array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 150

3 مبادئ إرشادية ينبغي الالتزام بها خلال مواجهة الأزمة و 3 أهداف تتعلق بالعرض

الثلاثاء، 23 حزيران/يونيو 2020

أطلقت جائحة فيروس كورونا المستجد العنان لمجموعة كبيرة من المعلومات (بعضها خاطئ) وكم هائل من الآراء (الكثير منها لا يقوم على أساس سليم)، مما خلق حالة من عدم اليقين، وجعل معظمنا مشتتين بسبب المعاناة اليومية، لكن لا تزال هناك فرصة للمراجعة ورؤية الأمور من زاوية أوسع لإلقاء نظرة واضحة ومنهجية على كيفية اتخاذ القرارات الاقتصادية في ضوء الجهود المبذولة لاحتواء الفيروس وفي نفس الوقت معالجة تعطل الاقتصاد، وعدم السماح للشركات بالفشل أو فقد الوظائف لفترة طويلة.

 

ورغم الخصوصية التي تعيشها كل دولة على حده، إلا أنه لا يزال هناك إجماعًا على مراحل المواجهة في ظل اقتصاد الوباء، والتي تتمثل في الاحتواء، في إعادة النشاط ، والانتعاش والتحسين، أو كما أشار الاقتصادي جوشوا جانز في كتابه عن الاقتصاد في عصر الوباء، حيث حدد مراحل اقتصاد الوباء، من الاحتواء إلى إعادة التوطين ثم إلى الانتعاش والتعزيز.

 

لم تكن المسألة سهلة أمام متخذي القرارات في ظل مقايضة حتمية بين المحافظة على الصحة العامة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، لكن بعض التجارب التاريخية أوضحت أن الاحتواء يمنحنا الفرصة للاستمرار قدمًا اعتمادًا على السياسات الاقتصادية التي تساعد على الانتعاش الاقتصادي، وتقلل من صعوبة المقابلة بين تحمل الخسائر الاقتصادية خلال الوباء بسبب الإجراءات الاحترازية، وبين استعادة النمو والتخلي عن حالة الركود.

 

وقد اتخذت دول مجلس التعاون تدابير سريعة وواسعة النطاق في مواجهة جائحة كوفيد 19 وعمدت إلى تدعيم قدرات الأفراد وقطاعات الأعمال على التعامل مع الجائحة وتبعاتها، كما من خلال تعزيز جهود مكافحة انتشار الفيروس، وتدعيم نظم الرعاية الصحية العامة، ومساعدة مؤسسات الأعمال في القطاع الخاص على مواصلة عملياتها والحفاظ على موظفيها، وتوفير الحد الأدنى من الدخل اللازم للأفراد والعائلات الذين فقدوا مصادر دخولهم مؤقتًا.

كما سارعت دول مجلس التعاون إلى تقوية أنظمتها وقدرتها على التكيف مع الأزمة وتداعيتها، للحفاظ على ما تحقق من مكتسبات التنمية التي تحققت في السنوات الأخيرة، وتمكين الاقتصاد وقطاعاته الأساسية من الأفراد والعائلات والأعمال من البقاء استعدادًا لعودة النشاط.

جائحة فيروس كورونا تطال أسواق النفط

مع قيام الحكومات في شتى أنحاء العالم بفرض حالة الطوارئ الصحية الناجمة عن جائحة فيروس كورونا، تأثرت كافة الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية تقريبًا، وأدت إلى تداعيات فورية على أسواق السلع الأولية في العالم، وعلى رأسها النفط والغاز، ومن المرجح أن تستمر في التأثير عليها لعدة أشهر قادمة.

وقد أثَرت جائحة كوروناعلى الطلب والمعروض من السلع الأولية في آن واحد، من جراء الإغلاقات وتعطل سلاسل التوريد، والتداعيات غير المباشرة الناجمة عن توقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية، وكانت الآثار والتداعيات بالفعل بالغة الشدة، لاسيما على السلع الأولية المتصلة بقطاع النقل، والطاقة.

وتحت تأثير ما كان يعتري سوق النفط من اضطرابات قبيل الأزمة، فقد تدهورت أسعار النفط بشدة، جراء التناقص الحاد في الطلب العالمي، ومع تراجع معدلات النمو وتوقف الكثير من الأنشطة في الدول المتقدمة والناشئة والنامية على حد سواء، من المتوقع أن يتراجع الطلب عام 2020م، بمقدار لم يسبقه مثيل.

