array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 128

التحالف الاستراتيجي الخليجي ـ الهندي ضرورة معاصرة للتوازن في الممرات المائية

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

يعبر التساؤل عن افتراض مجموعة هواجس خليجية مستعجلة، تحتم فتح هذا الملف من زوايا جديدة في ظل أخر المتغيرات على خارطة التحالفات الإقليمية، وتأثيراتها العالمية، وربما يكون طرحه الآن أكثر أهمية من السابق، وذلك لما يحدث داخل شبه القارة الهندية من تحولات كبرى غير مسبوقة بقيادة الهند في عهد مودي، ولما تشكله نيودلهي من قوة إقليمية صاعدة في منطقة جنوب آسيا، ستكون مؤثرة على المحيط الهندي.

وبالتالي، فنيودلهي تؤسس لنفسها الآن دورًا إقليميًا أكثر فاعلية، بطموحات اقتصادية عالمية، وتشارك في تشكيل تحالف رباعي عالمي، كشف عن ذاته مؤخرًا، لمواجهة النفوذ الصيني عالميًا، وفي المحيط الهندي خصوصًا، مما تظهر نيودلهي الآن كسند أمني إقليمي للخليج، يمكن أن يدعم التوازن الإقليمي لصالح الخليج في ظل صراعات محتملة بين قوى قديمة وجدية داخل المحيط الهندي، وتبرز كذلك، كقوة اقتصادية متصالحة مع محيطها داخل القارة شبه الهندية المكونة من ست دول.

  • شبه القارة الهندية .. وتصالحها التاريخي.

تضم هذه القارة، الهند وبنجلاديش وبوتان والنيبال وجزر سيريلانكا والمالديف، وهي تشكل قسمًا كبيرًا من القارة الآسيوية، وبين هذه الدول ، نزاعات حدودية تاريخية، أدت بهم حروب وتوترات دائمة.

لكن، ومنذ مجيء مودي للسلطة في الهند، تشهد هذه القارة تحولات كبرى غير مسبوقة تمامًا، تعكس لنا أبعاد سياسية تتجاوز هذه القارة، فبعد عام من تسلمه منصبه، انفتح مودي على بنجلاديش، وحسم معها، خلافًا تاريخيًا، وهو تسليمها كامل أراضيها المحتلة إثر زيارة تاريخية لها.

في المقابل، ردت رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة الزيارة، ونتج عنها شراكة استراتيجية شاملة امتدت إلى الدفاع والطاقة النووية للأغراض السلمية، وتدريب علماء بنجلاديشيين في المجال النووي، كما وافقت نيودلهي على بناء خط أنابيب لنقل الديزل والغاز الطبيعي إلى بنجلاديش. وهذا يتضمن أيضًا خط أنابيب يمتد 131 كيلومتراً لنقل الديزل.

وفي مجال جذب بنجلاديش إلى الهند عوضًا عن الارتماء في الأحضان الصينية، قدمت الهند 4.5 مليار كخط ائتمان لبنجلاديش لتنفيذ مشروعات تنموية. ويأتي خط الائتمان هذا بعد أن زاد الرئيس الصيني «شي جين بينج» خط الائتمان لبنجلاديش إلى 24 مليار دولار أثناء زيارة قبل ستة أشهر.

ومن الجدير بالعلم، أن بنجلاديش محورية في التعاون الاقتصادي الإقليمي للهند في الوقت الذي تخطط فيه الهند لربط جنوب آسيا مع جنوب شرق آسيا. ولأن بنجلاديش تشتري نحو 80 % من عتادها العسكري، بما في ذلك الغواصات من الصين، عرضت نيودلهي تقديم خط ائتمان جديد بقيمة 500 مليون دولار يخصص تحديدًا لشراء عتاد عسكري من الهند لتقليل اعتماد دكا على بكين.

