العلاقات الكويتية-العراقية تخضع لعدة مؤثرات وتتحكم فيها اعتبارات كثيرة بعضها تاريخي، والآخر معاصر وجميعها جعلت الأنظمة العراقية المتعاقبة منذ ثلاثينات القرن الماضي تستخدم ورقة الكويت والزعم بالحقوق العراقية فيها كما حدث في عهد الملك غازي ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم، وانتهاءً بجريمة الغزو التي ارتكبها الرئيس العراقي السابق صدام حسين ونظامه في الثاني من أغسطس من عام 1990م، وطيلة العقود الستة التي سبقت الغزو كان ترويج هذه المزاعم إما للتغطية على فشل السياسة الداخلية، أو لأسباب اقتصادية بغرض تمويل مغامرات العسكر الذين تعاقبوا على حكم بغداد، أو من جراء صراع القوى الدولية والإقليمية الذي بدأ مع منتصف القرن العشرين وحتى سقوط صدام حسين في عام 2003م.
بعد سقوط نظام صدام حسين وذهاب نظامه، ظن الكثيرون أن صفحة الخلافات العراقية-الكويتية طويت إلى الأبد خاصة في ظل حكومة مدنية في بغداد ملتزمة بنهج حُسن الجوار مع الكويت ولطالما عارض رموزها من قبل جريمة الغزو، ولكن قد لا يكون هذا الظن صحيحاً لأسباب كثيرة من بينها الثقافة السلبية التي غرسها حزب البعث على مدى عقود زمنية حول حقوق وهمية للعراق في دولة الكويت، ورغبة العراق في توسيع إطلالته البحرية على الخليج العربي، إضافة إلى أن هناك تصريحات خرجت ومازالت تخرج بين الحين والآخر من بغداد حول خلافات بين البلدين بشأن ترسيم الحدود الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، والخلافات على ترسيم الحدود يعني الخلاف بالتبعية حول حقول النفط الحدودية بين البلدين، وأيضاً الخلاف على تقسيم المياه الإقليمية المشتركة، ولعل أهم ذرائع صدام حسين لاحتلال الكويت في الثاني من أغسطس من عام 1990م، كانت على الحدود وحقول النفط وأهمها حقل الرميلة أو الرتقة، إضافة إلى رغبة صدام آنذاك بضم جزيرتي وربة وبوبيان الكويتيتين إلى العراق لما لهما من موقع استراتيجي مهم، وحتى بعد سقوط نظام صدام حسين استجدت نقاط خلافية جديدة تمثلت في قضية الديون الكويتية المستحقة للكويت على العراق والتي تبلغ أصولها دون الفوائد 13.2 مليار دولار، وأيضاً التعويضات المستحقة على بغداد للكويت والتي أقرتها وقدرتها الأمم المتحدة بمبلغ 37.2 مليار دولار وتسلمت منها الكويت بالفعل حتى الآن 9,3 مليار دولار.
ومنذ عام 1996 تاريخ شروعها في تقديم مطالب التعويض للأمم المتحدة، طالبت الحكومة الكويتية بتعويضات بلغت 190 مليار دولار، أقرت الأمم المتحدة منها مبلغ يقارب 38 ملياراً فقط. وقام العراق حتى الآن بدفع أكثر من 13 مليار منها، ولايزال يتعين عليه أن يدفع أكثر من 25 ملياراً، فضلاً عن مطالبة الكويت بديون تقدر بـ 16 مليار دولار.
مؤخراً أثار إنشاء الكويت ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان في منتصف مايو من العام الجاري أزمة بين البلدين مازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن وإن كانت قد هدأت بعض الشيء لكنها تؤكد أن هناك خلافات بين الجانبين لن تحسمها التصريحات الدبلوماسية والكلمات المنمقة في المناسبات السياسية.. فالعراق يرى أن إنشاء هذا الميناء سوف يضر بمصالحه الاقتصادية والسياسية العليا، وأنه سوف يقلل من الأهمية الاقتصادية لميناءي أم قصر والفاو العراقيين، وسوف يقلص مساحة السواحل العراقية على الخليج العربي في مساحة لا تتجاوز 50 كيلومتراً، كما أنه في حال إنشائه سوف يجعل من ميناء الفاو الكبير الذي تعتزم بغداد تنفيذه عديم الجدوى.
على الجانب الآخر الكويت تعتبر إنشاء ميناء مبارك الكبير شأناً داخلياً فهو يقام على الأرض الكويتية وأن الدولة تمارس سيادتها في إنشاء مرافقها الحيوية دون الاستئذان من أحد ما دام هذا المشروع لا يضر أو يؤذي أياً من دول الجوار، والحكومة الكويتية اعتمدت مبلغ 1.1 مليار دولار لتنفيذ هذا المشروع وتتوقع إنجاز المرحلة الأولى منه في عام 2016م.
