array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 135

التوازن الألماني الفرنسي يحقق استقرار أوروبا ورسالة لأمريكا عن التحولات

الإثنين، 04 آذار/مارس 2019

اتخذ الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة خطوات حاسمة لبناء الأمن والدفاع الأوروبيين، بما في ذلك تطوير صندوق دفاع مشترك وتشكيل وحدة جديدة للتخطيط بشأن المهام العسكرية للاتحاد الأوروبي حول العالم. وفي نوفمبر الماضي، وبشكل غير مسبوق، أطلقت دول الاتحاد الأوروبي مرحلة جديدة للتعاون الدفاعي من خلال برنامج للاستثمار العسكري المشترك وتطوير المشاريع. وقعت ثلاث وعشرون دولة من أصل 28 دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي على هذه العملية المعروفة باسم التعاون المنظم الدائمPERMANENT STRUCTURED COOPERATION, PESCO ،وهي بمثابة ضامن دفاعي "شبه أوتوماتيكي" بين الدول الأوروبية الأعضاء ، وسط مخاوف متزايدة بشأن مدى التزام الولايات المتحدة بالأمن الدولي. وقد عبَّر مسؤول فرنسي عن موقف بلاده بقوله: "هدفنا واضح هو تحقيق استقلال استراتيجي لأوروبا وتعزيز التضامن الدفاعي."

رؤية القادة الأوروبيين

وفي أحاديث القادة الأوروبيين حول مستقبل أوروبا يرون "أن جيشًا أوروبيًا مشتركًا سيُظهر للعالم أنه لن تكون هناك حرب مرة أخرى في أوروبا."، وأن هذا ليس جيشًا ضد الناتو، ولكنه يمكن أن يكون مكمِّلا جيدًا للناتو". ومنهم من حث على المزيد من التكامل الاستراتيجي، معللا بأن "القوة الناعمة وحدها ليست قوية بما يكفي في عالم يزداد عسكرة". وفي الوقت نفسه فإن أوروبا ستواجه العديد من العقبات اللوجيستية إذا شاءت تحقيق تكامل عسكري ودفاعي أكبر، بالنظر إلى وجود الكثير من أنظمة التسليح التي يتجاوز عددها 150 من الأنظمة المختلفة، مقارنة بـ50 أو 60 في الولايات المتحدة.

من الضروري أن يواصل الاتحاد الأوروبي مثل هذا التكامل، فلم تعد أوروبا قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة. وعلى الاتحاد الأوروبي – حسب المعاهدة -أن يتخذ قراراته بأغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء، وليس بالإجماع الذي غالبًا ما يعطل المبادرات الأمنية والدفاعية.

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل: " لقد انتهى الزمن الذي يمكننا فيه الاعتماد على الآخرين. وعلينا أن نجعل زمام مصيرنا في أيدينا إذا أردنا البقاء كاتحاد. وهذا يعني، على المدى البعيد، أن تصبح أوروبا أكثر قدرة على التصرف." وقد اقترحت ميركل مجلس أمن أوروبيًا، يمكن فيه إعداد قرارات مهمة بشكل أسرع.

لقد تبدَّت حقائق جيوبوليتيكية جديدة دفعت وزير الخارجية الألماني هيكو ماس لأن يقول بأن أوروبا يجب أن "تتحمل نصيبًا متساويًا من المسؤولية، وأن "تُشكّل ثِقَلاً يتوازن مع واشنطن في العالم؛ كان شعار "أمريكا أولا" يمثل دعوة للاستيقاظ، ويجب أن يكون ردُّنا على ذلك هو: "أوروبا الموحَّدة".

أما الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون فقد أطلق دعوة صریحة لإنشاء جیش أوروبي "حقیقي" وقال : إن أوروبا یجب أن تعتمد على نفسها فيحمایة مصالحها بدلاًمن الاعتماد على أمریكا. وأضاف: "إن أوروبا یجب أن تحمي نفسها منروسیا والصین ومن أمریكا أیضًا، فعندما تنسحب أمريكا منمعاهدةالحدِّمن الصواریخ المتوسطة والقصیرة المدى فَمَن الذي سیصبح ضحیة رئیسیة؟ إنها أوروبا".