وقد اثبتت الشيخة حسينة أن بلادها يمكن أن تشكل منطقة حيوية للاستراتيجية الأمنية الهندية في المناطق الشمالية الشرقية، لذلك، فقد سارعت في تعزيز التعاون الأمني الحاسم بالنسبة للهند بشن حملة مشددة على المتمردين في الشمال الشرقي الذين استخدموا منطقة الحدود البنجلادشية كملاذ آمن لإثارة الاضطرابات في الهند.

ولو فتح نافذة كذلك في علاقات الخصمين التاريخيين في هذه القارة، وهما الهند وباكستان، فسنجد أيضًا تحولاً استراتيجيًا يؤسس مرحلة جديدة قائمة على قاعدة الاعتماد المتبادل، بهدف هندي واضح، وهو مواجهة النفوذ الصيني في إسلام أباد، وجعل هذه الأخيرة في الدائرة الهندية الأمريكية.

وقد رصدنا ذلك في بناء خط أنابيب لنقل (33) مليار متر مكعب من الغاز لمدة ثلاثين عامًا من تركمانستان إلى الهند عبر مرور الأراضي الأفغانية والباكستانية، وسيمر عبر أقاليم حركة طالبان، وهذا يفتح الآفاق السلمية لهذه المنطقة بعد اتفاق فرقائها بما فيهم إسلام أباد وحركة طالبان على ضمانة الأمن لهذا المشروع خلال تلكم السنوات الطويلة، وقد دشن هذا الخط الرئيس الباكستاني بحضور رئيس الوزراء الباكستاني ووزير الخارجية الهندي، وهذا له دلالة كبرى على مستقبل السلام والاستقرار في هذه المنطقة بقيادة الهند.

ومما يدعم هذه التوجهات، الاتفاق الإيراني ـ الهندي مؤخرًا على استئجار رصيفين من ميناء شهبار الإيراني المطل على خليج عمان قرب الحدود الإيرانية الباكستانية ، وستحولهما الهند إلى محطتين للحاويات والشحنات متعددة الأغراض، وليست إسلام أباد هي المستهدفة من هذا التطور، وإنما هناك الهاجس الصيني المنافس الإقليمي لنيودلهي في منطقة جنوب آسيا، ومنافسها الاقتصادي على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وهذه الرؤية تطرح نفسها في ضوء سعي مودي لتعزيز روابط بلاده التجارية مع آسيا الوسطى، خاصة بعد ما وقع الرئيس الصيني اتفاقات في مجالي الطاقة والبنية التحتية مع باكستان بقيمة (46) مليار دولار ،والتواجد الهندي في ميناء شهبار لا يبعد سوى (90) كلم فقط عن ميناء " جوادر " الباكستاني الذي يجري تطوير بمساعدة الصين.

مما يبدو لنا المشهد الباكستاني في حالة شد وجذب بين أكبر قوتين في آسيا، وهما الصين والهند، وبالتأكيد وراء نيودلهي بعد دولي أكبر من الإرادات الإقليمية لدول شبه القارة الهندية سيأتي بيانه لاحقًا.

  • الخليج والقارة الهندية .. من منظور جيواستراتيجي جديد.

خرجنا من بحث العديد من المصادر، أن هناك ارتباط وثيق في المنظور الاستراتيجي للفضائين الخليجي والهندي، وأهم صوره، تداخل حالة الأمن في الخليج بوضع الأمن في جنوب شرق القارة، فبمعيار التوصيف الجيوسياسي، تعتبر باكستان دولة مجاورة لإحدى دول النظام الإقليمي الخليجي وهي إيران، بل إن جزءًا من إقليم بلوشستان يقع في الأراضي الباكستانية، بينما يقع الجزء الآخر في الأراضي الإيرانية، مع وجود جزء صغير في أفغانستان.

وكما ترى المصادر، أنه لا يمكن فصل حالة الأمن في هرمز عن الظروف السائدة في بلوشستان، وبصفة عامة هناك ترابط على مستوى الممرات البحرية الدولية بين الخليج وبحر العرب، حيث تقع كل من ظفار العمانية وكراتشي الباكستانية وبومباي الهندية على نفس الامتداد.

