يعد قطاع الزراعة وتنوعه الغذائي من أهم القطاعات التي تعتمد على الابتكار وتوظيف التكنولوجيا والآليات الحديثة، لإبراز الفرص الاستثمارية المتاحة، وضمان استدامة العمل في هذا القطاع من خلال توفير ودعم الابتكار والتقنيات الحديثة القادرة على إحداث التكيف والتأقلم للقطاع الزراعي مع التغير المناخي وضمان استدامتهما، وتحقيق الأمن الغذائي. وتسعى الحلول التكنولوجية الداعمة لاستدامة القطاع الزراعي ومساهمته في تحقيق الأمن الغذائي، والتوجه نحو الزراعة الذكية مناخيًا من خلال التركيز على إنتاج المحاصيل الزراعية في الأماكن المغلقة التي تعتمد على تكنولوجيا متقدمة تعمل على الاستهلاك الأقل للمياه والحد الأدنى للأسمدة، بما يتوافق مع المعايير الدولية، من خلال استخدام كميات أقل من المياه، بالإضافة إلى تعزيز تبني البيوت المبردة التي ترتكز في آلية عملها على استخدام الشبكات ونظم الطاقة الشمسية وأجهزة الاستشعار، مما يقلل استخدام الطاقة والتكاليف لغايات التبريد، والمساهمة في تعظيم الإنتاج كمًا ونوعًا وقيمة.
وتهدف هذه الدراسة إلى تحديد استفادة دول الخليج من التكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي لتوفير الاحتياجات الغذائية وذلك من خلال النقاط التالية:-
أولاً: عرض الأدبيات الاقتصادية عن أهمية التقنيات الحديثة في المجال الزراعي
ثانيًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والفجوة الغذائية في دول الخليج
ثالثًا: التقنيات والتكنولوجيا الحديثة واستخداماتها في الزراعة في دول الخليج
رابعًا: تجربة دولة الإمارات في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة
أولاً: عرض الأدبيات الاقتصادية عن أهمية التقنيات الحديثة في المجال الزراعي
يمكن تعريف نقل التكنولوجيا بأنه عملية مدروسة ومنهجية لاقتناء أو تقديم أو تبادل أو ترخيص المعدات والتكنولوجيا والمهارات، والمعارف، وحقوق الملكية الفكرية، والعمليات التجارية والتنظيمية، من أجل تصنيع منتج، أو تطبيق عملية أو تقديم خدمة.
ومن المرجح أن تؤدي التكنولوجيا الحيوية الخضراء إلى زيادة كبيرة في الإنتاجية الزراعية، وتمكين الدول من مواجهة مشكلة انعدام الأمن الغذائي، وتقليص اعتمادها على الواردات الغذائية ، وإنتاج فائض زراعي لتنشيط عملية التصنيع والتحول، وخاصة في البلدان الفقيرة بالموارد المعدنية كما يساهم نقل التكنولوجيا في رفع مستوى مهارة الاقتصاد أو وقف هجرة العقول من خلال زيادة توافر فرص عمل مرتفعة الأجر نسبيا، وذات التقنية العالية.
وتوجد العديد من الأدلة على أهمية التحول الرقمي والتقنيات الحديثة في المجال الزراعي، لتحسين حياة الفقراء. فمن خلال الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة يمكن مواجهة تحديات انعدام الأمن الغذائي من جبهات متعددة، بما في ذلك زيادة الوصول إلى الأسر محدودي الدخل وتمكين الأسر لقياس أفضل للسلامة والجودة والقيمة الغذائية لطعامهم. حيث أن التقنيات الرقمية يمكن أن تجعل الفقراء أكثر مرونة في عدة طرق أولا: التكنولوجيا الحديثة توفر المعلومات وتجعلها متاحة للفقراء؛ وهذا بدوره يمكن أن يترجم إلى فرص عمل أفضل وارتفاع غلة المحاصيل. ثانيًا: التقنيات الرقمية تعزز التعلم، مما يؤدي إلى نقل التكنولوجيا بين المزارعين ، كما أن تحسين الوصول إلى المعلومات الغذائية الصحية من خلال التقنيات الرقمية يمكن أن تساهم في الحد من انتشار الجوع بين الفقراء.
