولايات المتحدة إلى إبرام صفقة نووية مجزية مع إيران فضلاً عن رفع العقوبات المفروضة عليها بمعزل عن التشاور مع القوى الإقليمية بشفافية كافية أثناء إجراء الرئيس الأسبق – أوباما –حوارات سرية تامة مع إيران [1]  مما تسبب بأزمة ثقة في السياسة الخارجية الأمريكية لتباين وجهات النظر  وتضارب المصالح، وإن كان هناك قاسم مشترك بين دول المجلس وأمريكا،  يتركز في مكافحة الإرهاب، الذي يأتي في طليعة استراتيجيتهما في السياسة الخارجية والداخلية من حيث تبادل المعلومات، وتجفيف مصادر التمويل، ووضع الخطط والاستراتيجيات لمكافحته دعمًا للمصالح المشتركة، وهو ما لا يقل أهمية عن تعاونهما في مجال النفط والعلاقات العسكرية والاقتصادية والتجارية .

وإن كانت القضية الأكثر تعقيدًا في العام المنصرم 2017م، والعام الجديد هي : مدى تأثير وامتدادات السياسة الروسية على السياسات الدولية بوجه عام والشرق الأوسط على التخصيص، ففي العام 2018م، سيتقدم الرئيس الروسي - فلاديمير بوتين -إلى الترشح للانتخابات الرئاسية، ومن المؤكد فوزه، ولا يخفى - سلوك بوتين –الدؤوب في إفشال مساعي الغرب خلال العامين المنصرمين وقد حقق بعض من مساعيه الهادفة لإحداث تغيير جذري على مستوى السياسة العالمية وفي المنطقة، عبر تدخل روسي مكلف  في الصراع السوري، مما مكنه من بلوغ بعض الأهداف الاستراتيجية فضلاً عن محاولة تغيير الهندسة الديبلوماسية في الشرق الأوسط، وتحقيق تقارب بين إيران وتركيا وإن كان مصير سوريا لا يعد أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا بقدر هدفها الأساسي في إقامة علاقات وتقارب مع إدارة - ترامب –عبر معالجة القضية الأكثر حساسية ألا وهي الحرب ضد تنظيم الدولة، وهو ما وظفته روسيا كوسيلة رئيسية لتحقيق تطلعاتها في المنطقة، ومحاولة استحواذها على أكثر مناطق الشرق الأوسط استراتيجيةً، سيما مع تراجع دور الولايات المتحدة المؤثر في المنطقة  وصعوبة التنبؤ بمسارات العلاقات الدولية للإدارة الأمريكية الجديدة على نحو يمكن الوثوق بها من حيث تحديد حلفائها في الشرق الأوسط، وموقفها من القضايا الشائكة في المنطقة، وما تعتزم القيام به .

الثابت والمتغير في العلاقات الخليجية -الرئاسة الأمريكية الجديدة

يطرح مفهوم التغير في كل رئاسة أمريكية جديدة، إشكالاً على مستوى حقل العلاقات الدولية، ويعزى بعض من هذا الإشكال إلى طبيعة الأفكار الفلسفية والتنظيرات السياسية لكل رئيس أمريكي منتخب ليس باتجاه بنية المصالح والمكاسب السياسية والاقتصادية التي يفترض العمل على تحقيقها أبان رئاسته فحسب، وكذلك تجاه السياسة الخارجية الأمريكية، وما تفرضه من إعادة توزيع أدوار ومهام القوى الدولية المؤثرة  لتحقيق تلك المصالح والمكاسب، وتحت أي استراتيجيات أو أهداف أو سياسات أو شراكات، طبقًا لشبكة متداخلة ومتشابكة من المصالح والعلاقات الأمريكية والمنظومة الدولية على المدى المنظور والبعيد، وإن كانت ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية تظل ثابتة، ولا تغيير فيها بتغير الرؤساء الأمريكيين، كونها معنية بتحقيقالمصالح الأمريكية العليا من حيث تفردها بالقيادة العالمية، وإنما التغيير يكون في طبيعة الممارسات والأدوات السياسية التي يرتئيها الرئيس المنتخب بحسب متغيرات البيئة الدولية، والشركاء الاستراتيجيين، ومن ثم، فإن القرار الأمريكي يعتمد غالبًا على التوليف بين التنظيرات الفلسفية والتفضيلات الاستراتيجية التي قد ترجح منظور ما على الآخر ، أو شريك استراتيجي على آخر ،  وبحسب كل ظرف استراتيجي مناسب له .