كما أن جنوب آسيا منطقة ملاصقة للجزيرة العربية وبحر العرب، فهي معنية بأمن الممرات الحيوية للمنطقة، كما تمثل منطقة جنوب آسيا نقطة التقاء بين الخليج وجنوب شرق آسيا وأستراليا، وبالتالي تمر عبر جنوب آسيا الكثير من السلع والخامات الحيوية المتحركة بين المنطقة والشرق الأقصى.

وحالة الأمن في الجنوب الآسيوي تعكس نفسها بالضرورة على أمن الممرات الدولية المعنية بالتجارة والنفط الخليجي، وأي اضطراب في هذه الحالة من شأنه أن يعكس نفسه على شكل أضرار مباشرة على تجارة الخليج الدولية، الدليل على ذلك ما حدث في سريلانكا، حيث هاجم المسلحون التاميل مرات متكررة القوافل والبواخر التجارية والناقلات النفطية.

وبالانتقال من جنوب القارة إلى جنوبها الشرقي، فإن حالة الأمن في مضيق ملقا وجزر الملوك الإندونيسية تعكس نفسها على أمن القوافل النفطية المتجهة من الخليج إلى دول جنوب شرق القارة وشمالها، فضلاً عن استراليا.

من هنا يظهر لنا أن حالة التصالح بين دول شبه القارة الهندية، هي في مصلحة الدول الخليج، فالتصالح سينعكس على استقرار وأمن تلكم الممرات المائية الإقليمية المتداخلة، وبالتالي، فإن العلاقات الخليجية مع دول شبه القارة الهندية ينبغي أن يعاد فيها من منظور التوازن المقبول مع الدول الهندية.

            * التقاطع الهندي الجديد .. في المحيط الهندي.

تدخل الهند الآن في المحيط الهندي بصورة غير مسبوقة، بعد أن شعرت بالقلق من الوجود الصيني المتنامي في المنطقة، فبكين تقوم بتطوير وبناء شبكة من القواعد البحرية والعسكرية حول ساحل المحيط الهندي بدءًا من قاعدة في جيبوتي وأخرى في جوادر الباكستانية المطلة على بحر العرب، ويعتبر هذا البحر واحدًا من أهم أجزاء المحيط الهندي، وتأتي أهميته لوقوعه بين سواحل شبه الجزيرة العربية وشبه الجزيرة الهندية، وتفكر بكين كذلك في بناء قواعد عسكرية في شرق إفريقيا وفي شرق المحيط الهندي.

مما بدا المشهد للعالم كله، وبالذات للهند وأمريكا، بأن بكين في طريقها إلى إحكام سيطرتها على أهم الممرات التجارية، بريًا عبر طريق الحرير، وبحريًا عبر وصولها إلى المحيط الهندي.

وقد هز هذا الامتداد الصيني وتوغلاته، الهند ومعها قوى عالمية كأمريكا، وإقليمية كاليابان وأستراليا، وأدى إلى تشكيل مؤخرًا تحالف عالمي جديد هدفه هدم الممرات التجارية الصينية، مما دفع بنيودلهي إلى الدخول في سباق السيطرة العسكرية على المحيط الهندي، عبر بناء قواعد عسكرية في المنطقة، واستئجار مواني إقليمية، والاتفاق مع دول على استخدام مرافقها لدواعي الصيانة لقوتها البحرية.

لعل أبرزها، الصفقة التي تمت مؤخرًا بين الهند وسلطنة عمان، التي بموجبها سيكون لدى البحرية الهندية إمكانية الوصول إلى ميناء الدقم العماني للخدمات اللوجستية والصيانة، وهو ميناء استراتيجي مفتوح على المحيط الهندي، وقريبًا سيتم الانتهاء من اتفاق لتبادل الخدمات اللوجستية بين الهند وفرنسا لفتح مرافق فرنسية في غرب المحيط الهندي لكي تستخدمها الهند (مثل جزيرة لا ريونيون الفرنسية الواقعة في المحيط الهندي) وكذلك استئجارها لرصيفين في ميناء شهبار الإيراني القريب جدًا من الأراضي العمانية.

