شهدت منطقة الشرق الأوسط مرحلة من الفوضى والتغييرات السريعة غير المتوقعة، أفرزت ظواهر مستجِدَّة: منها طول أمد النزاعات المسلحة التي تطال المدنيين وتَجُرُّ معها تدخلاتٍ أجنبية متعددة، ومنها بروز دور متصاعد لمنظمات غير حكومية تدير وتتحكم في مناطق جغرافية معينة وتتحصل على الدعم والسلاح من الخارج وتهدد كيان وسيادة الدولة، ومنها تنامي دور جماعات إثنية وقبلية وسياسية تتحدى النظم القائمة والنظام الدولي بل وتطالب بالانفصال. وبالتوازي أخذ التدخل الدولي في المنطقة أشكالاً جديدة تطورت من الاستعمار المباشر إلى استغلال موارد المنطقة، إلى تَبَنِّي أطروحات سياسية مُغرضة. والأخطر أنه في مرحلة مبكرة من النزاعات تتدخل قوى إقليمية ودولية تدخلاً مباشرًا سياسيًا وعسكريًا. وفي خضم الأحداث يقتصر دور الأمم المتحدة على العمل الرقابي والإنساني وبعثات الوساطة وحفظ السلام وهو دور مهم بلا شك ولكنه لا يُنهي الصراعات ولا يُقدم الحلول.
موازين القوى في الشرق الأوسط
نظرًا للأهمية الجيوسياسية للشرق الأوسط، فإن أي صراع داخل دولة ما أو بين الدول بعضها وبعض في الشرق الأوسط من شأنه ليس فقط زعزعة استقرار المنطقة ككل أو الإخلال بتوازن القوى الإقليمي ولكن أيضًا التأثير على الاستقرار العالمي. لذلك كان الشرق الأوسط مركزًا رئيسيًا له حساسيته بالنسبة للعالم اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا. أدى ضعف قوة العراق بعد الاحتلال الأمريكي في 2003م، وتراجع الوجود الأمريكي في المنطقة إلى اختلال في توازن القوى في الشرق الأوسط، فإيران تتبنى مشروعًا توسعيًا، وتركيا تتدخل، مما خلق مناخًا غير مستقر تتكاثر فيه الأزمات والصراعات التي يمثلها المحور الإيراني السوري، والتحالف العربي في مواجهة الحوثيين في اليمن، والمحور التركي القطري، والمحور التركي الخليجي، ومحور الرباعي العربي لمكافحة الإرهاب (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر).
يعتمد التوازن الإقليمي على مستويات الإرادة القومية والاستقرار السياسي والتجارب التاريخية والتلاحم الوطني والثقل العقائدي إضافة إلى القوى "الناعمة" وهو انعكاس للعناصر الرئيسة التالية:
- القوة المادية: يمثل عدد السكان عنصرًا مهمًا للقوة المادية ويأتي ترتيب الدول على النحو التالي: (1) مصر - أكثر من 94 مليونًا، (2) تركيا - 80 مليونًا و810 آلاف نسمة، (3) إيران - 80 مليونًا و280 ألف نسمة، (4) السعودية - 32 مليونًا 280 ألف نسمة.
- القوة الاقتصادية: ويمثلها الناتج المحلي الإجمالي وهو بالترتيب بحسب صندوق النقد الدولي في 2018م، بالمليار دولار: (1) السعودية 769,8 (2) تركيا 713,5، (3) الإمارات 432,6، (4) إيران 430، (5) إسرائيل 365,6، (6) مصر 249,4.
- القوة العسكرية: ويأتي ترتيب الدول حسب تقرير (Global Fire Power)لعام 2019م، وفقًا لمكونات الجيش وعدد الأسلحة على مستوى العالم كالآتي: (9) تركيا، (12) مصر، (14) إيران،(17) إسرائيل، (25) السعودية. وبين عشر دول في العالم تسجل أكبر إنفاق عسكري منسوبًا إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2018م، جاءت ست منها في الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية (8.8% نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي)، عٌمان (8.2%)، الكويت (5.1%)، لبنان (5.0%) وإسرائيل (4.3%).