 وبالرغم من تباين السياسات التي اتبعها الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون تجاه الشرق الأوسط والخليج تحديدًا، فإن هناك شبه إجماع أو اتفاق على المصالح الأساسية والأهداف الرئيسية، التي يتعين على السياسة الخارجية الأمريكية أن تعمل على حمايتها وتحقيقها في المنطقة، وبمتابعة أبعاد التغيير أو الاستمرارية في توجهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط والخليج مؤخرًا، ومدى التمايز بين السياسة الخارجية لإدارة الرئيس – أوباما - والإدارة الأمريكية الجديدة تجاه المنطقة يمكن القول أن هناك بعض من التقارب الخليجي - الأمريكي، حيث شهدت السياسة الخارجية لكل منهما تحولا في توجهاته صوب الآخر ، والمزيد من التوافق في عدد من الملفات المهمة على المستويين الدولي والإقليمي، على خلاف العلاقات الخليجية مع الإدارة الأمريكية السابقة التي أسهمتفي إخلال معادلة موازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح إيران .

ولتعرف ما إذا كان هناك ثمة تغيير حقيقي تشهده السياسة الخارجية لدول الخليج والولايات المتحدة، ودوافع هذا التغيير وحدوده، ومجالاته، ومعوقاته، وإمكانية الاستمرارية فيه، أم أنه تحول لحظي ارتبط بمتغيرات محددة سرعان ما يحل التباين والاختلاف بدلاً منها، لابد من استحضار بعض من فعاليات وحيثيات زيارة الرئيس الأمريكي – دونالد ترامب – للمملكة العربية السعودية وما صاحبها من أعمال القمة الأولى العربية الإسلامية - الأمريكية، التي شكلت مؤشرًا واضحًا لجدية العلاقات الخليجية - الأمريكية ، ودلالة عميقة لفتح صفحة جديدة للعمل معًا، للحدّ من المخاطر والتهديدات الأمنية في المنطقة، ناهيك عن تشجيع الحوار بين أتباع الأديان السماوية مما يعكس نقطة تحول في إدارة العلاقات الخليجية مع الرئاسة الأمريكية، والانتقال بها من علاقات توتر إلى شراكة إستراتيجية بين الخليج والعالم العربي الإسلامي والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا ، بهدف إرساء السلام العالمي ومحاربة الإرهاب والتطرف .

 وبالرغم من التقارب الخليجي – الأمريكي الأخير، يبدو أن سنة 2018م، لن تخلو هي الأخرى من بعض التحديات والتباين في المواقف الخليجية الإقليمية والدولية، سيما مع اتساع الحراك الروسي، وجهوده الحثيثة للتأثير على السياسيات الدولية في الشرق الأوسط، وإن كانت العلاقات الخليجية -الأمريكية ستعمل على تعزيز ثقلها السياسي الإقليمي لبداية جديدة في مسار الارتقاء بتلك العلاقات سيما ما يتصل بالمحاور الحيوية التالية:

