array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 131

دور الكتلة الخليجية "النوعية" في تفعيل العمل العربي المشترك

الأربعاء، 06 حزيران/يونيو 2018

أي "كتلة خليجية"؟؛ هذا هو السؤال الأساسي الذي يوحي به مباشرة عنوان هذا المقال. فمفهوم الكتلة الخليجية لم يعد المحصلة التلقائية لمجموع دول مجلس التعاون الخليجي، على الأقل منذ الأزمة مع قطر في مايو 2017م. وهناك دول ثلاث (قطر، سلطنة عمان، الكويت) تختلف سياساتها كليًا أو جزئيًا عن سياسات الثلاثي (السعودية والإمارات والبحرين)، مما يعني أن الحديث عن كتلة خليجية لا يعني دول مجلس التعاون الست، وإنما المجموعة المركزية في المجلس، والتي تعد الأقرب إلى بعضها من ناحية التنسيق السياسي والاستراتيجي، والأكثر توافقها والأقل تعارضها، وهي هنا السعودية والإمارات والبحرين، خصوصًا وأن الدول الثلاث الأخرى لم تشكل كتلة فيما بينها، ويبقى أن ما بين سلطنة عمان والكويت والثلاثي (السعودية والإمارات والبحرين) أكبر من أي تقارب بين أي منهما والسياسة القطرية.

ويعني مفهوم الكتلة تقارب التصورات والمدركات أو تطابقها بشأن مصادر تهديد الأمن القومي، والاستعداد من جانب أي طرف داخل الكتلة لإعلاء شأن علاقاته مع أطراف الكتلة على مصالحه مع أطراف آخرين من خارج الكتلة، ويعني أيضًا التقارب أو الاندماج في رؤى الأمن القومي، واستعداد كل طرف داخل الكتلة لاعتبار التهديد على إحداها تهديدًا لها جميعًا، وهو أمر لم يعد متحققًا بين دول مجلس التعاون الخليجي، على الأقل منذ الأزمة مع قطر. ووفقًا لذلك، فإن اهتمام هذا الموضوع سينصب بالأساس على سياسات دول المجلس الثلاث السعودية والإمارات والبحرين، علاوة على الكويت وعمان، في تفعيل العمل العربي المشترك. وهنا يمكن الإشارة إلى مجموعة من أطر الحركة الأساسية التي ينبغي على دول المجلس العمل لأجلها، تتمثل فيما يلي:      

أولاً: مفهوم الكتلة الخليجية النوعية:

فأهم أساس يمكن أن يعزز دور الكتلة الخليجية في تفعيل العمل العربي المشترك، هو الحفاظ على وحدة هذه الكتلة نفسها، وهي الكتلة التي قامت في السنوات الأخيرة بدور قيادي عوضًا عن القوى العربية المركزية، وذلك يتحقق باستعادة التماسك داخل هذه الكتلة، والسعي إلى إعادة تأهيل العضو المتنافر مع السياسات الجماعية للكتلة، أو الخارج عن الإجماع المركزي داخلها، ولا يعني ذلك أن تعمل دول المجلس على استعادة قطر بوضعيتها الراهنة، وإنما حين تتوافر المؤشرات على رغبتها بالانسجام مع سياسات الكتلة، ودفع أذى قطر عن قطر، فذلك أضمن لصلابة وتماسك الكتلة الخليجية؛ حيث أن السياسات الانفرادية القطرية كانت أكثر ما انعكس سلبًا على العمل الخليجي والعربي بشكل عام.

ولكن في ظل تعذر التوافق على بناء كتلة تشمل دول مجلس التعاون الست في ضوء السياسات الانفرادية لقطر؛ فإن البديل هو العمل في سياق مفهوم "الكتلة النوعية" أو "الكتلة داخل الكتلة"، وهي التي تشمل الدول التي تتوافق بينها على السياسات، بما في ذلك إمكانية العمل مع دول عربية من خارج الكتلة كدعامة لتوجهات الكتلة الخليجية المركزية. ولقد حققت السعودية والإمارات والبحرين نجاحًا مهمًا في ذلك، يدلل عليه أن توجهات الدول الثلاث شكلت خلال الفترة الماضية أساسًا للتوجه العربي عمومًا، برز أثر ذلك في الواقع العربي، سواء إزاء قطر أو في اليمن أو مع العراق أو إزاء كل من إيران وتركيا، وإلى حد كبير، يمكن القول بأن هذا التكتل الخليجي المركزي أسهم بنصيب وافر في تحديد وصناعة السياسات العربية، وهو ما انعكس على حال النظام العربي الذي برزت عليه مؤخرًا بعض ملامح الاستقرار.

