array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

السعودية الجديدة في قلب تشكيل نظام إقليمي شرق أوسطي مقبل

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

لا يمكن أن يتشكل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط بمعزل عن تشكل النظام العالمي، رغم أن كثيرًا من الدراسات حول تشكل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط أصابها لوثة سطحية أو تسرب إلى حقل تلك الدراسات الاستراتيجية كانت من أجل مسايرة للسرعة والسبق والحصرية التي تتطلبها وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، ما جعلها بعيدة كل البعد عن المنهجية العلمية في تحليل الأوضاع العالمية والإقليمية في حقلي السوسيولوجيا والجيوبولتيكا.

بناءً على ذلك انقسم المفكرون بين يسار ويمين وتباينت آراؤهم  بين محتف بالعولمة وبين رافض لها منهم من يعتبر أن ما وراء العولمة عالم بربري وفوضى قادمة تهدد الجميع وليست موجهة ضد الشرق الأوسط بمفرده والتي نتج عنها عسكرة العلاقات الدولية في ظل بروز عبودية جديدة وفوضى متشظية خصوصًا في ظل عمليات السلام المعطلة التي تخص الشرق الأوسط بين العرب وإسرائيل، لكن في المقابل هناك اهتمام بالسلام بين أمريكا وكوريا الشمالية.

لكن هيمن على العالم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي الحرب الباردة واستطاع كيسنجر في عهد الرئيس نيكسون عام 1972م، فصل مسار الصين عن المدار السوفيتي، وساهم بريجينسكي في تشكيل معاهدة كامب ديفيد التي أُبرمت في عام 1977م، بين إسرائيل ومصر والتي لا تزال معاهدة السلام الدائمة الوحيدة في الشرق الأوسط، ويعود الفضل لبريجينسكي مصطلح الانخراط السلمي مما جعله يسعى لتحقيق انفراج مع الاتحاد السوفيتي وضغط من أجل حقوق الإنسان، وتطبيع العلاقات بين أمريكا والصين، لكن يؤخذ على بريجينسكي أنه ساعد على نمو إرهاب المتطرفين بسبب دعمه المجاهدين في أعقاب غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في عام 1979م، التي انتقلت إلى الشرق الأوسط لاحقا.

تتعرض المنطقة العربية اليوم إلى تفتيت وتجزئة الإسلام كدين أممي إلى طوائف ومذاهب تحت تأثير عنصري إقليمي بقيادة ملالي إيران المتستر بإرهاب ديني في اليمن ومتدخلا بالمذهب في العراق ومليشاويا مخترقا الغالبية السنية خصوصًا العربية في سوريا ولبنان، استفادت دولة الملالي من إقصاء أوباما السعودية عمدًا عن مفاوضات الاتفاق النووي، لكن التمرد السعودي على أمريكا جعل ترامب يعيد مراجعة الاستراتيجية الأمريكية تلقت دولة الملالي ضربة ليست على الخد بل على اليد بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الإيراني ويريد أن يحاسب دولة الملالي كدولة مارقة على النظام العالمي ومحاسبتها على التدخل في المنطقة العربية الذي يهدد المصالح الأمريكية، مع إعادة فرض العقوبات الاقتصادية بما في ذلك العقوبات الفرعية المفروضة على حلفاء الولايات المتحدة، وستتبع لاحقا حزم من العقوبات وأنماط الضغط الأخرى غير ذات الصلة بالقضية النووية، الهدف منها هو خنق اقتصاد الحرس الثوري التابع للنظام الحاكم بشكل خاص وهي قوة ناعمة أكثر تأثيرًا من القوة الصلبة المتمثلة في إرسال مزيد من القوات العسكرية الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط.

 وهو ما يتماشى عن إحجام الإدارة الأمريكية عن العودة إلى سياسة التدخلات العسكرية المباشرة، ولن يستمر الحرس الثور هادئًا فترة طويلة ستكون ردود فعله غير المتناظرة ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة وبشكل خاص السعودية في وعلى طاولة الحرس الثوري التمسك بالتدخل في العراق وسوريا ولبنان بشكل خاص وأفغانستان واليمن ما يعني الأمر العبث بأعواد الثقاب في منطقة شديدة الاشتعال وفي ظل استراتيجية الولايات المتحدة بعد التدخل المباشر فهي تعتمد استراتيجيتين تجاه الحرس الثوري الأولى فرض حزم من العقوبات والاستراتيجية الثانية تنسيق سياساتها مع السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني.

