يعد الجوار الجغرافي بين الدول من العوامل المحفزة على التعاون والترابط الذى يخدم المصالح المشتركة ويعزز هياكل القوة لدى الدول في مواجهة التحديات، وقد حظي العالم العربي والقارة الإفريقية على تجربة فريدة في التواصل الجغرافي بين الدول والشعوب المختلفة، حيث أسفر هذا الجوار عن تطور مستمر عبر قرون من الزمن لمسارات التعاون، والبحث عن الروابط المشتركة بين الجانبين، ومع صعود ظاهرة الإرهاب كأحد الظواهر الدولية الخطيرة خلال العقود الأخيرة، وانزلاق دول وأقاليم كثيرة في العالم في إطار مواجهة هذه الظاهرة بعد أن تحولت أراضيها إلى ملاذات آمنة للعناصر الإرهابية وخططها وإدماجها ضمن الاستراتيجيات الدولية لمكافحة هذه الظاهرة، مثل الجوار العربي الإفريقي أحد العوامل الدافعة إلى ضرورة التعاون العربي الإفريقي في مواجهة هذه الظاهرة وخاصة بعد أن استغلت الجماعات الإرهابية هذا الجوار في توسيع عملياتها وأهدافها، وتمكنت من إضعاف آليات مكافحة الإرهاب .
ويسعى التقرير الحالي إلى محاولة البحث في أبعاد التفاعل بين العالم العربي والقارة الإفريقية (وتحديدًا أقاليم جنوب الصحراء) فيما يتعلق بقضايا الإرهاب وتحركات الجماعات الإرهابية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بالتركيز على مراحل انتقال العناصر الإرهابية من العالم العربي إلى إفريقيا وتطور ظاهرة الإرهاب على النحو الذي تشهده مناطق واسعة في القارة الإفريقية، وأثر الأزمات التي تعرض لها الإقليمان العربي والإفريقي على تطور الظاهرة، والاستجابات العربية والإفريقية لتحديات الإرهاب.
أولاً: تطور ظاهرة الإرهاب عبر الجوار العربي الإفريقي
فعلى الرغم من أن القارة الإفريقية تظهر في الكثير من المشاهد باعتبارها مصدر للعديد من الكوارث الإنسانية والأمنية التي تلقى بتأثيراتها على الأقاليم المجاورة لها وخاصة الإقليم العربي الأقرب إلى دول هذه القارة والذي يحتل عدد من دوله أجزاءً من هذه القارة إلا أن قضية الإرهاب تطرح مشهدًا مغايرًا لما هو معتاد عن القارة الإفريقية حيث تتحول هذه القارة في كثير من تطورات هذه القضية إلى ضحية ومركز لاستقبال الارتدادات التي تنتج عن المواجهة المتتالية للجماعات الإرهابية في العالم العربي.
فإفريقيا التي شهدت شعوبها الكثير من الانتكاسات الأمنية واتصفت دولا بداخلها بالانهيار والفشل لم تكن مهدًا لنمو الجماعات الإرهابية (باستثناء بعض الأحداث البسيطة مثل ظهور جماعة محمد مروة في نيجيريا في أواخر السبعينيات والتي تم القضاء عليها سريعًا ) لكن التأثير الأكبر الذى تحولت في أعقابه القارة الإفريقية إلى أحد مراكز نمو الجماعات الإرهابية في العالم جاء في أعقاب استغلال الجماعات الإرهابية للفراغات الأمنية والمظالم التاريخية لبعض الجماعات والهشاشة التي تتميز بها الكثير من مؤسسات الحكم في الدول الإفريقية في استخدام الأراضي الإفريقية كملاذات آمنة ومسرحًا لمواجهة الأعداء، وبرزت هذه التحركات في إطار المواجهة بين تنظيم القاعدة والغرب وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ظهور ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في عام 2013م، كان للقارة الإفريقية نصيب في التأثيرات التي طرحها هذا التنظيم على الاستقرار والامن الاقليمي والعالمي . حيث شهدت التفاعلات العربية الإفريقية في قضايا الإرهاب عدة مراحل:
- انتقال العناصر والجماعات الإرهابية عبر الحدود
كان انتقال أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة للعيش في السودان عام 1996م، بداية هذه التحركات، وما تبعه من تنفيذ هجومين إرهابيين على سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام في عام 1998م، بداية لتحول إقليم شرق إفريقيا إلى أحد مراكز نمو ظاهرة الإرهاب، والذى تزامن مع بروز الجماعات الإرهابية في اليمن وضلوعها بضرب المدمرة الأمريكية كول عام 2000م، مما قدم ذريعة للقوى الغربية وخاصة أمريكا لطرح خطط للتمركز في شرق إفريقيا حيث تجاوزت أهداف القوى الغربية قضية مكافحة الإرهاب في هذا الإقليم و شبه الجزيرة العربية، إلى محاولة تأمين المصالح الغربية المرتبطة بالممرات المائية ومصادر الطاقة .
