array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 146

قراءة في كتاب : ثناء عطوي تُساكن وساوس الحرب والملاجئ وحقائب الشتات في لبنان

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

صدر حديثًا للكاتبة والإعلامية اللبنانية ثناء عطوي، كتابٌ جديد بعنوان وسواس، عن منشورات المتوسط – إيطاليا، ضمن سلسلة يوميّات عربية، وهو عبارة عن سيرة روائية، بل سيرة الآخر الذي نحملُه في داخلنا، يُشاكسنا ويُلاحقنا؛ هو هويّتنا السيكولوجية، نصفنا الآخر الذي نخشاه ونتشاطر معه ذاتًا واحدة، في بناءَين ذهنيين مختلفين.      

ثم أن تكون الوساوس على هيأةِ حرب، وأن تكون صحافيًا على خطوط النار، يعني أن ترى أشياء لا يراها آخرون، أن ترافق الموت إلى مثواه الأخير، وتختبر مدينةً فقدت عقلها وامتلأت رئتاها بالفراغ، أن ترى بلدًا مفتونًا بالخرائط والملاجئ ومُعادلات الانخفاض، بالحقائب المنذورة للتجاوز والرحيل.     

"وسواس" ثناء عطوي، ينطلق من تجربةٍ خاصّة جدًّا، ومؤلِمة في آن واحد، لكنّها وإنْ بدت كذلك، فإنّها تلتقطُ ما نعجز دائمًا عن الإمساك به، وما ينفلتُ منّا في منعطفات الحياة الخاطفة، فكلّ ما يتغيّر ببطء نستطيع شرحه وتفسيره، لكن ما يتغيّر بسرعة نعجزُ عن إيجاد إيضاحات له.

أخيرًا جاء الكتاب في 120 صفحة، من القطع الوسط، بلوحةِ غلاف للفنان التشكيلي زيد الشوّا.

المؤلفة كاتبة وإعلامية، حاصلة على ماجستير دراسات عليا في علم الاجتماع الثقافي ــــ الجامعة اللبنانية. عملت في صحيفة السفير لسنوات، وفي الملحق الثقافي لصحيفة الاتحاد أبو ظبي، وفي مؤسّسات إعلامية وثقافية عدّة. نالت أوسمة تكريمٍ وتقدير عربية، تقديرًا لأدائها كمراسلة حربية، وتغطية الأحداث الأكثر سخونة في العالم العربي، وخصوصًا الحروب الإسرائيلية المتكرّرة على لبنان. صدر لها كتاب بعنوان "تحوّلات المثقّفين اللبنانيين منذ ستينيّات القرن العشرين".     

 

 

      
 تعود المؤلفة إلى الحقيبة الصغيرة التي رافقتها في رحلات الشتات، حقيبة بمثابة الوسواس الذي شغلها في طفولة الحرب، وقد اعتادت أمها أن تضعها في غرفة النوم، بل أعلى الخزانة، لتنام وعيونها معلّقة عليها، وما إن تحضر الحرب، حتى تسبقها الحقيبة إلى الباب متأهّبة وجاهزة. ما أقساها تلك الحقائب المهيّأة للرحيل تنتظرُ أمام الأبواب!

وترصد المؤلفة سنوات الحرب فتقول أشعر أنّ الحقائب هي العتبة مقارنة بالأبواب، المرتبطة مباشرة بالعتبات. أحيانًا، يفقد الشيء ارتباطاته، بحسب الوضع النفسي لمستخدمه، في تعيينٍ لشخصيّته. ولأنّي كثيرة الحركة أتّجه دائمًا إلى الحقائب. بالطبع تتحرّك الأبواب ضمن الزمن، بل ثمّة علاقة توثيق وعرفان متبادلة بينهما؛ الزمن والأبواب، لكن الحقائب، بإمكانها أن تنوب ذات مرّة عن الأبواب بواسطة العتبة. الباب لا يتخطّى عتبته، بل يحرسها ويحترم المسافة بينه وبينها، أمّا الحقائب فهي مفتونة بالتجاوز والرحيل.

وتستطرد، احتفظتُ بعكّاز أمّي لزمن، فلكلّ واحدٍ منّا عكّاز يدور حوله باقي العمر. وها هو وسواسي المسكين يجلس مستندًا إلى عكّازه، ضئيل وبصره ضعيف، يقبض على مسبحته الطويلة التي تشبه خطًّا منحدرًا نحو الأسفل، تمامًا مثل خطّ سيرنا نحن البشر، مدقّقًا النظر في الأشياء حوله، باحثًا عن الضوء، وعنِي بين الأدراج. تتقادم الوساوس مثل الكائنات الأخرى، تُصاب بالشيخوخة، وتبدو على ملامحها التجاعيد، خطوطٌ رقيقة كالدخان، كلّما كانت أعمق، كان الوسواس حكيمًا متأمّلاً العالم.  

وتختم بقولها: أفهم قلقك أيّها الوسواس، وأشفق على وحدتك، أفهم حاجاتك، وأعرف أنّنا أسأنا فهم بعضنا البعض مرّاتٍ عدّة. تمنيّت أحيانًا أن تغادرني ولا تعود، أن تختفي ولا أقتفي لك أثرًا، لكني كنت أدعو في سرّي كي تنجو، لأنّ في نجاتك نجاتي. أرغب في الحفاظ عليك مُعافى، في بقائك هنا، لأنّك خارجٌ من ضلعي، من يومياتي، راغبًا بالعودة دائمًا إلى ذاتك.. بل ذاتي.

مجلة آراء حول الخليج