رغم انهماك العالم والمنطقة في مواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره، وتقديم العلاج لمن أصيبوا بهذا الفيروس، وتوفير الاحتياجات الأساسية للشعوب، واللهاث المتسارع للمساهمة في إيجاد اللقاحات، وسد العجز المالي في الموازنات العامة للكثير من الدول نتيجة للكساد الاقتصادي الذي ضرب الأسواق العالمية. إلا أن الكثيرين يطرحون الأسئلة حول مستقبل العالم بعد انتهاء أزمة جائحة كورونا بمشيئة الله تعالى، ومع أن هذه الأسئلة سابقة لأوانها،
رغم انهماك العالم والمنطقة في مواجهة فيروس كورونا والحد من انتشاره، وتقديم العلاج لمن أصيبوا بهذا الفيروس، وتوفير الاحتياجات الأساسية للشعوب، واللهاث المتسارع للمساهمة في إيجاد اللقاحات، وسد العجز المالي في الموازنات العامة للكثير من الدول نتيجة للكساد الاقتصادي الذي ضرب الأسواق العالمية. إلا أن الكثيرين يطرحون الأسئلة حول مستقبل العالم بعد انتهاء أزمة جائحة كورونا بمشيئة الله تعالى، ومع أن هذه الأسئلة سابقة لأوانها، أو ليس لها إجابات دقيقة حاليًا حيث مازالت الأزمة جاثمة على شعوب العالم ولم تتضح المدة الزمنية لانتهاء الفيروس والكشف عن إجمالي خسائره، ومن ثم رسم خريطة السياسات لعالم ما بعد الأزمة العالمية المعقدة، إلا أن هذه الأسئلة تظل مشروعة لأنها تتعلق بمستقبل الشعوب، وتشغل بال الجميع بداية من صانع القرار مرورًا بالنخب الفكرية ووصولًا إلى المواطن البسيط، بل مجرد طرح هذه الأسلة يعد نوعًا من الحيوية الفكرية وإدراكًا للمخاطر والتحديات التي ضربت جميع دول العالم جراء انتشار فيروس كورونا المستجد، والخسائر التي ترتبت عليها.
ومن خلال قراءة المشهد الحالي، ومعاناة كل الدول بدون استثناء، يبدو أن العالم مقبل على مرحلة جديدة تستوجب التفكير القائم على الأسئلة المطروحة ومن ثم الإجابة عليها، ويتطلب ذلك طرح أسئلة عقلانية وعلمية دقيقة يضعها ويجيب عليها متخصصون وعلماء في كافة المناحي، حيث من المتوقع أن عالم المستقبل لن يقبل الارتجالية والعفوية في وضع التصورات والخطط وتنفيذها، بل يتطلب رؤى علمية ودراسات استشرافية عميقة قادرة على القراءة الدقيقة واستخلاص النتائج، ثم وضع السيناريوهات للتعامل مع الاحتياجات بكل أنواعها.
ويجب أن ترتكز هذه الدراسات على قراءة الواقع والاستفادة من جائحة كورونا، والوقوف على النتائج السلبية والإيجابية بدقة متناهية، ثم وضع تصور للاحتياجات و تنوعها في المستقبل، وكيفية الاستعداد لها بزيادة الاعتماد على الذات في المقام الأول، حيث أثبتت جائحة كورونا أن في الأزمات الكبرى تعتمد الدول على إمكانياتها الذاتية، وتركن إلى أدواتها ومزاياها النسبية وقدرتها على مواجهة الأزمات، حيث يكون الآخر مشغولًا بالظروف ذاتها، خاصة أن أزمة كورونا أسقطت الكثير من الأقنعة التي كانت تختبئ خلفها العديد من الدول أو حتى الكيانات الإقليمية والتجمعات السياسية والأحلاف العسكرية، وتبخر كل من يخفي حقيقة هذه الدول تحت وطأة الجائحة التي تحولت خلالها الدول العظمى والكبرى إلى دول مذعورة، فسقط مثلاً حائط الصد الأمريكي، وعندما نقرأ ما تنشره وسائل الإعلام الأمريكية نجد الكثير من الخلافات الداخلية والانتقادات الحادة التي وصلت إلى صراعات معلنة واعترافات بفشل السياسات وضعف القدرات واختفاء البرامج والآليات اللازمة لمواجهة كورونا، وهذا مقلق خاصة أنه في الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم، وهذا ما ينطبق على الانقسامات والانتقادات التي تعتري الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء، وظهور الاتحاد وكأنه يضم مجموعة كنتونات متباعدة وليس دولاً عريقة يجمعها اتحاد، وكذلك الوضع في روسيا والصين.