تفرض القوة منطقها على منحنيات الصعود والهبوط في العالم، وتتعدد أشكالها، ما بين النعومة والخشونة، والبطش، حيث تبقى القوة في فضاء العلاقات الدولية كعلاقة مركبة وحاكمة لإشكاليات كثيرة تؤثر تأثيرًا كبيرًا على تشكيل النظام الإقليمي، ورغم ذلك فإن تنافس الولايات المتحدة والسعودية مع إيران هو على صعيد القوة الناعمة بدلا من القوة الصلبة يمكن أن تؤتي ثماره المنطقية، وما نشاهده في الانتخابات البرلمانية العراقية في مايو 2018م، والتي قد تسفر عن تغيير كبير في المشهد السياسي في العراق، وهو يعكس توازنًا جديدًا للقوى أكثر إيجابية عن ذي قبل وهو يثبت نجاح الدبلوماسية السعودية في دعم الصدر سياسيًا وأمنيًا.

وهو ما جعل دول الشرق الأوسط مؤخرًا استيعاب أهمية دور عناصر القوة في فهم الخيارات الأساسية للعناصر الفاعلة في المجتمع الدولي، رغم أن عنصر القوة في العلوم الاجتماعية ينظر إليها بأنها أضحت تمثل تلونًا متنوعًا وأكثر تعقيدًا ولغوًا محيرًا أكثر من أي وقت مضى بسبب صعوبة فهم ما وراء الدوافع المؤسسة لمواقف الدول تجاه قضايا معينة، فمثلا نجد هناك توافقًا بين دولتين في ملف ما، بينما نجد نوعًا من التنافر فيما بين ذات الدولتين في ملفات أخرى يعود ذلك إلى عناصر القوة والضعف والمصلحة لكل دولة في كل ملف بشكل منفصل وهي عوامل أساسية في تشكيل النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، حتى أضحى التفريق بين القوة الناعمة والقوة الصلبة غير ممكنًا اليوم كما كان واضحًا في التسعينات من القرن المنصرم.

أدركت دول الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية أن القدرة العسكرية تمثل أهمية في رسم خارطة العلاقات الدولية لكنها اليوم لا تمثل الأولوية الأولى، فهناك معايير وقوى أخرى تأتي قبلها مثل القوة الاقتصادية والقوة التكنولوجية أي هناك مراجعة للمفاهيم التقليدية، وهناك درس الاتحاد السوفيتي ماثلا للعيان أمام الدول عندما تفكك في الثمانينات رغم أنه كان يمتلك قدرة عسكرية، وهو ما جعلها تتجه نحو قيادة تحول اقتصادي جذري عبر رؤية المملكة 2030.

فالعولمة ونهاية عهد القطبية الثنائية حفزتا على قراءة جديدة لمفهوم القوة خاصة في ظل تعدد العناصر على الساحة الدولية، الأمر الذي ترتب عليه ظهور معايير جديدة للقوة مثل حجم ونطاق المعرفة، وكذلك حجم المعلومات ومستوى التعليم وهي معايير تتمتع بقدر أكثر أهمية من المعايير الكلاسيكية التي كانت تصوغ العلاقات الدولية في زمن الثنائية القطبية.

شعرت السعودية بأن أهم عناصر القوة في مدى نجاحها في السيطرة على حدودها، وبسط سيطرتها عليها بشكل تام وكامل، لذلك هي لم تسمح بهيمنة إيرانية على البحرين ولا جعل قطر تستمر منصة للإخوان بقيادة تركيا، فرضت عليها المرحلة الجديدة قيادة عاصفة الحزم ضد مليشيات الحوثيين في اليمن التابعين لإيران، وفرضت عليها قيادة مرحلة مقاطعة دولة قطر لمحاصرة منصة الإخوان في قطر وتحجيم دورهم في المنقطة استعدادًا لمرحلة جديدة في المنطقة وفق ترتيبات إقليمية ودولية بقيادة السعودية مما يفرض عليها محاصرة ووقف تمويل دولة قطر لتلك التنظيمات.

