array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 140

الأزمة الليبية بين منطق الداخل والتدخل الأجنبي وغياب الدور الأممي

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

تحتل الأزمة الليبية مكانة قصوى خصوصًا بعد سقوط نظام القذافي عام 2011م، خاصة في المنطقة العربية عامة، ومنطقتي شمال إفريقيا وجنوب أوروبا خاصة، بعدما باتت ليبيا بيد الميليشيات والجماعات المتطرفة، الأمر الذي بات يخيف دول الجوار على نقل هذه العدوى لها في إطار مخطط دولة الخلافة ''داعش'' التي لطالما باتت تستقطب الشأن الدولي نظرًا لمكانة ليبيا الاستراتيجية، وذلك ليس لأهمية النفط الليبي المتميز فحسب، بل لجعلها نقطة عبور باتجاه جنوب أوروبا عبر الهجرة غير الشرعية المهددة للأمن واستقرار دول شمال حوض البحر المتوسط.

   وعلى ضوء هذه المعطيات باتت تعاني ليبيا منذ هذا التاريخ انقسام حاد بين مؤسسات الدولة خاصة بين الشرق الذي يديره مجلس النواب بقيادة خليفة حفتر ـ بينما يدير غرب البلاد المجلس الرئاسي الممثل في حكومة الوفاق تحت رئاسة فائز السراج والمعترف بحكومته دوليًا والتي تحظى بثقة البرلمان.

   وعليه فإن الأزمة الليبية من هذا المنظور تطرح قضايا عدة كونها باتت مهددة من الداخل بالرغم من مداخل الذهب الأسود؛ إلا أن ذلك لم يشفع لها من تجاوز منطق القبيلة من جهة، وتقوية مؤسسات الدولة بعد زوال نظام القذافي (1969-2011م) عقب تدخل حلف الناتو من جهة ثانية. وفي ذات السياق نطرح التساؤل التالي: إلى أي مدى يمكن لليبيا أن تحقق أمنها واستقرارها في كنف الفوضى الداخلية؟ وهل بإمكان القوى الإقليمية والدولية على رأسها هيأة الأمم المتحدة أن تسهم فيما لم يفلح فيه الداخل على تحقيقه في إعادة السلم والأمن بها؟

الوضع الليبي

تدخل ليبيا يوميات قاسية، وذلك نظرًا لغياب سلطة الدولة التي لم تؤسس على قواعد قانونية ومؤسساتية ودستورية قابلة بإنهاء الخصومات الفردية والعشائرية التي ما زالت تحصد من الأرواح في ظل تآكل النسيج الاجتماعي غير القادر على تجاوز الخلافات القبلية والمناطقية للنهوض بالبلاد صوب التقدم والتنمية والرفاهية. كما باتت الأوضاع الأمنية في ليبيا صعبة جدًا نظرًا لغياب الرؤية السياسية بين الرفقاء بين المشير حفتر ورئيس حكومة الوفاق فائز السراج التي تشكلت نهاية 2015م. وفي هذا يؤكد المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري مؤخرًا بأن بات يسيطر على 95 في المائة من أراضي البلاد. وإذا كان الوضع في ليبيا يزداد من يوم لآخر تدهورًا بين القوى السياسية والعسكرية في البلاد على مناطق نفوذ حول العاصمة طرابلس فإن ذلك لم يمنع البتة من تجاوز الخلافات الداخلية التي أرمت بظلالها على مستقبل البلاد. جاء هذا عقب قصف القيادة العامة للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر غارة جوية، تضيف وكالة الأنباء الليبية على أنها ثمة ضربة وجهت إلى مخازن الذخيرة كما تم قصف الميليشيات بالهاون مقر الهجرة غير الشرعية وخلفت حوالي 40 قتيلًا وإصابة 80 ضربة جوية.

الدور الجواري لليبيا

في ظل غياب الحكم المركزيبخصوص عمل الدولة السياسي إذ باتت الأوضاع الأمنية تنبئ بالنذر ما دام لم يتوصل الفرقاء الإخوة إلى مائدة المفاوضات لإخراج ليبيا مما هي عليه إلى ما ينبغي أن تكون عليه. هذا الوضع المتأزم بات من الصعب المراهنة عليه في ظل غياب المقاربات الميدانية والحلول العقلانية للتخلص من إرث القذافي الذي ربما أفقد ليبيا الخروج من وضعها الخاص هذا والمرتبط بحالتها الاستثنائية من ناحية، وعلاقة ذلك من خلال إفرازاتها الوخيمة على الأرض مع دول الجوار في كل من شمال إفريقيا وغرب أوروبا من ناحية أخرى.