كما أن هناك أدلة تشير إلى أن التقنيات الرقمية قد تؤثر على تكاليف النقل لكل من المدخلات والمحاصيل، ويمكنها تقليل تقلبات الأسعار. وأخيرًا، يمكن أن تلعب التكنولوجيا الرقمية دورًا في الحد من القيود الرئيسية التي تواجهها خدمات الإرشاد التقليدية في الدول النامية، وزيادة التواصل بين المزارعين ووكلاء الإرشاد ومراكز البحوث.
ثانيًا: تطور حجم الإنتاج الزراعي والفجوة الغذائية في دول الخليج
يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الاقتصادية الهامة في غالبية الدول العربية من حيث تلبيته للاحتياجات الاستهلاكية الغذائية، واستيعابه لحجم القوى العاملة، ومساهمته في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى توفيره السلع والمواد الأولية كمدخلات للعديد من الصناعات التحويلية والغذائية.
جدول رقم (1) حجم الناتج الزراعي في الدول العربية
المصدر: صندوق النقد العربي: التقرير الاقتصادي العربي الموحد 2019م، (بيروت: صندوق النقد العربي، 2020م) www.atfp.org.ae
انخفض الناتج الزراعي العربي بالاسعار الجارية إلى 119.9 مليار دولار عام 2018م، بتراجع بلغ 12.5% عن عام 2017م. وسجل الناتج الزراعي في دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة الإمارات والكويت وقطر والبحرين حيث الموارد الزراعية المحدودة نموًا تراوح بين 3% في الإمارات، 12% في الكويت.
شكل رقم (1) القيمة المضافة والمساهمة النسبية لقطاع الزراعة وصيد الأسماك في الناتج المحلي اللإجمالي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2014 – 2018م)
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية: لمحة حول إحصاءات الزراعة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية 2018م الإصدار الثاني، مسقط، سلطنة عمان
يتضح من الشكل السابق أن القيمة المضافة لقطاع الزراعة وصيد الأسماك تزايدت خلال الفترة (2014 – 2018م) حتى بلغت 23.4 مليار دولار عام 2018م، بما يمثل 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي.
شكل رقم (2) المساهمة النسبية للقطاع الزراعي وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي حسب دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2014 – 2018م)
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الشكل السابق أن مساهمة قطاع الزراعة وصيد الأسماك في الناتج المحلي الإجمالي لا تزيد عن 1% في كل من الإمارات والكويت والبحرين وقطر، وإنها تجاوزت 2% في عمان، وتبلغ حوالي 2.5% في السعودية وذلك خلال الفترة (2014 – 2018م).
جدول رقم (2) المساحة الزراعية الكلية في الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي عام 2017
المصدر: صندوق النقد العربي، مرجع سبق ذكره.
على مستوى أقاليم المنطقة يتضح أن معظم المساحات المزروعة بصورة مستديمة (مطرية ومروية) في عام 2017م، تركزت في إقليم المغرب العربي بمساحة حوالي 6 مليون هكتار (62.3% من إجمالي المساحة الزراعية المستديمة)، وأن معظم المساحات المزروعة بصورة موسمية (مطرية ومروية) في عام 2017م، كانت في إقليم الوسط بمساحة حوالي 14.3 مليون هكتار أي بنسبة 22.8% من إجمالي المساحة الزراعية الموسمية.
جدول رقم (3) أوضاع الموارد المائية في الدول العربية
المصدر: صندوق النقد العربي، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الجدول السابق أنه على الرغم من أن الدول العربية تحتل حوالي 9% من مساحة اليابسة ويسكنها نحو 5.3% من سكان العالم إلا أنها تتلقى 2% من المتوسط العالمي للأمطار السنوية التي تسقط على اليابسة ونحو 1% من المياه المتجددة سنويًا، ولهذا لا تتجاوز حصة الفرد في الدول العربية من المياه المتجددة 800 م3 / السنة في مقابل المعدل العالمي الذي يبلغ 7525 م3 / السنة.
