تقليديًا كان نشاط الصناعات التحويلية في العراق مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بصناعة النفط حيث كانت الصناعات الرئيسية في هذه الفئة تكرير البترول، وصناعة الكيمياويات، والأسمدة قبل 2003م، ناهيك عن العراقيل التي تمثل قيودًا مفروضة على التنويع عن طريق الخصخصة، والآثار المترتبة على العقوبات الدولية من عام1990م.ومنذ عام 2003 م، منعت المشاكل الأمنية الجهود الرامية إلى أنشاء مؤسسات جديدة .صناعة البناء ، والتشييد هو استثناء ، ففي عام 2000م، كان الأسمنت المنتج الوحيد الصناعي الكبير الذي لا يقوم على الهيدروكربونات ، ولقد استفادت صناعة البناء والتشييد من إعادة الإعمار والبناء بعد الحروب في العراق(1).ولغرض معالجة هذا الموضوع سنقسم الدراسة إلى أربعة أقسام، الأول يتناول طبيعة الصناعة في العراق ، والثاني التحديات التي تواجه الصناعة في العراق، والثالث يركز على كيفية تحسين الصناعة في العراق، وأخيرًا يتناول القسم الرابع والأخير مستقبل الصناعة في العراق.
طبيعة الصناعة في العراق
-------------------------
تنقسم الصناعة في العراق إلى نوعين رئيسيين هما: (2)
1.الصناعات الاستخراجية:
--------------------------
وهي التي تعتمد على استخراج النفط، والغاز الطبيعي، وكذلك المعادن مثل الكبريت، كما في القيارة، والمشراق، والفوسفات في عكاشات غرب الأنبار وغيره.
2.الصناعات التحويلية:
-----------------------
أولاً: الصناعة الغذائية
-----------------------
1.صناعة الألبان:
------------------
توجد هذه الصناعة في قضاء أبي غريب، غرب بغداد، وهو ينتج مختلف أنواع الألبان، كما توجد مصانع أخرى في كل من أربيل ((معمل أربيل))، ونينوى ((معمل في الموصل))، و((معمل الجزيرة))، ومعامل أخرى صغيرة، والبصرة، وبابل، وجميع المعامل إنتاجها لا يكفي للاكتفاء الذاتي، أذ لا يسد سوى 15% من الاكتفاء، بسبب عدم مقدرته على منافسة المنتج، المستورد، وكذلك دمار بعض معامله أثر الحروب المتكررة، وغيره من الأسباب الأخرى.
وسعت الحكومة بعد 2003م، أن تعيد، وتؤهل هذه الصناعة، فأعادت تأهيل بعض المعامل، وبناء معمل في مركز الديوانية، وشراء أنواع جديدة من الأبقار لزيادة الإنتاج من الحليب، وتمثل ذلك في شراء أعداد كبيرة من أبقار الفريزيان، والأبقار الأسترالية، بقصد توسيع الإنتاج، وتحسن المنتج، والحكومة مازالت تخطط لزيادة الإنتاج، حيث أزداد الإنتاج عام2016م، بنسبة 25 % من الاكتفاء الذاتي.
2.صناعة الزيوت النباتية:
-------------------------
تقوم بهذه الصناعة الشركة العامة للصناعات الزيتية، ويوجد أربعة معامل تابعة لها حيث يوجد ثلاثة معامل في بغداد، والرابع في العمارة ، وتنتج هذه المعامل أنواعًا متعددة من زيوت الطعام التي تصنع من حب (دوار الشمس)، وهذه المعامل ذات إنتاج منخفض، وضعيفة النوعية، إذا ما قورنت بالمستورد الإيراني، أو التركي، والسبب هو ضعف الإدارة، والفساد، ولكن يؤمل له مستقبل جيد والإنتاج لا يكفي سواء0,1%من كمية الاستهلاك المتزايد يوميًا، ووصلت نسبة الاكتفاء إلى50% سنة2018م، وسيزداد الإنتاج اذا أعيد تأهيل المعامل، وأن يصل العراق إلى الاكتفاء الذاتي سنة 2022م، اذا أنشأت الحكومة العراقية ثلاثة معامل إضافية.