وتوالت محاولات الجماعات الإرهابية للانتقال إلى القارة الإفريقية عبر الحدود العربية الإفريقية المشتركة، فانتقلت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (الجزائرية) إلى الصحراء الكبرى في عام 2003م، وتصاعدت عملياتها وتطورت هياكلها منذ ذلك التاريخ، وفى أعقاب الغزو الأمريكي للعراق تحول الشمال الإفريقي إلى أحد مراكز تجنيد الإرهابيين للانتقال للعراق لمواجهة الاحتلال الأمريكي.
كما لم يزيد اتباع تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS) في إفريقيا إلا في أعقاب الهزائم المتكررة التي مني بها التنظيم في العالم العربي خلال عامي 2014-2015م.وبعد عام 2014م، أصبح الشمال الإفريقي مركزًا للتجنيد في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIS).
- إعلان الولاء للجماعات الإرهابية (القاعدة وداعش)
في مرحلة لاحقة من التأثيرات المتبادلة بين العالم العربي والقارة الإفريقية في مجالات الإرهاب اتجهت بعض الجماعات الإرهابية ولاءها للتنظيمين الكبيرين (القاعدة، داعش) ولم تهدف هذه الجماعات إلى الحصول على الدعم والتمويل من هذين التنظيمين فقط، بل سعت من خلال إعلانها للولاء والانتماء لهذين التنظيمين تدعيم قوتها وتأثيرها على المستويين المحلي والدولي.
فخلال عام 2007م، أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (الجزائرية) انضمامها إلى تنظيم القاعدة، وتمكنت حركة شباب المجاهدين (الصومالية) من الحصول على موافقة تنظيم القاعدة على أن تصبح أحد فروعه المحلية في القارة خلال عام 2011، ومع فشل جماعة بوكو حرام (النيجيرية) في الانضمام إلى تنظيم القاعدة أعلنت الجماعة ولاءها لتنظيم داعش في عام 2015م.
فقد تعهد زعيم بوكو حرام في ذلك الوقت بالولاء للدولة الإسلامية وكان من بين أهدافه في المقام الأول تسويق بوكو حرام كمنظمة إرهابية دولية قوية من أجل جذب المجندين الجدد ومصادر التمويل.
ويؤكد بعض المسئولون الأمريكيون ونظراؤهم الأفارقة، أن الجماعات المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والتي تشهد العلاقات بينها حالة الحرب في الشرق الأوسط، تعمل معا للسيطرة على الأراضي عبر امتداد شاسع من غرب إفريقيا، مما أثار مخاوف من أن التهديد الإقليمي يمكن أن ينمو ويتحول إلى أزمة عالمية.
ويبدو أن الإرهابيين ينسقون الهجمات وينفذون إلى مناطق متفق عليها بشكل متبادل في منطقة الساحل، وهناك مساحات واسعة في أطراف الدول تسمح بنقل آلاف المقاتلين إليها.
وخلال الأشهر الأخيرة استخدم المسلحون تكتيكات معقدة بشكل متزايد حيث تعمقوا في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث هاجموا قواعد الجيوش الوطنية والقوات الفرنسية وسيطروا على القرى بقوة مفاجئة في الساحل وغرب إفريقيا.
3-تأسيس وترابط العديد من الجماعات الإرهابية
وفى إطار تطور ظاهرة الإرهاب في العالم العربي وإفريقيا، وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وانتشار بيئات خصبة لاستقطاب ونمو الجماعات الإرهابية نشأة العديد من الجماعات الإرهابية، في مناطق مختلفة سواء في العالم العربي أو الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء وكان من أبرز تلك المناطق، سوريا والعراق، شمال مالي، وفى منطقة الساحل الإفريقي، وفى إقليمي شرق وغرب إفريقيا وأخيرًا في إقليم وسط إفريقيا.
كما عملت الجماعات الارهابية على تدعيم فروعها عبر الحدود العربية الإفريقية، وخاصة في مجالات التدريب والتمويل، حيث أفادت العديد من التقارير عن تلقى فروع القاعدة في إفريقيا لدعم مالي من فروع التنظيم في الشرق الأوسط، هذا فضلاً عن اعتماد بعض الجماعات الإرهابية في إفريقيا مثل حركة شباب المجاهدين على التمويل الذاتي لأنشطتها من خلال تجارة بيع الفحم غير المشروعة مع إيران، وجباية الضرائب في المناطق التي تسيطر عليها.