وكما تشير نشرة آفاق أسواق السلع الأولية في إصدارها الأخير فإن الجائحة قد أثَرت على الطلب والمعروض من السلع الأولية، وبشكل صادم، وتتجلَى تلك الآثار في صورة مباشرة بسبب الإغلاقات التي تستهدف الحد من تفشي الفيروس، وتعطل سلاسل التوريد، وأيضًا في صورة غير مباشرة، حيث تؤدي الاستجابة العالمية للجائحة إلى إبطاء وتيرة النمو الاقتصادي، والتي أفضت إلى ركود عالمي لم نشهده منذ عقود.

وقد كانت آثار الجائحة واضحة، لاسيما على السلع الأولية المتصلة بقطاع النقل والطاقة، فقد تراجعت أسعار النفط مع بدايات الأزمة في يناير 2020م، ووصلت إلى مستوى متدن تاريخيًا في أبريل من العام نفسه، وجرى تداول بعض الخامات القياسية عند مستويات أسعار سلبية، أواخر الشهر، كما حدث في الولايات المتحدة، ويعزى هذا التراجع إلى هبوط حاد للطلب، دعمته درجة عدم اليقين التي تحيط بمستويات الإنتاج لدى كبار منتجي النفط.

وبسبب الجهود الرامية للحد من تفشي الجائحة والتي قيَدت معظم أنشطة السياحة والسفر، من المتوقع أن يهبط الطلب على النفط، تقدره تقارير البنك الدولي بنحو 9.3 ملايين برميل يوميًا هذا العام عن مستواه في 2019م، الذي بلغ 100 مليون برميل يوميًا، ومن المتوقع أن تبلغ أسعار النفط في المتوسط 35 دولارا للبرميل في عام 2020م، وهي تقديرات بعيدة تمامًا عما كان متوقعًا في أكتوبر 2019 م، ومن ثم تراجعت توقعات الأسعار بنسبة 43% عن المتوسط العام الفائت التي بلغت 61 دولارًا للبرميل، وانهارت أيضًا أسعار المطاط الطبيعي والبلاتين اللذين يستخدمان على نطاق واسع في قطاع النقل والمواصلات، كما انخفضت أسعار الغاز الطبيعي انخفاضًا كبيرًا هذا العام.

ومما لا شك فيه أن الجهود التي بذلتها منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك + (ومنتجون أخرون) في الآونة الأخيرة مستهدفة تخفيض الإنتاج سيكون لها تأثير إيجابي في مواجهة هبوط الأسعارالمتوقع، وستساعد على تخفيف الضغوط على أسواق النفط، ومع ذلك لا تزال هناك مخاوف في الأجل الطويل مما ستحدثه هذه الأزمة من تأثيرات وردود أفعال قد تجهض هذه الجهود أو تؤدى إلى ظهور منتجين جدد، أو مصادر جديدة للطاقة، وتحسن متوقع في كفاءة استخدامها، وهو ما يجب التحسب له، والاستفادة من دروس الماضي.

الأثر في الأجل الطويل

يمكن القول أن التأثير النهائي للجائحة الحالية على أسواق النفط والغاز يتوقف على مدى انتشار الفيروس، وطول مدته، وكيفية استجابة البلدان والمجتمع الدولي في مواجهة الجائحة، من ناحية أخرى من المحتمل أن تؤدي هذه الجائحة إلى تغيرات دائمة في ظروف كل من الطلب والمعروض من النفط والغاز، خاصة ما قد تسفر عنه الجائحة من اتجاهات حمائية وتغيرات في السياسات الاقتصادية، وما ستحدثه من تطورات لسلاسل التوريد التي تنقل تلك السلع الأولية والمصنعة من المنتجين إلى المستهلكين في أنحاء العالم ، فضلاً عما قد تحدثه من تغيرات في أذواق المستهلكين ونمط المعيشة في جانب الطلب.

وبوجه عام، قد تؤدي تأثيرات جائحة فيروس كورونا على أسواق النفط والغاز إلى تغيرات أطول أمدًا، ومن المحتمل أن ترتفع تكاليف النقل بسبب المتطلبات الإضافية لعبور الحدود، وستؤثِر زيادة تكاليف التجارة على وجه الخصوص على النشطة الصناعية وعلى النشاط الزراعي والسلع الغذائية والمنسوجات، ومن المحتمل أن تؤثر قرارات تخزين سلع معينة على تدفق التجارة، وقد يكون لها تأثير على الأسعار العالمية للسلع الأولية وعلى رأسها النفط والغاز.