أدركت السعودية كذلك أنه يجب أن ترتب أوضاعها الداخلية من خلال وجود غطاء اجتماعي واقتصادي لما على الأرض من اقتصاد وسكان من خلال برنامج رؤية المملكة 2030 وتحفيز ما تتمتع به من بُنى تحتية وموارد طبيعية، وسكانية باعتبار السكان العنصر المهم ورهانًا كبيرًا لقوة الدولة يسمح لمليشيات داخل الدولة تبعيتها لدولة أخرى، كما أنه يضمن وجود أيد عاملة ومن ثم سوق عمل، وهي تأمل في إنشاء آليات لصون الاستقرار في الشرق الأوسط.

 القادة الجريئون يمكن أن ينجحوا من خلال نشر رسالة أمل وانفتاح وإشراك وتعزيز رؤية تقدمية على أساس إصلاحات موثوق بها، ومثال على ذلك روسيا تتمتع بحماية طبيعية لكنها لا تمتلك بنية تحتية قوية وهو ما يؤدي إلى وجود قوة محدودة للدولة على هذه الأراضي لذلك وجدت ضالتها في التحالف مع السعودية لتمتين علاقتهما في قيادة أسواق النفط من أجل بناء المزيد من البنى التحتية في كل منهما.

نحن نعيش مرحلة ما بعد العولمة التي كان ينظر لها من أنها شرط استكمال العولمة هو مزيد من الدماء والحروب وعسكرة العلاقات الدولية، ولا ترمي حالة الاضطراب التي دخلها العالم إلى غاية محددة أو هدف بعينه، بل تسعى إلى إدامة نظام غير مستتب ترعاه مؤسسات مالية عابرة للقوميات ما أفضى في المحصلة إلى خضوع الدولة – الأمة للشركات المتعددة الجنسيات التي سلبت من الدول سيادتها السياسية والاقتصادية.

 حتى أضحت العولمة الاقتصادية محددًا جوهريًا في إعادة تشكيل السياسية، لكن يبدو أن التقدم التكنولوجي وما رافقه من ثورة إلكترونية دخلتها بشكل مفاجئ فقدت عندها العولمة القيادة، ولأول مرة فقدت العولمة القدرة على إدارة مصالحها بفضل الثورة الإلكترونية وحتى الحكومات المحلية، لأن هذه الثورة تسمح بالتفكير والقيادة في نظام منفلت من الضوابط والقيود امتدت إلى أنحاء العالم ولم تعد متركزة في مكان محدد بل بدأت تضرب الهجرات والإرهاب دول أوروبا وأمريكا.

هناك واقع هجين غير مسبوق من المستحيل الإحاطة به إذا لم يكن هناك تعاون مشترك، لأن العنف الممارس في عالم اليوم يهدف إلى فرض سيطرة وتراتيبية معينة، لكنه قطعًا لا يعمل على إقامة نظام سلمي، بل يسعى إلى اتساع رقعة العنف وتعميمه، ما يعني أن العالم يعاني من حرب عالمية، بعدما حاول العالم الغربي دفع رحى الاضطراب إلى منطقة الشرق الأوسط لأنه كان يعتبرها فضاءات تتكثف فيها إشكاليات جيو- استراتيجية وجيو- اقتصادية، فلم تعد اللامبالاة تنفع بعدما كان الغرب لا تؤرقه حروب الشرق الأوسط ولا يرغب في إيقافها لأن الانتصار لم يعد الهدف منها.

استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا المحظورة دوليًا وتحديد المسؤولية عن استخدامها تعترضها مصالح دولية بين الغرب وروسيا حيث تريد روسيا أن تنتزع من الغرب اتفاقية على غرار اتفاقية هلسنكي في أغسطس 1975م، بين الاتحاد السوفيتي السابق والدول الغربية التي حددت أطر العلاقات خلال الحرب الباردة وأن تمتد تلك الاتفاقية بين السعودية وإيران عندما تقتنع إيران أن التغيرات الجيو- سياسية تغيرات لا تصب في صالحها بل تصب في صالح السعودية، والتي تفرض على مجلس الأمن أن يضطلع بدور ما في حال سارت الأمور على ما يرام في شبه الجزيرة الكورية في أعقاب القمة التاريخية التي جمعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكروي الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة بعدما كان مجلس الأمن متحدًا خلف قيادة أمريكية قوية.