  • التعاون بين أمريكا وتحالفاتها التقليدية، لمواجهة سياسات إيران العدوانيةوتدخلها السافر في شؤون دول الجوار، ودعم الإرهاب، وسلوكياتها المغذية للطائفية وثقافة العداء والاختلاف، والتصدي لميليشياتها المسلحة، وأذرعها العسكرية المهددة للسلام الإقليمي والعالمي.
  • تأكيد القمة العربية الإسلامية – الأمريكية على تقارب وتطابق الرؤى حيال القضايا الإقليمية، وأهمية تضافر الجهود لإحداث التوازن الإستراتيجي المفقود بين دول المنطقة، من خلال إعادة الدور الأمريكي المؤثر في الشرق الأوسط وريادتها العالمية التي تأتي استكمالاً لقمتي -كامب ديفيد والرياض -مما يمهد لعلاقات واضحة وراسخة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي بما يحقق أمن واستقرار ومصالح دول المنطقة.
  • إيجاد شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وتجفيف مصادر تمويله، وشهدت القمة افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف – اعتدال –المعني بجمع المعلومات اللازمة للحرب على الإرهاب، والاستفادة من الولايات المتحدة في مواجهة التطرف بما تملكه من تقنيات عالية وخبرات عسكرية كبيرة، لتقديم الدعم اللازم فيما يتعلق بالتحالف العسكري الإسلامي والتحالف الدولي، ومواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة خاصة في العراق وسوريا وليبيا واليمن، التي تشهد تطورات أمنية وسياسية خطيرة، تنتظر جدية الحسم.

الأزمة الخليجية – القطرية: العلاقات الخليجية -الأمريكية  

ألقت الأزمة الخليجية – القطرية بظلالها على دول المنطقة، فدخول قوى إقليمية على خلفية الأزمة – إيران وتركيا - ينبئ بأن موازين القوى والتحالفات قد تنقلب كليًا إذا استمر ذلك الخلاف، وبالرغم من أن دولة قطر عضو في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم " الدولة الإسلامية "والطائرات الأمريكية الحربية تنطلق من قاعدة " العديد "في الدوحة  لضرب قواعد ومقرات التنظيم في العراق وسوريا وغيره من الجماعات المتشددة  إلا أن الموقف الأمريكي من الأزمة الخليجية كان غير واضح، ولا يعكس محاولات جادة لرأب الصدع وإنهاء الأزمة، حتى مع مسارعة إيرانللاستفادة من الخلاف الخليجي القطري، وتقديم المساعدات للتخفيف من تداعيات إغلاق الحدود الجوية والبرية والبحرية، واللهجة التصالحية لقطر تجاه إيران المنافسة الإقليمية الأساسية للخليج وفي القلب منه المملكة العربية السعودية، ناهيك عن الحضور العسكري التركي  الذي نزل بكامل ثقلة  لمضاعفة قواته في قطر، رغم تقارب المواقف بين أنقرة وحكومات الخليج في عدد من ملفات المنطقة، سيما ما يتصل بالمعادلة السياسية تجاه موضوع الأكراد، وخطاب التفاهم التركي السعودي في - سوريا والعراق - والعلاقات التجارية الكبيرة بينهما .

وباستمرار التدخل التركي، وفتح إيران لمجالها الجوي، أتى التحرك الأمريكي في الخلاف الخليجي ـ القطري متداخلاً ومتناقضًا، بل ومستثمرًا بعضًا من ملابسات الخلاف الخليجي - القطريوتداعياته بما يعزز من مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية وحليفتها إسرائيل في المنطقة، عبر تنشيط تجارة السلاح والمعدات العسكرية، إذ أعلنت الإدارة الأمريكية عن توقيع عقد توريد أسلحة لقطر بقيمة (13) مليار دولار ، كما لم يثنيها ذلك من إبرام صفقات سلاح متطورة مع قطر - سرب طائرات مقاتلة من طراز إف 15 بقيمة بلغت 12 مليار دولار - مما سيرفع قدراتها القتالية في المجال الجوي ، في اتفاقية وقعها وزير الدفاع الأمريكي - جيمس ماتيس -مع نظيره القطري - خالد العطية - تزامنًا مع استمرار إعلان عدد من الدول قطع العلاقات مع قطر [2]  وأتى ذلك بالتزامن مع جولة وزير الخارجية الأمريكي وصانع السياسة الأمريكية – تيلرسون - في المنطقة , ليوقع مع قطر المتهمة بالإرهاب من جانب دول المقاطعة الأربع " برتوكول لمكافحة الإرهاب "ولا نغفلإقرار لجنة الشؤون الخارجية لمجلس النواب الأمريكي تشريعًا ينص على فرض واشنطن عقوبات ضد الحكومات الأجنبية والأفراد الذين يقدمون دعمًا ماليًا وماديًا لحركة – حماس -واستهدف التشريع دولة قطر بالتحديد  لدعمها المادي والعسكري للحركة، ومنح اللجوء لزعمائهافي محاولة لحماية أمن إسرائيل الحليف الدائم للولايات المتحدة [3]، بالرغم من تحذيرات خبراء في الأمن القومي ودبلوماسيين - James Jeffrey -من تداعيات الخلاف الخليجي - القطريودور الولايات المتحدة في إدارة ذلك الخلاف، خوفًا من أن يؤدي تصاعد وتيرة الخلاف إلى تدمير التحالف الموجود في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران وروسيا سيما أن تضامن دول مجلس التعاون الخليجي مهم ، لتحقيق أهداف الأمن والاستقرار الإقليمي [4].