فكرة الجيش الأوروبي الموحد

برزت على الساحة تغيرات حادة كانت حافزًا لإقناع باريس وبرلين لتعزيز علاقاتهما الثنائية وَحَثِّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للعمل على تحقيق استقلالية استراتيجية للاتحاد، على رأسها الأمن والدفاع، من هذه التغيرات:

- ارتفاع وتيرة التحديات الأمنية خارج الاتحاد الأوروبي، متمثلة في: (1) الانتشار السريع لأسلحة الدمار الشامل مما يشكل تهديدًا للاستقرار الدولي، (2) تفاقم احتمال الهجمات الإرهابية خاصة إذا نجحت الحركات الإرهابية في اكتساب تقنيات حديثة أو قدرات نووية، (3) الأنشطة غير المشروعة عابرة الحدود كالاتجار في السلاح والمخدرات والبشر، (4) تصاعد الهجمات الإلكترونية على الإدارات الحكومية والاقتصادية وشبكات الاتصالات والبُنَى التحتية. وتعددت مظاهر تلك التحديات من انتهاك الروس لنظام الأمن الأوروبي، إلى العنف وعدم الاستقرار في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إلى هجمات إرهابية هزت العديد من الدول داخل أوروبا، إلى تدفق أكثر من مليون لاجئ ومشكلات السيطرة على الحدود.

- دفع خروج اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻤﺘﺤدة من اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ، رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي إلى أن يعيدوا النظر في قضايا الأمن والدفاع، وارتأوا أن" الاتحاد الأوروبي لا يحتاج إلى ضمان السلام والديمقراطية فحسب، بل ضمان أمن الشعوب أيضًا ". كما أوجد تطلع الجماهير الأوروبية إلى مواصلة هذا المسار زخمًا يكرّس للاندماج الأوروبي في مَجَالَي الأمن والدفاع.

- أدت تصريحات دونالد ترامب المتشككة وغير المتسقة حول أوروبا وحلف الناتو إلى حالة من القلق من تخلي واشنطن عن مسؤولياتها الدفاعية، وعدم اليقين الاستراتيجي حول مستقبل ومصداقية المشاركة الأمريكية. ومنذ أن تولى ترامب منصبه، وهو يكرر انتقاداته لحلف الناتو بينما يتعهد بالتزامه بالتحالف وفي نفس الوقت يمارس الضغط على الحلفاء الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى ما لا يقل عن 2% من إنتاجهم الاقتصادي. لقد أدركت أوروبا أن علاقة الشراکة والدفاع المشترك مع واشنطن بدأت تتحول إلی هیمنة وتبعیة. وأن الرضوخ في کل مرة لابتزاز الرئیس الأمريکي لن یقود إلا إلی المزید من الابتزاز، ولابد من إجراء تغییر هيكلي على العلاقات الأمريکیة – الأوروبیة، وذلك بإنشاء قوة عسکریة حقیقیة تُنهِي علاقة التبعیة.

اتفاقية الدفاع المشترك بين فرنسا وألمانيا

دعمت كل من فرنسا وألمانيا فكرة إنشاء قوة تدخل أوروبية مشتركة صغيرة للرد السريع خلال العام الماضي، وأعلنتا عن خطط لتطوير طائرة مقاتلة معًا. وباستثناء فرنسا وبريطانيا، فإن جميع الأعضاء الأوروبيين الآخرين في حلف شمال الأطلسي عاشوا تحت المظلة النووية التي قدمتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. وكان حلف الناتو مع الولايات المتحدة ذا أهمية خاصة بالنسبة للأعضاء الجدد مثل بولندا ودول البلطيق، فكانت دعوتهم إلى زيادة وجود الناتو في بلدانهم منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا في عام 2014م. إن التوازن الجديد بين ألمانيا وفرنسا يتضمن تقدمًا كبيرًا لتحقيق الاستقرار الأوروبي. وهو رسالة إلى الأمريكيين أيضا كي يتفهَّموا التحولات التي تحدث في أوروبا.

