array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 148

العلاقات الأمريكية - السعودية: مصالح استراتيجية تتجاوز الاختلافات الأيديولوجية

الأربعاء، 29 نيسان/أبريل 2020

يعتبر لقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت في فبراير 1945م، حجر الأساس للعلاقات الأمريكية – السعودية، كان الرئيس قادمًا من يالطا بعد اجتماعه بالزعيم السوفيتي ستالين ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل، كان الثلاثة قد اجتمعوا لوضع نظام دولي جديد ولتقسيم مناطق النفوذ بعد أنتصارهم على دول المحور في الحرب العالمية الثانية. خرجت بريطانيا منهكة من الحرب العالمية الثانية وكذلك فرنسا التي كانت القوات الألمانية احتلتها، وأصبحت الولايات المتحدة تتصدر العالم الغربي وخرجت من سياسة العزلة لتحل محل الامبراطورية البريطانية وفرنسا وتقود العالم الرأسمالي؟

كان الرئيس روزفلت حالة استثنائية في تاريخ الولايات المتحدة، فقد كان في ولايته الرابعة، وكان الرجل مقعدًا ومريضًا، وبعد اجتماع يالطا توجه للقاء الملك المؤسس عبد العزيز الذي كان يعرف بأسد الجزيرة بعد توحيد المملكة، ولقاء الملك فاروق ملك مصر والأمبراطور هيلاسيلاسي أمبراطور الحبشة (أثيوبيا)، وكان اللقاء على السفينة الأمريكية كوينسي، وكان تشرشل أيضًا توجه للقاء ملك مصر في القاهرة والملك عبدالعزيز أيضًا، وكانت الشركة البريطانية بريتش بتروليم تسيطر على بترول إيران وتنقب أيضًا في العراق، وكانت مترددة عن التنقيب في السعودية، وقامت الشركات الأمريكية بالتنقيب على البترول واستخراجه وتسويقه وكان بكميات ضخمة احتياطًا وإنتاجًا، ومع اكتشاف البترول تعززت الأهمية الاستراتيجية للمملكة، فالعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية هي الأساس في العلاقات رغم الاختلافات الأيديولوجية، فالمملكة يقوم نظامها على العقيدة الإسلامية والولايات المتحدة دولة رأسمالية مسيحية الديانة، وكلتاهما السعودية والولايات المتحدة ضد الشيوعية؟ وتلعب الشركات الكبرى العملاقة دورًا مهمًا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها المعاصر لتأثيرها على النخبة السياسية الحاكمة؟

الملك عبدالعزيز يرفض المشروع الصهيوني

كانت بريطانيا قد نقلت القضية الفلسطينية للأمم المتحدة، وأعلنت نيتها الخروج من فلسطين، بعد فترة انتدابها بعد الحرب العالمية الأولى إثر وعد بلفور 1917م، وساعدت أثناء الانتداب على فتح باب الهجرة لليهود ومكنت الحركة الصهيونية على التسلح وبناء القوة العسكرية وجعلت من الحركة الصهيونية كدولة داخل فلسطين في الوقت الذي  كانت تطارد العرب أهل فلسطين وتجردهم من السلاح ومنع تطوير قدرتهم، فبريطانيا الدولة الرئيسة في تحقيق المشروع الصهيوني، وعندما نقلتها للأمم المتحدة دفعت الولايات المتحدة لتبني المشروع الصهيوني في الأمم المتحدة من أجل إنشاء الدولة اليهودية، ويؤكد بروس ريدل  في كتابه الملوك والرؤساء Kings and Presidents (2017)، معتمدًا على الوثائق الأمريكية، أن الملك عبدالعزيز رفض رفضًا قاطعًا إقامة دولة يهودية في فلسطين واقترح على روزفلت أن يعود اليهود إلى الدول التي جاؤوا منها وإن ألمانيا النازية مسؤولة عن مشكلتهم وليس العرب، وأخذ الملك وعدًا من الرئيس روزفلت أن إدارته لن تساعد اليهود على حساب العرب، ولن تتخذ  قرارًا بشأن اليهود إلا بالتشاور مع الجانب العربي وأكد ذلك في رسالة له بعثها إلى الملك عبد العزيز، ولكن روزفلت توفي بعد أسبوع من رسالته، و تخلى الرئيس ترومان عن وعد روزفلت وتبنى المشروع الصهيوني وأيد قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947م، وكان للوبي اليهودي تأثير عليه، وهو في عام الانتخابات، علمًا بأن المؤسسات الأمريكية: الاستخبارات ووزارة الدفاع والخارجية وهيئة الأركان المشتركة نصحت ترومان بعدم تبني المشروع الصهيوني وإقامة الدولة اليهودية لأن الشرق الأوسط لن يشهد استقرارا في حالة قيام الدولة اليهودية وهو ما حدث فعليًا كما يؤكده تاريخ  الصراع العربي –الصهيوني حتى الآن.

