array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

"سيناريوهات العلاقة بين قطر وإيران في ظل أزمة "النووي

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

على الرغم من جهود البلدين لإبعاد علاقاتهما عن التوترات الإقليمية، لن تكون العلاقات بين قطر وإيران بمأمن من نتائج الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مستقبلاً. وإذا كان البلدان قد تمكنا حتى الآن من تجنب تلك التبعات واستمرت علاقاتهما في تطور دون تحمل أية خسائر أو أعباء من جراء الحصار الأمريكي على إيران والمقاطعة الرباعية على قطر، فهناك محطات فاصلة مقبلة فيما يتعلق بأزمة النووي، سوف تجعل علاقات الدولتين على المحك، خصوصًا لو استمرت أزمة الاتفاق النووي وشهدت خطوات تصعيدية، وهو الاحتمال الوارد، طالما بقي الرئيس دونالد ترامب على رأس السلطة في الولايات المتحدة.

أولاً: قطر وإيران.. المسكوت عنه في العلاقة:

تعتبر العلاقات القطرية الإيرانية أكثر العلاقات إثارة للجدل والنقاش؛ وينسحب عليها تمامًا ما ينسحب على العلاقات القطرية ــ الإسرائيلية، بل إن الأولى تطرح تساؤلات وشكوكًا أكثر؛ فلقد تنامت علاقات البلدين على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية، وبلغ التعاون بينهما حد العمل المشترك في ساحات إقليمية ولخدمة أطراف محددة في الصراعات، وبدت قطر في السنوات الأخيرة كدولة سنية في قلب المحور الإيراني الشيعي، وذلك في ظل أقصى فترات التمدد الإيراني وتمددات الميليشيات التابعة للجمهورية الإيرانية في الساحات العربية، وفي ظل فترات تنامي الشكوك تجاه إيران خليجيًا مع استمرار تحركاتها في الفناء الخلفي لعدد من الدول العربية من خلال خلايا التجسس وأعمال العنف والتحريض الطائفي، كما تنامت العلاقات القطرية مع إيران في ظل تنامي العلاقات قطر مع إسرائيل واستمرار الخلاف الأمريكي الإيراني، وبدا التعاون القطري الإيراني على ساحات اليمن والعراق ولبنان وفلسطين وثيقًا. وكان لافتًا أن يحافظ البلدان على علاقاتهما الخاصة على الرغم من اختلافهما الأيديولوجي والسياسي والعسكري، وهو ما طرح تساؤلات كثيرة حول الشكوك والنوايا والأهداف.

لقد أدت أزمة الرباعي العربي مع قطر إلى تكثيف وتيرة العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين البلدين، وهو ما انعكس سواء على حركة الخطوط الجوية لانتقال البشر والتجارة، منذ الأيام الأولى للأزمة في إبريل 2017م، وحتى الآن، أو في حجم الزيارات المتبادلة بين المسؤولين والاتفاقيات ومذكرات التعاون، أو التصريحات السياسية التي برزت أكثر ودية وعلى أعلى مستوى، والتي عبرت عن تكاتف وتساند البلدين في الأزمة بين كل منهما والطرف الخصم، سواء الرباعي العربي على جانب قطر أو الموقف الدولي على جانب إيران. ويطرح استمرار العلاقات بين البلدين على امتداد فترة زمنية طويلة -على الرغم من اختلاف الظرف السياسي- التساؤل حول: أي مصالح يجنيها كل بلد من الآخر؟ وكيف حافظا على علاقتهما على الرغم من التناقض الأيديولوجي والإطار السياسي والوضع الجيوبوليتيكي في ظل تبيان التحالفات الدولية لكل منهما؟ وفي ظل علاقات كل منهما المتباينة مع دول الخليج وإسرائيل والولايات المتحدة؟

ثانيًا: قطر بين لحظة الاختيار وهدف الحفاظ على البقاء:

كان أهم ملمح حافظت عليه الدبلوماسية القطرية حتى الثورات العربية هو قدرتها على اللعب على حبال مشدودة والجمع بين التناقضات (أيديولوجيات وسياسات وأطراف)، ولقد أثارت قدرة الدبلوماسية القطرية على جمع أطراف الصراعات المختلفين ونجاحها في التوصل إلى حلول سلمية لعديد من الأزمات قبل 2011 ، قدرًا من الإعجاب، بشأن تلك المرونة السياسية العالية المصحوبة بالتساؤل والشكوك، لكن فقدان قطر تلك المرونة في السنوات الأخيرة شل قدرتها على الحركة، وأوقعها في مطبات العلاقات الإقليمية، وانتهى الأمر إلى صدمة شديدة تسببت في خسارة الدبلوماسية القطرية أغلب ما اكتسبته على مدى العقود. لقد بدت الدبلوماسية والإعلام القطري جامدًا في التعامل مع الأزمة مع الرباعي العربي، وبينما تمكنت الدوحة على مدى سنوات من مساعدة أطراف الصراعات على حل صراعاتهم، فقد فشلت في مساعدة نفسها على تجاوز أهم أزمة كان بالإمكان إنهائها منذ البداية بتحركات مباشرة وسريعة، لكنها وقفت جامدة عند موقفها الأولي دون تغيير، على نحو شكك في قدراتها السياسية، وكشف عن أن قدرات قطر في فض الصراعات لم تكن تتجاوز قدراتها المالية، وهو أكبر انتقاد جرى توجيهه إلى دبلوماسية قطر على مدى السنين.

ويهدد الوضع الراهن -مع تصاعد حدة الأزمة مع إيران- والاصطفاف القطري مع نظام الجمهورية الإيرانية، وفي ظل استمرار حالة الجمود القطري بأحد أمرين، إما بكسر الدبلوماسية القطرية وتخندقها كليًا حول هدف الحفاظ على البقاء مهما تطلب من تنازلات، أو بتلونها وتراجعها السريع والدراماتيكي طلبًا لاستمرار البقاء المادي، دون ضرورة البقاء المعنوي. فبعض العقوبات التي تفرضها واشنطن ضد إيران توجه ضربة لعلاقة قطر الخاصة مع الجمهورية الإسلامية، كما أنه خلال أشهر محدودة سوف تكون إدارة ترامب إزاء قرارات مفصلية جديدة إزاء إيران، وهو ما قد يدفع الجمهورية الإيرانية إلى قرارات عدائية في قلب الخليج، وهنا سوف يكون على الدوحة تبني مواقف واضحة وصريحة من النظام الإيراني، ولن تستطيع الاستمرار على خطها الراهن في الحفاظ على مستويات من العلاقة بعيدًا عن أن يطالها الضرر. وإذا كان يتعين على قطر تبني مواقف من إيران فسيكون عليها أيضًا تبني مواقف من أنصار إيران في الإقليم ومن جماعات وميليشيات وأطراف منغمسة في الصراعات، وكل ذلك من شأنه أن يفرض ضغوطًا على الواقع السياسي داخل قطر في ظل هيمنة أنصار الإسلام السياسي على مفاصل الدولة، وهيمنة الأيديولوجيا الخاصة بهم على النظام القطري.

ويشير كل ذلك إلا أنه في المرحلة المقبلة ولأسباب عملية وسياسية مختلفة، قد لا تتمكن قطر من الاستمرار في سياسة الجمع بين التناقضات، حتى ولو فعلت ذلك بهدف الحفاظ على البقاء، وليس للعب دور إقليمي من طبيعة خاصة؛ ليس فقط لأن الأزمة بين الولايات المتحدة وإيران تتجه إلى مراحل مفصلية، بل لأن الواقع الإيراني الداخلي هو نفسه يبدو مقبلاً على مرحلة تغيير كبرى وتقلبات مستمرة، من دون أي تدخل خارجي، وهو ما لن يمكن نظام الثورة من الاستمرار على نفس نهجه وقدراته في الإشكال الإقليمي، ومن ثم يبدو الرهان القطري هو على جواد خاسر. وفي مجال المفاضلة –لو كان ذلك متاحًا لقطر فعليًا- بين إيران والولايات المتحدة، فإن الخيار القطري سيكون واضحًا تمامًا، وعلى الأرجح أن المرحلة المقبلة، تحمل إمكانيات إحداث هذه النقلة في السياسة القطرية بالترافق مع تغيير داخلي في بيت الحكم، كأنسب بديل عقلاني ممكن وقائم لبقاء النظام داخل أسرة آل ثاني.