- القوة غير التقليدية: أعلنت إسرائيل على لسان رئيس وزرائها الأسبق إسحاق رابين امتلاكها للقوة النووية، بينما قامت بتدمير المفاعل النووي العراقي سنة 1981م، كما اعترفت بتدمير المفاعل النووي السوري في 2007م. كما تم تفكيك البرنامج الكيميائي السوري في 2014م، وتقوم إسرائيل وإيران بتطوير صواريخها الاستراتيجية من حيث المدى والدقة وتأثير الرؤوس الحربية. وعلى الجانب العربي تسعى مصر والسعودية والإمارات لمحاولة تعديل ميزان القوى.
الميزان العسكري وامتلاك القوة
منذ أن تأسست منظمة الأمم المتحدة لم يتوفر لها قوة حقيقية تؤهلها للتأثير على ما يجري في العالم من أحداث، وظلت إرادتها مرهونة بما تريده الدول الكبرى وما يفرضه الطرف الأقوى في تلك الدول. وبالرغم من العديد من الوسائل التي اعتمدتها المنظمة في مواجهة الصراعات وحفظ السلم، إلا أنها لم تنجح في حفظ الأمن الدولي في مواقف كثيرة، ولنضرب أمثلة تتعلق بالشرق الأوسط أبرزها ما نتج عن العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية في 5 يونيو 1967م، وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 242 في نوفمبر 1967م، ويقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير. وإضافة إلى قضية الانسحاب فقد نص القرار على إنهاء حالة الحرب والاعتراف ضمنًا بإسرائيل دون ربط ذلك بحل قضية فلسطين التي اعتبرها القرار مشكلة لاجئين. ويشكل هذا القرار منذ صدوره صُلب كل المفاوضات والمساعي الدولية العربية لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. نص القرار أيضًا على احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها، وحرية الملاحة في الممرات الدولية، وحل مشكلة اللاجئين، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، وإقرار مبادي سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وبرغم العديد من المفاوضات والاتفاقات والمحادثات والمبادرات، فإن الواقع يقول إن إسرائيل تنشئ المستوطنات، وأمريكا تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهناك تعريفات جديدة للاجئين، وحديث عن ما يسمى بصفقة القرن، والجولان تُضم إلى إسرائيل، وهكذا لم تُفلح الأمم المتحدة في تحقيق سلام عادل ودائم للفلسطينيين أو السوريين.
الأمم المتحدة ومصالح الدول الكبرى
يتناول الفصل السادس استخدام الطرق السلمية من الوساطة والتفاوض والحلول الوسط والتحكيم، ويصدر توصياته للأطراف المتنازعة ولكنها "غير ملزمة". وعند الفشل فإن مجلس الأمن يستخدم الفصل السابع لمعالجة النزاع، ويقرر ما يجب اتخاذه من التدابير لحفظ واستعادة السلم والأمن الدوليين، وتحمل قراراته ضمانات قانونية وسياسية "ملزمة"، وأي خرق لها يوجب فرض عقوبات ضد المخالفين، وهي مقياس للتحقق من مصداقية مجلس الأمن، ولكن تبقى فعالية هذه القرارات من الناحية العملية موضع تساؤل.
فالولايات المتحدة الأمريكية سعت إلى توظيف الأمم المتحدة ولا سيما مجلس الأمن لفرض معايير دولية تتسم بالمراوغة كحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب،وعلىنحويتيحتكييفهاوفقالمصلحة الأمريكية في كل حالة على حدة، مما يمكن من تطبيق تلك القواعد حينًا أو تفادي تطبيقهاأحيانًا أخرى، الأمر الذي أفسح المجال فيما بعد للحديث عن (ازدواجية المعايير) عند التعامل مع بعض المشكلات الدولية، ومثال على ذلك التوظيف الأمريكي المكثف لمجلس الأمن حيال العراق بعد 1990م، يقابله عدم الاستعانة به في مفاوضات ( التسوية العربية ـ الإسرائيلية) عام 1993م، ويلاحظ أن البند السابع لم يُستخدم أبداً ضد إسرائيل، وهكذافإنسياسةالمعاييرالمزدوجةأوالكيلبمكيالينأصبحتمنسماتالأممالمتحدة،وذلكلأن مجلس الأمن لا يقوم بمهمةماإلاإذاسمحتبذلكمصالحالولاياتالمتحدة،فضلاًعنذلكتكون أبعاد السلوك الخارجي بدءًا على سبيل المثال من فرض العقوبات إلى استخدام القوة العسكرية محكومة بالمصالح الأمريكية وعليه فإن تلك السياسة قد انعكست على الأمم المتحدة، إذ جعلتهاخاضعةلمصالحالدولالكبرى.