3.صناعة السكر:
-----------------
السكر صناعة متميزة بين الصناعات العراقية بسبب جودته، ونقائه، ويوجد مصنع للسكر في الموصل الذي كان يقوم بإنتاج السكر من البنجر السكري الذي يزرع في سهل نينوى، والجزيرة ولم تكن تكفي لسد حاجة المعمل سوى ثلاثة، أو أربعة أشهر، بسبب عدم وصول الإنتاج إلى الحد المطلوب، لذلك كان المصنع يلجأ إلى استيراد السكر الأصفر من الخارج، ويقوم بتصفيته، حتى يكفي إنتاجه الحاجة المحلية، وموقع المعمل في منتصف حي السكر على الساحل الأيسر للموصل.
أما الثاني، فيقع في السليمانية الذي ينتج السكر من البنجر ، ومن تصفية السكر المستورد، وتوقف في سنة1980م، بسبب أن السليمانية كانت قريبة من إيران، ولأن الطيران كان يقصفه في حرب1980-1988م، بين إيران والعراق، وأعيد تشغيله في عام2014م، بفضل شركة ((نورس))في السليمانية، وهو يسد احتياج حوالي10% من حاجة العراق، والمعمل الثالث يقع في قضاء ((المجر الكبير))((محافظة ميسان))جنوب العراق، و يعتمد إنتاجه على قصب السكر الذي ينتج بفضل حقول تابعة للمعمل نفسه، وكان في الماضي قبل الحرب في سنة1980م، ينتج السكر لسد حوالي20% من حاجة العراق منذ عام 1965م، وحاليًا ينتج 13%من حاجة العراق، وكان قد توقف أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية وأعيد تأهيله وتوسعته، وشراء آلات حديثة له سنة2015 م، وهو يكفي الآن 15%من حاجة العراق من السكر ، ويوجد معه معمل أخر صغير في داخله يقوم بإنتاج السماد من مخلفات القصب المزروع في الحقول التابعة للمعمل في قضاء المجر الكبير، والرابع في قضاء المدحتية التابع لمحافظة بابل الذي ينتج حوالي 3أضعاف ونصف أنتاج معمل سكر ميسان الذي ينتج السكر لسد حاجة حوالي70% من حاجة العراق، و في الوضع الحالي قد حقق العراق شبه اكتفاء ذاتي من مادة السكر ، ومعمل المدحتية تابع للقطاع الخاص، وهو ينتج السكر من قصب السكر المستورد ، وبعض المزارع القريبة من المعمل وهناك معمل قيد الإنشاء في شمال بابل قرب قضاء المسيب ، وتم إنجازه عام2018م.
4.صناعة التعليب.
5.مصانع تصفية المياه وصناعة المشروبات.
ثانيًا: الصناعة النسيجية والجلدية:
---------------------------------
1.صناعة الغزل والنسيج القطني.
2.صناعة الغزل والنسيج الصوفي.
3.صناعة الغزل والنسيج الحريري.
4.صناعة الجلود.
5.صناعة الألبسة الجاهزة.
6.صناعة البسط والسجاد.
ثالثًا: صناعة مواد البناء
------------------------
1.الأسمنت:
------------
الأسمنت أكبر، وأقوى صناعة في العراق منذ مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم وبدأت بإنشاء معمل في بغداد، ثم امتدت لأجزاء أخرى من العراق. ويوجد في البلاد العديد من المعامل هي:
أ-معمل بادوش الجديدة، ومعمل العليل جنوب الموصل في محافظة نينوى.
ب-معملان في ناحية حمام العليل جنوب الموصل في محافظة نينوى.
ج-معمل في سنجار وهو معمل ضخم وعملاق في محافظة نينوى.
د-معمل سمنت الفلوجة في محافظة الأنبار.
هـ -معمل سمنت كبيسة في محافظة الأنبار.
و-معمل سرجنار في السليمانية وهو معمل عملاق.
ز-معمل سمنت بغداد (أوقف فيه العمل).
ح-معمل سمنت السدة في بابل.
ط-معمل سمنت كربلاء في محافظة كربلاء.
ي-معمل سمنت الكوفة في محافظة النجف الأشرف.
ك-معمل سمنت السماوة في محافظة المثنى.
ل-معمل سمنت المثنى في محافظة المثنى.