 وتشكيل التحالف الرباعي – سالف الذكر – قد أصبح يكشف غموض الموقف الأمريكي مما يحدث داخل المحيط الهندي، فهي قد أعلنت مؤخرًا عن “استراتيجية حرة ومفتوحة للهندي والهادئ”، لكنها ظلت صامتة عن كل ما يحدث داخل المحيط، فهل ستقوم الهند بدور الوكيل الأمريكي في المحيط الهندي؟

ما أشرنا إليه سابقًا من قيادة الهند لمسيرة التصالح مع خصومها في شبه القارة الهندية، وإطلاق يدها في المحيط الهندي، لا يمكن تفسيره، سوى أنه يأتي عبر تفاهمات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تجد نفسها منعزلة حتى من أكبر حلفائها الأوربيين الذين يتسابقون نحو الصين التي طال امتدادها مناطق نفوذ أمريكية، لذلك، تشكل نيودلهي أداة جديدة من الأدوات الأمريكية العالمية لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي خاصة في المحيط الهندي، وربما يكون وراءه كذلك، تلاقي المصالح الهندية ـ الأمريكية لمواجهة الصين.

ويشير الكثير من الخبراء، إلى أن المحيط الهندي سيتحول قريبًا الى مسرح لصراع قوي، حيث يرى يرتل لينتنر، وهو صحفي سويدي وكاتب واستشاري متخصص في الشؤون الآسيوية في موقع آسيا تايمز أن حربًا باردة جديدة تختمر في المحيط الهندي، ويرى أنه إذا كانت التوترات في هذا المحيط لم تبلغ مستوى حدة الصراع في بحر الصين الجنوبي، إلا أن إمكانية حدوث نزاع تتزايد في هذا المسرح الاستراتيجي.

ويمر أكثر من 60 % من شحنات البترول العالمية عبر المحيط الهندي، معظمها يأتي من الشرق الأوسط باتجاه الصين واليابان واقتصاديات آسيوية أخرى تعتمد على البترول. كما أن 70 % من حركة حاويات البضائع من وإلى البلدان الصناعية في آسيا تتم عبر هذا المحيط

وهناك الكثير من المؤشرات التي يمكن ان نستشف منها الصراعات المقبلة في المحيط الهندي، أبرزها مناورات «مالابار» البحرية السنوية التي تجريها الولايات المتحدة والهند واليابان في المحيط الهندي، ونشرالصين قوات بحرية في منطقة المحيط الهندي لأول مرة في تاريخها المعاصر – كما يقول يرتل -من أجل حماية طرق تجارتها وإمداداتها من الطاقة.

ويستدل يرتل على حتمية الصراع في المحيط الهندي بالقواعد العسكرية الجديدة التي أقامتها بكين بالقرب من قواعد عسكرية أمريكية قاعدة «أوبوك» في جيبوتي، القريبة من قواعد عسكرية أمريكية أكبر في المنطقة، بما فيها القاعدة الضخمة في جزر دييغو غارسيا في المحيط الهندي، وكذلك المنشآت العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط

وهذا الامتداد الصيني العسكري يشعر الهند بالخطر خاصة وأنها المنافس الإقليمي الرئيسي للصين، فهي تعتبر دائمًا المحيط الهندي ضمن دائرة نفوذها في جنوب آسيا، خاصة وأن نيودلهي كما يقول يرتل قد رصدت أنشطة غواصات صينية بالقرب من جزر أندامان ونيكوبار الهندية

وربما يكون هذا الخطر وراء الإعلان عن التحالف الرباعي الجديد لمواجهة بكين، فهو قد كشف عنه في النصف الأول من فبراير الماضي، وقد كانت له إرهاصات أبرزها، إقامة الهند عام 2001م، قيادة عسكرية بحرية جديدة في المحيط الهندي. وكان ذلك بموجب اتفاق بين رئيس الوزراء الهندي آنذاك ناراسيمها راو والرئيس الأمريكي بيل كلينتون. 

