على الرغم من انعقادها ليوم واحد، ولخمس ساعات ونصف، إلا أنه سيتم التأريخ لقمة الظهران باعتبارها إحدى أهم القمم العربية، وقد يشار إليها فيما بعد على أنها القمة التي مثلت البداية الفعلية لوقف التدهور بالنظام الإقليمي العربي؛ فلقد انعقدت القمة وسط خلافات عربية كثيرة، وفي ظل فوضى من الشائعات التي طالت ثوابت الموقف العربي من القضايا المركزية والمبدئية خصوصًا فلسطين والقدس على أثر ما تردد من شائعات وأحاديث متكررة عن ما سمي بـ "صفقة القرن"، فقبل انعقاد القمة ثار لغط كبير بشأن ما أثير حول تنازلات من جانب الدول العربية في القضية الفلسطينية والقدس تحديدًا. ثم جاءت نتائج القمة لتنفي تلك الشائعات، ولتعيد التأكيد ثانية على الأسس الثابتة للموقف العربي، ولتعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها المركزي من أولويات الأمة العربية. ومن ناحية الشكل، حضر القمة أكبر عدد من الملوك والرؤساء منذ قمة انشاص بمصر عام 1946م، ولم يتغيب إلا أصحاب الأعذار، أو لموانع سياسية (الرئيس بشار والأمير تميم).
الحالمون فقط توقعوا من القمة أكثر مما خرجت به؛ فصبوا جام غضبهم على القمة والواقع العربي، وصفوا القمة بأنها غير مجدية ولم تقدم أي جديد للواقع العربي، ولو تتبعنا نوعية الاتهامات التي تكال للقمة العربية من عام إلى عام، ونوعية المقولات وضيوف الفضائيات سوف نجدهم هم أنفسهم، وهناك تماثل في الاتهامات الموجهة للقمة سواء قبل أو بعد أن تعقد، حتى أصبحت مثل المعزوفة المكررة، وفي هذه المرة، وما أن انتهت قمة الظهران حتى أقدم أحد الإعلاميين على تمزيق "إعلان الظهران" أمام الفضائيات، مكررًا مقولات وأبيات شاعر عربي دأب على توجيه الشتائم المسفة للقادة العرب. وهؤلاء تحديدًا لا يعرفون أنه ليس من مهام القمة العربية أن تصدر قرارات بشن الحرب ضد أعداء الأمة، وأن القمة ليست سوى ترجمة للواقع العربي والدولي. ومثل هذه النغمة في الحوار والتناول الإعلامي هي ما يؤسس لخطاب التطرف، ربما أكثر من قادة الجماعات الإرهابية.
وفي الجوانب الشكلية أيضًا للتحليل المشوه لنتائج قمة الظهران، ركز فريق آخر من محللي الفضائيات الجدد، على صورة برز فيها ملوك ورؤساء وأولياء عهود ومسؤولون، وهم جالسون على مائدة الطعام في مشهد حميمي غير رسمي، ليشيروا إلى ما ينعم به القادة من صنوف الطعام النادرة على المائدة، غير مدركين أنه في مثل هذه الموائد، لا يستطيع أي منهم أن يكون على راحته، لاعتبارات تتعلق بالرسميات، وبجدول الأعمال المزدحم بالاجتماعات المتتالية. ويشير هذا التفسير إلى حالة التحليل السياسي العربي والمحللين الجدد، والتأثير الفسيولوجي لحالة الجوع والفقر. وبمثل ذلك أيضًا يمكن الحديث عن توقف الإعلام الفضائحي للإخوان والجزيرة عند ذلة لسان -محل اختلاف-للرئيس المصري، وكل هذه التحليلات تشير إلى ما أصاب الواقع العربي من تشوهات رفعت من مقام البعض ليجدوا في التحليل السياسي وظيفة مثلى للارتزاق السريع، ولتجد فيهم قنوات الإثارة ضالتها، في ظل واقع عربي مأزوم.
