array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 145

رؤية السعودية 2030 خطوة جادة تحفز القطاع الخاص للمساهمة في النمو وإيجاد فرص العمل

الأربعاء، 01 كانون2/يناير 2020

إن ضرورة بناء الاقتصاد أضحت متولدة من خلال قوة المؤسسات من عدمها والتي تقوم على ''التنويع الاقتصادي'' كأحد الخيارات الأساسية للنهوض بالوضع الاجتماعي. لذا بات لزامًا من بناء قاعدة اقتصادية تقوم على جملة من هذه الخيارات أبرزها طابع الإنتاج، فضلاً عن الخدمات المتنوعة خارج نطاق المصدر الوحيد للدخل القومي بما يعزم على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من القطاعات والأنشطة الحيوية. وإذا كان التنويع الاقتصادي هو المطلوب في الحالة الخليجية؛ إلا أنه يقوم على نوعين رئيسيين هما:

1. التنويع الأفقي، والذي يسمح بتوليد جملة من المنافع إلى جانب الفرص العديدة والجديدة للسلع المنتجة في العديد من القطاعات ذات الجهد الفردي كإنتاج البتروكيميائيات داخل القطاع.

2. التنويع العمودي، والذي يقوم بدوره على إدخال فروع إنتاجية جديدة سواءً أكانت محلية أو مستوردة كتحويل النفط إلى منتجات بتروكيميائية وما يتفرع عنها كالسجاد والعوازل والأسمدة وباقي المنتجات المعدنية ...إلخ.

   يتأتى ذلك وفق توافر رؤية استراتيجية في الموضوع بل إرادة سياسية وثقافة اقتصادية تفوق حدود النظرة النفطية للواقع الخليجي اليومي بحيث لا يمكن الحديث عن التنمية في ظل عدم توافر جملة من الشروط والآليات لوضعها رهن التفاعل لتجنب ''لعنة الموارد'' لضمان فترة ما بعد النفط قصد تحقيق التنوع الاقتصادي الذي لطالما بات هاجس السياسات الحكومية لتفادي الارتباط بالخارج. يتزامن ذلك وفق إنشاء قوة اقتصادية خارج نطاق السلوك الريعي والأسلوب الاتكالي بالاعتماد على النفس من منطلق الدولة في فرض منطق التعامل مع واقع الأحداث بإدخال الفرد سوق العمل وتأهيله بما يتماشى وواقع التحديات والتهديدات سواءً أكانت اقتصادية أو أمنية أو إيكولوجية...إلخ.

   إلا أن تنويع الصادرات يستلزم خطوات وترتيبات ليس من السهل تحقيقها إلا وفق شروط وميكانيزمات لا يتسع المجال إلى الخوض فيها هنا نظرًا لأهمية الموضوع ومكانته من جهة، بحيث أن التنويع الاقتصادي يؤدي حتمًا إلى تحقيق نمو الإنتاجية من خلال خلق فرص العمل الجديدة وحماية الاقتصاد من التقلبات المالية الحادة التي تعصف بالاقتصاد العالمي من فترة إلى أخرى من جهة ثانية.

1. الاقتصاد الخليجي وعلاقته بالتنمية: تؤكد المؤشرات الاقتصاديةبأن الأقطار الخليجية عرفت إلى حد ما نموًا ملحوظًا في العقود الأخيرة بفضل مدخولاتها الريعية ذات الارتفاع المستمر؛ إذ يعود ذلك إلى الاعتماد على النفط الذي بلغ إجمال إراداته إلى غاية عام 2008 م، نحو 75 % عدا دبي. وإذا كان هناك نجاحًا في التنمية فإن ذلك يعود إلى تطوير كل من البنى التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية والمصرفية والاندماج في الاقتصاد العالمي بحكم انتمائها إلى تكتل اقتصادي خليجي لكي تصل إلى مستوى الوحدة الخليجية بسبب عدم قدرتها على رفع التحديات ومواجهة المعوقات التي تعترض مسارها. كما تشمل هذه المعيقات والعراقيل كل من الجوانب التشريعية والبيروقراطية والجمركية. هذا إلى جانب عدم توافر القدرة على التغلب على العوائق البيروقراطية بسبب ضعف معدلات الثقة البينية على عكس ما يطالب به البعض بخصوص بناء كيانات اتحادية للأقطار الخليجية التي من الواجب أن تقوم على توحيد ثلاثة محاور رئيسية أبرزها ما يلي: السياسة الخارجية، وتكتل اقتصادي وحدوي (حجم الاقتصاد الخليجي يشكل 2 تريليون دولار أي ما يقارب 2 % من الاقتصاد العالمي و50 % من الاقتصاد العربي) وتوحيد استراتيجيات الدفاع.

     لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى حقق الاقتصاد الخليجي مكانة لا بأس بها كباقي الاقتصاديات العالمية؟ ما هي مرتكزاته، وما حدوده في ظل عدم توافر كامل الشروط والآليات المعمول بها في دول العالم؟ أو أنه كما يقال ''اقتصاد مسيّس'' في ظل غياب ''الاقتصاد السياسي'' بحسب الاقتصاديات العربية ليس إلا. ما هو الخلل وما هي سبل معالجته؟ إذ يقوم الاقتصاد العربي على التفكير في تحسين مستويات المعيشة دون تحقيق مستوى مناسب نحو زيادة الأجور في ظل ما يعرف بفلسفة القطاع الخاص وأغراضه الربحية، لكن تحت ضغوط العمال ونقاباتهم مع غياب للمخططات الهادفة التي تتخطى كسر حلقة الاتكالية الريعية بهدف بناء منظومة اقتصادية لا بأس بها بسبب ضعف القدرة على تجاوز المرحلة والدخول إذ ذاك في فترة جديدة تقوم فعلاً على التنمية الفعلية الباهظة الثمن.

   وكخطوة أولى من نوعها، وبالرغم ما حققته عائدات النفط المرتبطة بالريع فإن الاقتصاد الفعلي لم يصل به الحال إلى تحقيق مستوى مناسب كونه لم يرتق بعد إلى تخطي تلك -الممارسات المرحلية وفق سياسات تكتيكية – عبر آليات وميكانيزمات لها علاقة بالاقتصاد المعمول به بالاقتصاديات المسيطرة في العالم. وعليه يمكن القول إن هذا النوع من الاقتصاد لن يحل المشكلة كونه يفتقد رؤية بالتنمية المستدامة وفق منظور استراتيجي محض. وعليه يمكن تفكيك الاقتصاد الريعي بحسب العناصر التالية:

1. يقوم الاقتصاد الريعي على ''الممارسات الشكلانية'' دون توفير قسط من الغايات السياسية والأساسية.

2. يقوم الاقتصاد على الممارسات الجزئية، والمؤقتة والمحدودة وبدون نظرة ثاقبة ذات بعد استراتيجي في ظل غياب الأدوات اللازمة في إدارة الاقتصاد وتنويعه بما يتماشى وتحقيق الإنتاج والثروات على المدى الطويل.

3. يقوم الاقتصاد على تحقيق التنمية الاقتصادية المحدودة في الزمان تجاه العدالة الاجتماعية لكن وفق طرق وأساليب بطيئة لا تحقق ''الثروة المطلوبة '' مما قلص من محدود الاقتصاد المتوسط والبعيد المدى.

4. لا يشمل هذا النوع من الاقتصاد على علاقة تكاملية بين الجيل الراهن والأجيال المقبلة.

5. لا يتوسع الاقتصاد ليخرج من دائرة المعتاد إلى ما هو صائب باتجاه العلاقة بين الفرد والعمل والثروة في إطار الاقتصاد السياسي المطلوب.

2. ما بعد النفط أم رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية؟

 تقوم رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية الرامية إلى تنويع الاقتصاد للخروج من تبعية الريع بهدف الدخول إلى عهد ما بعد النفط . وهذه النظرة تحمل أبعاد ومضامين سياسية عميقة. لذا تعد هذه الرؤية ذات حمل استراتيجي بامتياز بحيث في حال تحقيقها ستسلك المملكة العربية السعودية مسلكًا آخرًا على اعتبار أنها ستقوم دون شك بتفكيك نموذج الاقتصاد السياسي للدولة الريعية. وعليه يمكن القول بأن هذا النموذج سيقوم بتوزيع الثروة غير المكتسبة بالعمل حيال الخضوع السياسي.

   وبالرغم من ميزات الدولة الريعية فإن الثروة النفطية مكنت المملكة العربية السعودية من فرض الحد الأدنى من الأعباء الضريبية في العالم؛ أي بما يعادل حوالي 4 % من الناتج المحلي الإجمالي. كما تشير الدراسات في هذا الصدد بأن جل المواطنين يحبذون تغطية كامل الخدمات والدعم من خلال توفير وظائف لدى القطاع العام، بينما على خلاف ذلك من الشرائح ذات الأجور المتدنية فإنها تلجأ إلى العمل لدى القطاع الخاص. وعليه الكل مكّن الحكومة السعودية بمد علاقات جديدة ربما خارج التحالف المعهود بين المواطنين والدولة بهدف تحقيق رؤية 2030.