وكذلك الشأن بالنسبة لأستراليا التي يبدو أن دخولها في هذا التحالف الرباعي قد جاء بعد تصاعد قلقها من ظهور الصين في المحيط الهندي، وتسيطر أستراليا على جزيرة كريستماس وجزر كوكوس الاستراتيجية، وقد أقامت في جزر كوكوس منشأة استخباراتية للرصد الإلكتروني ومراقبة التحركات البحرية في المحيط الهندي

ومؤخرًا، نقلت صحيفة أستراليان فايننشال ريفيو، عن مسؤول أميركي كبير، قوله إن الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان تناقش مشروع بنية تحتية دولية مشتركًا كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية (طريق الحرير) سعيًا لمواجهة اتساع نطاق نفوذ بكين، وهذه الخطة لا تزال في طور الولادة.

هكذا تبدو لنا ملامح التحالفات العالمية الجديدة، وهى تبدو واضحة في المحيط الهندي الذي تتقاطع فيه مصالح دول الخليج، علمًا بأن أغلب الممرات المائية الضيقة تتواجد في المحيط الهندي مثل باب المندب، ومضيق هرمز، ومضيق لومبوك ، ومضيق ملقا، وكذلك البحار وتشمل بحر عمان وخليج عدن والخليج العربي والبحر الأحمر ... وغيرها من الروافد .

وبالتالي فإن المحيط الهندي يشهد الآن تحولات عالمية وإقليمية بصورة غير مسبوقة، فهل تظل دول المنظومة الخليجية على موقفها التقليدي من القوى الفاعلة – القديمة والجديدة – في المحيط الهندي؟

  • الخليج والهند .. والاستفراد بالتوازن في المحيط.

المتأمل في واقع العلاقات الخليجية مع شبه القارة الهندية، وعلى رأسها الهند، سيلاحظ أن هذه العلاقات لا تزال محكومة بمسارها التاريخي التقليدي سواء في الاتفاق أو الخلاف، فقضية كشمير – باستثناء مسقط–لا تزال حاكمة العلاقة السياسية الخليجية الهندية، وهنا ينبغي على الخليج أن يحرر نفسه من عقدة كشمير ومن تاريخية الغموض للموقف الهندي من الغزو العراقي للكويت في بداية التسعينيات، فإسلام أباد نفسها قد تحررت منها، كما أشرنا إلى ذلك من خلال نقل الغاز إلى الهند عبر أراضيها لمدة ثلاثين سنة، وهذ فترة زمنية طويلة ، تؤسس على أساس الاستقرار وليس الحرب أو التوترات .

فهل تظل بقية الدول الخليجية على المسار نفسه مع الهند، وتتجاهل قوة وإمكانيات نيودلهي العسكرية والأمنية والاقتصادية والفضائية، وهي في أمس الحاجة اليها في ظل التحولات العالمية والإقليمية الكبرى؟

ربما تكون مسقط هي الأفضل خليجيًا في علاقاتها مع نيودلهي، وبينهما شراكة استراتيجية قديمة ثابتة ودائمة، وذات ثقة، وقد تعززت بعد زيارة مودي لمسقط مؤخرًا، وهى بذلك أي مسقط أكثر طمأنينة من السابق، وذلك لوجود سند قوي يشاركها هاجس الأمن المحيط الهندي، بحكم أنهما دولتان بحريتان وتشرفان وتتحكمان في المحيط، وتعميق الشراكة العمانية الهندية، يأتي بعد استئجار نيودلهي الرصفين في ميناء شبهار الإيراني الذي لا يبعد عن ميناء السلطان قابوس بمسقط سوى (150 ) ميل بحري فقط، ويمكن قطعها في ثلاث ساعات ونصف الساعة على سرعة (40عقدة /ساعة )، وشهبار أول ميناء إيراني عند مدخل بحر عمان باتجاه الخليج العربي.

