array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 150

الفرصة مواتية لفرض نظام إقليمي عربي في ظل انكفاء الدول الكبرى والصراع بينها

الثلاثاء، 23 حزيران/يونيو 2020

قال الرئيس الفرنسي ماكرون معلقًا على جائحة كورونا-19: إننا في حرب مع عدو غير مرئي، هناك قناعات كثيرة لدينا تغيرت، وأشياء كثيرة كنَا نعتقدها مستحيلة حدثت، وسنكون أقوى أخلاقيًا، وسنكثر في الاستثمار في قطاع الصحة. وكتب هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: إن النظام العالمي بعد فيروس كورونا لن يكون كما كان قبله، ويشير البروفيسور ستيفن والت والت بجامعة هارفارد "إن مراكز القوة والتأثير تحولت من الغرب إلى الشرق"، والعالم يشهد أزمة اقتصادية عالمية، فجائحة كورونا تؤدي إلى تحول في العلاقات الاقتصادية الدولية، فالنظام الليبرالي الحر في التجارة الدولية يواجه تحديًا في الحمائية التجارية ، وحسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية فإن التكلفة الاقتصادية لفيروس كورونا على الاقتصاد العالمي لعام 2020م، تقدر بحوالي تريليون دولار وبعض المصادر تصل بها إلى 2.2 تريليون دولار، ويفاقم هذه الآثار الاقتصادية انهيار أسعار البترول مما يترتب على ذلك تحولات اقتصادية واجتماعية وحتى في دور المؤسسات الدولية والإقليمية وتماسكها، وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيروس: إن العلاقة بين الدول الكبرى مضطربة فإما التعاون في مواجهة الجائحة أو الهزيمة.

ويتردد أن الدول الكبرى الديمقراطية فشلت في معالجة أزمة جائحة كورونا، حتى الدولة الأولى في العالم، الولايات المتحدة، فقدت من الأرواح  البشرية أكثر مما فقدته في حرب فيتنام، ووصلت البطالة فيها  إلى أكثر من 26 مليون نسمة ويتوقع أن نتصل الوفيات فيها إلى 100 الف وفاة ، بينما وصل الإنفاق العسكري في العالم لعام 2019 م، 1917 مليار دولار (1782 يورو) ، وهو أعلى مستوى له منذ نهاية الحرب الباردة 1989م ، حيث وصلت ميزانية الدفاع الأمريكية لنفس العام 732 مليار دولار ، والصين 261 مليار دولار والهند 71.1مليار دولار،  في الوقت الذي يبدو فيه الإنفاق على قطاع الصحة متواضع، فمعدل نصيب الفرد من الإنفاق على الصحة في الهند 69.2 دولار سنويًا وفي باكستان 44.5 دولار والصين 440.8 دولار وروسيا 585.8 دولار ، وأصبح  التحدي الأكبر هو ، الأمن الصحي الذي يهدد الدول والذي أهملته كثير منها،  مما أدى إلى التحديات  الاقتصادية والاجتماعية، تراجع النمو الاقتصادي وانتشار البطالة التي تهدد استقرار الدول وبقاءها، ويهدد تماسك التكتلات الإقليمية كما في حالة الاتحاد الأوروبي أو دور منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة ؟

تحولات النظام الدولي : الصين تتقدم والولايات المتحدة تتراجع

بعد انهيار جدار برلين عام 1989م، وسقوط الاتحاد السوفيتي 1991م، هيمنت الولايات المتحدة كالدولة المهينة الأولى على العالم ، المعروف بنظام أحادي القطبية، ولكنها تورطت في كثير من النزاعات الإقليمية وتدخلت عسكريًا باحتلال دول كما حدث في احتلال أفغانستان 2001م، والعراق 2003م، وهذه الحروب استنزفت الولايات المتحدة فبعد حوالي عشرين عامًا لم تحقق الاستقرار في أفغانستان، وهي تتفاوض اليوم مع طالبان لخروج مشرف منها،  وكذلك في حرب طويلة مع المقاومة العراقية وأنشأت نظامًا طائفيًا لم يحقق الاستقرار ، وحاول الرئيس أوباما أن يخرج الولايات المتحدة من المستنقع الأفغاني والعراقي وعقد اتفاق 5+1 مع إيران حول المفاعل النووي الإيراني، وتنبهت إدارة أوباما إلى صعود الصين في شرق آسيا وقوتها الناعمة في الانتشار في كل من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حتى أن البضائع الصينية غزت الولايات المتحدة وأصبح الميزان التجاري لصالح الصين، وعندما أنتخب ترامب 2016م، فبعد مباشرته مقاليد الرئاسة انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق مع إيران واتفاقية المناخ التي وقعت في باريس ودخل في حرب تجارية مع الصين وتوترت علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، ولذلك أجهض ترامب جهود الرئيس أوباما الذي انصب اهتمامه على إعادة التوازن بين الولايات المتحدة والصين وعمل على ذلك عبر دفع الشراكة عبر المحيط الهادئ، ولكن الرئيس ترامب مزق اتفاقية الشراكة في يومه الثالث في المنصب ، وبدلاً من التعاون مع اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى لمواجهة الصين بسبب ممارساتها التجارية غير العادلة، اختار ترامب خوض معارك تجارية مع الجميع تقريبًا ، وبالتالي تركت الولايات المتحدة لوحدها لمواجهة الصين بمفردها؟