أعدّت فرنسا وألمانيا أجندة طموحة للتعاون الثنائي ستعملان بموجبها معًا في سلسلة من مشروعات الدفاع. ويشمل ذلك استبدال أساطيل طائراتهم الحالية، وتطوير نظام مشترك لمدفعية نيران للضرب غير المباشر وإنشاء منظومة قتال برية رئيسية جديدة. وتعهدت الدولتان بالمضي قدمًا في برنامج الطائرات بلا طيار لإنتاج أول أسطول من الطائرات العسكرية بدون طيار في أوروبا بحلول عام 2020م، كما اتفقتا على التعاون في مجال الأمن السيبراني. ويسعى مشروع الطائرات المقاتلة المشترك إلى "القيام معًا بالبحث والتطوير والاستخدام والتنسيق بشأن الصادرات". والهدف تعزيز التعاون العملياتي وخلق ثقافة عملية مشتركة، وتبادلٌ أفضلُ للمعلومات في الحرب ضد الإرهاب وتعزيز توجيهات الاتحاد الأوروبي في مجال الأمن الداخلي. وبمجرد تطوير هذه المشروعات الثنائية بشكل كافٍ، سيتم رفعها إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى الراغبة والقادرة على مواصلة الاندماج في هذا المجال السياسي والمساهمة في جعل الاتحاد الأوروبي الأكثر استقلالًا.

هل تتغير الاستراتيجية العسكرية؟

يتجدد الجدل حول احتمالية أن تصبح ألمانيا قوة نووية. وهناك قلق فرنسي بشأن القصور في التخطيط العسكري الأوروبي المشترك، ودعوة إلى "قوة تدخل مشتركة، وميزانية دفاع مشتركة، وعقيدة مشتركة للعمل". وفي المملكة المتحدة، يشكل التعاون الأمني معالاتحادالأوروبي حجرالزاويةبعدخروجبريطانيامنه، وهوأمر قوبل بارتياح في دول الاتحاد الأخرى. فقد وقعت تسع دول من الاتحاد الأوروبي، بما فيها المملكة المتحدة، على قوة تدخل عسكري مشتركة، وفي بروكسل، اقترحت المفوضية صندوقًا أوروبيًا للدفاع الأوروبي بقيمة 13 مليار يورو لميزانية الاتحاد المقبلة على المدى الطويل، وذلك جزئيًا لتوسيع قائمة من 17 مبادرة دفاعية مشتركة وافق عليها المجلس الأوروبي في ديسمبر / كانون الأول في إطار "التعاون المنظم الدائم (PESCO)"، حتى أن البرلمان الأوروبي دعا إلى إنشاء مديرية عامة للدفاع.

لكن لا يزال من غير المؤكد أن تتمكن العواصم الأوروبية من إطلاق الإرادة السياسية، والقدرات التقنية، والموارد المالية، والأهم من ذلك، الثقة المتبادلة الضرورية لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى قوة عسكرية عظمى قادرة على مواجهة روسيا، والتصرف بشكل مستقل عن الولايات المتحدة. أو في النهاية الاضطلاع بدور مؤثر على الصعيد العالمي.

لقد تغيرت طبيعة الصراعات بالكامل منذ نهاية الحرب الباردة. هناك الكثير من الصراعات العالمية تحدث على عتبة أوروبا. ولن تتطوع الولايات المتحدة بحماية أوروبا بكل بساطة، وبدلاً من ذلك، سيكون لزامًا على أوروبا أن تعتمد على قدراتها الذاتية، وهذا هو محور العمل في المستقبل.

يمثل التعاون العسكري للاتحاد الأوروبي حركة إلى الأمام حتى لو كان التقدم الفعلي بطيئًا. قد تبدو الخطوات الأولية صغيرة، إلا أن الخبراء يقولون إنها تمثل تحولاً ثوريًا بعد عقود من التقاعس. هناك مثلا أن يُبنى الجيش الأوروبي شيئًا فشيئًا، بتطوير "جُزُر تعاون" -وهي مجموعات صغيرة من الدول التي تعمل جيوشها معا -والتي يمكن أن تُستخدَم كوحدات لبناء القوة العسكرية. ومن بين الأفكار التي طُرِحَت أن تعمل ألمانيا كدولة رائدة في سلاح الجو المشترك مع هولندا وجمهورية التشيك، ومع فرنسا وبولندا لجلب سفينتي دعم، ومع هولندا والدنمارك لتطوير بعض الفرقاطات.

وحتى في الوقت الذي دعا فيه ترامب حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق العسكري، بدأت الولايات المتحدة في التعبير عن مخاوفها من زيادة التعاون مع الاتحاد الأوروبي-قائلة إن جميع البرامج يجب أن تكون في تنسيق وثيق مع حلف الناتو، حيث تتمتع واشنطن بنفوذ كبير.