الحرب الباردة: مواجهة الشيوعية

تميزت السياسة الخارجية السعودية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورفض الدخول في الأحلاف العسكرية، فقد تبنت الولايات المتحدة إقامة الأحلاف العسكرية وكانت مراقبًا في حلف بغداد ( الحلف المركزي)، الذي شكلته بريطانيا والعراق وتركيا وإيران وباكستان ، كما شكلت واشنطن حلف جنوب شرق آسيا (السيتو) ضمن ما عرف بسياسة الاحتواء للاتحاد السوفيتي، ولكن المملكة رفضت دخول حلف بغداد، وخرجت العراق منه بعد انقلاب 1958م، وكانت كل من مصر والسعودية ضد الحلف وعلاقتهما إيجابية مع الولايات المتحدة ، وأدانت الولايات المتحدة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، الذي قامت به إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، وكان للضغط الأمريكي في عهد الرئيس أيزنهاور دورًا مهمًا في انسحاب إسرائيل من سيناء وفشل العدوان على مصر ، وتعززت العلاقة الأمريكية ـ السعودية في هذه الفترة في عهد أيزنهاور . ورغم أن الاتحاد السوفيتي أول دولة تقيم علاقات دبلوماسية مع السعودية عام 1926م، إلا أن العلاقات السعودية ــ السوفيتية جمدت بعد 1932م، لموقف المملكة ضد الشيوعية وسياسية الاتحاد السوفيتي من الحرية الدينية واضطهاد المسلمين، فقد قام ستالين بتهجير المسلمين التتار من القرم إلى سيبيريا، والمملكة بصفتها رائدة العالم الإسلامي وراعية الحرمين الشريفين كانت ضد السياسة السوفيتية ولم تستأنف العلاقات الدبلوماسية إلا عام 1990م، بعد انهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية، وقد اقتربت السياسة الأمريكية خلال الحرب الباردة من السياسة السعودية في مواجهة المد الشيوعي.

الولايات المتحدة ودور الوساطة في حرب اليمن 1962

وعندما حدث انقلاب عبدالله السلال في اليمن في سبتمبر 1962م، ولجأ الإمام البدر للمملكة العربية السعودية، وحصلت المواجهة العسكرية بين مؤيدي الانقلاب في صنعاء ومؤيدي الإمام البدر، فقد وقفت السعودية إلى جانب الإمام الذي لجأ إليها، وكانت بريطانيا قد وقفت إلى جانب الإمام البدر بسبب وجودها في عدن وخوفًا على نفوذها في اليمن الجنوبي، وعلى خلاف الموقف السعودي فقد اعترفت إدارة الرئيس الأمريكي جون كينيدي بالنظام الجمهوري باليمن 19 ديسمبر 1962م، أي بعد ثلاثة أشهر من الانقلاب، وحاولت لعب دور الوسيط  إلا أن الوساطة توقفت بعد إغتيال الرئيس كينيدي 22 نوفمبر 1963م، ورغم الخلافات السياسية والموقف من أزمة اليمن فكانت العلاقات الاقتصادية والتعاون الاستراتيجي بين البلدين متميزة، ولكن الخلافات السياسية استمرت في عهد الرئيس جونسون بسبب موقفه من إسرائيل في حرب يونيو 1967م ـ فقد كان جونسون منحازًا بكل قوة إلى جانب إسرائيل وإعطاء إدارته الضوء الأخضر لها للهجوم على مصر وسوريا والأردن، وكان الملك فيصل يطالب الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وإثر حادثة إحراق المسجد الأقصى أغسطس 1969م، حشد الملك فيصل الدول الإسلامية للضغط على الولايات المتحدة من أجل الانسحاب الإسرائيلي وتشكلت إثر ذلك، منظمة المؤتمر الإسلامي ؛ منظمة التعاون الإسلامي حاليًا؟