وجاءت جائحة كورونا لتزيد الأمر تعقيدًا لإدارة ترامب، فانتشرت كورونا في مدينة ووهان الصينية واستطاعت الصين بسياسة صارمة بحصر الفيروس واحتوائه، وعندما انتشرت كورونا في الولايات المتحدة، دخلت إدارة ترامب في تبادل الاتهامات مع الصين على أنها مسؤولة عن انتشار فيروس كورونا ووصلت الاتهامات إلى نظرية المؤامرة، واستطاعت الدول السلطوية في شرق آسيا وجنوبها من السيطرة على انتشار الفيروس بينما فشلت الدول الغربية سواء الولايات المتحدة أو دول أوروبا الغربية التي شهدت معدلات عالية للوفاة بسبب كورونا ؟

وعادت الأنانية والشعور القومي بين الدول الأوروبية، فقد اتهمت إيطاليا وأسبانيا دول الاتحاد الأوروبي الأخرى في عدم مساعدتها وأغلقت  الحدود بين الدول، مما أثار الشعور داخل شعوب الاتحاد الأوروبي بالعزلة مما قد يهدد تماسكها مستقبلا بتفكك الاتحاد إذا لم يتم احتواء ما ترتب على انتشار كورونا وعودة تماسك الاتحاد؟ وفي الوقت الذي تتبادل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الاتهامات بسبب فشلها في احتواء الفيروس وعدم استعدادها لمواجهة مثل هذه الجائحة أو بسبب عدم جديتها في مواجهتها والتقليل من خطورتها وبطء المواجهة كما في كل من الولايات المتحدة وإيطاليا وبريطانيا، فقد تم توجيه الاتهام للقيادات السياسية بتهاونها في مواجهة الفيروس بالسرعة التي تحركت بها الصبن والدول السلطوية في جنوب وشرق آسيا، مما أصبح يتردد في الأوساط الإعلامية أن الأنظمة السلطوية أكثر قدرة من الأنظمة الديمقراطية في مواجهة فيروس كورونا لما لديها من صلاحيات قوية في ممارسة اتخاذ القرارات بسرعة ؟

وأخذت الصين تقدم الأدوات الطبية إلى الدول الأوروبية كما فعلت أيضًا روسيا الاتحادية أرسلت مساعداتها لإيطاليا، وارتفعت نسبة الذين اعتبروا الصبن دولة صديقة من 10% إلى 52% في شهر مارس الماضي ، حتى قال اليساندو دي با العضو البارز في حركة خمس نجوم الإيطالية " إن الصين تمكنت من تحويل صورتها من ناشر للفيروس إلى حليف في أوقات الحاجة"؟ واستعملت الصين دبلوماسية الكوارث لتحقيق أهدافها السياسية والإعلامية، وكما قال كارل ثاير بجامعة نيوساوث ويلز في كانبيرا بأستراليا " مضى المسؤولون الصينيون وأجهزة الدعاية في التأكيد بقوة على أن الصين احتوت الفيروس بنجاح، وأن الصين ستقدم القيادة والدعم المادي للدول التي تضررت من فيروس كورونا "، ولذلك فإن الصين ودول آسيوية أخرى مثل فيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية تبرعت بملايين الأقنعة الواقية إلى أوروبا في الوقت الذي كان الأطباء  في دول أوروبا يواجهون الفيروس بدون توفر الألبسة والأقنعة الواقية، مما كشف الحكومات أمام شعوبها، وأصبحت شرعيتها السياسية محل تساؤل ؟

ويظهر بشكل جلي أن المحور الصيني –الروسي وما يتعاون معه من دول جنوب وشرق آسيا أصبح يشكل محورًا في مواجهة الولايات المتحدة وبالذات ضد سياسة ترامب بسبب سياسته العدوانية سواءً بالنسبة للحرب التجارية مع الصين والحمائية التجارية والتنافس مع الصين ونفوذها على مستوى إفريقيا وآسيا وبالذات في بحر الصين الجنوبي، في الوقت التي تعاني فيه أوروبا من تنامي الشعور القومي والشعبوية السياسية .