أولاً: جديد قمة الظهران:
أتت قمة الظهران بكثير من النقاط الجديدة التي تبث شعاع نور في الواقع العربي، وفي هذا السياق يمكن تحديد أهم ما أتت به القمة من جديد فيما يلي:
(1)عودة القضية الفلسطينية كقضية مركزية للنظام العربي: كان أهم ما أتت به قمة الظهران هو إعادة الصدارة للقضية الفلسطينية كقضية مركزية للنظام الإقليمي العربي، فقد تضمن إعلان الظهران( 2 فقرة، 7 خصصت للقضية الفلسطينية، التي جرى تناولها في 390 كلمة من بين إجمالي كلمات الإعلان التي بلغت 1941)، بما يمثل 20% من مجمل كلمات البيان. فخلال الأعوام الماضية، طغت قضية الإرهاب وتراجعت القضية الفلسطينية في ترتيب الأولويات العربية، وبرز اتجاه ينظر إلى القضية على أنها سبب تأخر الحال العربي وأنها أصبحت عبئًا ولم تعد القضية المركزية للنظام العربي، وجاءت قمة الظهران لتعيد التأكيد على صدارة القضية وموقعها المركزي في الأولويات العربية.
لقد أكدت قمة الظهران على الهوية العربية للقدس الشرقية كعاصمة لدولة فلسطين، وكان إطلاق الملك سلمان على القمة "قمة القدس" دلالة خاصة، فضلاً عن ذلك أعادت القمة التأكيد على مبادرة السلام العربية التي طرحت عام 2002م، وعلى قضية اللاجئين، ودعت إلى مفاوضات سلام وفق جدول زمني محدد لإنهاء الصراع على أساس حل الدولتين، ومن ثم سكبت القمة ماءً باردًا على كل حديث دار على مدى عام 2017م، عن "سلام دافئ" أو "بارد" مع إسرائيل، على الأقل طالما بقيت القضية الفلسطينية وقضية القدس.
لم تكن عودة تصدر القضية الفلسطينية للأولويات العربية، مؤشرًا فقط على تراجع قضية الإرهاب عن صدارة الأولويات بعد سقوط دولة داعش في العراق، وإنما جاء كرد فعل على المؤشرات التي برزت عام 2017م، والتي طالت الثوابت والمحرمات، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبالأخص بعد رفض استصدار قرار من مجلس الأمن يناقض القرار الأمريكي، حظي بموافقة 14 دولة إلا أن الولايات المتحدة استخدمت حق الفيتو ضده، وهو ما تلاه ذهاب العرب إلى الجمعية العامة ليحصلوا على تأييد 129 دولة داعمة للقرار العربي برفض الموقف الأمريكي والاعتراف بالقدس كمدينة محتلة وعاصمة لدولة فلسطين، ومن ثم كان زخم القمة بشأن القدس انعكاسًا للزخم العربي والموقف الدولي، على حد قول الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.
ولقد طرح البعض على نحو ساخر، سؤال عن سبب تأكيد قمة الظهران وما سبقها من قمم عربية على مبادرة السلام العربية رغم عدم استجابة إسرائيل لها، دون إدراك بأن المبادرة هي الورقة الرئيسية في يد الجانب العربي، وهي التي تحدد البوصلة العربية للقضية الفلسطينية وتطرحها بشكلها العادل على العالم، وإذا لم يطرح العرب تلك المبادرة، ويعاودون طرحها من العام إلى العام، فلن يكون الموقف العربي أفضل، بل إن عقلانية المبادرة تميز الخطاب العربي الحديث بشأن القضية عن الخطب العربية الرنانة في العقود السابقة والتي لم تؤد إلا إلى النكبات والهزائم، فمن المؤكد أن القادة العرب جسدوا الموقف من المبادرة على الجانب الإسرائيلي، وهو الذي استمر لما يزيد على 15 سنة دون أن يقدم أي حل، ومن ثم فإن المبادرة هنا هي أضعف الردود العربية في ظل مرحلة لا تؤهل العرب لخطاب أكثر مصداقية من خطاب السلام، وهي هنا استثمار رشيد وأمين في سنوات التدهور العربي.