نماذج لنزاعات دولية فشلت الأمم المتحدة في إنهائها
- تفجرت قضية النزاع العراقي ـ الكويتي إثر غزو العراق لدولة الكويت والاحتلال الكامل لأراضيه في أغسطس 1990م، وكان تدخل الأمم المتحدة من أجل إنهاء النزاع، وأصدر مجلس الأمن عددًا من القرارات بإدانة العراق وضرورة سحب قواتها، واستخدام كافة الوسائل الممكنة ضد دولة العراق، وفي يناير 1991م، انطلقت شرارة الحرب ضد العراق بتوجيه ضربة جوية قاسية للقوات العراقية في الكويت تلتها حرب برية في مارس 1991م، انتهت بتحرير الكويت وعودة حكومتها الشرعية، ورغم مشروعية الهدف من هذه الحرب فقد تجاوزت حدود الدفاع الشرعي حيث عملت القوات تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وليس تحت إمرة مجلس الأمن ولا الأمم المتحدة. ويظهر فشل الأمم المتحدة في تطبيق القانون الدولي وحفظ السلم والأمن الدوليين في أنه بالرغم من انتهاء مهمة القوات الأمريكية في الحرب فقد ظلت باقية في العراق في صور قواعد عسكرية، وهو ما يخالف الشرعية الدولية ويمثل احتلالا مُقَنَّعا من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية. فشلت المنظمة الدولية في منع عدوان الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على العراق، مدعية حيازة العراق أسلحة تدمير شامل ومستلزماتها، ورغم تأكيد فريق التفتيش الدولي عدم عثوره على أية أدلة على ذلك قامت الولايات الأمريكية وحلفاؤها بضرب العراق، واحتلال أراضيه بالكامل بالقوة دون مبرر أو سند من القانون. أعدت الولايات المتحدة مشروعًا للقيام بحرب دولية ضد الإرهاب على مستوى العالم وصنفت مجموعة من الدول على أنها راعية للإرهاب وعلى رأسها العراق وأفغانستان وإيران وليبيا والسودان. وسعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحصول على تفويض بالحرب على العراق من مجلس الأمن ولكنها باءت بالفشل بسبب عدم قبول مشروع القرار المقدم منها. رغم هذا خاضت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على العراق بمساعدة حلفائها من 16 دولة وانتهت هذه الحرب باحتلال العراق وإسقاط النظام العراقي ويعني هذا عجز الأمم المتحدة عن مواجهة أي عدوان أو حرب تتم بالمخالفة لنصوص الميثاق والقانون الدولي.
- العدوان على أفغانستان. في أعقاب أحداث سبتمبر على الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م، تشكلت لجان تحقيق من طرف بريطانيا وأمريكا دعت إلى خوض الحرب في أفغانستان. وقد فشلت الأمم المتحدة في منع العدوان الأنجلو أمريكي على أفغانستان رغم مخالفته للقانون الدولي وهو ما يُعتبر انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة. كان ذلك يستلزم تدخل مجلس الأمن بوصفه صاحب الاختصاص الأصيل بردع العدوان وحفظ السلم والأمن الدوليين أو الجمعية العامة عند عجز مجلس الأمن.
- أما عن الأوضاع في اليمن فقد سهّلت الأمم المتحدة جولات عديدة من المفاوضات لحل المأزق السياسي، لكن هذه الجهود لم تكن فعالة لوقف تصاعد المواجهات العسكرية التي استمرت منذ أوائل عام 2015م. بناءً على طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي تَدَخَّلَ تحالفُ الدول التي تقودها المملكة العربية السعودية عسكريًا في 26 مارس 2015م، لدعم حكومة اليمن. أكثر من ثلاث سنوات من القتال بين القوات المدعومة من التحالف والقوات الموالية للحوثيين نظرًا للتصعيد الحوثي. بالإضافة إلى ذلك، تستمر الهجمات التي تطالب بها القاعدة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من الجماعات الإرهابية في أجزاء كثيرة من اليمن. لا يزال الوضع الأمني العام شديد التقلب وتواجه البلاد أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يحتاج 22.2 مليون شخص يمثلون 75% من السكان إلى المساعدات الإنسانية والحماية.