حرب أكتوبر 1973 واتخاذ البترول سلاحًا ومبدأ نيكسون

تبنت إدارة الرئيس الأمريكي نيكسون بعد انسحابها من فيتنام مبدأ الاعتماد على الدول الإقليمية وعدم التدخل المباشر لتحقيق مصالحها، وكانت بريطانيا قد أعلنت انسحابها من منطقة الخليج بعد استقلال اليمن الجنوبي 1967م، ودول الخليج العربي قطر والبحرين والإمارات العربية عام 1971م، مما ترك فراغًا استراتيجيًا في منطقة الخليج العربي، حاولت إدارة نيكسون الاعتماد على علاقاتها بكل من إيران والسعودية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة Twin Pillars، ولكن وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر كان ميالاً لإيران الشاه لأنها اعترفت بإسرائيل وأمدتها بالبترول وتعاون جهاز السافاك الإيراني والموساد الإسرائيلي في دعم التمرد الكردي في شمال العراق ودعم جماعة مصطفى البرزاني بالسلاح، ومن هنا كان الخلاف السعودي الأمريكي، حيث كانت السعودية مع وحدة العراق وضد التدخل في شؤونه الداخلية، وطالبت إدارة نيكسون بتنفيذ إسرائيل قرارات مجلس الأمن الدولي والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وكانت للقدس مكانة خاصة عند الملك فيصل بن عبد العزيز ، وعندما نشبت حرب أكتوبر 1973م، استعملت السعودية سلاح البترول من أجل الحقوق العربية للضغط على الدول المؤيدة لإسرائيل هولندا والولايات المتحدة، واستغل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر انشغال الرئيس نيكسون بفضيحة ووترجيت واستقالة الرئيس نيكسون 1974م، بالتهديد باحتلال أبار البترول، وتوترت العلاقة في تلك الفترة رغم تولي فورد رئاسة الولايات المتحدة بعد نيكسون، ولكن العلاقات الأمريكية السعودية عادت لعصرها الذهبي في عهد الرئيس ريغان بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان وسقوط الشاه.

      التعاون الاستراتيجي السعودي ــ الأمريكي وسقوط الاتحاد السوفيتي

تأثرت العلاقات السعودية ــ الأمريكية خلال سبعة عقود بالتطورات في النظام الإقليمي والدولي، فكان للتدخل السوفيتي في أفغانستان أثر على علاقة البلدين، فتم التعاون بينهما على دعم الشعب الأفغاني، واستمر هذا الدعم لمدة ثماني سنوات فترة الاحتلال السوفيتي حتى انسحابه  عام 1988م، دعمت السعودية المتطوعين من البلدان الإسلامية، كما أن الاستخبارات الأمريكية CIA وبالتعاون مع الحكومة الباكستانية قامت بتدريب الأفغان في مراكز تدريب بالمناطق الباكستانية التي استقبلت اللاجئين الأفغان وفقًا لاستراتيجية بريجينسكي الإسلام ضد الشيوعية، وبالتالي أسهم التعاون السعودي ــ الأمريكي في أفغانستان في استنزاف الاقتصاد السوفيتي وانهياره بعد ثلاثة سنوات من انسحابه.