وضمن هذا السياق، هناك أدوار لدول الوسط داخل الكتلة، التي تمثلها الكويت وسلطنة عمان، فهاتان الدولتان، لا تتفقان كليًا مع سياسات الثلاثي المركزي، لكنهما مستوعبتان تمامًا في الشاغل الخليجي العام، وتوظف كل منهما ذاتها بما يحقق المصلحة الخليجية، برز ذلك، سواء في الدور الذي لعبه البلدان في أوقات مختلفة في الأزمتين اليمنية والقطرية، أو في إدارة العلاقة مع إيران، بحيث أنه يمكن القول بأن أهدافهما أوثق مع مصالح دول الخليج أكثر من اتصالهما بمصالح دول من خارج الكتلة، وعملهما للأمن الخليجي أكثر مصداقية ووثوقية من عملهما لمصلحة أي توجهات أخرى خارج الكتلة الخليجية، على الرغم من استمرار التباين الجزئي بين سياسة كل منهما والتوجه المركزي في الكتلة الخليجية.

وفي الحقيقة، فإن مفهوم الكتلة النوعية داخل مجلس التعاون الخليجي، هو مجرد مفهوم كاشف عن شيء متحقق فعليًا داخل مجلس التعاون؛ حيث كانت هناك على الدوام دولة أو مجموعة مركزية تشكل الفاعل الأهم في صنع قرارات المجلس والتأثير في سياساته؛ ففي وقت من الأوقات عزفت أغلب دول المجلس عن لعب دور كبير في القرار العربي، بينما استأثرت دولة قطر بهذا الدور بشكل انفرادي، وهو الأمر الذي استمر حتى عام 2013م، ولكن منذ الثورات العربية برز دول الكتلة الخليجية النوعية، أو الكتلة المركزية داخل الكتلة الخليجية والممثلة في كل من السعودية والإمارات والبحرين. ويمثل الوضع الخليجي الراهن -في ظل الأزمة القطرية-فرصة للثلاثي (السعودية والإمارات والبحرين) للعمل بمفهوم الكتلة المركزية؛ فغياب قطر وتراجع تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية يتيح فرصة أكبر أمام هذه الكتلة الخليجية النوعية لتعزيز العمل العربي الجماعي، بدلا من السياسات الانفرادية لقطر التي أثرت سلبًا على الحال العربي في كل فترات صعود الدور القطري.

ولقد أضاف الدور السعودي والإماراتي قدرًا كبيرًا من الحيوية في أداء الكتلة الخليجية عربيًا، في ظل رؤية استراتيجية أقدر على طرح تصور أكثر توازنًا بشأن الوضع العربي، الأمر الذي بدا انعكاسه الإيجابي على الحال العربي، وللتدليل على ذلك يمكن مقارنة الواقع العربي الحالي بالوضع قبل وبعيد 2011م؛ حيث عاد قدر من الاستقرار الآن إلى الواقع العربي مجملاً، وظهرت الدول العربية التي سقطت في الفوضى والاضطرابات في 2011م، أقرب إلى الاستقرار في 2017 – 2018م، وامتلكت مؤسسات الدولة العربية مقادير من الثقة الذاتية التي مكنت البعض منها من القضاء على خطر الإرهاب، والبدء في مشروع التحديث والبناء الوطني الداخلي.  