وهذا التقارب العماني الهندي في تموقعاته الجديدة، لن يكون على حساب علاقات مسقط بإسلام أباد، فلم يكن سابقًا، ولن يكون مستقبلاً، فمسقط تحتفظ بعلاقات جيدة، وبمصالح كبيرة مع باكستان، وقد نجحت في ذلك بسبب سياستها التوافقية التي رسمتها على مبدأ الحياد الإيجابي التي لا يمكن أن تلغي الخصوصيات للعلاقات العمانية الدولية والإقليمية، لكن التعايش معها مع تقديرها الكامل بحق الخلاف والاختلاف دون أن يعرقل مسيرة المصالح الثنائية والجماعية، وتصالح دول شبه القارة الهندية، يفتح لبقية الدول الخليجية التأمل في تبني المقاربة العمانية.

وتجد دول الخليج في مسقط البوابة التي تدشن مرحلة جديدة مع نيودلهي التي تقدمها أحدث التطورات أنها حارسة المحيط الهندي بالوكالة عن قوى رأسمالية تقليدية كبرى، وبالتالي فإن التحالف الاستراتيجي الخليجي مع الهند، قد أصبح ضرورة معاصرة لدواعي الاستفراد بالتوازن في المحيط أو على الأقل صناعة التوازن مع الهند خاصة وأنها ثقة ولا تشكل تهديدًا أمنيًا ولا اقتصاديًا مع الخليج، فالدول الست الخليجية هي الآن في حاجة للقوة العسكرية الهندية لمشاركتها في حماية الممرات المائية، وحتى لو لم تكن نيودلهي بهذه القوة العسكرية في المحيط، فيكفي قدراتها الاقتصادية والنووية وخبراتها الأمنية والفضائية التي أصبحت أكبر دولة في العالم أمريكا تعتمد عليها في إطلاق أقمارها الصناعية لعوامل مثل الجودة ورخص التكلفة، وكلنا نعلم توجهات الخليج الفضائية والنووية، وحاجتها للخبرات الأمنية الهندية، فالخليج يحتاج للهند لقوتها المتعددة والمتنوعة سالفة الذكر، ولسيطرتها على شبه القارة الهندية، وللوكالة الأمريكية لها في المحيط الهندي.

كما نيودلهي تحتاج للخليج هي الأخرى، فنموها الاقتصادي يرتبط بتدفق النفط إليها بالأسعار المعقولة، والآمنة، فطموحها الاقتصادي احتلال مراتب متقدمة عالميًا، يتوقف على ذلك العاملين، وهذا ما يمكن لدول الخليج توفيرها للهند عبر تأسيس شراكة استراتيجية مشتركة، لها أبعاد سياسية واضحة، أبرزها تحييد البعد الإيراني، وإخراجه من معادلة استفراد طهران بنيودلهي.

كما تظهر مسقط هنا كذلك، كبوابة للشراكة الخليجية الهندية الجديدة، من خلال رابطة دوله المطلة على المحيط الهندي، وشركائها الاستراتيجيين، حيث تعد السلطنة من المؤسسين لها، والدولة الوحيدة التي لها علاقات متميزة مع كل أعضائها، فضم الدول الست الخليجية إلى هذه الرابطة كأعضاء أو شركاء، وتفعيل هذه الرابطة الإقليمية / العالمية، يمكن من خلالها إدارة الصراع في المحيط الهندي من منظور قاعدة المصالح المشتركة، كما سيكون منبرًا للتشاور وإبداء الهواجس والقلق الأمني للدول، لأن كل القوى العسكرية داخل المحيط الهندي ستكون أعضاء فيه، مثلًا الصين حاليًا عضو فيها كشريك استراتيجي، وكذلك بريطانيا وفرنسا ومصر واليابان ، والهند وايران بصفتهما عضوين مؤسسين للرابطة .

ولو انضمت إليها بقية دول الخليج وبالذات السعودية والإمارات اللتين لهما الآن تواجدًا عسكريًا في المحيط الهندي والقرن الإفريقي، فسيكون هذا منبرًا اقتصاديًا وأمنيًا .. يمكن أن يحتوي الخلافات ويمنع التوترات أو يجعلها في إطار التعايش وليس الصدام.

مجلة آراء حول الخليج