   تشكل هذه الأخيرة بالفعل خطوة جادة وإيجابية من المنظور الحكومي السعودي كونها تهدف إلى إقحام القطاع الخاص كقوة دافعة في النمو لخلق فرص العمل. كما تشمل هذه الرؤية الاستراتيجية من الزاوية العملية شيئين اثنين هما: 1. وهو أن النموذج الأول بحيث لم يعد مأخوذًا بل مستدامًا كونه بات قديمًا من الزاوية الاقتصادية . يتزامن ذلك من خلال ما طرأ مؤخرًا على أسعار النفط بحيث لم تعد الحكومة تستجيب إلى كامل المتطلبات بتحملها المزيد من المزايا والمنافع والذين لم يقدر عددهم بحوالي 20 مليون؛ إذ لا تنوي بأن تبقى القوة الواحدة في تحقيقها للنمو بل بإسهام الجميع في ذلك. 2. يرى ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان بأنه من الضروري لأن هذه الرؤية تشكل فرصة سانحة لتخليص المملكة من الأعباء بتقليص حجم ما تدفعه هذه الأخيرة عدا تحملها الكلفة السياسية المحدودة في ذلك خاصة في هذه الأثناء.

   تحاول المملكة السعودية عبر رؤية 2030 طي صفحة وفتح أخرى على خلفية التقليل مما يضعف المملكة السعودية في توجهاتها الداخلية بتوسع نطاق الاجتماعي بإجراء تصحيحات أيًا كانت من خلال الدفع بالداخل السعودي لتصحيح الوضع الاقتصادي إلى ما يجب أن يكون عليه. علمًا بأن هذا الوضع الجديد لم يكن محسومًا من ذي قبل ما دام يحمل في طياته توجهًا بالحد من سلطة الأعراف، وأهمية تهيئة الظروف والأوضاع بما يسمح في إرساء معالم رؤية 2030 بكل عزم.

كما تحمل هذه رؤية مستقبلاً واعدًا طموحًا للشباب الصاعد عبر الوظائف والفرص من منظور القطاع الخاص على اعتبار أنه يحمل مشروعات عملاقة مثل مدينة ''نيوم'' ذات التقنية العالية . وفي المقابل وفرت الحكومة جذب استثمارات جديدة، وحققت دخلًا من خلال طرح جزء ولو يسير من أسهم شركة أرامكو العملاقة للاكتتاب في السوق المالية السعودية. واتخذت خطوات مهمة لجذب الاستثمارات الأجنبية وإيجاد سوقًا سياحية ذات قاعدة قوية، مع التوجه نحو الانفتاح على قطاعات الترفيه والخدمات بصورة أكثر من ذي قبل.

   واكب ذلك تجديد قدرة القطاع الخاص في تمويل مثل هذه المشروعات. وتجديد التشريعات بعدما كان يردد المستثمرون الأجانب أن الوضع بأنه غير ملائم كونه لا يحمل المساعدة في ظل عدم اقتناعهم بالمعادلة القائلة المخاطرة / الفائدة.

الخاتمة:

   من الضروري إذن من تفعيل مكونات الاقتصاد بما فيه الفرد كمنطلق رئيس في توسيع علاقته ببيئته بما يسهم في تطوير التنمية على أسس سليمة وفاعلة في الدفع بما تطمح إليه رؤية 2030 والتي تبقى طموحًا في ظل توافر الشروط والآليات كالعمل، والاستثمار والتنويع الاقتصادي للخروج من الحالة الطبيعية لسيطرة الريع عليها بما يعين على خلق حالة بشرية للاقتصاد بل جادة ومثمرة بل إنسانية لها علاقة مباشرة بالاقتصاد المنتج كإحدى الخطوات المنتظرة بل المساهمة في بناء الثقة بين الحاكم والمحكوم جراء العمل المشترك وبتشجيع من كامل الجهود من خلال بناء خيارات واستراتيجيات تعيد الأمل على ضوء ما تحقق وما ينبغي تحقيقه .

ولعل المسألة الاقتصادية تدخل مرحلة جديدة مرتبطة بحالة المجتمع وقدرة الحكومة على تجاوز الصعاب والحد من العراقيل التي تعيق مما هو منشود ، وهذا ما بدأ بالفعل منذ الإعلان عن بدأ تطبيق رؤية 2030 وفق توافر الظروف والملابسات بل الآليات والميكانيزمات التقنية والفنية، والسياسية والاقتصادية بما يضمن تحقق الانطلاقة الفعلية بشيء من العقلانية واليقين وصولاً إلى رؤية 2030 ،وما يتعداها وفق أطر ومرجعيات هادفة ومتجددة في كنف الوئام والتنافسية والإنتاجية المبدعة في كامل القطاعات والأنشطة ضمانًا لقدرة الفرد وحيويته بما يسهم في خدمة وطنه دون التآمر عليه من داخله بل ببنائه أيما بناءً .  

مجلة آراء حول الخليج