ثانيًا: الأدوار العربية للكتلة النوعية:    

هناك مجموعة من المرتكزات المحددة للدور العربي للكتلة الخليجية النوعية في هذه المرحلة، وهذه المرتكزات مستقاة من أزمات الواقع العربي الراهن، والمسؤولية التاريخية للدول الخليجية في مواجهة ذلك، ويمكن التركيز على أربعة مرتكزات أساسية للإسهام الخليجي في تفعيل الدور العربي، تتمثل فيما يلي:

1-   شراكات ثلاثية الأبعاد: فعلى الرغم من الاختلاف العربي حول بعض السياسات الخليجية خلال فترة الثورات، وعلى الرغم من اختلاف السياسات الخليجية عن بعضها بعضًا، إلا أن المؤكد أن الثورات دفعت الكتلة الخليجية إلى الالتحام أكثر في الشؤون العربية، بعد أن ظلت عازفة عن لعب دور في الساحة العربية على مدى العقود، باستثناء حالة قطر في السنوات السابقة على الثورات تحديدًا. لكن بعد الثورات، قامت الكتلة الخليجية جماعة ومجموعات وفرادى بأدوار لا تزال تحدد مسار التفاعلات الإقليمية، وسوف تبقى تأثيراتها لعقود. فخلال فترة الثورات قامت دول مجلس التعاون بأدوار جماعية وفردية في الساحة العربية، جسدت فعليًا ما تحدث عنه المفكر الإماراتي د. عبد الخالق عبد الله في كتابه "لحظة الخليج في التاريخ العربي".

والآن وبعد سنوات الثورات، فإن الكتلة الخليجية تحتاج للعمل على أمرين أساسيين: أولهما: تصحيح بعض السياسات التي أنتجتها السياسات العربية لقطر في ظل عملية إعادة التقييم المستمرة، لأجل الوصول بالعالم العربي إلى وضعية استقرار أكثر استدامة، وثانيًا، تقديم النموذج الخليجي في إعادة الإعمار العربي، ليس فقط بالدعم المادي، وإنما بالأساس عبر توظيف الكتلة الخليجية شراكاتها الدولية وخبرتها التي راكمتها لعقود لمصلحة الدول العربية التي تعاني من ضعف القدرة على التواصل الدولي؛ فعلى مدى سنوات طويلة اكتسبت دول مجلس التعاون القدرة على بناء علاقات عامة ودولية مع الشركات والدول والمنظمات والكتل العالمية، وتستطيع دول المجلس توظيف قدراتها تلك في إشراك دول عربية في شراكات دولية تعود عليها بالفائدة، على أن تقوم هذه الدول ذاتها بعد ذلك بدور مساعد ومعزز للكتلة الخليجية، وهنا يمكن عمل شراكات ثلاثية، بين دول الخليج ودول أجنبية لمصلحة تلك الدول العربية، في تعاقدات وشراكات مركبّة، تمتزج فيها السياسة بالاقتصاد بالمصالح، ولا يستطيع أطرافها الفكاك منها بسهولة، وذلك يجعلهم في تماسك سياسي واقتصادي معزز بوضعية أشبه بوضعية الأحلاف. وذلك في الحقيقة ليس تفكيرًا جديدًا، وإنما مستقى من خبرة وتجربة الفترة الماضية، التي برزت بها ملامح على مثل تلك الشراكات ثلاثية الأضلاع.

بهذا تنتشل الكتلة الخليجية دولا عربية من بوتقة الفقر والتأخر، في الوقت الذي تستثمر شراكاتها مع القوى الدولية وتحول دون قيام حالات مستنسخة لـ"فلسطينيات" جديدة في دول الانهيار العربي. والهدف من ذلك تحقيق استفادة الدول العربية بمزايا النموذج الخليجي المدفوع بالإنجاز والقدرة، وسط محيط من الدول العربية المصابة بأمراض الفقر والبطء والتأخر والبيروقراطية. وينطلق ذلك من إدراك أن مشكلة العرب هي مشكلات اقتصاد وتعليم وتأخر في اللحاق بركب التنافس الدولي، وأنه كلما سد العرب تلك الفجوات مع الآخرين، فإن قدراتهم وفرصهم للانطلاق في المجالات الأخرى ستزداد.