شكل رقم (3) نسبة الأراضي المزروعة من الأراضي القابلة للزراعة في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2018م
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الشكل السابق أن نسبة الأراضي المزروعة في الكويت تمثل حوالي 80% من الأراضي القابلة للزراعة وهي أعلى دول مجلس التعاون الخليجي تليها البحرين حوالي 75%، ثم الإمارات 62.6%، ثم قطر 20.3%.
شكل رقم (4) مساحة الأراضي المزروعة بمختلف المحاصيل في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2018م
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الشكل أن السعودية تعتبر أكبر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث حيازة الأراضي المزروعة بالمحاصيل وتبلغ 994.8 ألف هكتار، تليها عمان 108.8 ألف هكتار، ثم الإمارات تليها قطر ثم الكويت.
شكل رقم (5) كمية إنتاج المحاصيل المختلفة في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2018
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الشكل السابق أن السعودية تعتبر أكبر دول مجلس التعاون الخليجي من حيث إنتاج المحاصيل سواء حبوب أو فاكهة أو خضروات أو تمور، تليها الإمارات على مستوى الحبوب والفاكهة وتليها عمان على مستوى الخضروات والتمور.
شكل رقم (6) إجمالي قيمة الصادرات والواردات من المنتجات الزراعية في مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة (2014 – 2018)
المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مرجع سبق ذكره.
يتضح من الشكل السابق أن قيمة الصادرات والواردات من المنتجات الزراعية في مجلس التعاون الخليجي تمر بحالة من الاستقرار خلال الفترة (2014 – 2018)، حيث بلغت الصادرات حوالي 3.7 مليار دولار، وبلغت الواردات حوالي 26 مليار دولار عام 2018.
شكل رقم (7) تطور قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية
المصدر: صندوق النقد العربي، مرجع سبق ذكره.
لقد بلغت قيمة العجز في الميزان التجاري الزراعي العربي عام 2017م، حولي 62.4 مليار دولار أي بزيادة نسبتها 0.5% عن عام 2016م، واستمر العجز الغذائي في بعض السلع الغذائية حيث بلغ 33.6 مليار دولار عام 2017م، حيث انخفضت قيمة الفجوة الغذائية في الدول العربية من حوالي 34.5 مليار دولار عام 2016م، إلى حوالي 33.6 مليار دولار عام 2017م، وبنسبة قدرها 2.7% وذلك للعام الثالث على التوالي، كما انخفضت تلك الفجوة بنسبة قدرها 1.2% خلال عام 2016م، بالمقارنة بعام 2015م.أما عن الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية فقد تراجعت نسبة الاكتفاء عام 2017م، وللعام الرابع على التوالي لعدد من السلع الغذائية وهي الحبوب والقمح بنسبة قدرها 0.6%، 0.3% على الترتيب، وانخفضت نسبة الاكتفاء من البقوليات والسكر والزيوت بنسبة كبيرة بلغت 7.8، 7.5، 5.2% على الترتيب.
لذا يتطلب تقليص الفجوة والتخلص من العجز الغذائي تنفيذ برامج متكاملة لتنمية الريف وتحديث أساليب الاستثمار الزراعي وتخصيص موارد كافية للبحث الزراعي واعتماد وسائل الري الحديث في المشاريع الجديدة وإعادة تأهيل المشروعات القائمة وتوفير المتطلبات الفعلية ليكون الاستثمار الزراعي جاذبا ومجزيا، وهذا ما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى تحقيقه باستخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة.