تدرك واشنطن أن إنشاء جیش أوروبي موحد سیشجع الصناعات العسكریة الأوروبیة على تغطیة متطلبات القوة الموحدة محلیًا مما سیحرم الشركات الأمریكیة من صفقات بمئات الملایین من الدولارات كما سیسمح للصناعات العسكریة الأوروبیة بمنافسة نظیراتها الأمریكیة في الأسواق الدولیة، ويحد من احتكارها للتقنیات المرتبطة بها. إن ذلك سیعني تحرر أوروبا من إملاءات البیت الأبیض وبالتالي تراجع الهیمنة الأمریكیة.

مصير حلف الناتو والعلاقات بين أمريكا وأوروبا

ترغب روسيا بالطبع في إضعاف حلف شمال الأطلسي، وتقويض أي تحالف عسكري بين الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. أما الرئيس ترامب فقال مرارًا وتكرارًا إنه يريد الانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلنطي وهو أمر يرقى إلى تدمير الناتو، ويقلل بشكل كبير من نفوذ واشنطن في أوروبا بل ويمكن أن يشجع روسيا على مدى عقود. ويخشى المسؤولون الحاليون والسابقون الذين يؤيدون التحالف من أن يعود ترامب إلى تهديده إذا استمر الإنفاق العسكري للتحالف دون الأهداف التي حدَّدها.

هناك من يرى أن التحرك للانسحاب من التحالف، الذي كان قائمًا منذ عام 1949م، "سيكون أحد أكثر الأشياء التي يمكن أن يقوم بها أي رئيس لصالح الولايات المتحدة". بينما يرى آخرون أن هذا الانسحاب "سوف يدمر أكثر من 70 سنة من العمل المضني عبر إدارات متعددة، الجمهورية والديمقراطية، لتخلق ربما أقوى تحالف في التاريخ". "وسيكون ذلك أعظم نجاح حققه فلاديمير بوتين." إن الانسحاب الأمريكي من الحلف سيكون "خطأً جيوسياسيًا جسيمًا. والغريب أن ترامب كان في تصريحات سابقة في يوليو قد وصف التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو بأنه "قوي جدًا" وبالإضافة إلى ذلك فإن التحالف "مهم جدًا".

إن واشنطن التي تعتبر الجغرافيا السياسية الأوروبية مجالاً حيويًا لها، تعتبر أيضًا أن المظلة الأمنية للناتو هي أداة فعّالة للضغط على موسكو في اتجاهات متعددة، بدءًا من شرق أوروبا ووصولاً إلى وسط آسيا ومرورًا بالشرق الأوسط.

وقد ثار السيد ترامب ضد الحلفاء بسبب عدم تحقُّق هدف الإنفاق الذي حدده حلف الناتو بنسبة 2 في المائة من الناتج الاقتصادي. وفي اجتماع القمة، فاجأ القادة بالطلب 4 في المائة -وهي خطوة من شأنها أن تضع الهدف بعيدًا عن متناول العديد من أعضاء التحالف. كما هدد بأن الولايات المتحدة سوف "تسلك طريقها الخاص" في عام 2019م، إذا لم يرتفع الإنفاق العسكري من دول الناتو الأخرى.

إن مشاركة دولالاتحاد الأوروبي في الإنفاق العسكري على الجیش الأوروبي -إذا تم تشكيله – إضافة إلى حلف الناتو معناه مضاعفة الإنفاق. والمعروف أن كثيرًا من هذه الدول تواجه صعوبات في الوفاء بكامل مسؤولياتها ولا تلتزم بدفع النسب المقررة لحساب الناتو. ويمثل ذلك عائقًا أمام إقامة الجیش الأوروبي.

ولابد من التساؤل عن نوعية السلاح الذي سوف يتطلبها الجيش الجديد. فالمقاتلون في حلف الناتو مدربون على استخدام السلاح الأمریكي، ويستوعبون عقائد القتال المرتبطة به. وإذا كان الروس أو الأمريكان يمثلون العدو المحتمل – حتى لو كان الاحتمال بعيدًا – فالمنطقي أن یعتمد الجیش الأوروبي على سلاحه الأوروبي وليس غير ذلك. وإذا تواجدت قوتان تنتمي إحداهما للجيش الأوروبي والأخرى للناتو فلابد من تنسيق دقيق لتنفيذ المهام المشتركة إن وجدت.

وبافتراض أن الجیش الأوروبي يضم غالبية دول الاتحاد الأوروبي، فقد تمضي التدريبات العسكرية والمناورات واستيعاب السلاح بسلاسة وسلام، ولكن عندما يتعلق الأمر بمهمة قتالية فعلية مشتركة فستفرض الخلافات نفسها، وسيراجع كل طرف حساباته حول خسائره المحتملة، وموازين النجاح والفشل. يُضاف إلى ذلك صعوبة الانتقال من بلد أوروبي إلى آخر بالنسبة للوحدات العسكرية لعدم مناسبة القوانين والبُنَى التحتية.