الخلاف على إنشاء ميناء مبارك الكبير يعكس الخلاف والحذر والشك الذي يحيط بالعلاقات بين الدولتين العربيتين الجارتين الشقيقتين، في وقت مازالت الذاكرة الكويتية تحفظ مأساة احتلال قوات صدام حسين لجارته الصغيرة وما ترتب على هذا الغزو من خسائر مادية، ومشاكل نفسية، وتحسس في العلاقات الثنائية المستقبلية لا يمكن إغفالها أو تناسيها، وعلاجها وإن لم يكن علاجاً ممكناً بصورة جذرية في الوقت الحاضر فسوف يتكفل الزمن بحلها ومحوها من بؤرة اهتمام الكويتيين لكن هذا الحل مشروط بعدة متطلبات يجب توافرها أولاً حتى تكون المصالحة نهائية وقابلة للاستمرار والديمومة بين الدولتين والشعبين وأعتقد أن ذلك يجب أن يرتكز على التعاون الثنائي كمنطلق أساسي وقبل كل شيء خاصة في المجال الاقتصادي، وأن تكون العلاقات قائمة على التعاون وحسن النوايا وليس على أطماع أو مخاوف من أي نوع، وإنهاء المشكلات الحدودية البرية والمائية العالقة بما يحقق الوفاق والاتفاق بشكل نهائي على حدود مشتركة يلتزم الطرفان بها ووفقاً للخرائط التاريخية والمواثيق الدولية وبما تم الاتفاق عليه عقب أزمتي عام 1961م، و1973م، وبما اعتمدته جامعة الدول العربية بعد ذلك ثم توجته قرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن بعد خروج القوات العراقية من الكويت عام 1991م، ومن المعروف أن الحدود بين الدولتين موثقة في خرائط الدولة العثمانية، وبريطانيا (الدولة التي كانت محتلة لمنطقة الخليج حتى عام 1971م)، كما يمكن التعامل مع قضية حقول النفط الحدودية المختلف عليها بعدة طرق منها تطبيق النموذج السعودي-الكويتي في المنطقة المقسومة أو عن طريق المشاريع المشتركة، وفيما يتعلق بالمياه الإقليمية للدولتين فهناك قوانين دولية تحكم تقسيم المياه الإقليمية يمكن اللجوء إليها ببساطة ودون تعقيد وعلى ضوء هذه القوانين يتم تقسيم حدود المياه بهدوء ووفقاً للقانون الدولي.
حل القضايا العالقة بين الكويت والعراق يتطلب حُسن النوايا وصدقها، والرغبة في التعاون الحقيقي الذي يعود بالنفع على البلدين، وقطع دابر الفتنة التي تحركها رغبات غير سليمة وأيدٍ خارجية تريد أن تزج بالمنطقة في أتون حروب متواصلة خاصة بين الدول العربية وبعضها البعض لتنفيذ أجندات خاصة هدفها إضعاف هذه الدول وتقسيمها إلى دويلات مذهبية وطائفية ما يفتح الباب أمام القوى الطامحة في فرض هيمنتها على منطقة الخليج والتهام ثرواتها النفطية.
إن المأزق والمشكلة بين العراق والكويت لن تحل بتشبث كل جانب بما يعتبره (حقوقه الشرعية) فمازال جزء كبير من الشعب العراقي يؤمن بعمق ويقين بوجود حقوق شرعية وقانونية في المطالبة بالكويت كجزء من العراق. ومنذ منتصف عام 2009 برزت مجموعة من البرلمانيين العراقيين طرحت مشروع (حقوق) العراق بالمطالبة بتعويضات من الكويت لكونها (شريكاً أساسياً في عملية الغزو والاحتلال غير الشرعي الأمريكي للعراق)، وكون الكويت مسؤولة بشكل مباشر عن الدمار المادي والبشري الذي أصاب العراق منذ عام 2003 والتي تقدر بمئات المليارات من الدولارات. وعلى الجانب الآخر تتشبث الكويت (بحقوقها) في المطالبة بتعويضات عن الغزو العراقي للكويت دون أي استعداد للتنازل أو اعتبار لتغير الظروف، وتتشبث (بحقوقها) في بناء ميناء مبارك رغم الاعتراضات العراقية على قيامها بهضم (حقوقه) في تأمين مخرج آمن للمياه الدولية. وفي ظل هذه الأجواء المتوترة فإن أكثر ما يخشاه المراقبون أن تجر معركة (الحقوق) هذه الطرفين الى مواجهه جديدة غير محسوبة العواقب.