جائحة صحية فجرت أزمة اقتصادية

تعيش اقتصادات دول مجلس التعاون مثل بقية دول العالم حالة من الركود، الذي يختلف تمامًا عن تجارب الماضي، ويتطلب نهجًا متميزًا في التصدي له، حيث يتم تعليق الأنشطة بطريقة جبرية مؤقتًا، على أمل العودة للعمل في وقت لاحق لا تعرف السلطات على وجه اليقين مداه أو أجله، ومن ثم من غير المعروف على وجه الدقة، متى يمكن أن تعود الحياة إلى طبيعتها، فيزداد ضجر الأفراد والعائلات من طول فترة الاحتجاز، وفي الوقت نفسه لا يمكن ترك الشركات تفشل ويفقد الناس وظائفهم لفترات طويلة، وهو ما خلق مقابلة صعبة بين الحاجة إلى العزل، وفي نفس الوقت تزايد الحاجة إلى الدعم المالي والقروض - لمنع معاناة الناس، وانهيار الأعمال.

ورغم أن الحكومات تعد أكبر الخاسرين خلال هذه الأزمة بجانب العائلات وقطاعات الأعمال، لكنها تحملت مسؤولية قيادة سبل المواجهة، ومع توقع تراجع شديد في إيراداتها لكنها كانت ملزمة باتباع سياسات توسعية تزيد من المصروفات العامة، سواء بالنسبة لنفقاته أعلى الخدمات العامة، أو المصروفات التحويلية لدعم المتضررين من العائلات وقطاعات الأعمال والمشروعات الصغيرة، كما كانت ملزمة في الوقت نفسه بتخفيض معدلات الضرائب العامة.

ركزت دول المجلس جهودها في المرحلة الأولى على عملية احتواء الفيروس، ووقف انتشار الجائحة، بعدما تأكد تشخيص الوباء، وسعت من خلال العديد من الإجراءات الاحترازية لكبح جماح الفيروس، ومنعه من الانتشار مع الحفاظ على الموارد الاقتصادية والطاقات الإنتاجية.

وتشبه القرارات التي يتم تنفيذها حاليًا تلك التي تتخذها الحكومات خلال زمن الحرب، حيث انتهجت نوعًا من التخطيط المركزي الذي تلجأ إليه دول اقتصادات السوق مجبرة في زمن الحرب، من خلال تخصيص الموارد، حيث أخذت شكل عمليات مركزية تديرها السلطات الحكومية لتحسين قدرة نظام الرعاية الصحية، مع مراقبة دقيقة لضبط الأسعار، ووضع قيود شاملة على الحركة، مستهدفة إنقاذ الأرواح والحفاظ على الاقتصاد في نهاية المطاف.

وقد تطلبت هذه الإجراءات تكاليف ليست هينة، خاصة مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل وتعرض كثير من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمخاطر الإفلاس، نتيجة الإغلاق، وعمدت الحكومات إلى تدبير الموارد المالية اللازمة لتنفيذ السياسات الحكومية - المالية والنقدية - في ظل اضطرابات غير مسبوقة في أسواق النفط العالمية، أدت إلى تراجع في أسعاره، وهو المصدر الرئيسي للإيرادات العامة، وأثرت على هيكل الإنفاق الحكومي الذي لايزال في طليعة محركات النشاط الاقتصادي.

ورغم أن دول العالم تواجه بنفس الموقف، إلا أن خصوصية دول مجلس التعاون جعلتها أيضًا في وضع مغاير، حيث تراجعت مواردها الرئيسية من العوائد النفطية، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة لمزيد من السياسة المالية التوسعية، بكل ما تقتضيه مواجهة الجائحة، من تكاليف، وتوفير الإمدادات الحيوية العاجلة لإنقاذ الأرواح، وحماية الأفراد من فقدان وظائفهم والمحافظة على دخولهم لفترات طويلة أو تعويضهم عن انقطاع دخولهم، و حماية الشركات من الإفلاس؛ وتيسير سبل التعافي للنشاط الاقتصادي.