يؤيد ذلك أن مركز السياسة القطرية الآن يتمحور حول هدف "الحفاظ على البقاء" وليس لعب دور إقليمي؛ حيث انحسرت دبلوماسية قطر وتكورت على نفسها تمامًا، وهي تدير معركتها مع الرباعي برغم الصخب والضجيج، بالشكل الذي يحقق هذا الهدف، وقد يبدو استمرارها في المناكفات مع السعودية والإمارات تحديدًا، لكن جميع توجهاتها في ذلك إنما تستهدف الحفاظ على البقاء والدفاع عن الذات ضد إمكانات التغيير السلمي في السياسات والتوجهات الذي قد يؤدي إلى إراقة ماء الوجه، أو التغيير القسري الذي قد ينتهي بفقدان الحكم. ويعني ذلك أنه بالإمكان في لحظة محددة توقع تنازل قطري في ظل مصفوفة من التحولات والضمانات.     

ثالثًا: سيناريوهات علاقة البلدين في ظل أزمة الاتفاق النووي:

ينطوي الوضع الراهن على مؤشرات أزمة كامنة في العلاقات القطرية الإيرانية سوف تتطور تدريجيًا إذا تطورت الأزمة بين إيران والولايات المتحدة إلى مستوى من الاضطراب والتهديد بالحرب. فحتى الآن مكّن المستوى الأدنى من الأزمة من تجنبت قطر إظهار موقف مختلف من إيران في أزمتها الراهنة، واكتفت قطر بمواقف أقرب إلى المجاملة منها إلى تبني إجراءات ومواقف رسمية وعملية. وحتى الآن تمكّن الإدارة الأمريكية للأزمة بالمستوى المنخفض قطر من إدارة علاقاتها مع إيران عند مستوى وسطي، يسعى إلى الحفاظ على ما هو قائم، لكن عند مستوى معين سيكون على قطر تبني مواقف محددة، قد يترتب عليها خسائر وأضرار كثيرة بالموقف القطري.

لقد برز مسعى قطر إلى الجمع والتوفيق المتعنت بين المصالح والتوجهات، في موقفها من القرار المغربي بقطع العلاقات مع إيران؛ فحين أعلنت المغرب قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الجمهورية الإيرانية في مايو 2018م، أعلنت قطر عن تأييدها للمغرب، وأكد البيان القطري تضامن قطر العميق والكامل مع المملكة المغربية في المحافظة على سلامة ووحدة أراضيها في وجه أية محاولات تستهدف تقويض هذه الوحدة أو تستهدف أمن المملكة المغربية الشقيقة وسلامة مواطنيها. لكن البيان تجنب مجرد ذكر إيران أو الإشارة إليها، بل سعى إلى توظيف الأزمة لمصلحة الموقف القطري إزاء الرباعي، فأكد أنه: "تشدد دولة قطر على أهمية احترام المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول وفى مقدمتها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وحل الخلافات بالحوار ومن خلال الوسائل والطرق السلمية المتعارف عليها دولياً."

هذا الموقف القطري الذي يسعى إلى ضبط إيقاعاته بين أطراف الصراع، وإبداء التعاطف مع المغرب في صيانة نفسها دون إبداء العداء لإيران سوف يصعب على الدوحة تبنيه إذا اتجهت أزمة إيران مع الولايات المتحدة إلى التصعيد؛ حيث سيكون عليها تبني مواقف محددة إزاء الأزمة، في مستوياتها التصعيدية المحتملة، حيث سيكون على السياسة القطرية عمل ترجيحات وحسابات معقدة، سيتعين عليها القيام بها في ظل كل سيناريو محتمل لتطورات الأزمة الإيرانية الأمريكية، وهو ما يمكن تصوره على النحو التالي:

أولاً: استمرار التوتر منخفض الحدة لأزمة النووي: ويعني ذلك بقاء الأزمة بين إيران والولايات المتحدة عند مستوياتها الراهنة، وعدم إقدام النظام الإيراني أو إدارة ترامب على خطوات تصعيدية، وألا تتطور الأزمة في الأشهر المقبلة إلى توسيع شبكة العقوبات الاقتصادية على إيران وفرض حصار نفطي عليها على نحو ما أعلنت إدارة ترامب. ويعني هذا السيناريو إفساح المجال للنظام الإيراني لمواجهة مستقبله على نحو تدريجي، في ظل تقدير أمريكي بأن ضغوط الواقع الداخلي ستنتهي إلى إسقاط النظام على المدى البعيد. وفي الحقيقة، فإن هذا السيناريو سيزداد الاقتناع به كلما تطورت الاحتجاجات والاضطرابات الداخلية في إيران، والتي ستقنع إدارة ترامب بأن التغيير قادم وأن المواجهة مع النظام قد ترفع من سقف التطرف الداخلي الوطني، وستضرب القوى العلمانية لمصلحة استمرار النظام الديني، الذي سيزداد اصطفاف الجماهير حوله في ظل أي خطوات عدائية من جانب الولايات المتحدة.