موقف بريطانيا ومستقبلها مع القوة الأوروبية الجديدة

باعتبار بریطانیا قوةنوویة یمكن أن تكون عاملاً قویًا لإنشاء الجیش الأوروبى، لكن مع خروجها من الاتحاد الأوروبي فلن تكون بریطانیا جزءًا من تلك القوة، مهماكانتالدعوات، وبحسبصحیفة "الجاردیان" هناكخلافحادبین بریطانیا وأوروبا على ملكیة القمر الصناعي الاستخباراتى جالیلیو، الأمر الذي ینفي إمكانیة مشاركة قوة كبیرة مثل الجیش البریطاني في الجیش الأوروبي.

ترى بريطانيا ثلاث دوائر للاهتمام: (1) إيلاء الأولوية للأمن في أوروبا لحماية القارة إذ تمثل بريطانيا القوة العسكرية الأكثر قدرة، ولا غنى عن ريادتها في جمع المعلومات الاستخبارية في الحرب ضد الإرهاب في الناتو، هناك حاجة إلى زيادة رادع الناتو التقليدي والمساعدة في تطوير تطبيق الذكاء الاصطناعي. إن الأمن السيبراني أصبح الآن تهديدًا من الدرجة الأولى ولبريطانيا دور رئيسي في تكامل الأمن الداخلي والدفاع الخارجي لمواجهة التحديات الجديدة للحرب المختلطة. (2) الحفاظ على روابطها عبر الأطلسي مع الولايات المتحدة، فهي حليفة لبريطانيا ويبقى الأطلسي حدودها الاستراتيجية. العلاقة التاريخية مع الولايات المتحدة ليست خاصة ولا هي مجرد عاطفية. لكنها مبنية على مصالح صعبة. إن تبادل المعلومات الاستخباراتية وقابلية التشغيل المشترك للقوات النووية البحرية يجعلها أكثر من مجرد صفقة. تم تصميم الجيش والقوات البحرية والجوية للقتال إلى جانب الولايات المتحدة في دور داعم يمنح الأمان ويعزز القدرات. لكن بريطانيا لن تقبل أن تكون مجرد عنصر مفيد في الاستراتيجية العسكرية والأمنية الأمريكية. فأمريكا لا يمكن التنبؤ بنواياها. وفي مسألة الردع النووي لا أحد يقبل منح الأمريكيين انطباعًا بأن بريطانيا لا يمكنها الاستمرار بدونهم. (3) تسعى بريطانيا كي تبقى قوة عالمية كمركز تجاري لصناعة النقل البحري ولديها التزامات للحفاظ على فتح ممرات الشحن في العالم. وقد أحيت قاعدتها البحرية في البحرين. ووقعت على ترتيبات الدفاع الخمس للطاقة التي تركز على مكافحة الإرهاب والأمن البحري.

إن معارضة بريطانيا لبناء جيش أوروبي تتراجع. وهناك من يقول إنه توجد اليوم في لندن رغبة حقيقية والتزام بالعمل على دعم الأمن الدولي وحماية حدود بريطانيا وأوروبا من التهديدات المحتملة. وهم يدركون الآن بشكل متزايد الدور المفيد الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في تحقيق الإرادة المشتركة لـ 28 من الاقتصادات الأكثر تقدمًا في العالم. ومع أن ما تريده بريطانيا لا يزال بعيدًا عن الطموحات، لكنه يشير إلى أن المملكة المتحدة قد تكون أكثر رغبة في تقديم تنازلات.

خاتمة

في ظل ماتمتلکه أوروبا من قدرات ضاربة، يرغب الأوروبیون في التخلص من عباءة التبعیة العسکریة للولایات المتحدة وتشکیل جیش أوروبي موحد. القوة الاقتصادیة الرائدة التي تتمتع بها أوروبا، کذلك القوى البشریة والعسکریة والتقنیة، تؤهل القارة لأخذ الریادة ووضع نفسها على خارطة القوى العالمیة.