كما وجدت الولايات المتحدة في التدخل التركي في الأزمة القطرية، وتجاهلها إقامة قاعدة عسكرية تركية في الدوحة، استراتيجية مناسبة لتوريط الجانب التركي بهدف توظيفها مستقبلا كورقة ضغط ، لإضعاف تأثير الدور التركي في حال تباين المواقف بينهما، كما هو الحال تجاه الدعم الأمريكي للأكراد في سوريا والعراق  والوضع قابل للتطور ، إذا ما قررت حكومة قطر المزيد من التصعيد من حيث مراجعة الوجود الأمريكي في قطر ، في حال حسم الولايات المتحدة موقفها لصالح السعودية والدول التي تساندها، وإن كانت - واشنطن -ستمضي قدمًا في معارضة أيّ محاولةٍ للقيام بما من شأنه أن يغيّر التوازنات الإقليمية التي تحرص على استمرارها في منطقة الخليج  خاصة أنها تحتفظ فيها بأكبر قواعدها العسكرية، كما لن تقبل باحتواء إيران لـ - حركة حماس -في حال اشتد الضغط على قطر .

وصفوة القول، إن الموقف الأمريكي من الأزمة الخليجية-القطريةوعلاقاتها مع مجلس التعاون الخليجي، ستظل رهينة بالمصالح الأمريكية المتحققة من استمرارية الأزمة وديمومتها، خصوصًا أن الإدارة الأمريكية لا حرج لديها في بناء علاقات بناءة واستثمارات مجزية مع كلا طرفي الأزمة، بما يحقق مصالحها الخاصة على نحو مستقل لإنعاش صناعة السلاح الأمريكي، إذ ليس من الصعب على الإدارة الأمريكية الضغط على قطر للقبول بتنفيذ الشروط الخليجية الـ (13)محل الخلاف، أو في الحد الأدنى عرض وساطة جادة لمعالجة تلك الخلافات.

 العلاقات الخليجية – الأمريكية: الآفاق والتحديات المستقبلية

تقتضي هندسة الأمن الخليجي في ظل النزاعات الإقليمية والدولية،  وتسارع وتيرتها الأمنية والاقتصادية، وما أسفرت عنه من توازنات قوى جديدة في المنطقة، إحداث الكثير من المقاربات لآليات الحراك الإقليمي والتحالف الدولي، والشركاء الاستراتيجيين بقصد المواجهة المثلى لحالة الانفلات الأمني، وهشاشة البنية الداخلية والأمنية لبعض دول المنطقة، ناهيك عن مسألة التعاطي مع قضايا الإرهاب، و سياسة التمدد الإيراني الجغرافية والمذهبية، وحراكها السياسي المؤدلج حول الخليج وداخله المهدد للأمن والسلم الدوليين فضلاً عن إمكانية هيمنتها النووية، ومحاولة استهداف أسواق الطاقة العالمية  والمعابر والمنافذ البحرية للتجارة الدولية .