هذا السيناريو هو الأفضل لقطر، إذا استمرت على مواقفها وحساباتها الراهنة بشأن الأزمة مع الرباعي العربي، وعلى توجهاتها الإقليمية في ظل هدف الحفاظ على البقاء، وهو لا يدفع قطر إلى تغيير أي من سياساتها، في الوقت الذي يمكن كلا البلدين (قطر وإيران) من الاستمرار في نفس مستوى علاقاتهما وارتباطاتهما وخطابهما السياسي، وتكتيل قوى الإسلام السياسي السني والشيعي خلف كل منهما، كما يمكن كلا البلدين من الاستمرار في تبادل الخدمات الأمنية والسياسية والاقتصادية، ومن ثم هو أقل السيناريوهات تكلفة على السياسة الخارجية القطرية الراهنة.             

ثانيًا: التصعيد الاقتصادي والسياسي المخطط والهادف: وهذا السيناريو يتحقق في حال استمرار الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب على موقفه من فرض العقوبات على إيران واستمراره على خطته الساعية إلى دفع إيران لقبول تعديل الاتفاق أو تصعيد المواجهة السياسية والاقتصادية؛ حيث من المقرر أن تعيد الولايات المتحدة بحلول 6 أغسطس 2018م، فرض العقوبات على المعاملات الدولارية للحكومة الإيرانية، وعلى تجارة إيران في الذهب والمعادن النفيسة والتجارة في المعادن الخام أو شبه المصنعة والفحم وبرامج الكمبيوتر المرتبطة بالصناعات، وعقوبات على واردات السجاد والمواد الغذائية المصنعة في إيران للولايات المتحدة. وفي 4 نوفمبر سيعاد فرض العقوبات على قطاع الطاقة وخدمات التأمين،وعلى المعاملات المرتبطة بالنفط وعلى قطاعات الشحن وبناء السفن الإيراني، وستواجه المؤسسات المالية الأجنبية عقوبات على أي معاملات لها مع البنك المركزي الإيراني ومؤسسات مالية أخرى، كما ستعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات على أفراد كانوا مدرجين على القائمة السوداء الأمريكية.

في ظل هذا السيناريو، وإذا جرى تطبيقه حرفيًا، فسوف يعني الاتجاه إلى مسار المواجهة تدريجيا، حيث أنه سيضيف مقادير من الاضطراب والقلق على أجواء الأزمة، وهو ما يعني إمكان إقدام إيران على سلوكيات انفعالية في ظل أجواء التوتر، كتنفيذ بعض تهديداتها ضد الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز، أو تصعيد عملياتها في بعض دول الجوار. وفي ظل هذا السيناريو سوف يتعين على قطر الالتزام بالموقف المطروح إزاء إيران، وهو ما يعني تقليص علاقتها بالنظام الإيراني، وتقليص تعاملاتها الاقتصادية والمالية مع الجمهورية الإسلامية. وبشكل عام، فإن المسألة سوف تتوقف على قدرات قطر ومهاراتها في الاستمرار في لعبة الحبل المشدود، حيث قد تقنع الدوحة إدارة ترامب بأن علاقاتها الحالية مع إيران هي في مصلحة أي عمل أو مشروع مواجهة مستقبلي ضد الجمهورية الإيرانية، وأن قناتها الخاصة مع النظام الإيراني ضرورية، بحيث تقنع قطر الإدارة بأن منافعها للولايات المتحدة في ظل موقفها الراهن مع إيران أكبر من منافعها لو قطعت علاقاتها مع النظام، وهو أمر طالما نجحت فيه قطر. لكن في كل الأحوال، سوف تظل الآلة الإعلامية القطرية نافذة إعلامية لنظام الجمهورية وداعميها، ومن ثم سترفع الضغوط على دول الخليج.