إن سقوط الشاه واعلان الجمهورية الإسلامية والتدخل السوفيتي بأفغانستان أدى لتحول في الاستراتيجية الأمريكية، فأعلن مبدأ كارتر يناير 1980م، وتشكيل قوات التدخل السريعRDF التي تحولت فيما بعد إلى القيادة المركزية للشرق الأوسط USCECOM ، وهو يعني التدخل العسكري الأمريكي المباشر في حالة تهديد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، كتهديد خطوط نقل البترول أو تهديد الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، ووقفت السعودية مع العراق في الحرب العراقية الإيرانية عندما أعلن الخميني تصدير الثورة للدول المجاورة، وكان تردد كارتر في دعم الشاه وتنكرها له خاصة عندما طلب العلاج في الولايات المتحدة بسبب إصابته بالسرطان مثار قلق، وهو يعكس عدم المصداقية للولايات المتحدة في دعم حلفائها؟

واختلفت السياسة السعودية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول اتفاقية كامب ديفيد، فقد عارضت السعودية زيارة السادات للقدس واعتبرتها خروجًا على إجماع قمة الخرطوم عام 1967م، بعد العدوان الإسرائيلي ما عرف بقمة اللاآت الثلاثة، وأن إدارة كارتر تهدف إلى تفرقة الصف العربي وتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية خاصة أن زبجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد كارتر أعلن في تصريح صحفي له " وداعًا منظمة التحرير"؟

وتعززت العلاقة السعودية ـ الأمريكية في عهد الرئيس ريغان (1981-1989)،  فقد أعلن ريغان موقفا واضحا في مواجهة الاتحاد السوفيتي ووصفه " أمبراطورية الشر"، ودعم المجاهدين الأفغان واستقبلهم في البيت الأبيض وعلى رأسهم حكمتيار ، ورغم تعزيز العلاقات ودور سفير المملكة وعلاقاته المتشعبة مع المؤسسات الأمريكية، الأمير بندر بن سلطان، فقد شاب هذه العلاقات الخلافات السياسية خاصة بعد إيران جيت 1985م، و ازدواجية السياسة الأمريكية بدعم إيران بالسلاح مما دفع السعودية لشراء صواريخ ريح الشرق من الصين، فقد زودت إسرائيل إيران بقطع الغيار الأمريكية، وكانت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق روبرت مكفارلين سرًا إلى طهران، وتزود العراق بالمعلومات الاستخبارية، ورغم انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة القرن الإفريقي والأسطول الأمريكي الخامس في البحرين فقد رفضت السعودية وجود قواعد عسكرية على أراضيها حتى الاحتلال العراقي للكويت 1990م، وحتى قاعدة الظهران الجوية التي استعملتها القوات الأمريكية منذ 1945م، حتى 1962م،  تم إخلائها وحول اسمها إلى قاعدة الملك عبد العزيز الجوية.

الاحتلال العراقي للكويت والتعاون العسكري والسياسي 1990-1991

كن احتلال العراق للكويت مفاجأة للقيادة السعودية حيث سعدت بالوساطة بين العراق والكويت، وكان الملك فهد يسعى للتقريب بينهما عندما التقى نائب الرئيس العراقي عزت إبراهيم مع الشيخ سعد العبدالله رئيس وزراء الكويت في جدة، وقد سعت مصر والسعودية للتسوية بين البلدين، ولكن احتلال دولة عربية من أخرى سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات العربية، ويذكر بوب وودورد في كتابه القادة أن القيادة السعودية كانت مترددة  في استقبال القوات الأمريكية على أراضيها وحتى عندما قبلت كان بشرط خروجها بعد مهمتها، ودخلت ضمن التحالف الذي تزعمته الولايات المتحدة قوات مصرية وسورية، وكان الاحتلال علامة فاصلة في العلاقات العربية –العربية وعدم الثقة بينها، فالسعودية دعمت العراق في حربه مع إيران فهو دولة عربية والبوابة الشرقية ضد إيران، ولكن احتلال العراق للكويت قلب المعادلة الاستراتيجية، فأصيح التهديد من داخل النظام الإقليمي العربي.

تميزت إدارة الرئيس بوش الأب بعلاقة جيدة مع السعودية خاصة أن عائلة بوش جاءت من خلفية عائلة استثمارات لشركات بترولية وكان السفير السعودي يحظى بمعاملة خاصة بادارة بوش تبين مدى العلاقات بين البلدين، وكانت السعودية قد ضغطت لحل القضية الفلسطينية وكان وعد بوش الأب  للملك فهد أنه بعد تحرير الكويت سيعطي دفعة قوية لعقد مؤتمر دولي لإحلال السلام في الشرق الأوسط، وعقد مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991م، برعاية الرئيس بوش والرئيس السوفيتي جورباتشوف وضغط بوش على إسرائيل لوقف المستوطنات، وحصلت إسرائيل على عشرة مليارات لتشجيعها لحضور المؤتمر وتوطين المهاجرين من الاتحاد السوفيتي، ولذلك عندما ترشح بوش الاب لفترة رئاسية ثانية ذهبت 80% من أصوات اليهود الأمريكيين للمرشح الديمقراطي بل كلنتون.