ثالثًا: التقنيات والتكنولوجيا الحديثة واستخداماتها في الزراعة في دول الخليج
تعتبر التقانة الحيوية الحديثة في مقدمة التقانات الزراعية الواعدة لتحسين الإنتاجية وخفض تكاليف الوحدة المنتجة وتطوير نوعية المنتج وتحسين نظم حفظ واستخدام الموارد الوراثية وتشمل التقانة الحيوية هندسة الموروثات أو الجينات من خلال التعرف على الموروثات وخصائص ووظائف كل منها وعزلها ونقلها عند الضرورة لتحقيق أهداف معينة وتطوير تقنيات زراعة الأنسجة في عالم النبات وتقنيات إكثار وزراعة ونقل الأجنة بالإضافة إلى تصميم واستنباط سلالات نباتية محسنة، وتعتبر تقانة الاستشعار عن بعد من التقنيات المهمة التي يلزم إيلاءها مزيدًا من الاهتمام لاستخدامها في تنمية وتطوير الزراعة من خلال رصد العوامل المناخية والتغيرات البيئية ومسح الموارد الأرضية والبيئية وتحديد المساحات التي تعاني من التصحر والجفاف، إلى جانب تقانة أشعة الليزر في تسوية التربة ورفع كفاءة طرق الري واحتياجات التربة والنباتات من المياه، وفي اختيار المواصفات التقنية والاقتصادية في تخصيص الموارد والمستلزمات الزراعية.
حدثت تطورات هامة في مجال التقنيات الحديثة أثرت على الإنتاجية الزراعية في العديد من الدول العربية، ومن أهمها تقنيات إنتاج الأصناف النباتية، والأصول الحيوانية، وتقنيات المكافحة الكيماوية والبيولوجية، الأكثر توافقًا مع البيئة، وتقنيات نظم الري المرشدة لاستخدام موارد المياه، وكذلك نظم الزراعة الحديثة مثل الزراعة المحمية والزراعات الطبيعية واستزراع الأسماك، بالإضافة إلى تقنيات استخدام المخصبات الزراعية وتقنيات ما بعد الحصاد ونقل المعلومات الزراعية.
وتعتبر أحد مجالات التكنولوجيا هي الزراعة المائية، حيث يتم استخدام محلول المواد الغذائية لتغذية النباتات في الصوبات الزراعية، للتغلب على مشكلات نقص المياه والحرارة الشديدة. وتشير الدراسات أن استخدام الزراعة المائية يمكن أن يقلل من استخدام المياه بنسبة 40-60%.
لقد قامت أبو ظبي باستخدام التقنيات والمشاريع التي تتناسب مع الإنتاج المحلي، حتى في وجود بيئة صحراوية في ظل تاريخ قليل من الزراعة المكثفة، حيث يمكن تحقيق الأمن الغذائي من خلال كمية صغيرة من الإنتاج المحلي والتجارة الجيدة، لذا قامت الإمارات بإنشاء عدد من المزارع المائية في السنوات الأخيرة، حيث تعتبر الإمارات من أوائل الدول التي أدخلت التكنولوجيا الزراعية المتقدمة إلى المنطقة، وزراعة الخيار والفلفل والفراولة والخس بتقنية الاستزراع المائي باستخدام المياه التي تعيش فيها الأسماك، أسفل النباتات، لتقديم المواد الغذائية الإضافية.
وكذلك شهدت المملكة العربية السعودية ظهور شركات زراعية جديدة، وإضافة إلى المنتجات الغذائية اليومية المتزايدة، كما تسعى الشركات الخليجية إلى استخدام التكنولوجيا المتقدمة لإنتاج المواد الاستهلاكية الأقل استخدامًا مثل الكافيار والرخويات البيضاء. ويعد انخفاض احتياطي المياه الجوفية الذي يحدث بشكل طبيعي في منطقة الخليج هو التحدي الرئيسي لاستدامة عمليات زراعة الصحراء. ويتم تجديد إمدادات المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة بالمياه المحلاة، والتي تفتقر إلى المواد الغذائية نفسها. وعلاوة على ذلك فإن المياه يتم استهلاكها أيضًا بشكل أسرع بكثير من تجديدها. وتخطط إحدى الشركات الخليجية إلى تقديم خدماتها إلى نحو 1200 مزرعة في قطر. حيث يتم زراعة الخيار، والفلفل، والفاصوليا الخضراء، والعديد من الفواكه والخضراوات الأخرى.