م-مجموعة معامل أخرى في كركوك والسليمانية والبصرة.
رابعًا: الصناعات الكيمياوية
----------------------------
1.صناعة البتروكيمياويات
أ-صناعة التكرير.
ب-صناعة الغاز المسال.
2.الأسمدة الكيمياوية
---------------------
هذه الصناعة من الصناعات متوسطة الأهمية، ويوجد لهذه الصناعة معملان في البصرة لإنتاج اليوريا، والأمونيا، وهناك معمل كبير في شمال غرب الرطبة جنوب القائم في محافظة الأنبار في منطقة عكاشات ينتج 100% من أنتاج الأسمدة الفوسفاتية في العراق، وهناك معمل في بيجي ينتج اليوريا، والأمونيا. أما بعد دخول تنظيم داعش الإرهابي فقد توقف عمل مصنع عكاشات ، وبيجي ، والآن أعيد أحد معامل البصرة للعمل بعد إعادة تأهيله، إذ أنه وقف في ثمانينات القرن الماضي جراء الحروب .العراق أخذ اكتفائه الذاتي في نهاية2015 من اليوريا، والأمونيا ، وصدر ولأول مرة باخرة محملة باليوريا إلى خارج العراق في العاشر من مارس2016م.
3.المنظفات.
4.الورق.
5.الزجاج.
6.الأدوية:
-----------
يعد من الصناعات المهمة جدا في العراق، ويقوم به كل من القطاع الخاص، والحكومي المتمثل بالشركة العامة للصناعات الكيمياوية، وأكبر معامله هي منشأة سامراء لإنتاج الأدوية، والتي يسد حاجة25% من حاجة العراق، وسيصل الاكتفاء الذاتي للأدوية إلى 95% في سنة2025م، بعد بناء مدينة لصناعة الادوية في الناصرية، وبغداد.
7.البطاريات:
خامسًا: الصناعات المعدنية والكهربائية الأساسية وفيها صناعة الحديد والصلب، وله مجمع صناعي متكامل في البصرة في ناحية أم قصر الجنوبي، والمجمع يتزود بخامات الحديد من الخارج الذي يستورده العراق، ويزود المجمع بالغاز من حقول الرميلة الشمالية، وينتج الحديد فيه إلى ثلاث مراحل هي:
1.الحديد والشليمات وحديد التسليح والبناء.
2.الحديد الإسفنجي (الحديد الزهر).
3.الصلب.
سادسا: التصنيع العسكري متوقف بشكل تام في الوقت الحالي.
التحديات التي تواجه الصناعة في العراق
----------------------------------------
تعاني الصناعات وخاصة التحويلية في العراق كثيرًا من المشاكل ، والمعوقات التي سببت انخفاضًا شديدًا في الأداء الاقتصادي من أبرزها :توقف معظم الخطوط الإنتاجية، وتقادم التكنولوجيا المستخدمة فيها، وتدمير البنى التحتية لهذه الصناعة مثل ((الكهرباء ، والماء ، ووسائل النقل والمواصلات وغيرها))، وضعف السوق المحلية ، وتدهور الوضع المعاشي للمستهلكين ، واتباع سياسة الإغراق السلعي، فضلا عن المشاكل التحويلية جراء عدم توفر الثقة المطلوبة لدى المصارف التجارية بسبب الخسائر التي تتعرض لها هذه الصناعة ، وانخفاض أدائها الاقتصادي، وعدم توفر بيئة سياسية ، مستقرة، فضلاً عن المشاكل التي تتعلق بالقوانين، والتشريعات، وعدم وجود رؤية استراتيجية خاصة بالتنمية الصناعية تتلاءم مع الواقع الصناعي في العراق(3).
كيفية تحسين الصناعة في العراق
---------------------------------
إن تحقيق استراتيجية تنموية، صناعية تحتاج إلى سياسات أخرى في المجال الفني، والتكنولوجي بغية أن تكون متكاملة، وتؤدي الدور المطلوب كما يأتي: (4)
1.وضع استراتيجية محددة وواضحة لنقل التكنولوجيا، وتطويرها في العراق، والاستفادة من التجارب الماضية للبلدان النامية، أو المتقدمة، إذ يجب أن تتناسب هذه الاستراتيجية مع استراتيجية التنمية الاقتصادية، والصناعية، وأن تتوافق مع ظروف البيئة في العراق، فضلاً عن دراسة أفضل البدائل المتاحة عند اختيار التكنولوجيا، بحيث يتم إحضار أفضل أنواع التكنولوجيا كما يجب أن تتضمن عقود الشراء، والتدريب الكامل للكادر الوطني على التشغيل، والصيانة، والمشاركة الفعلية في نصب المعدات.