2-    بناء كتلة قيادية: منذ ما قبل الثورات، ظلت الحقيقة الأبرز في النظام العربي هي غياب القيادة، وكان الوصف الأكثر شيوعًا للإقليم العربي بعد الثورات أنه "إقليم بلا قيادة"، حيث لم تكن هناك دولة أو مجموعة دول تتقدم لتمارس دورًا قياديًا، وفي ظل عزوف البعض وعدم قدرة البعض الآخر، وتغيرات مفهوم الدور القيادي، وفي ظل حاجة النظام العربي لمن يملأ هذا الدور، فإن الفرصة متاحة لتكتل قيادي من الكتلة الخليجية مع دولة عربية مركزية (تكتل خليجي مصري). وذلك استنباط من دروس ما تحقق في علاقات السعودية والإمارات والبحرين بمصر في الفترة الماضية، فصمود هذا التكتل القيادي في مواجهة قطر، يشير إلى ولادة شكل جديد من النظام الإقليمي، الذي تستطيع فيه دول التكتل ممارسة سياسات مناهضة ضد من يهدم القواعد والأصول العربية، ويخرج على الإجماع والمصالح التي يحددها هذا التكتل، والتصدي لتدخلات دول الجوار، مع طرح مجموعة من الأسس والمبادئ المطلوبة لاستعادة عمل النظام في ظل الوضع العربي الجديد.

هنا من المهم للتكتل القيادي الخليجي ـ المصري أن ينتقل بمحطته التالية ليصيغ موقفًا موحدًا إزاء القضايا العربية الأساسية، مثل القضية الفلسطينية وإيران، فضلا عن العراق وسوريا واليمن، باعتبارها القضايا المركزية لمستقبل النظام الإقليمي؛ حيث تمر القضية الفلسطينية الآن بالمرحلة الأخطر في تاريخها، بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتتالي اعتراف بعض الدول الأجنبية بها كعاصمة لإسرائيل، واحتمال أن تشهد الفترة المقبلة انهيارات جديدة في المواقف الدولية بخصوص القضية الفلسطينية، وتسريع إسرائيل تطبيق مخططات التغيير السريع للمعالم الثقافية والروحية والسكانية للمدينة. وهنا يمكن لدول الكتلة الخليجية التدخل مسبقًا للتأثير في "صفقة القرن"، التي لم تعلن عنها إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد، لأنه وفقًا لذلك سيجري رسم نظام إقليمي جديد، ستكون فيه الدول العربية الأطراف في الصفقة هي مركز النظام العربي المقبل، وقد تتضمن الصفقة التزامات عربية ودولية تجاه المناطق الفلسطينية وضمانات متبادلة بين الأطراف العربية وإسرائيل، وإجراءات بمقتضى إجراءات التطبيع المحتملة.

وفي الواقع فإن علامات ومؤشرات الكتلة المركزية الخليجية المصرية تتنامى بشكل تدريجي منذ أعوام؛ فلم تعد السعودية ومصر والإمارات والبحرين تتبنى فقط موقفًا من قطر والإرهاب، وإنما أيضًا تتداول فيما بينها بشـأن العراق وتركيا وإيران وسوريا واليمن وليبيا، كما أصبحت علاقات الدول الأربع أكثر رسوخًا، بعد تعرضها لاختبارات قاسية ونجاحها في تجاوزها، سواء في علاقات المملكة بمصر عام 2016 وأوائل 2017م، وانتهى الأمر إلى إقرار اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين البلدين، وتخصيص مصر ألف كم2 من سيناء لمشروع نيوم الذي أطلقته المملكة وإنشاء صندوق استثماري مشترك، أو بعلاقات السعودية والإمارات وانتهاء الأمر بين البلدين إلى تأسيس مجلس التنسيق المشترك مايو 2016م، ولجنة التعاون والتنسيق في ديسمبر 2017م، وإجراء الحوار الاستراتيجي "خلوة العزم"، ودراسة هيآت الطيران المدني في البلدين إنشاء سوق مشتركة للطيران، وإعلان الإمارات عن إطلاق مسمى "مدينة الرياض" على أضخم مشروع إسكاني في إمارة أبوظبي.