(2)إعادة إحياء مفهوم الأمن القومي العربي: كان أهم ما جاءت به قمة الظهران "وثيقة الأمن القومي العربي"؛ فمن دون توقع مسبق، أتت هذه الوثيقة، لتعيد إحياء وتجديد الطموح القديم والمزمن، بخصوص الأمن القومي العربي. فقد كان موضوع الإرهاب على مدى السنوات السابقة أساسيًا في وثائق القمة، لكنه لم يكن سوى وجه واحد لمهددات الأمن القومي، ثم جاءت الوثيقة لتجمع بشكل شامل مختلف التهديدات الاستراتيجية للأمن العربي، وهنا أشارت بداية إلى استمرار القضية الفلسطينية كخطر أساسي، وأكدت نفس ما أكد عليه إعلان الظهران بشأن القدس والدولة الفلسطينية ومبادرة السلام العربية، لكن الوثيقة أحاطت بالمهددات الأخرى للأمن القومي، وأوردتها بشكل متدرج ومنطقي بحسب الأهمية.
فكانت القضية الثانية هي الإرهاب، ويؤكد وضع هذه القضية في المرتبة الثانية بعد القضية الفلسطينية، في وثيقة الأمن القومي استمرار إدراك القادة لخطورة الإرهاب الذي لا يزال يهدد كيان الدولة العربية ويعترض طريق نهضتها الوطنية، ولا يزال يمتلك قدرات على التحور، وأنه إذا كان قد انهزم في جولات في 2017م، فإنه لا تزال هناك جولات كثيرة منتظرة معه في سنوات أو عقود مقبلة، وهنا طرحت الوثيقة هدف تحصين الأمة من الخطر الداهم الذي يمثله الإرهاب والتطرف العنيف. ولقد أفاض "إعلان الظهران" في خطر الإرهاب، وخصص له 177 كلمة، في تأكيد على استمرار خطورته، وأهمية معالجته والتصدي له، وجاء المبدأ الأول ليؤكد على التزام الدول العربية "بتهيئة الوسائل الممكنة وتكريس كافة الجهود اللازمة للقضاء على العصابات الإرهابية وهزيمة الإرهابيين في جميع ميادين المواجهة العسكرية والأمنية والفكرية". وكان لافتًا أن الإعلان لم ينس في حديثه عن الإرهاب أن يدرج اسم إيران، في تأكيد على دعم إيران للإرهاب في الدول العربية، فأكد على "الاستمرار في محاربة الإرهاب وإزالة أسبابه والقضاء على داعميه ومنظميه ومموليه في الداخل والخارج كإيران وأذرعها في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا".
وتمثل الخطر الثالث على الأمن القومي العربي الذي أشارت إليه وثيقة الأمن القومي، في الأطماع والتهديدات الإقليمية، ومن ثم انتقلت الوثيقة من قضية قلب النظام العربي (القضية الفلسطينية)، إلى القضية الداخلية التي تشكل أهم خطر على كيان الأوطان (الإرهاب)، ومنها إلى الخطر الأعرض الذي يمثل المحيط المجاور غير العربي الذي يهدد العالم العربي(دول الجوار)، وهنا لم تطرح الوثيقة منهجًا صراعيًا مع الجوار، وإنما توجهت بدعوة دول الجوار الإقليمي إلى الالتزام بمبادئ حُسن الجوار واحترام سيادة الدول العربية، لتؤكد على أن مشكلاتنا مع الجوار ليست نابعة من كراهية وإنما هي نتاج لسياساته التدخلية الضارة والمؤذية بالدول العربية. وكان لافتًا تركيز "إعلان الظهران" على إيران، دون الإشارة إلى تركيا، وهو ما يشير إلى سياسات عربية تتدرج من التصريح بالرفض والإدانة(إيران)، إلى الاكتفاء بمجرد التنويه المضمر(تركيا). وهنا أدان إعلان الظهران إيران على سياساتها في اليمن وسوريا، وطالب بضرورة تشديد العقوبات على إيران وميليشياتها ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية وتزويد ميليشيات الحوثي بالصواريخ الباليستية التي يتم توجيهها من اليمن للمدن السعودية، كما أعلن رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية وما تقوم به من تأجيج مذهبي وطائفي في الدول العربية ودعمها وتسليحها للميليشيات الإرهابية في عدد من الدول العربية. وطالب إيران بسحب ميليشياتها وعناصرها المسلحة بالأخص سوريا واليمن.