الصين العدو الوجودي للغرب وتراجع الإسلاموفوبيا

تسعى الدول الكبرى لإيجاد عدو خارجي، وفي سياسة هذه الدول إذا لم تجد عدوًا ،عليها أن توجد عدوًا لأسباب داخلية وخارجية، فالعدو الخارجي يوحد الداخل وتمرر ميزانية الدفاع تحت ذريعة العدو الخارجي، وبعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الشيوعية في دول شرق أوروبا 1989م، فقد اختفى العدو الشيوعي بانهيار الاتحاد السوفيتي، حتى أن رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر عندما سئلت عن مبرر وجود حلف الناتو، أشارت أن هناك عدوًا جديدًا وأشارت إلى الحركات الإسلامية، فقد لا تكون تهدد أوروبا ولكن لا بد من عدو، ولذلك خلال الثلاث عقود الماضية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي والغرب يروج إلى العدو الجديد الإسلام وانتشرت ظاهرة الإسلاموفوبيا، ولكن مع العدو الجديد الصين قد يغير في معادلة العلاقات العربية والإسلامية مع الغرب .

وقد أشار الكاتب البريطاني بيتر أوربون أن اعتبار الصين كعدو وجودي، قد يؤدي إلى نهاية حقبة الإسلام كعدو للغرب، فقد وجد الغرب عدوًا جديدًا له.  لقد تأثرت الاستراتيجية الغربية بنظرية هنتنجتون "صدام الحضارات" وتبناها جورج بوش الابن ورئيس وزراء بريطانيا توني بلير وجعل من الدول الإسلامية أو بعضها على الأقل هدفًا للولايات المتحدة وحلفائها، وكانت الحملات الإعلامية الغربية على المسلمين تصفهم بالتطرف والإرهاب والهمجية، وبروز الإسلاموفوبيا مع صعود اليمين المتطرف داخل الأحزاب السياسية الأوروبية.

أظهرت جائحة كورونا التضحيات التي قدمها المسلمون في مواجهة الفيروس، حيث كان الأطباء والممرضون  المسلمون في المقدمة لمعالجة ضحايا الفيروس، وبلغ ضحايا الفيروس خمسة أطباء مسلمين في بريطانيا كما كان الأطباء العرب والمسلمين أيضًا في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا يبذلوا جهدهم في مقاومة الفيروس، وقد يؤدي ذلك ولو متأخرًا إلى تبدل سلوك الجمهور الغربي تجاه الإسلام والمسلمين وهو ما أشارت له كبرى وسائل الإعلام الغربية ؟

إن أزمة فيروس كورونا شكلت  الجغرافيا السياسية على مستوى العلاقات الدولية والتكتلات الإقليمية ، فإن نفس الكتاب في الصحافة الغربية ونفس مراكز الأبحاث والتفكير والأحزاب السياسية ونفس أجهزة الاستخبارات التي كانت تهاجم المسلمين هي نفسها اليوم تشن حملة على الصين كعدو وجودي للغرب سواء كناشرة للفيروس أو تتناقض مصالحها مع الغرب ؟
وبدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قائد المهاجمين للعالم الإسلامي في حملته الانتخابية عام 2016م، بتوجيه هجومه الآن نحو الصين، على خطى سلفه الجمهوري بوش الذي هاجم العراق في عام 2003م، وما أطلق عليه مصطلح "محور الشر" قبل عشرين عامًا. يذكر في هذا المجال أن ترامب أثناء حملته الانتخابية  اتهم الصين بأنها "تغتصب" الاقتصاد الأمريكي، كما أن  الصحف البريطانية التي كانت وجهت أقلام كتابها  بأكملها إلى أقلام تخط بها حقدها على المسلمين، فتحولت الآن للهجوم وللحديث عن الخطر الصيني، وأصبحنا أمام حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة  في مواجهة الصين وحلفائها.

