array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 146

الجزائر تتطلع لاقتصاد مُنتج والصناعة في مفهوم تبون هي مصدر التطور والنمو

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

يُثير الحديث عن مستقبل الصناعة في الجزائر إشكالات عديدة وفي مقدمتها مُعضلة بناء صناعة وطنية في ضوء اقتصاد ريعي، فالجزائر بالرغم من مرور أكثر من نصف قرن على استقلالها لم تتمكن من بناء قاعدة صناعية وطنية تُنهي تبعية اقتصادها للريع البترولي.ومنذ انهيار أسعار البترول في الأسواق العالمية في 2014م، والجزائر تعيش أزمة مالية صعبة، فرضت على صنّاع القرار العودة إلى الإصلاح الاقتصادي كخيار وحيد لوقف تفاقم الأزمة المالية، من جهة، ولضمان الأمن الوطني من جهة أخرى على اعتبار أن الريع أحد مصادر تهديده. وقد خبرت الجزائر الإصلاح الاقتصادي منذ نهاية الثمانينيات، كأحد الآليات التي تسمح بالتخلص من الريع وبناء اقتصاد منتج ومن ثم بروز صناعة وطنية. لكن الحكومات المتعاقبة، منذ الثمانينات، كانت سرعان ما تتخلى عن الإصلاح بمجرد عودة أسعار النفط إلى الارتفاع، ليتبخر معها حلم بناء صناعة وطنية. 

وبناء على ما تقدم يثور السؤال التالي: ما هو مستقبل الصناعة في الجزائر؟ ولماذا فشلت تجارب الإصلاح الاقتصادي ؟

أولاً: فشل الإصلاح الاقتصادي وعلاقته بتدني الصناعة الوطنية

لا نجانب الصواب إذا قلنا أن عدم بروز الصناعة الوطنية في الجزائر ضحية مرده فشل الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها حكومة مولود حمروش نهاية الثمانينات، بسبب معارضة دوائر فاعلة في النظام، وهو ماأفضى إلى إجهاض مشروع الإصلاحات، ومن ثم إقالة حكومة الإصلاحات في الرابع من يونيو/ حزيران ، ويُجمع أغلب من عاصروا تلك المرحلة من تاريخ الجزائر المعاصر أن التلكؤ  أجهض الإصلاحات الاقتصادية وأضرّ بمصالح دوائر نافذة والشبكات المرتبطة بها داخل النظام وخارجه.

وترتكز مبررات خصوم الإصلاحات الاقتصادية على بعدين الأول اقتصادي والثاني سياسي. فالعقبات الاقتصادية ملازمة لكل عملية انتقال من اقتصاد مُخطط نحو اقتصاد السوق. أما العقبات السياسية فتتعلق بطبيعة النظام السياسي الجزائري. وبالرجوع إلى التاريخ يمكن أن نفهم السلوك الاقتصادي لصناع القرار تجاه الإصلاحات، فالنظام الجزائري منبثق من حركة تحرير وطني قامت أيديولوجيتها على أساس العداء للرأسمالية والإمبريالية العالمية. فالاستعمار الفرنسي استغل الجزائر في إطار الاقتصاد الرأسمالي، وهو ما يُفسّر تردد الدولة في تبني مذهب اقتصادي رأسمالي.

وحتى نفهم جيدًا الأسباب الحقيقية لفشل أهم عملية انتقال نحو اقتصاد السوق في تاريخ الجزائر، يجدر بنا تحليل مختلف أنماط المعارضات الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية. وفي هذا السياق، يتفق أغلب من تصدوا لدراسة التجربة الجزائرية في الانتقال الاقتصادي على أنخطاب الإصلاحيين المروج لضرورة انسحاب الدولة من الحياة الاجتماعية قد ألّب على الحكومة الجبهة الاجتماعية وتحديدًا العمال والمحرومين، على اعتبار أن التغييرات الاقتصادية قد تجعلهم عرضة لقوانين السوق التي لا ترحم. ووفقًا لهذا المعنى، فقد شهدت البلاد من الانفتاح السياسي عشرات الإضرابات والحركات الاحتجاجية، حيث تم إحصاء ما لا يقل عن 1095 إضرابًا في السداسي الأول من عام 1989م.