2.توفير ورش للصيانة، ومعدات لتصنيع قطع الغيار محليًا، وتشجيع الكادر المحلي على القيام بمثل هذه الأعمال، وتطويرها.
3.تشجيع استقدام التكنولوجيا المتطورة إلى العراق يمنح الحوافز المادية وغيرها للقطاع الخاص ومن المستثمرين على جلب هذه التكنولوجيا من مناشئ متعددة.
4.ربط التعليم بكافة أشكاله بما فيه المهني، والفني، والجامعي بالتكنولوجيا التقنية وبما يخدم الواقع العلمي، والتنمية الشاملة.
5.إنشاء مراكز للأبحاث الصناعية، ووحدات للأبحاث، والدراسات في المنشآت الصناعية الهامة، ترتبط بمركز الأبحاث يكون مهمتها دراسة كافة المشكلات الفنية، والتكنولوجية، والعمل على حلها، فضلا عن العمل على تطوير المنشآت الصناعية بتطوير تكنولوجيا الإنتاج.
6.تشجيع روح الابتكار، والاختراع، والنشر، والعمل على قيام الجهات المختصة بالإعلان عن الحوافز المغرية لمن يقدم اختراعًا، أو ابتكارًا، أو تطويرًا، أو اكتشافًا جديدًا.
7.الاهتمام بالرقابة على المواصفات، والمقاييس باعتبارها الجهة العلمية المختصة في مجال فحص الجودة، والمواصفات للمنتجات المصنعة محليًا، والمستوردة، لكونها سوف تساهم بتجديد التكنولوجيا، والتقنية المطلوبة لتصنيع السلع طبقًا للمعايير، والمواصفات المطلوبة.
مستقبل الصناعة في العراق
---------------------------
إن استشراف صورة المستقبل للصناعة العراقية تحتاج إلى بناء سيناريوهين لهذا الأمر الأول يرجح تقدم الصناعة في العراق، والثاني يطرح بقاء تأخر الصناعة في العراق وسيتم تناولهما كما يأتي:
1.سيناريو تقدم الصناعة في العراق:
-----------------------------------
يبدو أن هذا السيناريو لم يكتب له الولادة بعد 2003م، بسبب تداعيات الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث انهارت، وتوقفت جميع، أو معظم المصانع عن العمل، والإنتاج، فالمصانع التي استطاعت معالجة أوضاعها، ومعاودة النشاط، فإنها تعاني من ظروف، ومشكلات عديدة مثل انعدام الخدمات الأساسية، وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية، ومستلزمات الإنتاج، وارتفاع تكاليف الأوضاع، وخاصة أجور النقل، وأجور العمل وغيرها من الأمور التي ليست في صالح النشاط الإنتاجي (5).
2.سيناريو بقاء تأخر الصناعة في العراق:
----------------------------------------
إن بقاء انفتاح السوق العراقية على مصراعيها بشكل فوضوي، وغير مسؤول لكل أنواع السلع، ودون ضوابط، أو فرض الرسوم الجمركية، أو رقابة على الجودة، والنوعية ، وأسعار متدنية، وذلك منذ الغزو الأمريكي، والاحتلال، مما أدى إلى توقف العديد من المصانع عن الإنتاج لعدم قدرتها على المنافسة، وتصريف إنتاجها. إن معظم السلع الداخلة إلى السوق العراقية، رديئة النوعية، وتباع بأسعار متدنية، ربما دون مستوى تكلفة إنتاجها في بلدانها الأصلية، مما يثير الشكوك حول وجود حالة الإغراق في ضوء حالة غياب السياسات الاقتصادية، والرقابة ، والمتابعة، وغياب أية رؤية اقتصادية، واستراتيجية تنموية (6).وبهذا سيكون هذا السيناريو حاضرًا في المستقبل القريب على أقل تقدير.