المملكة العربية السعودية، ودول مجلس التعاون الخليجي صمدت أمام هذه الجائحة، وتعاملت بشفافية مطلقة واحترمت حقوق الإنسان كما يجب، ففي السعودية تم التعامل مع الجائحة بجدية كاملة شملت رعاية العمالة الأجنبية سواءً بسواء مع المواطنين رغم أن نسبة من أصيبوا بالفيروس من العمالة الوافدة تتراوح ما بين 70و80% من نسبة المرضى، بل يتم علاج العمالة غير النظامية والتي ليس لديها إقامة نظامية في المملكة، وهذه الإجراءات بقدر ما تحمل من موقف إنساني تحمل الشعور بالمسؤولية، ورؤية أمنية لحفظ أمن الوطن وحماية كل من يعيش على الأراضي السعودية، كما أن المملكة اعتمدت مبالغ مالية طائلة لمواجهة الجائحة، وتبعاتها نتيجة للإغلاق الاقتصادي.
و فيما يتعلق بالمستقبل وبعد انتهاء هذه الأزمة بإذن الله تعالى، من الضروري انتهاج رؤى طويلة المدى و مستمرة للمستقبل تعتمد على الدراسات العلمية لمواجهة التحديات وتحديد الخيارات وتوفير الاحتياجات ، تبدأ بتحديث مناهج التعليم لضمان الدفع بخريجين تتوافر فيهم متطلبات المستقبل، فلابد من التركيز على التعليم التطبيقي أولًا، والتوسع في التعليم عن بُعد، وتحديث المنظومة الصحية مع وضع حوافز لتوطين العاملين في هذا القطاع سواء الأطباء أو هيآت التمريض وخدمات الإسعاف، والخدمات المساعدة الأخرى، مع توطين صناعة الدواء عبر الأبحاث اللازمة لذلك.
قضية زيادة وتنويع الإنتاج التي بدأت مع رؤية 2030 الرامية إلى توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل يجب أن تكون على رأس الأولويات حتى نتجاوز مأزق الاعتماد على النفط بصورة رئيسية، ومقومات هذا التنوع موجودة وبكثرة مع تنوع المزايا النسبية ، وتوجد دراسات اقتصادية عديدة تطرح الكثير من الخيارات والبدائل، إضافة إلى توجه الحكومة الداعم لذلك. مع ضرورة العمل بالتوجيه السامي الكريم بالاعتماد على المراكز البحثية الوطنية وتفعيل دور الباحثين من أبناء المملكة وفق رؤية لتحقيق ذلك تتضمن حزمة من الحوافز وإيجاد المراكز المتخصصة التي تعتمد على الكفاءات الوطنية.
وقد آن الأوان لتقنين مفهوم الرفاهية والحد من الترف المبالغ فيه مع ضرورة الاستغناء عن العمالة الوافدة الهامشية غير المؤهلة مثل العمالة المنزلية، فالرفاهية ليست بكثرة الإنفاق، أو بالمبالغة في توفير الاحتياجات غير الأساسية وزيادة العمالة غير المنتجة التي ظهرت كعبء على المجتمع والدولة خلال أزمة كورونا المستجد، بل الرفاهية بتحسين مستوى المعيشة، ووجود إنتاج وطني قادر على المنافسة وتلبية الاحتياجات، ونظام تعليمي متطور قادر على الوفاء بالاحتياجات ومعاهد تدريب وتأهيل بمواصفات عالمية، ومنظومة صحية حديثة ومتكاملة، مع توفير احتياجات الإنسان من الطعام والكهرباء والماء والدواء والترفيه بما يؤدي إلى وجود مجتمع منتج وقادر على توفير احتياجاته.
و تحقيق ذلك ضروري وقابل للتطبيق بتضافر جهود الجميع، وتشارك الدولة مع القطاع الخاص، وتقبل المجتمع وتعايشه مع هذه المفاهيم المستفادة من أزمة جائحة كورونا.