كما لقيت الإصلاحات الاقتصادية مُعارضة شرسة من لدن فئة من مسيري القطاع العام، ومدراء المصارف وأرباب العمل. ويُمثل أعوان الإدارة الحكومية ومسيرو القطاع العام والمصرفيون نواة البيروقراطية المركزية في الدولة، ويشتركون في سمة تتمثل الرغبة الشديدة في الحفاظ على الريوع، والجمود الإداري ورفض بذل أي جهد.فقد استغل هؤلاء مناصبهم الحساسة في الدولة، وشكلوا تحالفات في الخفاء لإجهاض الإصلاحات الاقتصادية.

وفي ضوء الاصلاحات الاقتصادية وجدت السلطة نفسها تمارس مهامها التقليدية المتمثلة في الخدمة العمومية، وقد كانت في العهد الاشتراكي تسيّر القطاع الاقتصادي بمنطق القطاع الخاص، وتحديدًا في علاقتها بالممولين الأجانب. ومن ثم فإن غاية الإصلاح الاقتصادي هو تجفيف منابع الريع الناجم عن العمولات والرشاوي التي يجنيها أعوان الإدارة الحكومية في مقابل منحهم الأسواق العمومية ورخص الاستثمار. ولم تعد الإدارة في ظل هذا الوضع هي المسيّرة للقطاع الاقتصادي، كما تم إلغاء الاحتكار في التجارة الخارجية، وهو ما يعني نهاية عهد جمهورية الموز. أما في ما يخص مسيري الشركات العمومية التي بات يطلق عليها المؤسسات الاقتصادية ومسيري صناديق المساهمة، فقد أصبح الوضع لا يطاق، لأنه في الوقت الذي كانوا ينتظرون كعادتهم الأوامر والتعليمات، امتنعت الحكومة آنذاك عن إصدارها، لأن فلسفة التسيير الجديدة تقضي بضرورة أن يأخذ المسيّرون زمام المبادرة. ومن ثم، لم يعد بإمكانهم الاعتماد على توجيهات الإدارة المركزية لإدارة  مؤسساتهم. وكرد فعل على ذلك قام هؤلاء المسيّرين بتعطيل عملية استقلال المؤسسات العمومية عن الدولة.

وتبنى المصرفيون الموقف ذاته، فقد عارض أغلبهم بشدة مشروع الإصلاحات الاقتصادية لحكومة مولود حمروش، بدعوى أن الإصلاحات تلزمهم بالعمل وفقاً للقواعد المالية العالمية التي تحكم العمليات المصرفية، ومنح القروض، وهو ما لم يتعودوا عليه من قبل.

أما المجموعة الثانية من معارضي الإصلاحات الاقتصادية، فتضم فئة رجال الأعمال، وقد أثار موقف هؤلاء استغراب المراقبين على اعتبار أن رجال الأعمال لا يُعارضون الانتقال إلى السوق. وهو تناقض نجد تفسيره في الظروف المُحيطة ببروز القطاع الخاص في الجزائر، فقد نشأ في سياق الاقتصاد الاشتراكي، وترعرع في أحضان الدولة، وهو ما أضفى عليه طابعًا تجاريًا احتكاريًا. كما استفاد من حماية الدولة ورعايتها له، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتبنى رجال الأعمال موقفًا معارضًا للإصلاح الاقتصادي، لأن السوق بالمفهوم الليبرالي سيُفقدهم الحماية وضمان تحقيق الثراء ويُخضعهم للمنافسة مع غيرهم.

كما عارضت النقابات الإصلاحات الاقتصادية بسبب خشيتها من فتح السوق الوطنية على المنافسة الأجنبية، عبر الترخيص بإقامة وكلاء غير مقيمين، والحدود المفروضة في الوصول إلى الموارد بالعملة الصعبة.

وتأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن هذه المعطيات تؤكد وجود رغبة لدى المقررين الجزائريين في التخلص من القيود المرتبطة بضبط الحقل الاقتصادي الجزائري وفقًا لقواعد السوق.

ثانيًا : أسباب تراجع الصناعة الوطنية

كانت الجزائر في السبعينيات من القرن الماضي تملك صناعة وطنية رشحتها لبلوغ مصاف الدول الصاعدة، لكن هذا النسيج الصناعي تلاشى تدريجيًا بعد وفاة الرئيس هواري بومدين في ديسمبر 1978م. وتؤكد كل المؤشرات الاقتصادية حول الاقتصاد الجزائري على حقيقة ثابتة مؤداها تراجع الصناعة في الاقتصاد الوطني الجزائري، حيث كانت تُمثل في الثمانينات من القرن المنقضي  15 % من الناتج القومي الإجمالي، و18% من العمالة الوطنية، لكنها اليوم لا تُساهم سوى في حدود 5 % من القيمة المضافة المُنتجة.