وبالتحليل الواقعي للموقف السياسي والأمني العربي – الخليجي في هذه المرحلة الحرجة، يقتضي الموقف إعادة مراجعة المنظومة الأمنية، والسياسات الجيوسياسية والجيواستراتيجية وما صاحبها من إتفاقيات أمنية حمائية مع الدول العظمى خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، وبتقييم استراتيجية الشراكة الأخيرة ما بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، أمكن رصد بعض من المؤشرات التي تدلل بقاء منطقة الشرق الأوسط ضمن المناطق المركزية في اهتمامات الإدارة الأمريكية الجديدة ، لتحقيق بعض من توازن القوة في المنطقة، تزامنًا مع حالة الانغماس الإيراني في عدد من الملفات والقضايا الإقليمية، وإن كانت علاقات التعاون بين دول الخليج  وأمريكا لن تعني التماثل، بقدر التركيز على دعم المصالح المتبادلة، عبر تحسين البيئة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية والطاقة بما يحقق تلك المصالح، خصوصًا أن تركيز الرئيس - ترامب – بحسب فكره الاستثماري سينصب بالدرجة الأولى على أهداف محددة من شأنها جلب الثروة لأمريكا، لإعادة بناء اقتصاد قوي  يدعم الصالح الوطني من حيث استحداث الفرص الوظيفية  وإنعاش سوق السلاح  وإن تطلب ذلك غض الطرف الأمريكي عن الصراعات والأزمات القائمة في المنطقة على غرار الأزمة الخليجية - القطرية، واستمرار الحرب في العراق وسوريا، وهو ما يجب استحضاره عند رسم آفاق العلاقات الخليجية - الأمريكيةالحالية والمستقبلية ، مع  الرهان على دور دول الخليج المستقبلي كركيزة في استقرار منطقة الشرق الأوسط المضطربة ، في وقت انهارت فيه سلطات كثير من الأنظمة في المنطقة  الأمر الذي يفرض على الإدارة الأمريكية، بناء علاقة جيدة مع دول مجلس التعاون الخليجي باعتباره مركز استقرار المنطقة، فضلاً عن قدرتها على التأثير في دول مجاورة لم يعد فيها وجود لحكم حقيقي كما هو الحال في – العراق – سوريا – اليمن – وإن كان هناك تباين في الرؤى والاستراتيجيات، واختلاف القيم المشتركة ،إلا أنهما لا يزالان مشتركين في عدة أهداف ومصالح، ومن الواضح أن الولايات المتحدة لن تتنازل عن تلك المصالح لقوى دولية أخرى منافسة لها في المنطقة. كما ليس من مصلحة - واشنطن -بناء علاقات متينة بين دول الخليج العربي وروسيا،  سيما أن النفط الخليجي ليس مجرد سلعة للولايات المتحدة بقدر ما هو صناعة ضخمة  تستثمر رؤوس أموال هائلة، وتقوم على إدارته وتسويقه مجموعة من الشركات الأمريكية العملاقة التي تؤثر في الاقتصاد الدولي وتتأثر ،  وإذا كانت رؤوس الأموال الهائلة في دول الخليج لها تأثير في الاقتصاد الدولي، فإن الولايات المتحدة، ستسعى للاستفادة من اقتصادات الخليج وحمايتها، بالإضافة إلى أن خبراء الأمن القومي لن يسمحوا بخروج دول مجلس التعاون عن دائرة نفوذهم في المنطقة، خصوصًا مع تزايد حالة التنافس الدولي على نفط الخليج مؤخرًا  مما يجعله في مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة كشريك قوي في منظومة التجارة العالمية، لاسيما في ظل احتياطيات أمريكا من الوقود الأحفوري الآخذة في التناقص باستمرار على الرغم من ثروتها من النفط الصخري وبفرض تحقيق واشنطن اكتفائها الذاتي من الوقود ، من المرجح أن تظل علاقة – واشنطن -مع دول الخليج البترولية الشريك القوي في التجارة الدولية على أعلى مستوى ، لارتباط منتجات وأسواق الطاقة - بالدّولار الأمريكي –في جميع تداولاتها، كما أن هذه الشراكة ستكون واعدة في استقطاب المستثمرين للاستثمار في سندات الخزينة الأمريكية من خلال ترفيع نسبة الفائدة التي يضعها البنك الفدرالي .