ثالثًا: تطورات دراماتيكية إيرانية داخلية أو مواجهة عسكرية: يعتبرالسيناريو الثالث لتطور العلاقات القطرية ـ الإيرانية هو الأكثر دراماتيكية بالنسبة لقطر، والذي يهدد استمرار نهجها وخطها الراهن، وعلى الأرجح أن هذا السيناريو يحمل تهديدًا بالتغيير الكلي للنهج السياسي القطري الذي استمر لعشرين عامًا، وليس فقط لنهج قطر فيما يتعلق بالأزمة الأمريكية مع إيران. وفي ظل هذا السيناريو يتوقع أن تؤدي الضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة على إيران إلى زيادة تفجير الوضع الداخلي على نحو قد ينتهي بثورة تطيح بنظام الجمهورية الإسلامية. وهذا السيناريو –لو افترضنا استقرارًا سريعًا للأوضاع في إيران عقب التغيير- سيضر قطر كثيرًا، ليس فقط لفقدانها حليفًا إقليميًا مثّل لها بديلاً وملاذًا في لحظات حرجة، بل عولت عليه خلال أزمتها في فرض توازن جديد في الخليج، وإنما في أن أي تغيير داخلي في إيران سوف يستتبعه تغيير في التوجهات والسياسات؛ فأي نظام علماني جديد في إيران لن يحتفظ بعلاقات ودية مع قطر التي سعت إلى إطالة أمد النظام الإسلامي واحتفظت بعلاقات متينة معه، علاوة على ذلك فإنه سيشكل ضربة قوية للأيديولوجيات الإسلامية الشيعية والسنية على حد سواء، وهو ما يعني ضربة جديدة لتوجهات نظام الحكم في قطر.

أما الاحتمال الآخر داخل هذا السيناريو، فإنه سيضع قطر في مأزق فعلي؛ وهو الاحتمال الذي يتوقع حدوثه في حال انزلقت الأزمة بين إيران والولايات المتحدة إلى مربع المواجهات العسكرية؛ حيث يتوقع أن يقع صانع القرار القطري في حالة انضغاط شديدة؛ فسيكون عليه الإقدام على سلسلة حسابات وقرارات حاسمة، تتعلق بوجوده وتحالفاته الأبدية والاستراتيجية، فعلى فرض انزلاق الأوضاع إلى مواجهة عسكرية فإن قاعدتي العديد والسيلية ستقومان بدور كبير في تلك المواجهات، وسواء أقدمت إيران على العمل على تنفيذ تهديدها بغلق مضيق هرمز أولا، أو شنت ضربة إسرائيلية أو أمريكية استباقية ضد إيران، فإن هاتين القاعدتين ستكونان عتبات أمامية في المواجهات العسكرية، فإذا بدأت الولايات المتحدة بالهجوم أو بدأت إيران بتحرشات عسكرية، فإن القاعدتين ستكونان موظفتين في العمل أو هدفًا للمواجهة. أما إذا فكرت قطر في الممانعة أو الاعتراض على الاستخدام الأمريكي للقاعدتين أو دعت إلى تحييدهما أو تفكيكهما –إن كان لها القول في ذلك فعليًا بمقتضى اتفاقيات إنشائهما- فإنها ستكون قد حسمت خيارها على نحو غير محسوب في علاقتها مع الولايات المتحدة، وهو أمر لا يمكن تصوره مطلقًا.

وباختصار فإن الأزمة الراهنة ستضع حدًا لتطور علاقات قطر بإيران، وسوف تفرض على قطر عاجلاً أو آجلاً إعادة حساباتها بخصوص الخلاف مع الرباعي العربي، والمؤكد أن قطر تدير أزمتها الراهنة انطلاقًا من هدف واحد ووحيد؛ وهو الحفاظ على البقاء لنظام الحكم، وهو الهدف الذي يحدد بوصلة التحالفات والسياسات الراهنة للسياسة القطرية، وجزء من الحفاظ على البقاء يتعلق بحفظ ماء وجه النظام داخل قطر وفي الواقع الخليجي، ولن يرمي النظام بهدف حفظ ماء الوجه إلا إذا تعرض لضغوط شديدة في بقائه المادي، في هذه الحالة سوف يتراجع سريعًا لأجل هدف الحفاظ على البقاء المادي، حتى لو ضحى ببقائه المعنوي.

مجلة آراء حول الخليج