1- المأساة الوطنية والحرب على الإرهاب

يسود إجماع وسط خبراء الشأن الاقتصادي أن المأساة الوطنية والعشرية السوداء والحرب على الإرهاب ، عوامل ساهمت بشكل مُباشر في تدمير الاقتصاد الوطني ( بلغت قيمة الخسائر 20 مليار دولار في الاقتصاد). بالاضافة إلى مخطط التثبيت الهيكلي المفروض من قبل صندوق النقد الدولي في التسعينيات، والذي تسبّب في الخصخصة المباشرة لبعض المؤسسات الوطنية، الأمر الذي ترتب عليه تسريح 100 ألف عامل نتيجة فتح السوق الوطنية للمنافسة الدولية.

كما يٌفسر أخرون هشاشة الصناعة الجزائرية بفشل النموذج الاقتصادي الاشتراكي الذي تم تبنيه غداة الاستقلال، حيث لم يترك مكانًا للقطاع الخاص بالرغم من أنه خالق للثروة ولمناصب شغل. واللافت أن الصناعات الحديدية لم تٌساهم في تطوير الصناعات المعدنية والميكانكية،والتي بدورها تؤدي إلى تطور القطاع الزراعي. لقد كان مهندسو فكرة الصناعات الثقيلة في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين يتصورون أن تُؤدي هذه السياسة إلى بروز الصناعات الخفيفة للتجهيزات والاستهلاك تكون قادرة على تلبية احتياجات السوق الوطنية وتقليص فاتورة الاستيراد. لكن يبدو أن هذا المشروع الضخم للنهوض بالصناعة الجزائرية دفن مع صاحبه، حيث بدأت الدولة بعد وفاة هواري بومدين في التخلي تدريجيًا عن هذه السياسة، نظرًا لكلفتها الباهظة من جهة، ولتراجع أسعار النفط الأمر الذي انعكس على عائدات الدولة من العملة الصعبة، وهو ما فرض على الحكومات المتعاقبة في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد التخلي عن سياسة المجموعات الصناعية الكبرى، وبذلك فقدت الجزائر تدريجيًا قاعدتها الصناعية التي أسسها الرئيس هواري بومدين.

2- نقمة الموارد (المرض الهولندي)

  نقمة الموارد أو المرض الهولندي داء اقتصادي يمُس أغلب الدول المصدرة للمحروقات. وتصنف الجزائر من بين العشرين الدولة المُصدرة للنفط في العالم، وتبلغ قدراتها 12.2 مليار برميل قابلة للاستغلال. وكان من المفروض أن تضمن هذه الثروة الهائلة على الأقل قدرًا من الرفاهية والتطور الاقتصادي، لكن رغم مرور أكثر من نصف قرن على استقلال البلاد ما زالت الجزائر تعاني من التخلف. ومرّد ذلك تخصيص شديد للنشاطات الاقتصادية، وأغلب الاقتصاد الجزائري ينحصر في استكشاف احتياطيات الغاز والنفط، وهو ما يؤكد أن الناتج الداخلي الخام للجزائر مدعوم باستغلال الموارد الغازية والنفطية التي تمثل 95 % من الصادرات إلى جانب ثلثي إيرادات الضرائب. بيد أن في الاقتصاد المتخصص في قطاع واحد من النشاط وتحديدًا في المواد الأولية، فإن هذا الاقتصاد يكون عرضة لتقلبات أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية. ومن هذا المنطلق، فقد انعكس إنهيار أسعار النفط عام 2014م، على الاقتصاد الوطني وترتب عليه تراجع الاستهلاك والاستثمار.

لقد تسبب المرض الهولندي في شلّ الاقتصاد الجزائري، وعجزت الدولة عن تفعيل الروافد الأخرى للنمو الاقتصادي، فالقطاعات الصناعية العمومية والخاصة هشة، في مقابل التبعية القوية لهذا الاقتصاد إلى المواد الأولية. فقد تراجع مستوى الانتاج الهيكلي للمؤسسات العمومية (شركة المحروقات، النقل والاتصالات) منذ 2017م، مع العلم أنها مصدر نصف الثروة الصناعية للبلاد. واللافت أن القطاع الخاص لم يتمكن من تعويض تراجع الصبغة الصناعية للقطاع العام. على اعتبار أن القطاع الخاص يتكون من 80 % من المؤسسات الصغيرة.