وفي سياق آخر، لا يبدو في الأفق ما يؤشر إلى تباعد دول مجلس التعاون الخليجي عن الولايات المتحدة على حساب التقارب مع روسيا والصين، لصعوبة التحول الكلي لمنظومة تسلح دول الخليج من الاعتماد على السلاح الأمريكي خلال المدى المنظور حتى مع سعي روسيا الحثيث لتعظيم علاقاتها مع الخليج، للاستحواذ على حصة من واردات المملكة من السلاح، لتعويض الخسائر التي مني بها الاقتصاد الروسي، جراء تراجع أسعار النفط.

ولتعزيز آفاق الشراكة الخليجية – الأمريكية، تستلزم الشراكة الجديدة من دول الخليج إحداث بعض التغيير لدول مجلس التعاون من حيث تبني مداخل وخطط واستراتيجيات جديدة في التعامل مع الحليف الأمريكي، تضعها في مركز الشريك المكافئ في نطاق توزيع المهام العسكرية والأمنية في المنطقة، وفي نطاق تبادل المصالح الاقتصادية والتوظيف الأمثل لمجموعة المنافذ البرية والبحرية، وإن كان ذلك يعني بالضرورة تعزيز الجبهة الداخلية لمجلس التعاون الخليجي ، وإجراء توافق واسع بين دول المجلس على نحو يتسم بالشفافية والديمومة، لتكوين شراكة حقيقية وفاعلة في العمل مع الولايات المتحدة ، على أمل أن يقود ذلك التوافق إلى نوع من توازن القوى المطلوبة إقليميًا .

الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران ومعضلة فقدان الشرعية الدولية

تأتي الإستراتيجية الأمريكية في منع إيران من اتخاذ أي مسار للحصول على سلاح نووي، ومحاولة تجريده من عناصر قوته في المعادلة السياسية الإقليمية، جزئية أساسية في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي , وحماية مصالحه في المنطقة ، وسبق أن أعلن الرئيس عن تحول كبير في السياسة الأمريكية، ونهجًا أكثر عدوانية تجاه إيران بشأن برامجها النووية، ونظام صواريخها الباليستية، ودعمها للجماعات المتطرفة في الشرق الأوسط [5]،  بل ذهب في بعض تصريحاته إلى أبعد من ذلك من حيث  إبقاء خياراته مفتوحة بما فيها الخيار العسكري، مما يعني أن التحركات الأولية قد تتبعها تحركات أخرى  لن تكون أقل صرامة مما تم اتخاذه - حتى الآن -  باتجاه التهديدات الإيرانية، وإن تطلب ذلك قيام مشروع عسكري آخر في منطقة الشرق الأوسط ، لردع قدرة إيران على زعزعة استقرار المنطقة، والدفاع عن المصالح الأمريكية، ومصالح حلفائها .

الجدير بالذكر ، أن جميع الاستراتيجيات التي حددها الرئيس الأمريكي - دونالد ترامب - بحسب خطاباته المتكررة، بدءًا من التهديد بإلغاء الاتفاق النووي بشكل نهائي  إلى فرض عقوبات جديدة على إيران وتجميد أرصدتها المالية إلى حشد تحالف دولي لمحاصرة  إيران، إلى احتمالية التصعيد العسكري باتجاه قيام حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من العقوبات، لا تخرج عن كونها مجرد تصريحات  ولا تستند على أي مسوغات قانونية دولية تشرعن تلك الإستراتيجيات إلى إجراءات واقعية لردع إيران لا سيما مع امتثال إيران وتعاونها الجيد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية  والوفاء بتعهداتها النووية في إطار " خطة العمل المشترك الشاملة "كما أن اتخاذ أي عقوبات أمريكية أحادية الجانب من شأنه زيادة التوتر الدولي مع إيران  ووضع – واشنطن - على خلاف مع الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق - بريطانيا - فرنسا - ألمانيا - روسيا - الصين - الاتحاد الأوربي  ولا نغفل هنا الرفض القاطع لمسؤولين أوروبيين حول إعادة التفاوض حول الصفقة، وإن كانوا يتشاطرون مخاوف - ترامب - بشأن التأثير الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط [6]، مما يعني أن الإستراتيجية الأمريكية لردع إيران لن تتحقق مالم يكن هناك توافقًا أمريكيًا أوروبيًا حول مخاطر وتهديدات إيران ليس بالنسبة إلى المسألة النووية فحسب، وإنما تجاه المصالح الغربية في منطقة الخليج وجوارها الإقليمي .