العلاقات في ظل نظام دولي جديد: القضية الفلسطينية وإيران ومقاومة الإرهاب

جاء انتخاب بل كلنتون في ظل نظام دولي جديد، انهيار الاتحاد السوفيتي فلم تعد الشيوعية خطرًا يجمع السعودية والولايات المتحدة، فأولوية كلنتون كان الاقتصاد الأمريكي والصراع العربي الإسرائيلي ومقاومة الإرهاب، كما حاولت إدارة كلنتون فتح قنوات مع إيران وكان اسقاط النظام العراقي يمثل قلقا للولايات المتحدة، ولذلك لم تكن العلاقات في عهد كلنتون كما كانت في عهد بوش الأب، ولكن كانت واشنطن بحاجة للدعم السعودي وصفقات السلاح، وعندما عقدت محادثات كامب ديفيد عام 2000م، بين منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء إيهود باراك، دعمت السعودية الموقف الفلسطيني بقوة ، وعندما فشلت المفاوضات بسبب الموقف الإسرائيلي ونشبت انتفاضة القدس عام 2000م، أدانت السعودية اجتياح شارون للمسجد الاقصى وطالبت من إدارة كلنتون الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها.

شاركت السعودية في محاربة الإرهاب التي هي ضحية له، وعندما وصلت إدارة جورج بوش الابن للبيت الأبيض عام 2001م، وضمت الادارة عددًا من رجال جورج بوش الأب والذين لهم علاقة مع السعودية مثل ديك تشيتي الذي أصبح نائبًا للرئيس وكولن بول الذي أصبح وزيرًا للخارجية، كان متوقعًا أن تعود العلاقات السعودية ــ الأمريكية إلى عهدها في عهد بوش الأب من التعاون الوثيق في القضايا الاستراتيجية والسياسية، ولكن موقف إدارة بوش الابن من تأييد إسرائيل وتجاهل الحقوق الفلسطينية لدرجة رفض ولي العهد السعودي  ـ الملك فيما بعد ـ  عبد الله بن عبدالعزيز زيارة واشنطن، وقدمت السعودية في القمة العربية في بيروت 2002م، ما عرفت بالمبادرة العربية لحل الصراع العربي الإسرائيلي ورفضتها إسرائيل، فالقضية الفلسطينية عامل مهم في العلاقات السعودية ــ الأمريكية .

وإثر أحداث 11 سبتمبر 2001م، توترت العلاقات الأمريكية السعودية، ولكن تم تجاوز هذه الأزمة لأن مصالح الولايات المتحدة فرضت التعاون مع المملكة سواء لمواجهة إيران أو النظام العراقي التي اتخذت إدارة بوش موقفًا لإسقاطه منذ بداية عهدها بالإضافة لأهمية السعودية للاقتصاد الأمريكي، وعندما احتلت الولايات المتحدة العراق عام 2003م، نبهت السعودية لخطورة الاحتلال على أمن المنطقة وعدم استقرارها وفتح ملف الطائفية والعرقية وقد يؤدي إلى تقسيم العراق، ولكن الاتجاه المحافظ الذي سيطر على إدارة بوش واللوبي المؤيد لإسرائيل تجاهلت النصائح السعودية، وبالفعل تورطت إدارة بوش في العراق وقدمت كل من أفغانستان والعراق على طبق من ذهب لإيران، بل وضعت واشنطن دستورًا طائفيًا وسلمت المعارضة الشيعية الموالية لإيران الحكم في العراق وهمشت السنة، بل أكثر خطورة حل الجيش العراقي وصدور قانون اجتثاث البعث الذي استغل هذا الشعار لاضطهاد السنة في العراق، مما أدى إلى برود في العلاقات الأمريكية ــ السعودية، وظهرت المقاومة العراقية ضد الاحتلال واستنزفت القوات الأمريكية في العراق وكلفت الاقتصاد الأمريكي مما جعل الانسحاب  شعار حملة أوباما الانتخابية عودة  القوات الأمريكية من العراق ؟