ثالثًا :الصناعة في عهد الوفرة المالية (2000-2014م)

تعهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بإنعاش الاقتصاد الوطني لكنه لم يفعل بالرغم من البحبوحة المالية التي توفرت له نتيجة ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وهو ما سمح لخزينة الدولة في الفترة ما بين 2000 و2014م، بتوفير احتياطي غير مسبوق من العملة الصعبة قدرته أرقام رسمية ب150 مليار دولار، وهو ما جعل الجزائر في عهد الرئيس السابق تنصرف كلية عن بعث صناعة وطنية. وبدلاً من تحقيق هذه الغاية الاستراتيجية راحت الحكومات المتعاقبة في عهده تُنفق هذه الأموال في إنجاز هياكل قاعدية، تبيّن لاحقًا أنها عبارة عن مشاريع غير مُجدية، أنجزت في إطار صفقات مشبوهة تفوح منها رائحة الفساد المالي. ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن السياسة العامة للاستثمار في عهد الرئيس السابق افتقدت  الفعالية، وكان الإنفاق العام يرمي إلى شراء السلم الأهلي وتعويض العجز في مشروعية النظام السياسي، بدلاً من توجيه موارد البلد نحو القطاعات المنتجة. وقد ترتب على هذا الوضع تأجيل الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية الضرورية إلى إشعار أخر. وهو ما يعني استمرار هيمنة الطابع الريعي للاقتصاد على التوجهات الاقتصادية للحكومة، وعادت معه الدولة إلى ممارسة سلوكها الاقتصادي المُفضل المتمثل في تصدير المحروقات واستيراد كل شيء. وتأسيسًا على ما سبق، فقد فشلت الحكومات المتعاقبة خلال عقدين من حكم الرئيس بوتفليقة في تحويل الطفرة المالية إلى نهضة اقتصادية قاعدتها صناعية، واستمر هذا الوضع إلى منتصف 2014م، حيث هوت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها، وهو ما أدى إلى بروز مشكلات اقتصادية واجتماعية ناجمة عن شح الموارد المالية نتيجة تآكل احتياطي الصرف بالعملة الصعبة. وقد كشفت فترة حكم بوتفليقة أن الاستيراد لم يكن سوى وهم كبير، وأحد آليات تهريب العملة الصعبة نحو الخارج.

لقد افتقدت الجزائر طيلة العقدين الماضيين سياسة صناعية واضحة المعالم، لأنها لم تكن أولوية لدى صناع القرار. فكل الإجراءات التي اقترحتها الحكومات المتعاقبة بقصد النهوض بالصناعة الوطنية لم تكن كافية لصياغة استراتيجية صناعية جادة وفعالة. وتتطلب هذه الاستراتيجية وجود مناخ استثمار ملائم، ويد عاملة مؤهلة، وهياكل نوعية، واستقرار سياسي، بالإضافة إلى جانب تشريعي ونظام ضرايب، لأن كثرة النصوص القانونية والتشريعية ليست في صالح هذه الاستراتيجية.

   وأكد تقرير "منظمة الأمم المتحدة للتنمية والتجارة" بعنوان "التقرير العالمي للاستثمار 2018: الاستثمار، السياسات الصناعية الجديدة"، أن المستثمرين الأجانب يعزفون عن الاستثمار في الجزائر بسبب التعقيدات البيروقراطية والإدارية والغموض في مجال التشريعات وعدم الاستقرار في مجال النصوص القانونية، وهو ما يٌفسر افتقاد الحكومات السابقة لرؤية واضحة في مجال الاستثمار.

فالتشريعات والقوانين في مجال الاستثمار، حسب التقرير الأممي، بما فيها قاعدة 49/51، إلى جانب انعدام رؤية واضحة لدى الدولة، جعل أغلب المستثمرين الأجانب مترددين في الاستثمار بالجزائر. وحتى الاستثمار الأجنبي المباشر والذي يقتصر فقط على المحروقات، انخفض بنسبة 26 في المائة إلى 1.2 مليار دولار، بالرغم من التحفيزات التي تضمنها قانون الاستثمار الجديد.

وبلغة الأرقام كشف التقرير الأممي عن تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الجزائر من 1.635 مليار دولار في 2016م، إلى 1.203 مليار دولار في 2017م، ووفقًا للتقرير ذاته فقد بلغ مخزون الاستثمارات الأجنبية المباشرة الجزائرية إلى سنة 2000م، ما قيمته 3.379 مليار دولار وإلى 2010م، ما قيمته 19.540 مليار دولار وإلى 2017م، ما قيمته 29.053 مليار دولار.

