array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

دول الخليج والصين: المصالح والتحديات

الإثنين، 31 كانون1/ديسمبر 2018

الصين، العملاق الاقتصادي الذي بدأ منذ فترة ليست قصيرة في غزو العالم تجاريًا، نجح في وضع نفسه على ثاني قمة رأس هرم الاقتصاد العالمي بنسب نمو سنوية مرتفعة، بل أوشك هذا العملاق الصاعد بقوة أن يحتل قمة الهرم الأولى قريبًا ليتفوق اقتصاديًا على الامبراطورية الأمريكية التي ظلت متفردة كقوة عظمى وحيدة في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عند نهاية ثمانينات القرن العشرين، وأخذ العملاق الصيني خطوات جادة وسريعة في الخروج من عزلته الاختيارية التي قضاها في الإعداد للمستقبل بالبناء الاقتصادي، والتطور التكنولوجي، والتنمية المستدامة في مختلف أوجه الحياة، حتى أصبحت الصين المنافس الشرس لأمريكا والقوى الكبرى ومنتدى الدول الصناعية في كثير من الميادين، ما حدا بالولايات المتحدة أن تركز اهتمامها على التوجه شرقًا لمجابهة هذا العملاق حتى ولو على حساب المصالح الأمريكية التقليدية في منطقة الخليج العربي التي كان يظن البعض أنها علاقات استراتيجية راسخة قبل أن تكشف واشنطن عن الكثير من السياسات البرجماتية التي لا تعترف إلا بلغة المكاسب والخسائر في علاقاتها الخارجية دون اعتبارات للقيم التاريخية والصداقات في العلاقات الدولية.

الصين، توجت هذه القفزات الكبرى بمبادرة الحزام وطريق الحرير الجديد، والمبادرة والطريق مشروع اقتصادي عملاق قد يكون الأهم لعقود قادمة، لأنه ذراع تجارية طويلة تصل إلى كل مناطق العالم ناقلة السلع والبضائع الصينية ومعها التأثير من الصين إلى شتى بقاع الأرض، متجاوزة الحدود الجغرافية، والسياسية والسيادة للدول إن جاز التعبير في ظاهرة تخطت العولمة وجعلت أبواب الدول والموانئ البحرية والبرية والجوية مشرعة أمام المنتجات الصينية التي قد تغرق الأسواق لرخص ثمنها وتوفرها وسهولة وصولها إلى المستهلك أينما كان دون عناء.

وإذا كانت الصين توزع المكافآت منذ فترة على الدول التي تستضيف محطات طريق الحرير الجديد، فهي لا توزع هبات أو منح مجانية، بل تضع أقدامها على أرض الغير مقابل هذا الثمن لتحقيق مكاسب كبرى تجعل العالم كله في مرمى بضاعتها، وهنا تكمن العديد من المخاطر، ومنها إغراق الأسواق بالمنتج الصيني رخيص السعر ما قد يقضي أو يضعف المنافسة العالمية ويؤدي إلى رداءة الإنتاج وعدم الجودة مقابل الثمن الزهيد، مما يؤثر على الصناعات في كثير من الدول، وغياب المنافسة ومن ثم ضعف الإنتاج العالمي الذي يقود إلى بطء النمو والكساد وإيجاد نمط استهلاكي أحادي الجانب، ويصاحب ذلك انتشار الثقافة والقيم الصينية في كافة أرجاء المعمورة، ودمج كافة الدول في مسار طريق الحرير ما يجعل الدول المنبوذة والمحتلة مثل إسرائيل جزء من منظومة الاقتصاد العالمي، بل تفرض سياسة التطبيع في هذه الحالة ويصبح التعامل إجباريًا لا اختياريًا مع إسرائيل، لذلك يجب أن تشهد المرحلة الحالية مفاوضات مكثفة من الجانب العربي والعالمي مع الصين لتحقيق حالة من التكافؤ وعدم السماح للصين بالاستفراد وإيجاد حالة من التبعية لها عبر التجارة العالمية.