اعتمد الرئیس الأمريکي في ابتزازه حقیقة الاعتماد التام للقارة الأوروبیة على الولایات المتحدة فيما یخص الحمایة العسکریة، إذ ینتشر نحو ثمانین ألف جندي أمريکي في القارة الأوروبیة، ویستخدمون أسلحة ومعدات أمريکیة، فضلاً عن التمویل الأمريکي لحلف الناتو. هکذا واصل ترامب المطالبة بزیادة المساهمة المالیة للحلفاء، وإذا کان على الدول الأوروبیة أن تساهم بـ 2% من الناتج الإجمالي لاقتصادیاتها، فالأحرى بها أن تسخرها، لا لزیادة التبعیة للولایات المتحدة، وإنما لإنهاء تلك التبعیة، ولانتزاع دور سیاسي مؤثر ومستقل في العالم.

ماذا لو تشکل الجیش؟ ما یمکن استخلاصه من الأرقام التي تظهر في حال توحد أوروبا بجیش واحد، هو أن جیشًا هائلاً یمکن تشکیله. وبحسب الإحصائیات فإن لدى دول الاتحاد الأوروبي المختلفة من أنظمة التسلیح ما یفوق ما لدى الولایات المتحدة، فأنواع الدبابات لدى هذه الدول یصل إلی 17 نوعًا من دبابات القتال الرئیسة، مثل “إي أم إکس”لوکلیرك الفرنسیة، و”لیوبارد 2 الألمانیة، و”بي تي- 91 ″البولندیة، في حین أن لدى الجیش الأمريکي نوعًا واحدًا من الدبابات هو " أبرامز إم 1".

ولأول مرة في تاريخ مفوضية الاتحاد الأوروبي خصصت أموالاً ضخمة للدفاع بلغت 28 مليار يورو، ضمن ميزانية 2021 – 2027م.

يتوقع البعض أنه لوتمإنشاءالجیش الأوروبي، فسیكون ثاني أكبر جیش في العالم بعد الناتو، لكن مع ذلك یبقى الجیش الأوروبي حلمًا بسبب العقبات التي تواجهه فيأرضالواقع، فما تزال المعوقات السیاسیة التي أوقفت حلم الجیش الأوروبي موجودة كما هي منالبدایة بل وربما زادت في صعوبتهافي 2018م، ولابد من دراسات عميقة وتنسيق مع حلف الناتو لإنشاء جيش أوروبي.

بل إن الاتحاد الأوروبي ذاته يواجه مظاهر متصاعدة تشكل خطرًا حقيقيًا عليه وقد تقوض فكرة الجيش الموحد من الأساس. فالمجتمعات الأوروبية تشهد تناميًا لمشاعر الانقسام بين الشعوب، وهناك مخاوف واضحة بشأن قيادة البيئة الأمنية الأوروبية ومن بينها الجيش الموحد، ويخشى الأوروبيون من وطأة السيطرة الألمانية ذات الإمكانات الاقتصادية والبشرية الهائلة. وقد حلت بدول الاتحاد أزمات اقتصادية عديدة، مثال أزمة الديون اليونانية وتصاعد نسبة البطالة وقضايا الهجرة وانخفاض الدخول. ولو انتهى الأمر إلى تفكك الاتحاد الأوروبي فربما يتكشف للجميع أن هذا الجيش لا يعدو أن يكون مجرد حلم.

في ظل الظروف الحالية، من مصلحة الدول الأوروبية أن تركز كل اهتمامها على وضع استراتيجيات واقعية، ورصد ميزانيات كافية لأعمال البحث والتطوير المرتبطة بالأجيال الجديدة من الحروب، والتكنولوجيات الحديثة في مجالات الحرب الإلكترونية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والقدرات السيبرانية، بما يخدم أنماط الحروب المتوقعة وأساليب الوقاية.

هناك تناقضات فيما يقال عن النوايا سواء انسحاب أمريكا من الناتو أو بناء جيش أوروبي موحد، وكلاهما يعبر عن معنى واحد باهظ التكلفة، ولكن الثابت أن الجميع يبحث عن مصالحه وعن أمنه، وربما لا يعدو الأمر أن يكون نوعًا جديدًا من الحرب الباردة بين أطراف جديدة، أو يدخل في نطاق الأحلام أو التكهنات، أو على الأقل إنه من المبكر جدًا أن نرى ذلك على أرض الواقع، حتى وإن بدت بعض الإرهاصات أو السجال الكلامي، لأن التعاون بين أمريكا وأوروبا قائم ومتشابك بالفعل في مجالات حرجة عديدة، وعلى رأسها الأمن والدفاع.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي، جمهورية مصر العربية

 

 

مجلة آراء حول الخليج