رابعًا :الصناعة في الجزائر الجديدة : عودة الوعي بضرورة تحرير الاقتصاد من الريع

يرى الرئيس عبد المجيد تبون أن المستعجل بالنسبة للجزائر اليوم هو تبني نموذج اقتصادي جديد يقوم على قاعدة العمل كمصدر وحيد لخلق الثروة، وهي إحدى القواعد الذهبية لعلم الاقتصاد الحديث الذي يرمي إلى تجفيف منابع الريع وفقًا لأفكار ديفيك ريكاردو وأدم سميث. إذن بالنسبة للرئيس تبون فالمشكلة لا تكمن في خصخصة ما تبقى من مؤسسات القطاع العام، بل في نظام شامل لترقية الإنتاج الصناعي الوطني بواسطة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. فالجزائر الجديدة التي وعد بها الرئيس تبون مواطنيه تتطلع إلى بناء اقتصاد مُنتج قوامه قاعدة صناعية تسمح له بتحقيق الاكتفاء الذاتي في أوقات الأزمات، لأن وجود قطاع اقتصادي قوي يخلق نشاطًا اقتصاديًا ويوفر مناصب شغل. فالصناعة، في إدراك الرئيس تبون، تُشكل مصدرًا رئيسيًا للتطور التقني ينعكس على النمو الاقتصادي الوطني.

    وتكشف التعهدات التي التزم بها الرئيس عبد المجيد تبون في برنامجه الانتخابي "54 التزام"، في شقها الاقتصادي عن وعيه وإدراكه بضرورة الخروج من منطق الريع، والذهاب مباشرة إلى إصلاحات اقتصادية تفضي إلى انتقال حقيقي نحو السوق. وجاء برنامجه الاقتصادي بعنوان"من أجل نموذج اقتصادي جديد قائم على تنويع النمو واقتصاد المعرفة" تنفيذ سياسة جديدة للتنمية خارج عائدات الريع، عبر تثمين الإنتاج الوطني للصناعات الزراعية والصناعية والخدماتية من خلال حوافز ضريبية، وتقييد الواردات ووضع سياسة تصنيع جديدة موجهة نحو الصناعات المصغرة والصغيرة ومتوسطة الحجم، قصد ترقية الإنتاج المحلي وتقليص فاتورة الاستيراد، الأمر الذي سيُمكن الدولة من توفير العملة الصعبة. بالإضافة إلى تشجيع التوجه نحو الشركات الناشئة، بما يسمح ببروز طبقة جديدة من رجال الأعمال. كما التزم الرئيس تبون بتفضيل وتشجيع كل استثمار صناعي يستخدم المواد الأولية المحلية، ويخلق فرص العمل ويدعم النمو الاقتصادي.

    كما يقترح الرئيس تبون لبناء نموذج اقتصادي مُنتج قائم على تنويع النمو واقتصاد المعرفة،تعزيز الدور الاقتصادي للجماعات المحلية وتمكينها من إيجاد مصادر تمويلها الخاصة بعيدًا عن ميزانية الدولة، وتطوير شبكة النقل بالسكك الحديدية، وتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار بإزالة كل العراقيل البيروقراطية، وإصلاح نظام تمويل الاستثمار والنظام المصرفي لتنويع عروض التمويل وتعميم استخدام وسائل الدفع الحديثة وتطهير المجال الاقتصادي والتجاري من الممارسات البيروقراطية.

 استنتاجات :

   نستنتج مما سبق أن مستقبل الصناعة في الجزائر مرهون بمدى وعي "أهل الحل والعقد" في الدولة بخطورة تبعية الاقتصاد للريع البترولي، ومن ثم أهمية الإصلاح الاقتصادي لبناء نموذج اقتصادي مُتنوع يكون فيه العمل المصدر الوحيد لخلق الثروة، إلى جانب صياغة استراتيجية صناعية واضحة المعالم تكون مندمجة في مسار العولمة. بالإضافة إلى تحسين مناخ الأعمال والاستثمار بعيدًا عن التسيير الإداري المركزي والبيروقراطي، ومنع تعدد مراكز القرار الاقتصادي، وضمان الاستقرار التشريعي في مجال الاستثمار والتجارة الخارجية، الأمر الذي سيجعل من الجزائر، بلا شك، وجهة مفضلة لدى المستثمرين الأجانب. كما لا يجب أن يكون خيار العودة إلى الاهتمام بالصناعة الوطنية خيارًا ظرفيًا فرضه تراجع أسعار النفط، بل خيارًا استراتيجيًا وطنيًا، وأحد متطلبات الأمن القومي الجزائري.

مجلة آراء حول الخليج