لم يعد يقتنع الغرب بأن لإيران مصالح أمنية مشروعة في الشرق الأوسط بل هي تراها مزعزعة للاستقرار، وإذا اعترف بأن لها مصالح أمنية مشروعة كذلك يعترف بأن للسعودية هي الأخرى مصالح أمنية مشروعة يجب التوفيق بين جميع المصالح، خصوصا بعدما اتجهت الدول الغربية إلى اتخاذ سياسة حازمة حيال الدور السيء لإيران في المنطقة، لكن على دول المنطقة وخصوصًا السعودية أن تتحمل المسؤولية الأساسية عن تحقيق الاستقرار في المنطقة.

عانى الشرق الأوسط حالة من الاضطراب بعد نهاية الحرب الباردة عندما كان الحديث عن نظام عالمي جديد الذي بدأ باحتلال صدام الكويت ثم أحداث 11 سبتمبر واحتلال أفغانستان والعراق إلى أن أتت ما يسمى ثورات الربيع العربي، ولم يكن العرب جاهزون بعد نهاية الحرب الباردة ماذا يعني نظام عالمي جديد الذي يعني اضطراب منطقة الشرق الأوسط، كذلك لم تكن تلك الانتفاضات عاقلة مقتنعة بالوحدة بل على العكس هزت الثقة بالدولة والشعب فانهارت سوريا، وضربت العراق المنهار أصلا، واليمن، وليبيا، ويتعرض السودان لعوامل تعرية، ولا يزال الصومال يعاني الانهيار، وليست موريتانيا بأفضل حال.

التحرر العربي من الاستعمار والتخلف تم على أساس إنشاء كيانات مستقلة لكنها لم تتمكن من ترسيخ اتحاد فيدرالي على غرار الاتحاد الأوربي، بل نجد حتى المنظمات الإقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي والمغربي يتجهان نحو التفكك رغم أن التحديات أبقت على مجلس التعاون الخليجي قائمًا لكنه من دون تقدم وتحقيق المواطنة الخليجية ما جعل السعودية تبحث عن خيارات أفضل.

 لم تكن فقط منطقة الشرق الأوسط شملها الاضطراب بل حتى البلقان، لكن كيف عاد الهدوء إلى منطقة البلقان ولم يعد الهدوء إلى منطقة الشرق الأوسط، لكن بعدما امتد أثر تلك الاضطرابات إلى أنحاء واسعة من العالم، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط موعودة بعودة الهدوء إليها، لكن هناك تصادم الكثير من المصالح بطريقة لا مثيل لها من قبل جزئيا لأن الكثير في بلدان الشرق الأوسط لم تكن لاعبة على الساحة الدولية سابقا، بينما اليوم أصبحت السعودية لاعبًا إقليميًا ودوليًا خصوصًا وأنها عضو في مجموعة العشرين ومن الضروري أن تحافظ على بقائها في هذه المجموعة مما يتطلب تقوية اقتصادها المحلي.

 لذلك نجد اليوم السعودية تحولت إلى لاعب إقليمي ودولي لإدارة نوع من تنافس المصالح بين الشرق والغرب وهي تتجه نحو إدارة حوار أكبر مع تلك المجموعات من أجل تسوية التنافس على كل هذه المصالح خارج نطاق خطر النزاع أو عدم الاستقرار مثال على ذلك التعاون مع روسيا في إدارة أسواق النفط بعيدًا عن التنافس والنزاع.

وبدأ العالم وخصوصًا الولايات المتحدة تنظر إلى السعودية كقوة اقتصادية جديدة قادرة على أن تبذل المزيد من الجهد لمساعدة مناطق مختلفة على أن تكون أكثر استقرارًا مثال ذلك مصر والأردن واليمن والعراق وسوريا، وهي تتولى إدارة منظمة المؤتمر الإسلامي في صياغة بعض الآليات لإدارة بعض القضايا الداخلية في المنطقة، خصوصا في وقف موجة الإرهاب والتشدد والاندماج العالمي.

مجلة آراء حول الخليج