وفي ذات السياق لن تخاطر الولايات المتحدة – أيضًا - باتخاذ أي إجراءات أحادية رادعة لإيران  والمقامرة بعملية عسكرية في نفس المنطقة الجغرافية التي منيت فيها بحروب استنزاف طويلة " أفغانستان - العراق "دون تحقيق انتصارات تذكر  كما أن فرض عقوبات إضافية دولية أو حتى أمريكية لمواجهة نشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة ومحاولة عرقلة نظامها الصاروخي لإجهاض مشروعها الإقليمي  بالرغم من أهمية آلية تلك العقوبات الاقتصادية وفاعليتها  إلا أن كثير من الأطراف الدولية ليس من المتوقع أن تشارك في أي عقوبات جديدة على طهران  كما أن الإدارة الأمريكية نفسها منقسمة بشأن اتخاذ عقوبات جديدة تجاه إيران  حيث سبق أنأعرب الديمقراطيون الأمريكيون عن شكوكهم في قرار - ترامب –لا سيما مع مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها أزمة نووية مع كوريا الشمالية، ولا يرغبون بإثارة أزمة جديدة قد تعزل الولايات المتحدة عن حلفائها وشركائها الأوربيين .

صفوة القول، إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بتعزيز وتوطيد علاقات بناءة مع دول مجلس التعاون الخليجي التي تتحكم بأكبر احتياطيات العالم وتضطلع بدور بارز في استقرار سوق النفط العالمية، فإنها ستكون معنية باستقرار المنطقة ليس لحاجتها إلى نفط الخليج  وتلبية احتياجات حلفائها التقليدين في أوروبا وآسيا فحسب، وإنما لضمان الاستقرار الاقتصادي للسوق العالمية سيما أن التهديدات الإيرانية لا يمكن اختزالها في المسألة النووية ومحاولات الالتفاف على مضمون ما جاء به الاتفاق النووي  واستمرارها في برامجها الصاروخية ومضاعفة عملياتها ونشاطاتها الداعمة للميلشيات الشيعية في المنطقة وزرع الإرهابيين في الشرق الأوسط، بل تكمن كذلك في تمدد قوتها العسكرية البحرية إقليميًا نحو المضايق الإستراتيجية الهامة والمنافذ البحرية في المنطقة ومحاولة الهيمنة على أهم الممرات الخاصة بإمدادات الطاقة والتجارة في العالم  للتحكم في حركة الملاحة البحريةمن - مضيق هرمز وخليج عمان على بحر العرب وخليج عدن - ومضيق باب المندب عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر - ليس لتأمين أمنها القومي كما تدعي بقدر رغبتها في إحكام الهيمنة المزعومة على تلك المنافذ البحرية والظهور كقوة إقليمية كبرى ومؤثرة إقليميًا ودوليًا  حيث يدرك النظام الإيراني جيدًا أهمية التحكم والسيطرة على الممرات البحرية التي طالما كانت بؤرًا للصراعات الدولية وضرورة التحكم فيها لضمان مصالحه الاستراتيجية.

 

 

 

المراجع: 

[1]The future of Saudi-American relations .. Where to ?   the new khali - Middle East Preving -  Shadi Khalifa - The New Gulf , 15-08-2016 .                                      

[2]                    .  https://arabic.cnn.com/.../qatar-sales-purchase-us-manufactured

[3] Eric cortelessa : Haley seeks UN resolution to punish states backing Hamas –  the times of Israel – dated 20/06/2017 .                                                                       

[4]http://www.achariricenter.org/washington-bi-alarabi-qatar-gulf-rift-ar    .       /

[5]Steve Holland -  Yara Bayoumy  : Trump strikes blow at Iran nuclear deal in major U.S. policy shift -  REUTERS :  October 13, 2017 .                                             

  

[6]  FRANCE 24; Trump refuses to certify Iran nuclear agreement – 15 -10 -2017  

مجلة آراء حول الخليج