قام المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا) بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في تعزيز الشراكات الإستراتيجية بين مركز ايكاردا ومراكز البحوث الزراعية الوطنية بدول الخليج، وقد شملت تلك الشراكات مجالات عديدة منها التغير المناخي والموارد الوراثية، وإدارة المياه وتقانة الزراعة المحمية، والإدارة المتكاملة لمكافحة الآفات، واستعادة النظام البيئي في المراعي الطبيعية. كما تمخض عن هذا الدعم انجازات ملموسة شملت استنباط وتعميم البذور المحسنة لأصناف القمح والشعير والذرة والبقوليات تتلاءم مع الظروف المناخية والبيئية في الدول ذات الإنتاجية العالية، بالإضافة إلى تطوير تقنيات مبتكرة ثم تبنيها وتعميم نشرها بين المزارعين في دول الخليج، مما أسهم في زيادة إنتاجية العديد من المحاصيل منها، القمح بنسبة 50%، والشعير بنسبة 75%، والبقوليات بنسبة 35%.
رابعًا: تجربة دولة الإمارات في استخدام التكنولوجيا الحديثة في الزراعة
تسعى الإمارات لتسخير التكنولوجيا المتطورة والثورة الصناعية الرابعة في مختلف المجالات، ومن ضمنها الأمن الغذائي والمياه، للارتقاء بالأمن الغذائي، وإيجاد مشروعات مبتكرة تتصل بالزراعة المغلقة والمنزلية والعمودية، إضافة إلى المزارع المائية؛ للتغلب على التحديات البيئية .ويتم تنفيذ خطة 2017-2021م، التي تسهم في تحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية، من أجل رفع معدلات الإنتاج وسلامة الغذاء، كذلك الوصول إلى تصنيف عالمي متقدم في الأمن الغذائي.
إن الحلول الابتكارية التكنولوجية الخاصة بالقطاع الزراعي ساهمت في تسكين المواطنين العاملين في هذا القطاع، من خلال تعزيز تبني نظم الزراعة الذكية المستدامة مثل الزراعة الرأسية والزراعة المائية والزراعة العضوية التي تعزز الإنتاجية الزراعية وتخفض تكلفتها على المزارعين، وتمكن المستهلك من الحصول على منتجات آمنة وبجودة عالية. وكان نتيجة هذه الإجراءات تم استصلاح 723 ألفًا و737 هكتارًا من الأرض الجرداء، منها أكثر من 300 ألف هكتار مشاريع غابات، كما ارتفع عدد المزارع من 4940 مزرعة في عام 1973م، إلى أكثر من 38 ألف مزرعة عام 2017م، تتبع أساليب الزراعة المستدامة، سواء الزراعة المائية أو الرأسية أو العضوية، وزادت المساحة الزراعية من 125 ألفًا في 1973م، لتصل عام 2017 م، إلى أكثر من 500 ألف، الأمر الذي حقق نتائج كبيرة، حيث زاد إنتاج الدولة من الخضراوات إلى 226 ألف طن، ومن الفاكهة إلى 125 ألفًا عام 2017م، بينما المحاصيل الحقلية فقد زاد الإنتاج إلى 645 ألف طن، حيث يغطي إجمالي الإنتاج الزراعي المحلي من الخضراوات نسبة تتجاوز 20% من إجمالي احتياجات السوق، وتصل النسبة في بعض المحاصيل مثل الخيار إلى أكثر من 80%.
إن الإمارات تعتبر من أهم الدول المنتجة للتمور عالميًا، حيث أصبحت التمور الإماراتية توجد في أكثر من 45 دولة، كما باتت الدولة من أهم عشر دول منتجة للتمور على مستوى العالم، مستحوذة على حوالي 30% من حجم التجارة الخارجية العالمية من التمور عام 2018م، وبلغ حجم إنتاج الثمار الطازجة ما يزيد على 500 ألف طن سنويًا.ووفقًا لتقرير شركة الاستشارات “ألبن كابيتال” (Alpen Capital) أن استهلاك الغذاء في الإمارات سيزداد بمعدل سنوي متوسط يبلغ 4.4٪ بين عامي 2016 و2021م.