مبادئ السياسات الاقتصادية للحرب على كوفيد-19

 

إذا كانت أزمة الثلاثينات قد غيرت من دور الحكومة في النشاط الاقتصادي تغييرًا جذريًا، وأضافت مصروفات الضمان الاجتماعي ضمن أهم بنود الإنفاق العام، وأدخلت نظم التأمينات الاجتماعية بجانب التأمين الخاص، فمن المتوقع أن تحدث هذه الأزمة تغيرات واسعة النطاق من حيث دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وسبل تمويل الخدمات العامة، ومصادر الإيرادات الحكومية، ومن المتوقع أن تحدث هذه الأزمة تغيرات جذرية في نظم الحماية الاجتماعية الفعالة لحماية الفئات الفقيرة والأولى بالرعاية، والتي كشفت عنها هذه الأزمة، في كل من البلدان النامية والبلدان المتقدمة على حد سواء، كما من المتوقع أن تمتد هذه الضمانات لتشمل المغتربين والعمالة المؤقتة.

ويعتمد نجاح وتيرة التعافي من الأزمنة الراهنة اعتمادًا كبيرًا على السياسات التي تتخذها الحكومات أثناء الأزمة، فإذا كفلت السياسات عدم فقدان العمالة لوظائفها، وتم تجنب إفلاس الشركات والحفاظ على شبكات الأعمال والتجارة، وعدم إجلاء مستأجري العقارات السكنية، سيتحقق التعافي في وقت أقرب وبصورة أكثر سلاسة، أما غير ذلك فسوف يوقع الاقتصادات في براثن كساد قد يطول مداه.

وفي هذا الصدد توجد ثلاثة مبادئ إرشادية ينبغي الالتزام بها طيلة مراحل مواجهة الأزمة، يتمثل أولها في توجيه الدعم للأسر المستحقة لضمان حصولها على السلع والخدمات الأساسية وتمتعها بمستوى معيشي كريم، وتجنب الآثار الدائمة للأزمة، في نفس الوقت يتم توجيه الدعم لمؤسسات الأعمال المضارة، والقطاعات التي تعطلت جبرًا، وتوفير مقومات البقاء لها، والحد من تسريح العمالة وحدوث حالات إفلاس واسعة.

وثانيها، اتخاذ ما يلزم من تدابير لتوفير الموارد اللازمة لمواجهة الأزمة، وهي مكلفة بطبيعتها، مع تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة بما يتناسب مع حجم الأعباء،

وهو أمر ليس سهلاً في اقتصادات تعتمد على مصادر تمويل خارجية، تضررت بالضرورة من الأزمة .

وثالثها،تقييم المخاطر الواقعة على مالية الدولة ومراقبتها والإفصاح عنها، خاصة إذا اقتضى الأمر تحقيق عجز في الموازنة العامة، حيث يجب البحث عن مصادر تمويل طويلة الأجل، أو اللجوء للسحب من الاحتياطيات، أو للصناديق السيادية. 

ورغم قوة الوضع المالي لدول مجلس التعاون، إلا أن الحكومات ملتزمة بتمويل الزيادة الاستثنائية في النفقات، في الوقت الذي تتراجع فيه إيراداتها، ومن ثم تواجه بقيود على حيز التصرف المتاح في موازناتها، بالمقارنة مع الدول الأخرى، خاصة في جانب منظومة الإيرادات العامة، وهي أضيق بشكل عام عن نظيرتها في الدول الصناعية المتقدمة، كما أن لديها نظمًا ضريبية حديثة العهد وأقل مرونة من نظيرتها في تلك الدول، فضلاً عن ذلك تواجه في الوقت نفسه عدة صدمات متزامنة: بدءًا من الجائحة، والهبوط الحاد في الطلب العالمي على المكون الرئيسي لصادراتها، وهبوط أسعار النفط، وهروب رؤوس الأموال، وانتهاءً بحالة من الركود معروفة أسبابه بشكل واضح، لكن مداه وأسلوب مواجهته يكتنفه عدم اليقين.