3-   تطوير منظومة ثقافية: لا يحتاج النظام العربي الآن أكثر من بناء منظومة ثقافية تحفظ الهوية العربية وتكسبها قدرات التعايش مع العالم، وتنقب في التراث لتأتي بكل ما يتواكب مع ثورات العصر، ولو ركزت الكتلة الخليجية على هذا الهدف، فسوف يكون استثمارًا نوعيًا ولا مثيل له في مجالات يمتلك العرب منها الكثير، وهم فقط في حاجة إلى إعادة اكتشافه والترويج له (القوة الناعمة العربية)، فقد أدخلتنا عقود الصراع مع إسرائيل والصراعات العربية المترتبة عليها، في مزاج نفسي وثقافي وحياتي مغاير لحقيقة الشخصية العربية، وبينما انشغلنا كثيرًا بالتسابق العسكري مع إسرائيل فقد تجاهلنا كل أشكال ومتطلبات السباقات الأخرى اللازمة والأساسية، بينما لم يمنع انشغال إسرائيل بالحروب معنا وتدميرها للبنى التحتية العربية، من تمكنها من إحداث اختراقات في مجالات العلم والتقنية!!!. وعلى الرغم من اجتهادات عربية سباقة للدعوة إلى نهوض ثقافي إلا أنها لم تتجاوز بيانات تصدر من الجامعة العربية، لم تعن الكثير، ولم تمنح الفرصة للتطور التدريجي، ومن ثم لم تكن هناك فرصة أمام العرب لاستكشاف واقعهم الثقافي ومحيطهم الحضاري ورصد جوانب الضعف والتطوير في هذه المجالات.

ولقد أصبحت الحاجة الآن ماسة لتجاوز ما سبق، وسد الفجوات العلمية بين العرب والعالم بكل سرعة، مع مرور العرب بمفترق طرق ما بين هزات ثقافية وروحية وحضارية تضرب الثوابت الأخلاقية والدينية والتاريخية، وبين زحف العولمة وتجلياتها والانسحاق الثقافي للأمم الضعيفة، وبين دخول العالم حقبة قد تقضي على الثقافات المتقوقعة والمنعزلة. وعلى الرغم من التفاؤل بعقد قمة ثقافية عربية، إلا أن المطلوب أكثر من ذلك، فالارتقاء الثقافي والحضاري والأخلاقي بالواقع العربي يتطلب توظيف الطاقات المدنية وقدرات الإبداع والابتكار والتحديث.

وفي هذه النقطة بالذات تستطيع الكتلة الخليجية أن تقدم الكثير للواقع العربي؛ فقد أصبحت منطقة الخليج مصدرًا للإشعاع الفكري والثقافي ومنطقة التلألؤ الحضاري العربي؛ ليس فقط بما تمتلكه من جامعات ومعاهد ومراكز بحث وفكر حديثة ومتقدمة، فضلا عن بعض أهم الجوائز العلمية والأدبية التي أصبحت موضع سمعة ومنافسة وترتيب دولي، وإنما أيضًا في أنها أصبحت مركزًا للنشاط العلمي والثقافي والإنفاق على البحث والتطوير، ومصدرًا لاستقطاب الكفاءات العربية والأجنبية، وهي مركز العشرات من القنوات الفضائية ومركز لشبكة اتصالات وفضاء الكتروني لا مثيل لها في المنطقة مع تفاعل اجتماعي واسع مع العالم، علاوة على شراكات مؤسساتها ومعاهدها العلمية مع أكبر الجامعات والمعاهد العالمية. وتشكل منطقة الخليج الآن ما يشبه بيت خبرة عربي كبير في شؤون الفكر والثقافة، ومن ثم تمتلك الكتلة الخليجية بشكل عام وزنًا وثقلا في مجال القوة الناعمة الحديثة والعصرية التي يمكنها من خلال التلاقح مع القوة الناعمة العربية التقليدية في الدول العربية العتيقة ذات الميراث الفكري والمكنون التراثي، أن تشكلا مزيجًا فريدًا من القوة الناعمة، التي تعيد للمنطقة طابعها الحضاري الفريد الجامع بين المعاصرة والتراث، وذلك مرتكز أساسي آخر للدور الخليجي عربيًا تستطيع الكتلة الخليجية الإسهام فيه بامتياز، وهو ما يتطلب مشروعات ثقافية جماعية ومبتكرة للاستثمار الثقافي الهادف والمتبادل، الذي يحقق مصالح الجانبين العربيين، وهو استثمار خليجي قد ينافس أو يفوق الاستثمار الخليجي في الأندية الرياضية الأوروبية أو المتاحف واللوحات الفنية.           