ورابعًا انتقلت وثيقة الأمن القومي من الحديث عن المهددات والأخطار إلى الحديث عن ركائز ودعائم للأمن القومي، فطرحت ثلاث ركائز ودعائم أساسية، تدرجت من الخاص إلى العام، فدعت إلى "المحافظة على الدولة الوطنية"، ودعت إلى تحصين الدول ضد "محاولات تقويض سلطتها من قبل الأطراف الإقليمية والوكلاء والأحزاب والمليشيات التابعة لهم داخل الدول العربية"، ثم انتقلت إلى دعوة الدول العربية للالتزام بتعزيز التضامن العربي وتقديم الدعم الممكن لها، وهنا حرصت الوثيقة على التأكيد على أن يكون ذلك وفقًا لميثاق الأمم المتحدة وفي إطار الشرعية الدولية، ثم انتقل البيان من حديث السياسة والأمن إلى الحديث الذي يسند التضامن العربي ويقويه بالدعوة إلى "العمل على تسريع وتيرة آليات العمل العربي المشترك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وتنفيذ الاستراتيجيات العربية في تلك المجالات".
هكذا يمكن القول بأن وثيقة الأمن القومي–مع إعلان الظهران-أحاطا بمجمل الصورة الخاصة بمهددات ومعززات الأمن العربي. ويبقى أن حرص القمة على إصدار وثيقة خاصة بالأمن القومي، يقدم أبلغ دلالة على ما تكتسبه قضية الأمن القومي من أولوية لدى القادة العرب، وما يعكسه ذلك من إدراك أمين للحظة العربية الراهنة؛ فلم يكن القادة في حاجة إلى تخصيص وثيقة للأمن القومي، كان بالإمكان إيراد كل ما بها -والكثير منه ورد فعليًا في إعلان الظهران، لكن صدور وثيقة مستقلة بشأن ذلك، يشير إلى مدى إدراك القادة لخطورة مهددات الأمن العربي في اللحظة الراهنة من التاريخ العربي.
(3)الأزمات العربية والاتساق الاستراتيجي: كان أهم ما أبرزته قمة الظهران هو طريقة إدارة الأزمات العربية، والتي تتجه إلى درجة من الرشادة، على نحو ما أوضحته وثيقة الأمن القومي وإعلان الظهران؛ فعلى الرغم من الخلافات التي تفرض ذاتها على البيانات الختامية للقمم العربية، فتأتي البيانات جامعة للحدود الدنيا من المشتركات في السياسات، إلى أن قمة الظهران لم تتبن مناهج وسطية أو مواقف ضبابية، فقد أتت القمة بنتائج تؤيد الموقف السعودي في الأزمات العربية، وعلى الأرجح أن ذلك جاء كاشفًا عن دور المملكة والدولة المضيفة للقمة في صناعة القرار العربي الراهن، لكنه أيضًا أشار إلى نهج عربي جديد مستفيدًا من أخطاء الماضي.
وذلك ما يتضح بجلاء من موقفين أساسيين في القمة، الأول أنه على الرغم من الاختلافات في المواقف العربية بشأن سوريا إلا أن القمة لم تعكس أي خلافات على الأقل في العلن، وخصوصًا في مسألة كان من المفترض أن تكون محلا للخلاف، وهي الخاصة باستخدام السلاح الكيماوي والضربة الغربية الثلاثية لسوريا قبل القمة بساعات؛ حيث جاء الإعلان مدينًا لاستخدام السلاح الكيماوي، وهو المفترض أنه من قبل النظام السوري، بينما لم يشر لموقف عربي مؤيد أو مدين فيما يتعلق بالضربة، مما يشير إلى توافق الدول العربية على استيعاب خلافاتها البينية، وعدم رغبة أي منهم على الظهور بمظهر المخالف لموقف المملكة. وأما النقطة الثانية، فهي الخاصة بإدانات الإعلان المتكررة والشديدة لإيران على تدخلاتها في اليمن ودعمها للحوثيين بالصواريخ التي تطلق على المملكة، وتدخلاتها في سوريا ولبنان، وهي المواقف التي مرت دون إعلان خلاف من أحد حولها، وهو ما يشير إلى نفوذ الدولة المضيفة، وأيضًا إلى "استثمارها المفيد" في الواقع العربي قبل القمة، خصوصًا في علاقاتها مع العراق ولبنان. لكن من المهم الإشارة أيضًا إلى توازن الإعلان في بنوده، حيث أنه بينما لم يعلن موقفًا من الضربة ضد سوريا، فإنه لم يلق بالتبعة على النظام السوري في استخدام السلاح الكيماوي، وإنما دعا إلى تحقيق دولي في ذلك.