السياسات الاقتصادية المطلوبة

على خلاف فترات الركود الاقتصادي السابقة، لم يكن هبوط الناتج المحلي الإجمالي ومختلف مناحي النشاط الاقتصادي الخاص والحكومي، في هذه الأزمة، مدفوعًا بالطلب وحده، إنما نتيجة لا مفر منها لإجراءات الحد من انتشار المرض، والتي أثرت مباشرة على جانب العرض، ومن ثم فإن دور السياسة الاقتصادية لا يتمثل في تحفيز الطلب الكلي فحسب، وإنما ينصب تركيز السياسة الاقتصادية أيضًا على تحقيق ثلاثة أهداف تتعلق بجانب العرض ( أي مجمل النشاط الاقتصادي) .

الهدف الأول: ضمان عمل القطاعات الضرورية، وخاصة تعزيز الموارد اللازمة لإجراء اختبارات تشخيص كوفيد-19 وعلاجه، والحفاظ على انتظام الرعاية الصحية، وتوفير الغذاء وتوزيعه، وصيانة البنية التحتية والمرافق الضرورية.

الهدف الثاني: توفير موارد كافية للمتضررين من الأزمة، فالأسر التي تفقد دخلها بشكل مباشر أو غير مباشر نتيجة لإجراءات الاحتواء ستحتاج إلى دعم الحكومة، ومن المنتظر أن يساعد الدعم على بقاء الناس في بيوتهم مع الاحتفاظ بوظائفهم (الإجازات المرضية الممولة من الحكومة تحد من حركة الأفراد، ومن ثم تخفض مخاطر العدوى)، وينبغي التوسع في إعانات البطالة وإطالة مدتها، ويلزم تقديم تحويلات نقدية تصل إلى المشتغلين بالأعمال الحرة وغير العاملين.

الهدف الثالث: الحيلولة دون ركود اقتصادي طويل الأمد، حيث ينبغي أن تحمي السياسات الحكومية شبكة العلاقات بين العاملين وأصحاب الأعمال، والمنتجين والمستهلكين، والمقرضين والمقترضين، حتى يتسنى استئناف الأعمال بشكل فوري عندما ينحسر هذا الطارئ الحي، والحيلولة دون فقدان الدراية الفنية في المؤسسات نتيجة الإغلاق، وإيقاف المشروعات الإنتاجية بشكل نهائي.

ونظرًا لأن الاضطرابات في القطاع المالي ستؤدي إلى توسيع نطاق العسر الاقتصادي، فينبغي على الحكومات أن تقدم دعمًا استثنائيًا للشركات الخاصة، بما في ذلك دعم الأجور، مع وضع شروط ملائمة لذلك، وتسهيل عمليات ضخ رؤوس الأموال المباشرة في الشركات عن طريق تخفيف القواعد الحاكمة للمساعدات من الدولة، وإذا تفاقمت الأزمة، يمكن أن نتصور إقامة شركات قابضة كبيرة مملوكة للدولة أو توسيع القائم منها لتستحوذ على الشركات الخاصة المعسرة، مثلما حدث في الولايات المتحدة وأوروبا أثناء الكساد الكبير.

إجراءات السياسات الداعمة

يشهد العالم حاليًا تحديات لم يسبق لها مثيل من جراء جائحة كورونا، والتي يخشى معها أن تؤثر سلبًا على المكاسب الإنمائية، خاصة في دول مجلس التعاون. فرغم ما تحققه من متوسطات دخل مرتفعة، فقد أثَّرت الجائحة تأثيرًا بالغًا على مصادر الدخل الرئيسة بعد تراجع الأسعار العالمية للمواد الأولية بشكل عام، كما أثرت على رأس المال البشري، أحد المكاسب الأساسية للحقبة البترولية، بما في ذلك حصد الأرواح، وتعطل مؤسسات التعليم بشكل مؤقت، والتأثير سلبًا على برامج الرفاهة الأساسية، والإنتاجية المستقبلية، كما أدت الأزمة إلى تعطيل التجارة، وسلاسل الإمداد، وتدفقات الاستثمار.

من هنا فإن إجراءات السياسات الحكوميةيجب أن تستهدف القطاعات النظامية الثلاث: العائلات، ومؤسسات الأعمال، والقطاع المالي، وأن توفر لهم مزيجًا من السيولة (تقديم الائتمان، وتأجيل الالتزامات المالية) ودعم الملاءة المالية لهذه القطاعات (عمليات تحويل الموارد الحقيقية)، ويمكن تحديد أوجه الدعم في كل من الإجراءات المتعلقة بالسيولة وتتضمن القروض أو تأجيل السداد، والإجراءات المتعلقة بالملاءة وتتضمن التحويلات والإعفاء من السداد، وتوفير دعم سلعي وخدمي، وتحديدًا يتم ذلك على النحو التالي:

قطاع العائلات

أولاً: من حيث السيولة تتمثل أهم الإجراءات في تعليق سداد القروض المستحقة، خاصة القروض طويلة مثل القروض العقارية وقروض المستهلكين الصغيرة. كذلك يمكن تخفيض معدلات الضرائب واشتراكات الضمان الاجتماعي.