وقد ﻗﺎدت اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺠﻬﻮدًا ﺮاﻣﻴﺔ إﻟﻰ اﻟﺤد ﻣﻦ اﺳﺘﻬﻼك اﻟﻤﻴﺎﻩ، باستخدام تكنولوجيا الزراعة المائية، وهي تقنية تَستخدم محلولاً غنيًا بالمُغذّيات، بدلاً من التربة، لزراعة المحاصيل.
وقد أكتشف أن هذا النهج يزيد من كفاءة استخدام المياه بنسبة 70٪ عن أساليب الزراعة التقليدية، وكثيرًا ما يسمح بمواسم حصاد أطول، مع زيادة عدد بيوت الدفيئات الزراعية (greenhouses) في الإمارات من 50 في عام 2009 إلى 1000 عام 2016م،قامت شركة “بيور هارفست سمارت فارمز” (Pure Harvest Smart Farms)، وهي شركة ناشئة في قطاع الأعمال الزراعية، بتأمين استثمار أولي بقيمة 4.5 مليارات دولار للمساعدة في تمويل بناء مزرعة مساحتها 3.3 هكتارات مع مرفق لبيت دفيئات زراعي (greenhouse) يتم التحكّم به بشكل كامل في ناهيل بأبو ظبي. كما أعلنت شركة الإمارات لتموين الطائرات عن شراكة مع مؤسسة أمريكية متخصصة في الزراعة العمودية، لاستثمار 146.8 مليون درهم في بناء أكبر منشأة للزراعة العمودية،. تبلغ مساحة المنشأة الزراعية 130 ألف قدم مربعة، لكن قدرتها الإنتاجية تعادل ما مساحته 900 هكتار من الأراضي الزراعية. ويبلغ الحصاد الأقصى للمنشأة 2700 كيلوجرام يوميًا من الخضر الورقية ذات الجودة العالية الخالية من الأسمدة والمبيدات الحشرية، وباستخدام كميات من المياه تقل بنسبة 99% عن الزراعة الحقلية التقليدية.
اعتمدت الشركات الإماراتية على توسيع تكنولوجيا الزراعة العمودية والزراعة بدون تربة، حيث تعد تلك التقنية رائدة على مستوى العالم، ويمكن الزراعة من خلالها بشكل رأسي داخل مزارع مغلقة، مما يوفر المساحة المزروعة، بالإضافة إلى التحكم في كمية المياه. وتستخدم تلك المزارع ضوءًا اصطناعيًا كبديل لأشعة الشمس اللازمة لنمو النباتات.كما افتتحت الإمارات أول مزرعة رأسية تجارية ذات تكنولوجيا متطورة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي تتبع ل«مزارع بادية» في إمارة دبي، وتنتج المزرعة الممتدة على مساحة 8500 قدم مربعة من المحاصيل الزراعية من دون مواد كيميائية ومبيدات، وبكميات أقل من المياه بنسبة 90% مقارنة بحقول الزراعة المفتوحة.وتستخدم مزرعة بادية الرأسية تقنية الزراعة المائية بصورة مبتكرة لإنبات ما يزيد على 18 نوعًا من شتلات الخس والخضروات والأوراق العشبية الصغيرة بأنواعها المختلفة.
وختاما تعتبر دول الخليج من المناطق التي تعاني نقص المياه الصالحة للزراعة، وتغير المناخ، والجفاف، والتصحر، الأمر الذي يؤثر سلبًا على توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي. لذا فهي من أكثر المناطق حاجة لتطبيق تقنيات الزراعة الذكيّة، مما يتطلب تعزيز العمل العربي المشترك، وتبادل المعرفة والأفكار وإدراج تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كعامل أساسي للتنمية الزراعية المستدامة. كما يتعين الاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، وتسخير الذكاء الاصطناعي في تطوير الأدوات والآلات المستخدمة في مجال الزراعة والري، والاستفادة من التقنيات الحديثة بما يخدم استراتيجية الأمن الغذائي بدول الخليج.