وما دامت الرؤى لم توحد من نظرتها انطلاقًا من العمق الليبي فإن الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها تبقى من المواضيع الطاغية على الخطاب الرسمي لاجتثاث جذوره وفق سياسات وبرامج تنموية تنهي الخلاف بين الليبيين (بين الجيش النظامي التابع للمشير حفتر وميليشيات قوات حكومة الوفاق) دون أن تكون مرتعًا للإرهاب الداخلي والتهديد الخارجي المباشر. ولئن كانت المعركة وما تزال لم تنه حصيلتها النهائية على أرض الواقع فإن هناك نوايا سيئة لكلا الطرفين في احتلال العاصمة طرابلس للانفراد بالسلطة السياسية. فالعديد من الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق منها لواء الصمود، وكتيبة الحلبوص وميليشيا 166، وكتيبة شريخان وغيرها ما زالت تنوي دخول الصراع مع الجيش في طرابلس.

   هذا الوضع الأمني سوف يطيل من عمر الصراع الداخلي دونما إحداث توافق بين قواه المتصارعة مع انتشار السلاح الذي يفوق حوالي 35 مليون قطعة موزعة بين الأفراد والمليشيات والجماعات المتطرفة منذ سقوط نظام القذافي عام 2011م، بينما قوات حفتر المتمثلة في القوة العسكرية فإنها لا تنوي التراجع عن موقفها في ظل اشتداد الرغبات وتصلب المواقف مما سيعكر الأجواء على الليبيين أنفسهم بدخول جهات ودوائر أجنبية معادية لليبيا كسلاح الصواريخ التي عثر عليه في غريان مؤخرًا والتابع لفرنسا مثلًا، الأمر الذي نفته الخارجية الفرنسية ووزيرة الجيوش الفرنسية، وذلك لتقوية جناح المشير حفتر لحسم الموقف لصالحه. إلا أن ما قادته فرنسا لحد الآن في إطار المفاوضات في فترة ما بين الليبيين أنفسهم في باريس منافسة إيطاليا ودول الجوار الليبي فإن ذلك سيمدد من عمر الأزمة الليبية.

   ولعل دول الجوار ليبيا كالجزائر وتونس فإنهما يحبذان طرق التفاوض بدل الحرب أو مناصرة طرف دون الآخر لأن الأمر جد معقد ويحتاج إلى تفاهم وتكاتف الإخوة الأعداء لاحتواء الأزمة من الداخل بحكم أن في ظل غياب الحلول السلمية سوف لن يسمح لها بتطوير المنطقة وأن الفوضى المنتشرة بها ستنجر عنها أعمال الإرهاب والتهريب والقرصنة وغيرها. لكن هذا الوضع اللاأمني سوف يعطل لدى دول الجوار بما فيه أوروبا أعمال باتت تخيف الرأي العام منها الهجرة غير الشرعية في حال بقاء ليبيا غير آمنة لنزوح العابرين من الشباب الإفريقي باتجاه أوروبا.      

حدود التدخل الخارجي (الأوروبي)

   يبدي الجناح العسكري الذي يترأسه المشير حفتر السيطرة عليه باسم محاربة الإرهاب على العاصمة طرابلس لكي يتم تحريرها من قبل جنوده فيما لم توافق الحكومة المدنية بقيادة السراج حالة النفور القصوى في البلاد. بينما تعلن قوات حفتر تمسكها بمبدأ مكافحة الإرهاب عقب ارتكاب جريمة قتل جماعي في تاجوراء بالعاصمة الليبية طرابلس في 3 يونيو / حزيران 2019م، بعد سقوط ضحايا بمركز إيواء المهاجرين إذ يقدرون بألف قتيل بينما يدين بشدة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق هذا العمل على أنه متعمد ودقيق، تضيف بعض المصادر العربية.

هذا ما حاولت حكومة الوفاق تدويله بتدخل البعثة الأممية لدى ليبيا بإدانة هذا العمل الهمجي الذي استهدف الأبرياء العزل بإشارة منها إلى فتح تحقيقمعمق لتقصي الحقائق على الفور بإيفاد لجنة مراقبة دولية تشرف عليها هيأة الأمم المتحدة بهدف الحد من هذه الأعمال الدنيئة.

ليبيا ومجلس الأمن

   يطالب مجلس الأمن الدولي وبتفويض من دوله الأعضاء بقرار مفاده تفتيش السفن خاصة المشبوهة منها والتي باتت تنتهك حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا. يتماشى ذلك بإعطاء لكل من المنظمات الوطنية أو الإقليمية الإذن بتفتيش كامل السفن المتجهة إلى ليبيا أو القادمة منها سواءً المارة بأعالي الجبال أو قبالة السواحل الليبية خاصة تلك المشبوهة منها في انتهاك للعقوبات الدولية المفروضة على ليبيا. هذا ما بات متوقفًا على تنفيذه في غضون 11 شهرًا بعد طلب القرار من الأمين العام إلى مجلس الأمن.  