تعددية قطبية وأهمية استراتيجية واقتصادية للعالم العربي

إن أزمة كورونا تظهر أن النظام الدولي يتجه نحو التعددية القطبية، فتراجع الولايات المتحدة بسبب الأزمة الاقتصادية وسياسة ترامب المتقلبة وما تعاني إدارته من تحديات داخلية في ظل عام الانتخابات الرئاسية 2020م، وضحايا كورونا التي فشلت ادارته في مواجهتها ، كل ذلك يؤشر نهاية القطبية الاحادية. وقد تبقى أوروبا إلى حين موحدة رغم مشاعر الغضب التي انتابت إيطاليا وإسبانيا من موقف بقية الدول من مساعدتها، ولذا فإن الاتحاد الأوروبي فاعل مهم في النظام الدولي وقد تكون أقل حاجة للتعامل مع الصين، لأن تدفق البضائع يوميًا  بين الاتحاد  الأوروبي والصين وصلت عام 2018م، 1.5 مليار يورو في الوقت الذي يتبادل الدول الأعضاء في الاتحاد ما يقرب من 30 مليار يورو في اليوم مع الشركاء الداخليين والخارجيين ، ولذلك لا تبعية للاتحاد اقتصاديًا مع الصين حيث أن تجارة الصين مع دول الاتحاد تمثل 5.5% من أجمالي التجارة بين الدول الأعضاء في الاتحاد لعام 2018م . فكما  يتردد بين ساسة الاتحاد أن أهم شريك تجاري لجميع الدول في الاتحاد هو الاتحاد الأوروبي حيث تتبادل التجارة فيما بينها.

ولكن هناك من يرى في أن تصبح الهند (مصنع العالم ) المحتمل بعد كورونا ، حيث تتفوق دول آسيا الناشئة على الصين بوصفها محرك النمو الرئيس في العالم ، وتمثل اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمت بين فيتنام والاتحاد الأوروبي بداية لتوسع مشاريع الاستثمار والتجارة مع جنوب شرق آسيا؟

أما بالنسبة لروسيا الاتحادية ، فإن روسيا تعزز علاقاتها مع الصين في مواجهة الولايات المتحدة ومن خلال منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس التي تضم بالإضافة للصين وروسيا كل من الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، بل يذهب المفكر الروسي المحافظ ألكسندر دوغين في كتابه الجيوبولتيكا في ضرورة التحالف مع إيران والتيارات الأصولية لمواجهة الولايات المتحدة. ولهذا نجد أن الصين وروسيا تتخذ كل منهما  سياسة مؤيدة لإيران في مجلس الأمن الدولي ضد الولايات المتحدة التي تفرض العقوبات على إيران .

وبما أن الولايات المتحدة تواجه أزمة كورونا وتاتي في المرتبة الأولى عالميًا في ضحايا الكورونا وعدد الإصابات بها، وفي ظل تخبط سياسة ترامب، فإن دول شرق آسيا تعزز علاقاتها مع الدول العربية في ظل الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط ومحاولة تعزيز توازن القوى في شرق آسيا .

حيث أن الولايات المتحدة في سنة الانتخابات الرئاسية لهذا العام، والمرشح الجمهوري ترامب ومنافسه الديمقراطي كما يظهر الآن جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق، فإن سياسية الولايات السنوات القادمة مرتبطة بالرئيس القادم في ظل استطلاعات الرأي الأمريكي التي تشير لاحتمالات فوز بايدن، ولكن في ظل التنافس السياسي وانتهازية ترامب يصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات، ولكن أغلب النخب السياسية والأكاديمة ترى في ترامب رئيسًا انتهازيًا وغياب الجانب الأخلاقي في سياسته الداخلية والخارجية، ويعبر عن ذلك الأستاذ في جامعة هارفارد جوزيف ناي في كتابه الجديد Do Morals Matter? Presidents and Foreign Policy FDR to Trump(2020) ، حيث يرى أن ترامب أسوأ رئيس أمريكي في الجانب الأخلاقي في سياسته الداخلية والخارجية .

وإثر تراجع أسعار البترول ـ وتراجع حاجة الولايات المتحدة للبترول كما كانت في العقود السابقة، وأصبحت أقرب للأكتفاء الذاتي بسبب استخراج البترول الصخري ، تبقى الهند والصين ودول جنوب آسيا الأخرى ترتبط بعلاقات اقتصادية والتجارة الدولية مع الدول العربية والشرق الأوسط عامة .