ويبرز الاتساق الاستراتيجي للقمة، في أنها في مختلف الأزمات العربية سواء في لبنان أو سوريا أو ليبيا أو اليمن أو العراق، أو الصومال أو جزر القمر، كان التأكيد الدائم على أهمية سلامة الدولة ودعم مؤسساتها الوطنية، ففي سوريا مثلاً دعا إعلان الظهران إلى تسوية سلمية تضمن وحدة سوريا، وتحمي سيادتها واستقلالها، وتحقق انتقالًا حقيقيًّا إلى واقع سياسي تصوغه وتتوافق عليه كافة مكونات الشعب السوري عبر مسار جنيف. وفي لبنان أكد على التضامن مع لبنان والحرص على استقراره وسلامة أراضيه، وأكد على استقلال اليمن ووحدته الترابية ومنع التدخل في شؤونه الداخلية، واعتبر أن أمن العراق واستقراره وسلامة ووحدة أراضيه حلقة مهمة في سلسلة منظومة الأمن القومي العربي، ودعا إلى أهمية دعم المؤسسات الشرعية الليبية والتوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة ويحفظ وحدة ليبيا الترابية وتماسك نسيجها المجتمعي، ودعا إلى صون السيادة الوطنية للسودان، وإلى إعادة بناء وتقوية المؤسسات الوطنية ومواجهة التحديات الاقتصادية والتنموية في الصومال. وهو ما يشير إلى الحرص الدائم على الانحياز للدولة ومؤسساتها الوطنية.
خلاصة
في الختام.. يمكن الإشارة إلى أن قمة الظهران أبرزت مجموعة من المعاني، تتمثل أهمها فيما يلي:
- أكدت القمة المكانة السعودية في النظام العربي: وذلك ما انعكس من كم حضور القادة من الملوك والرؤساء (16 من أصل 22 زعيمًا)، وقوة الخطاب وشمول الطرح في أهم القضايا واتساقها في المجمل مع الرؤية والطرح السعودي للقضايا العربية، ولم يكن غريبًا أن يعلق أمير الكويت على القمة قائلاً بـ (إنها بادرة انفراج.. للخروج من اليأس)، وأن يعتبر البعض أن ما أنجزته القمة يؤهلها لأن تكون إحدى القمم العربية القليلة الناجحة، كـ (القمة الرابعة) التي عقدت في الخرطوم في شهر أغسطس من عام 1967، بعد شهرين من نكسة يونيو عام 1967م، والتي أعقبهانصر أكتوبر عام 1973م، أو غيرها من القمم الكبرى في تاريخ مؤسسة القمة العربية.
- أكدت أن علاقة السعودية الخاصة بالولايات المتحدة لا تمنعها من مخالفة السياسة الأمريكية، وتبني قرارات عربية مخالفة تمامًا للموقف الأمريكي من قضية القدس، ومن ذلك قرارات المملكة بدعم السلطة ووكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، حيث أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز في القمة عن تقديم المملكة تبرعًا بمقدار 150 مليون دولار للأوقاف الإسلامية في القدس، و 50 مليون دولار لمنظمة الأونروا للاجئين الفلسطينيين، وكانت المملكة قد رفعت دعمها الشهري للسلطة الفلسطينية من 7.5 مليون دولار إلى 20 مليون دولار، وأعلنت عن تقديم 70 مليون دولار تنفيذًا لقرار قمة عمان لدعم صندوق القدس والأقصى.
أكدت القمة أيضًا أنه لا تأثير أمريكي على القرار السعودي من قطر: فعلى الرغم من الدعاية القطرية قبل القمة عن الضغوط الأمريكية بشأن حل أزمة الرباعي مع قطر، إلا أن أيًا من ذلك لم يحدث، وبدت المملكة تدير سياساتها في ملف قطر باستقلالية تامة، ومن دون أي تأثير خارجي، وكانت إدارتها للأزمة قبل القمة وبعدها، بعيدة تمامًا عن أي تدخل من أي طرف، ولا تزال تتمسك بأن الأزمة "صغيرة جدًا"، وأنها ستحل في السياق الخليجي، وأنها لن تحل قبل تعاطي قطر مع الشروط المطروحة.