بعثات حفظ السلامللأمم المتحدة
ترسل الأمم المتحدة بعثات حفظ السلام لمساعدة الدول التي مزقتها الحروب على خلق سلام طويل الأمد. تشارك بعثات حفظ السلام في رصد ومراقبة عمليات السلام في المناطق التي شهدت صراعات، وتساعد في تنفيذ الاتفاقات التي وقعت لإنهاء الحرب. وتوجد حاليًا 14 مهمة مختلفة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم.
عمليات حفظ السلام في المنطقة العربية موجودة في إسرائيل وحولها. هي هيأة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة (UNTSO) في القدس، وقوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) في سوريا، وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (UNIFIL). هناك أيضًا عملية رابعة هي القوة المتعددة الأطراف والمراقبون (MFO) في سيناء، وهذه تم إنشاؤها نتيجة لاتفاق كامب ديفيد بشكل مستقل، وليس عن طريق الأمم المتحدة لأن روسيا منعت مجلس الأمن من الموافقة عليها.
بدأ UNTSO وهو أول نشاط للأمم المتحدة لحفظ السلام في عام 1948م، ويستمر حتى يومنا هذا، لكنه لا يقدم أي إسهام في السلام بخلاف توفير عدد قليل من المراقبين العسكريين في العمليات الأخرى. تم إنشاء قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك في عام 1974م، بعد حرب يوم الغفران. نظرًا لأن الحرب الأهلية في سوريا جعلتها غير آمنة بالنسبة لقوات حفظ السلام، فإنها لا تستطيع القيام بكامل وظائفها. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت إدارة ترامب الشهر الماضي أن "الولايات المتحدة تدرك أن مرتفعات الجولان جزء من دولة إسرائيل" وأنها تعيد رسم الخرائط الرسمية للحكومة الأمريكية لتعكس ذلك. ونظرًا لأن إسرائيل لن تنسحب أبدًا من الجولان وأن سوريا لن تتخلى أبدًا عن مطالبها باستعادتها، فمن الواضح أن قوات حفظ السلام هناك لن تعود أبدًا إلى الوطن.
تأسست اليونيفيل في عام 1978م، بعد القتال بين منظمة التحرير الفلسطينية والقوات العسكرية الإسرائيلية في جنوب لبنان. في حين أن لديها 10 آلاف من قوات حفظ السلام من 40 دولة مختلفة وتقوم بعشرات الدوريات كل يوم، إلا أنها لا تستطيع أن تفعل أي شيء دون تعاون من الحكومة اللبنانية. تضم هذه الحكومة الآن حزب الله الذي يسيطر على جنوب لبنان. تعتبر الولايات المتحدة حزب الله منظمة إرهابية، ويعتقد الإسرائيليون أنه يقوم بتخزين عشرات الآلاف من الصواريخ في المراكز السكانية وحفر الأنفاق تحت الحدود كما فعلت حماس في غزة.
إن عمليات حفظ السلام في الشرق الأوسط ليس لديها استراتيجية خروج ولا أهداف قابلة للتحقيق، ولا يقوم أي منها بأي شيء لتشجيع العملية السياسية التي قد تحل النزاعات المعنية
. ويتم نشر ما يقرب من 103 آلاف من قوات حفظ السلام في أربع عشرة مهمة للأمم المتحدة، بعضهم في مناطق الحرب التي طال أمدها. تقع العمليات "الخمس الكبار" التابعة للأمم المتحدة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والسودان. وهم يمثلون حوالي 81.850 من قوات حفظ السلام هذه ويكلفون حوالي 4.63 مليار دولار أو 69% من الفاتورة السنوية الإجمالية لحفظ السلام للأمم المتحدة، حاليًا 6.69 مليار دولار للسنة المالية 2018-2019 - على الرغم من أن هذا المبلغ لا يعكس سوى ستة أشهر من العملية المختلطة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي (يوناميد) في السودان. وقد أنفقت الأمم المتحدة أكثر من 108.8 مليار دولار على 70 عملية حفظ سلام سابقة وحالية تعود تاريخيًا إلى عام 1948م.