وحسب ما نشره موقع  Central Banking  ، فالصين أكبر شريك تجاري لدول الشرق الأوسط، إيران وعشرة دول عربية، وصلت تجارة الصين مع الدول العربية في عام 2018 م، إلى 244.3 مليار دولار. كما بلغ حجم التجارة مع إيران وتركيا وإسرائيل 72 مليار دولار ، ولذا فإن المنطقة تشكل أكثر من 300 مليار من التجارة مع الصين. وفي ظل سياسة ترامب بمحاولة فرض صفقة القرن ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة إسرائيل وتأييد إسرائيل في ضم المستعمرات وغور الأردن فكل ذلك يعقد العلاقات الأمريكية ـ العربية . وتبقى المنطقة العربية ذات أهمية استراتيجية في ظل التنافس الأمريكي –الأوروبي –الروسي –الصيني ، وتستطيع  الدول المناورة السياسية لتحقيق المصالح العربية ، خاصة أن الدول الكبرى مثل بريطانيا وفرنسا وروسيا أخذت تعزز وجودها من خلال قواعد عسكرية في المنطقة، إضافة إلى أن الدول الإقليمية تزيد من تدخلها في المنطقة العربية مستغلة انشغال الدول الكبرى بأزمة كورونا كما في ليبيا والعراق وسوريا وغيرها.

تعاون الدول العربية ضرورة استراتيجية بعد كورونا

تعتبر جائحة كورونا أول أزمة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية بعد الحرب العالمية الأولى عام 1929م، (Great Depression)، تجتاح الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سوء، وقد تكون فترات الركود الناتجة منها عميقة وطويلة كما حصل في أزمة الكساد الكبير ،  

بدفع للتخلف عن سداد الديون وتقييد التجارة وتدفقات رأس المال ، وتحيز الدول لمصالها القومية .

  وحيث أن معظم الدول العربية تعاني من مشكلات اقتصادية قبل أزمة كورونا وواجهت حراكات شعبية كما في لبنان والعراق والسودان والجزائر، ومع ارتفاع نسبة البطالة من أزمة كورونا، كان على الدول العربية تفعيل التعاون فيما  بينها أولها في المجال الصحي الذي ظهر في معظم دول العالم أن الأمن الصحي بحاجة لمعالجة، فتحت مظلة الجامعة العربية يمكن تشكيل معهد للأبحاث الطبية تشترك في تمويله الدول العربية وجذب الأطباء العرب من الخارج حيث تبين من خلال الجائحة دور الأطباء العرب وكفاءتهم العلمية، العالم العربي بحاجة لها.

  وبما أن الدول الكبرى تعاني أزمات اقتصادية تقلص من مساعداتها الخارجية للدول النامية ومنها العربية، فالدول العربية بحاجة للتعاون للتخفيف من أزماتها من خلال التعاون، وحل مشكلات البطالة وتقليص الانفاق العسكري والاهتمام بالتعليم والصحة والاهتمام بدولة الرفاهية، لأن عدم حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبت على أزمة الكورونا قد يوفر البيئة المناسبة للحراكات الشعبية التي قد تؤدي لعدم الاستقرار السياسي في الدول، ويشجع التدخل الخارجي في ظل عدم الاستقرار الداخلي.

إن النظام الدولي بعد كورونا يدفع الدول العربية لإيجاد تعاون إقليمي على مبدأ الاحترام المتبادل لاحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، فمشكلات الدول العربية من الحروب الأهلية الداخلية تتطلب موقف عربي موحد لحلها كما في سوريا وليبيا واليمن، والفشل في حل هذه الحروب الأهلية واحترام الحقوق الإنسانية  يسهم في التدخل الأجنبي في المنطقة ، ففرنسا وروسيا تتدخل كل منهما في ليبيا وسوريا ، وتركيا وإيران أيضًا، وذلك للفراغ السياسي الذي تتركه الخلافات العربية .

إن الأمن القومي متداخل بين الدول العربية، فعدم الاستقرار السياسي لدولة ما قد يصبح نظرية الدومينو لإنهيار النظام الإقليمي العربي، لذا الانكفاء على الذات لا يحقق الأمن الذاتي، بل يتحقق الأمن من خلال التعاون والتكامل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي ظل تشكل نظام دولي جديد، هناك فرصة لأن يفرض النظام الإقليمي العربي نفسه بما يملكه من مزايا اقتصادية والطاقة والموقع الاستراتيجي في ظل انكفاء الدول الكبرى على ذاتها والصراعات بينها، يجد النظام العربي مجالا لبناء الذات والانطلاق لدور عالمي فعال ؟؟

مجلة آراء حول الخليج