4-   أفكار جديدة للأمن القومي: على الرغم من أن موضوع الأمن القومي العربي هو أحد المشروعات المتعثرة منذ عقود طويلة، وعلى الرغم من أن مختلف الأفكار والمقترحات لإحيائه قد فشلت، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت عددًا من المبادرات الخليجية الجديدة التي أخرجت مفهوم الأمن القومي العربي من أسر المقترحات التي واجهت الفشل؛ فلقد أصبح التفكير في مشروع أمن قومي يشمل كل الإقليم العربي مشروعًا أشبه باليوتوبيا والخيال، كما أن اختزال الأمن العربي في الشأن العسكري فقط، هو اختزال معيب، لأن مهددات الأمن القومي أشمل بكثير من مواجهة التحديات أو الأخطار العسكرية. مع ذلك فقد أكدت القمة العربية بالظهران بالمملكة العربية السعودية مؤخرًا، أن موضوع الأمن القومي العربي بمفهومه التقليدي والعسكري لازال مسألة في قلب التفكير والهموم العربية، ودلّل على ذلك وثيقة الأمن القومي التي صدرت عن القمة.

ولقد شهدت السنوات الأخيرة خطوات يمكن البناء عليها لتحقيق مفهوم الأمن القومي بالمعنى الضيق؛ ففضلا عن أن هناك تصورات أشمل بشأن المفهوم بدأت تطرح، فقد ظهرت تحالفات عسكرية وسياسية عربية جزئية تستهدف حماية الذات بشكل انفرادي أو جماعي، من الأخطار الأدنى والأصغر، ويمكن لهذه "التحالفات الجزئية" أو "تحالفات المهمة والهدف" أن تتطور إلى مستويات للدفاع المشترك أثناء الحروب والصراعات المسلحة. وضمن هذا السياق، يمكن قراءة التحالفات التي نشأت لمواجهة الإرهاب في العراق وسوريا والتحالف العربي في اليمن، وقوائم الإرهاب الجماعية والتكتل الرباعي العرب ضد قطر. فضلا عن كل ذلك تبرز مساعي السعودية والإمارات لتوطين الصناعة العسكرية وإدراجها ضمن خططهما ورؤاهما المستقبلية؛ فتحت بند"توطين الصناعات العسكرية" شملت رؤية 2030 السعودية تطوير هذا القطاع، ووفقًا للرؤية فإن هناك رغبة في توطين ما يزيد على ٥٠٪ من الإنفاق العسكري. ولقد أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا بإنشاء "الهيأة العامة للصناعات العسكرية" في أغسطس 2017، بهدف تنظيم قطاع الصناعات العسكرية في المملكة وتطويره ومراقبة أدائه.

وكانت الإمارات قد أعلنت عن تأسيس شركة الإمارات للصناعات العسكرية عام 2014م، كما أعلنت التزامها بتطوير مجال التصنيع الدفاعي في إطار خطة شاملة لتطوير قطاع التصنيع داخل الدولة، وتكريس مكانة الإمارات كقوة إقليمية ودولية قادرة على الدفاع عن نفسها ومصالحها وتعزيز السلم والأمن في المنطقة والعالم، وكان أحد المسؤولين العسكريين بالإمارات قد أكد عام 2013م، أن التصنيع العسكري المحلي يغطي 50٪ من احتياجات القوات المسلحة الإماراتية. وإذا أضفنا إلى ذلك ما أعلنت عنه الإمارات في مارس 2018م، عن اكتمال أعمال بناء المحطة النووية الأولى، ضمن مشروع أكبر لبناء أربع محطات نووية للأغراض السلمية، وأن نسبة الإنجاز الكلية للمشروع في المحطات الأربع بلغت 86%، ثم موافقة مجلس الوزراء السعودي في مارس 2018م، على السياسة الوطنية لبرنامج الطاقة الذرية، يتضح أن البلدين يتحركان في ضوء رؤية لبناء عمل يتجه إلى صيانة الأمن القومي للدولتين. وكل ذلك يشكل إضافات نوعية للأمن القومي العربي بمنظوره العسكري التقليدي، وهو ما يشكل في النهاية إضافات بالغة الأهمية للأمن القومي العربي. وذلك نموذج مهم لدور الكتلة الخليجية النوعية في تفعيل العمل العربي المشترك.

مجلة آراء حول الخليج