وجاءت إدارة أوباما التي أخذت موقفًا سلبيًا من قضايا المنطقة، ولكنها شجعت ما عرف بالربيع العربي الذي شهدته المنطقة منذ عام 2011 م، وفتح أوباما قنوات مع إيران مما مهد للاتفاق حول المفاعل النووي الإيراني ضمن اتفاقية 5+1، وتجاهل الرئيس أوباما اضطهاد النظام السوري للشعب السوري، فتوترت العلاقات  في عهد أوباما علمًا بأن السعودية تعاونت مع الولايات المتحدة في محاربة تنظيم داعش، إلا أن إعلان إدارة أوباما توجه واشنطن للمحور الآسيوي لأهميته للاقتصاد الأمريكي وترك دول المنطقة لحل مشاكلها بنفسها مما  أدى إلى التدخل الروسي لصالح النظام السوري، بل شجع أوباما الدور الروسي بعد اجتماعه بالرئيس الروسي بوتين على اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2015م، وشهدت فترة إدارة أوباما عدم استقرار بالمنطقة وسقوط بعض الأنظمة، ورغم زيارة أوباما للمملكة إلا أن سياسته كانت مثار قلق للسعودية.

ترويض ترامب

قامت حملة الرئيس ترامب على مهاجمة سياسة أوباما والاتفاق حول المفاعل النووي الإيراني،  وشن حملة كراهية ضد المسلمين، فحملته كانت عنصرية خاطبت الطبقة الوسطى من الأمريكيين البيض، وترامب تاجر عقارات قليل الخبرة السياسية، ولكنه يؤمن بالصفقات التجارية وهذه رؤيته للعمل السياسي، واستطاعت السعودية ترويض ترامب حتى استطاعت أن تكون أول زيارة له للخارج للسعودية وهي سابقة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين الذين كانت زيارتهم إما إلى كندا أو الدول الأمريكية أو أوروبا، وحظي خلال زيارته بالاحتفال والحفاوة التي لعبت على الوتر الحساس لترامب الجانب النفسي والصفقات التجارية التي أغلبها وهمية،  موجهة للرأي العام الأمريكي التي يشكك في شرعية انتخاب الرئيس بالتدخل الروسي لصالحه، ويقول بروس ريدل Bruce Reidel رجل الاستخبارات الأمريكية السابق والذي عمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي، إن إعلان ترامب عن صفقات الأسلحة بالمليارات، في الواقع، لم يتم شرائها عقود غير فعلية، وأنه متزلف ومتملق، أكثر مما هو دبلوماسي، وإن انسحابه من اتفاقية المفاعل النووي لم تجد تأييدًا من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وما تريده المملكة عدم تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول، وإقامة علاقات تعاون والاحترام المتبادل، ولذلك لم تكن السعودية مؤيدة للتصعيد في المنطقة بل مع الحلول السياسية لمشاكل المنطقة، والواقع أن ترامب لم يغير كثيرًا من سياسة أوباما رغم انسحابه من الاتفاقية المتعلقة بالمفاعل النووي، ولم يتدخل في سوريا سوى إعلانه السيطرة على مناطق النفط في سوريا لاستغلالها لصالح الشركات الأمريكية وفي ظل مشاكل ترامب الداخلية لا يؤخذ في تصريحاته مأخذ الجد، لتقلبه في آرائه وتراجع تأييده في الداخل الأمريكي وتكرر الاستقالات في إدارته، وتبقى السعودية حذرة في تعاملها معه كرجل صفقات يرسل الرسائل المتكررة لصفقات سياسية مع إيران لتسويقها للرأي العام الأمريكي كإنجاز له .

مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية

أثرت التحولات في النظام الدولي والإقليمي على العلاقات السعودية ــ الأمريكية، فالبترول لم يعد حيويًا للولايات المتحدة كما كان في بداية الحرب الباردة، فأصبح لديها الاكتفاء الذاتي وزيادة بالإنتاج باستغلال الزيت الصخري أيضًا، وقد تنسق الرياض وواشنطن في استعمال البترول كورقة في السياسة الدولية والاقليمية كما في حالة روسيا وإيران، كما أن العدو المشترك الشيوعية اختفى من المشهد السياسي العالمي، ولذلك كان لا بد من عدو مشترك جديد، إن وجد، ولا زالت القضية الفلسطينية مثار الخلافات بين واشنطن والرياض فعندما أعلن ترامب ما يعرف بصفقة القرن، كان الملك سلمان سباقًا للتأكيد للرئيس الفلسطيني أن المملكة تدعم الموقف الفلسطيني وترفض نقل السفارة الأمريكية للقدس أو أن تكون عاصمة للدولة اليهودية.

وخلال العقود الماضية تأثرت العلاقات بينهما، بشخصية الرؤساء والملوك، فالشخصية عامل مؤثر في السياسة الخارجية في كلتا الدولتين، ورغم أن الولايات المتحدة يتميز قرارها بالتعقيد في ظل تعدد المؤسسات التي تسهم في اتخاذ القرار إلا أن شخصية الرئيس أحيانًا تتجاوز ذلك كما هو في حال شخصية ترامب حاليًا؟ ولذا يبقى السؤال من هو الرئيس القادم في البيت الأبيض؟

إن السعودية دولة محورية ولها تأثير في الاقتصاد العالمي وعضو في مجوعة العشرين، مع التحول السياسي إقليميًا وحتى داخل مجلس التعاون الخليجي قد يؤثر على علاقاتها مع واشنطن، فكانت دول المجلس تمر في علاقاتها مع واشنطن عبر الرياض، ولكن أقامت بعض دول المجلس علاقات مباشرة مع واشنطن وسمحت بوجود القواعد العسكرية حتى أنها تتكلف بنفقات هذه القواعد، إلا أن للسعودية دورًا إقليميًا، وهي دولة رائدة في العالم الإسلامي ولها ثقلها بوجود الحرمين الشريفين، وخلال زيارة ترامب  للرياض  في مايو  2017م، استطاعت الرياض أن تجمع ثلاث قمم في آن  واحد: القمة الخليجية الأمريكية والقمة العربية الأمريكية والقمة الإسلامية الأمريكية وهذا الحشد يبين الثقل السعودي ولكن هل يستمر هذا الثقل في المستقبل في ظل المتغيرات المتسارعة.

إن تماسك السعودية داخليًا وتصفير مشكلاتها الإقليمية وكسب الرأي العام الإسلامي يعزز موقفها في علاقاتها مع الولايات المتحدة مستقبلاً، إن إيران كما قال وليم كوانت مرة تبقى في العقل الأمريكي، وطرقت الإدارات الأمريكية المتعاقبة الباب الإيراني للتطبيع وتمت صفقات في الخفاء، فعودة العلاقات مع إيران ضمن التعاون وتبادل المصالح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ورقة مهمة لأن واشنطن تستعمل بقصد الورقة الإيرانية، كما أن الدول الإقليمية الكبرى الإسلامية السنية مهمة فتطبيع العلاقات مع هذه الأطراف ضروري لمصلحة المنطقة، كما أن حشد الرأي العام العربي من خلال القوة الناعمة يدعم الموقف السعودي، وإذا كان العقدين الماضيين "الحقبة الخليجية" في ظل غياب دول رئيسة في النظام الإقليمي العربي كسوريا ومصر والعراق، ففي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية فإن هذا الغياب لن يكون طويلاً، وكان محور الرياض –دمشق- القاهرة، عامل قوة لعلاقة الرياض وواشنطن، ولكن لن تكون العلاقات السعودية ـ الأمريكية كما كانت في الحرب الباردة، لكن تبقى مرهونة بالقيادات القادمة في البلدين وكيفية إدارتها للمصالح المتبادلة على المستوى الدولي والإقليمي وستبقى السعودية مهمة للولايات المتحدة في المستقبل مهما كانت الأحوال.

مجلة آراء حول الخليج