الأمم المتحدة ونزاعات الشرق الأوسط
هناك أربعة عوامل على وجه الخصوص عملت على تصعيد واستدامة الصراعات. أولاً، كان توازن القوى الإقليمي غير مؤكد إلى حد كبير بعد انتفاضات عام 2011م، وكذلك في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م. ثانيًا، أصبحت النزاعات المحلية هي المرحلة التي تتنافس فيها القوى الإقليمية الحالية في صراعات أكبر وأكثر فتكًا. ثالثًا، ارتفعت واردات الأسلحة إلى المنطقة، حيث تتنافس بنشاط مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. ورابعًا، يعاني الشرق الأوسط من ندرة ملحوظة في معايير الحرب وآليات حل النزاعات بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم. والنتيجة هي مجموعة من التدخلات العسكرية المعقدة في جميع أنحاء المنطقة.
تسلط حرب الخليج الأولى الضوء على عدم وجود شعور داخل المنطقة بتوازن القوى، وعدم قدرة دول الشرق الأوسط ومنظماتها على تخفيف سلوك أحد أعضائها. لضمان السلام الإقليمي، لجأت دول الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة التي عاودت الظهور، والتي حلت النزاع من خلال تدخل صادر عن الأمم المتحدة. الحرب الاستباقية التي تقودها الولايات المتحدة ضد العراق في عام 2003م، هي أكثر إثارة للجدل لأنها أظهرت ضعف الشرق الأوسط أمام التدخل الخارجي، وكذلك كيف يمكن للقوى الخارجة عن المنطقة استخدام القوة لإعادة هندسة المنطقة عن طريق فرض تغيير النظام بالقوة.
على الرغم من أن المجتمعات الدولية لا تلغي الحروب في حد ذاتها، إلا أنها تساعد في ترويض الصراع بين الأطراف. هذا الوضع الشاذ يدعو إلى التساؤل عما إذا كان الشرق الأوسط يضم مجتمعًا دوليًا، وإلى أي مدى يحدّ هذا المجتمع من استخدام القوة، ويسهل حل النزاع.
يتميز الشرق الأوسط بصفات مميزة بما فيه الكفاية للتأهل كمجتمع إقليمي للدول من خلال نظامه شبه الإقليمي الفريد. ومع ذلك، لا يزال الوضع غير مستقر حيث لم يتم القضاء على احتمال الحرب. علاوة على ذلك. شهد الشرق الأوسط تغيرات سياسية كبيرة، من الربيع العربي، إلى احتداد الصراع بين السنّة والشيعة، وصعود ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش)، وتفتيت دول مهمة مثل العراق وسوريا، ونمو وتنوع الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة في المنطقة.
واجهت الأمم المتحدة النزاعات المتعددة في المنطقة عبر قرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة، ومبعوثين للأمين العام، بالإضافة لعمليات الإغاثة، وغيرها من العناصر التي يتم اللجوء إليها في هذه الحالات.
إن صياغة ميثاق الأمم المتحدة جعلت من الدول الخمس الكبرى الهيمنة الكاملة على القرارات المصيرية، ولم يشهد تاريخها أي منع للحرب قبل نشوبها، وحتى بعد أن تضع الحرب أوزارها لا نجد أي عقوبة أو حتى أي لوم على المتسبب، وأمثلة التاريخ كثيرة منها اعتراف الولايات المتحدة بتلفيق ادعاءات عن امتلاك العراق قدرات نووية، وجاء التكذيب من داخل الولايات المتحدة نفسها بعد الكوارث الإنسانية المفجعة التي لحقت بالعراق.
ملاحظات ختامية
- مع زيادة ترابط الشعوب والدول، هناك حاجة إلى إدارة دولية أكثر فعالية تتعامل مع قضايا عالمية مثل الإرهاب وحركات اللاجئين وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية. ويواجه الشرق الأوسط العديد من القضايا الإضافية الأخرى. تتعرض الأمم المتحدة لانتقادات مستمرة قد تكون صحيحة وضرورية في بعض الأحيان، ولكن من الإنصاف الإشارة إلى المساهمات التي قدمتها الأمم المتحدة في الشرق الأوسط. هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة من أجل الاستقرار والأمن الإقليميين في الشرق الأوسط. تعمل الأمم المتحدة في ظل معطيات صعبة في قضايا شديدة التعقيد والتي غالبًا ما تنطوي على صراعات على السلطة بين دول خارجية لها مصالح جيوسياسية في المنطقة.