تداعيات الأزمة الليبية (الهجرة غير الشرعية والإرهاب) على الأمن الخارجي

   إن الحالة الخاصة بل المستعصية التي تعرفها ليبيا نتيجة أوضاعها الداخلية دونما توصل أبنائها إلى حل يقضي بتجاوز الأزمة التي تعصف بالبلاد على ضوء الصعوبات والعراقيل التي حالت دون بلوغ مستوى الرشادة للتخلص من الإرث المتراكم لدى الطيف السياسي والوسط الحكومي للتفكير مليًا في تجاوز طبيعة الأزمة العميقة التي ما زالت تدفع بتقتيل الأبناء وتحريض الأعداء على مصيرها المستهدف منذ أي وقت مضى.

   ومن هنا جاءت عملية صوفيا التي بدأت عام 2015م، لمكافحة شبكات تهريب المهاجرين والتي تم تمديدها في نهاية آذار / مارس الماضي لستة أشهر والتي تم تعليق أشغالها من قبل السلطات الإيطالية التي كانت تقود أعمالها بالسماح للمهاجرين التي تم إنقاذهم في البحر دون النزول على مرافئها الساحلية. من جهة أخرى، ترى فرنسا على لسان مساعد مندوبها آن غفان بأن عملية صوفيا تعد ردعية للحد من انتهاكات قرار حظر الأسلحة وتدفقها المتواصل عبر البحر.

   بينما الناطق الرسمي الألماني يورغن شولتز يعلن بأن توافد الأسلحة على ليبيا يشكل العائق الأساسي أمام إحياء العملية السياسية في البلاد، مؤكدًا على عزم ألمانيا على تكثيف الجهود لتحمل مسؤولياتها بإيجاد طرق لتطبيق حظر الأسلحة فعليًا، يضيف ذات المصدر.

   بيد أن هجوم قوات المشير حفتر على طرابلس في بدابة نيسان / أبريل الماضي بات يرتبط بالرد على تدفق الأسلحة من الخارج بل وبأعداد كبيرة للقتال في البلاد. كما يمكن القول بأن الإرهاب حتى وإن كان مفتعلًا من قبل البعض فإن القضاء عليه لا بد من أن يدرج في سلم الأولويات لتخليص ليبيا مما هي فيه. وفي هذا صرح رئيس لجنة الاطلاع الأوروبي (غير رسمية) إيمانويل دوبري عقب زيارته العاصمة طرابلس بأنه إذا كان ثمة تهديدات إرهابية لما زار هو والوفد المرافق له ليبيا. بينما حكومة السراج باتت تدين الإرهاب، خاصة عقب لقاء دوربري وأعضاء الوفد الأوروبي وأن ما عرفته طرابلس مؤخرًا من هجوم من قبل قوات حفتر فهو حسب زعمه وفي إطار المصالح المتناقضة يعد بمثابة انقلاب لتقويض العملية السياسية ورفض عملي الانتخابات والدولة المدنية يجزم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

   كما إن الدعم العسكري لكثير من دول العالم يؤكد الرغبة الدولية في الحسم العسكري الذي بات الهاجس الأكبر أمام غياب الرؤية السياسية لكامل الأطراف الوطنية مقابل دول ذات نوايا سيئة دول المغذية للاقتتال والدمار والخراب في ليبيا من أجل نفطها وعلى حساب شعبها وهذا ما تسعى إليه تركيا وإيطاليا وغيره ما يوحي بأن ثمة عدم استقرار في المنطقة من عدم أمن ليبيا لخلط الأوراق الإقليمية والدولية وتأثيراتها العسكرية والاقتصادية والمالية والاستراتيجية في عرض البحر الأبيض المتوسط.

خاتمة:

   لا يستقيم حال ليبيا أمنيًا؛ إلا إذا توصل الإخوة الفرقاء إلى مائدة المفاوضات أولًا، في إجراء انتخابات وكتابة الدستور بعيدًا عن التدخل الأجنبي أيًا كان. يتماشى هذا وبتأثير من دول الجوار عبر دعم منظمات المجتمع المدني والجامعيين ومراكز البحث في إطار إعادة النظر فيما تعرفه ليبيا من تحولات وأزمات خانقة قد تتسع يومًا إلى دول الجوار ما لم تهيأ الظروف والآليات بداخل ليبيا أولًا، ثم دول الجوار ثانيًا ودول جنوب المتوسط ثالثًا.

وعليه يصعب التكهن بمستقبل ليبيا في ظل التدخل من خارج حدودها، وما لم تتوافق النوايا الحسنة بين أبنائها لصد النوايا السيئة لأعدائها في ظل تعاون الجميع لرد الاعتبار لهذا البلد الجامع بين المشرق والمغرب والمطل على إفريقيا وأوروبا والعالم أجمع. ومن هنا يكتسي طابع الاعتبار لهذا البلد النفطي أهمية قصوى لا تقل اعتناءً على ما ستتطور عليه الأمور وفق القضايا الذي بات يطرحها الوضع اللاأمني كتعفن استراتيجي، ثم التغييب السياسي وتصاعد النهب الاقتصادي والمالي لثروات النفط.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية الجزائر3

مجلة آراء حول الخليج