وعلى دول مجلس التعاون الخليجي أن تعمل على إيجاد علاقات متوازنة مع الصين ، والانتقال من مرحلة التجارة والشراء والبيع القائمة على تجارة النفط مقابل المال أو السلع، إلى شراكة حقيقة تقوم على التعاون وخدمة المصالح المتبادلة سواء أكانت اقتصادية، أو سياسية، أو علمية وتكنولوجية، أو عسكرية وأمنية، كون هناك مصالح مشتركة كثيرة بين الجانبين ومنها تأمين استقرار أسعار النفط لخدمة المنتج الأكبر والمستهلك الأكبر في العالم، وكذلك تأمين الممرات المائية، لضمان عدم إعاقة الملاحة البحرية وتحقيق انسيابية مرور السفن التجارية وناقلات النفط، وكذلك إرساء اتفاقات واضحة لمحاربة الإرهاب الذي يتضرر منه الجميع دون استثناء ومن بينهم الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بالطبع، وأيضًا لضمان استقرار منطقة الخليج الحيوية والاستراتيجية من خلال توازن القوى على ضفتي الخليج العربي، لضمان انسياب حركة التجارة العالمية واستمرار ارتفاع معدلات النمو وتحقيق السلم والاستقرار الدوليين.

ويبدأ ذلك أولًا بإرساء الثقة بين الجانبين من خلال اتفاقيات واضحة، وأن تتخلى الصين عن سياسة الغموض والحذر وفلسفة إرضاء الجميع، وعليها اتباع واتخاذ مواقف واضحة وصريحة تجاه القضايا الدولية والإقليمية الكبرى دون مواربة، حتى تحظى بالمصداقية ويكون لها دور معروف ومحل احترام جميع الدول على الساحة الدولية، وعليها أن تنهج نهجًا سياسيًا واضحًا دون غموض أو انكفاء، وعليها أن تساهم في تكلفة تثبيت السلم والأمن الدوليين، ومواجهة الإرهاب والدول المارقة التي تمول الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، وأن تساهم في توطين التكنولوجيا واقتصادات المعرفة، والصناعة الحديثة ومنها صناعة الأسلحة حيث دخلت الصين إلى هذا المجال بقوة، أي تكون قوة إيجابية فاعلة في محيطها وعلى الساحة الدولية.

وفي المقابل على دول مجلس التعاون الخليجي الذهاب شرقًا في إطار سياستها الرامية إلى تعدد الشراكات وتنويع مصادر التسليح، خاصة أن حجم المبادلات مع الصين هو الأكبر من حيث صادرات النفط أو غير ذلك، مع أهمية أن تأخذ دول مجلس التعاون الخليجي في اعتبارها ربط تجارة النفط وحجم التبادل التجاري الضخم بالعلاقات في مجالات أخرى ومنها السياسية والأمنية والعسكرية مما يساعد على تحقيق التنمية المستدامة في دول الخليج، وحفظ الاستقرار، وإيجاد علاقات متوازنة بين جميع دول العالم وكل التكتلات الاقتصادية.

كما يجب على الحكومات الخليجية الاستفادة من الفرص المواتية التي أوجدتها الزعامات من الجانبين حيث شهدت السنوات الأخيرة تبادل زيارات رفيعة المستوى بين الجانبين الخليجي والصيني، ما يعكس وجود تقارب سياسي يواكب زيادة التعاون الاقتصادي والمبادلات التجارية ومن ثم تتحقق المصالح المشتركة وتعود بالفائدة على شعوب ودول المنطقة، خاصة أن الصين ودول مجلس التعاون الخليجي يجمعهما القرب الجغرافي والمصالح المشتركة وتواجهان المخاطر والتحديات المتشابهة ما يجعل التعاون والتنسيق ضرورة ملحة.

مقالات لنفس الكاتب