- ليست الأمم المتحدة نظامًا مثاليًا يمثل سلطة عالمية حاكمة. كمؤسسة، فإن الأمم المتحدة تفعل ما في وسعها بما لديها. ولا ينبغي أبدًا التغافل عن ما تقدمه سواء من خلال توفير قوات حفظ السلام أو تقديم مساعدات تنموية أو إنسانية. تعمل الأمم المتحدة على حماية أرواح ملايين الأشخاص في جميع أنحاء الشرق الأوسط. في بعض الأحيان، يكون ذلك في شكل قوات حفظ سلام، وقد يكون أيضًا في شكل توفير المعدات الطبية الضرورية بشدة، أو توفير التدريب للسكان المحليين في مناطق النزاع لزيادة المرونة، أو توفير التعليم للأطفال الذين فقدوا من يرعاهم بسبب النزاع. أن يكون للأمم المتحدة قدرة ما أفضل من أن لا يكون لها قدرة على الإطلاق. وهكذا، فإن الأمم المتحدة منظمة ثنائية القطبية تكون أحيانًا فعالة وفي أحيان أخرى غير فعالة. لكن اللوم الأساسي يقع على عاتق الدول الأعضاء نفسها: الأمم التي هي أبعد ما يكون عن أن تبدو متحدة.
- هناك من يرى أن السبب الرئيسي في أن الأمم المتحدة تبدو عقيمة أن الدول الأعضاء ليسوا متعاونين على الإطلاق مع بعضهم البعض، والنتيجة الحتمية ستكون الجمود والعجز. وقد كان منح حق النقض "الفيتو" للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، بمثابة وصفة للجمود بشكل واضح. لكن للأسف، كان هذا هو الثمن الذي كان من الضروري دفعه لضمان مشاركة القوى الكبرى بعد فترة الحرب العالمية الثانية، ولمنح الأمم المتحدة فرصة للنجاح فيما فشلت فيه عصبة الأمم. استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 14 مرة منذ انتهاء الحرب الباردة، بينما لجأت إليه روسيا 11 مرة. واستخدمت كلتا الدولتين الفيتو لحماية حلفائهما، إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، وسوريا مؤخرًا بالنسبة للروس. كما أن العديد من مشاريع القرار لا تصل حتى إلى مرحلة التصويت، بسبب التهديد باستخدام الفيتو.
- ومن المهم التفريق بين وكالات الأمم المتحدة مثل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الذي يقدم المساعدات ويخفف من المعاناة، وبين منظمات الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن الذي يعرقل باستمرار الجهود جراء الانقسامات الدبلوماسية.
- الولايات المتحدة، المتأثرة بحروب طويلة خاضتها في أفغانستان والعراق، أصبحت مترددة في لعب دور الشرطي العالمي وكذلك في استعراض قوتها العسكرية.
- في أبريل 2017م، تحدث المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف أمام مجلس الأمن بشأن الحالة الهشة في الشرق الأوسط قائلا إن الشرق الأوسط تجتاحه عاصفة تهدد السلام والأمن الدوليين، وأشار إلى أن عدم الاستقرار قد مهد الطريق للتدخل الأجنبي والتلاعب الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى مزيد من عدم الاستقرار. وتحدث بشكل صريح عن أن المواقف التي تحدث في الشرق الأوسط تُنشئ طوائف من المجتمعات المُستَبعَدَة أو المُهَمَّشة، وهي بيئة مرشحة بقوة للتطرف والعنف.
- تدرك الأمم المتحدة أن هناك حاجة إلى الاتحاد عبر كل الخطوط العرقية والدينية لمواصلة معالجة الوضع في الشرق الأوسط. لقد خلقت نزاعات الشرق الأوسط أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، ويمثل ذلك تحديًا صعبًا للدول المجاورة التي تحاول مساعدتهم. وتحتاج الأمم المتحدة إلى الدعم المستمر من المجتمع الدولي لمواصلة مهامها الإنسانية والوقائية في الشرق الأوسط. إن الفشل في حشد دعم المجتمع الدولي يمكن أن يضر بأمن الشرق الأوسط في السنوات القادمة.
- ستحتاج الأمم المتحدة إلى البقاء في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور. مع انتهاء تنظيم داعش، والحرب في اليمن، والصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومع القضايا الإقليمية الأخرى، فإن الأمم المتحدة قادرة على أداء دور طرف ثالث معتدل. ومع تقدم الوقت، يجب أن تحاول الأمم المتحدة إشراك الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية، وهو تَوَجُّهٌ ضروري لإنشاء وتعزيز أي احتمالات للسلام والاستقرار.
*أكاديمي ـــ جمهورية مصر العربيةــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