ثانيًا : في مجال تعزيز الملاءة، يمكن الاعتماد على تقديم المساعدات النقدية للأسر المحتاجة، وزيادة اعتمادات الضمان الاجتماعي ومخصصات البطالة، ومساعدة الطلاب صحيًا وغذائيًا

قطاع الأعمال

أولاً: من حيث السيولة يمكن تمديد آجال استحقاق القروض، وتخفيض الضرائب والمساهمات في الضمان الاجتماعي، إضافة إلى شراء الأوراق التجارية والسندات لتوفير التمويل اللازم لاستعادة النشاط، فضلاً عن تقديم الائتمان المباشر نت البنك المركزي، وتقديم الضمانات اللازمة للحصول على الائتمان

ثانيًا: من حيث تعزيز الملاءة فيجب أن تسعى السياسات الحكومية لضخ مزيد من رؤوس الأموال المساهمة، وتقديم الدعم للحفاظ على الوظائف، وتوفير الدعم المباشر على المبيعات السابقة ( على أساس الضرائب).

القطاع المالي

أولاً: من حيث السيولة تستهدف السياسات الداعمة توفير السيولة للوسطاء الماليين من البنوك وشركات التأمين وغيرها، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على سيولة السوق،

ثانيًا من حيث الملاءة، يتطلب الوضع ضخ رؤوس الأموال المساهمة وتوفير ضمانات من الحكومة.

الخاتمة

يجبرنا التاريخ أحيانًا على التعلم، وأن نعي الدروس المستفادة، وفي أحيان أخرى يفرض علينا التغيير، وكلما اشتدت الأزمة كان التعلم والتغيير فارقين، فبعد أزمة الكساد العظيم في الثلاثينات، تغير الفكر الاقتصادي، وتم التسليم بدور فعال للحكومة في النشاط الاقتصادي، وأدخلت السياسات المالية المتعلقة بالموازنة العامة – النفقات العامة والضرائب وعجز الموازنة والدين العام – كأهم أسلحة مواجهة حالات الكساد والركود وبث في الاقتصادات الوطنية، وزيادة درجة اليقين في المستقبل.

وكانت أزمة النفط العالمية في منتصف السبعينات، علامة بارزة في التأثير على النظام الاقتصادي العالمي، وظهور تكتلات إقليمية، ومنظمات دولية، وتطورات في مجال الطاقة وكفاءة استخدامها.

أخيرًا ، فإنه في ظل الأزمة الحالية ، ومثل الأزمات الكبرى في الماضي، لا يجب أن نقف عند مجرد إيجاد الحلول للتغلب عليها، بل يجب أن نسعى لإيجاد طرق لتجنبها في المستقبل، كما أكدت هذه الأزمة أهمية التعاون العالمي، والمسؤولية الجماعية لدول العالم تجاه بعضها البعض، كما ظهر في التزام دول مجموعة العشرين، ومن بينهم السعودية، بدعم ومساندة البلدان النامية والفقيرة، حيث أكدت أهمية التعاون العالمي ليس فقط على نطاق ثنائي أو حتى إقليمي بل على مستوى عالمي، وتأكدت أهمية وجود منظمات دولية متعددة الأطراف مثل منظمة الصحة العالمية، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وهناك أمل في أن تعيد دول العالم النظر في نمط الإنفاق العام على بعض أوجه الصرف، لتحظى الخدمات الصحية بمزيد من الاهتمام، ويحتل البحث العلمي مكانة أكبر بين اهتمامات الدول، وقد تطرأ تعديلات كثيرة على نظم الضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية بل ومصادر الإيرادات العامة، وتتراجع النزعات الحمائية والانكفاء على الذات، وتتصاعد التوجهات الليبرالية على حساب دعوات المحافظين، ويزداد دور الحكومة في النشاط الاقتصادي.

مجلة آراء حول الخليج