وكانت الولايات المتحدة قد اتهمت عام 2001م، عدد من المؤسسات العربية الخيرية وشركات التحويلات المالية بتمويل الإرهاب حيث منعت الهيئات العربية الخيرية من العمل في الصومال. فتم إغلاق مكاتب مؤسسة الحرمين الخيرية في مقديشيو، التي يقع مركزها الرئيسي في الرياض بعد أن تعرضت للهجوم المنظم والاتهام بتمويل تنظيم القاعدة واتحاد المحاكم الإسلامية، ووضعتها على قائمة الإرهاب في عام 2004م، إلا أن الولايات المتحدة قدمت اعتذار لمؤسسة الحرمين.
كما قامت وزارة الخزانة الأمريكية في 16 أبريل 2019م، بتصنيف شبكة الراوي، وسبعة أفراد من الوسطاء الماليين المتعاملين معها بتمويل الإرهاب، حيث يقيم ستة من هؤلاء الأفراد في العراق وتركيا وبلجيكا. وتمثل شبكة الراوي مجموعه رئيسية للتيسير المالي لداعش مقرها في العراق، وكانت هدفًا لإجراء مشترك ما بين وزارة الخزانة الأمريكية ووزارة الدفاع في أكتوبر 2018م. والشخص السابع الذي تم تصنيفه هو وسيطة مالية مقيمة في كينيا والتي لعبت دورًا مهمًا في شبكة تيسير لداعش في شرق إفريقيا.
ثانيًا – انعكاسات الأزمات على حالة الإرهاب في العالم العربي وإفريقيا
استغلت الجماعات الإرهابية حالة السخط الاجتماعي والفشل الاقتصادي والاستياء من الحكومات الفاسدة في عدد من الدول الإفريقية في الحصول على التعبئة الجماهيرية لأفكارها، كما استغلت ضعف القدرات الأمنية والأزمات السياسية التي تشهدها بعض الدول في بسط سيطرتها على أجزاء من أراضي الدول.
كما كان للأزمات أثر واسع على انتقال الجماعات الإرهابية إلى الدول المتجاورة في الإقليمين العربي والإفريقي، فقد تركت الأزمة الصومالية التي استمرت إلى أكثر من ثلاث عقود آثار على الدول العربية الأخرى، فألقت هذه الأزمة بظلالها على اليمن حيث تدفق مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين إلى اليمن التي تستضيف ثاني أكبر عدد من اللاجئين الصوماليين في العالم، ويشكل الصوماليون نحو 90% من اللاجئين حيث يبلغ عددهم حوالي 250 ألف لاجئ، حيث أحدث هؤلاء اللاجئين ضغوط على الاقتصاد اليمنى، هذا فضلاً عن صعوبات الاندماج في المجتمع اليمني، إلا أن الأزمة اليمنية التي تصاعدت بصورة سريعة وأدت إلى حالة واسعة من الاقتتال الداخلي في عام 2015م، وما ترتب عليه من اندلاع الحرب، وأصبحت اليمن تحتضن أكبر الأزمات الإنسانية في العالم في ظل حاجة أكثر من 24 مليون شخص إلى المساعدة، دفعت العديد من الصوماليين لمحاولة العودة إلى بلادهم التي أصبحت أكثر أمنًا من اليمن، في حين فر الآلاف من اليمينين من البلاد، حيث توجه بعض هؤلاء عبر خليج عدن إلى الصومال، ووصلت أعداد هؤلاء الى 33 ألف يمني في عام 2015م، وبين انتقال اللاجئين عبر شواطئ خليج عدن والبحر الأحمر انتقلت العناصر الإرهابية والأسلحة بين الجانبين.
كما كان للأزمة الليبية التي بدأت منذ عام 2011م، تأثيراتها الخطيرة على مناطق واسعة من القارة الإفريقية، هذا فضلاً عن تداعياتها على الأمن العربي بما اتاحته من فوضى تمكنت الجماعات الإرهابية خلالها من ترتيب أوضاعها واستعادت قوتها وعادت لتهديد الدول العربية سواء في سوريا والعراق أو الدول المجاورة لليبيا ومنها الجزائر وتونس وكذلك مصر، في الوقت الذي تحولت أجزاء من الساحل الإفريقي إلى بؤر إرهابية، والقت بظلالها على التطورات في عدد من دول الساحل وغرب إفريقيا. ولم يقتصر تأثير حالة الفوضى التي تعرضت لها ليبيا على انتقال الأسلحة والمقاتلين من داخلها إلى دول الساحل الإفريقي فقط بل ساهمت هذه الفوضى في التشابك بين عدد من الجماعات الإرهابية في الساحل والغرب الإفريقي وبين جماعات أخرى في التدريب والتمويل والتجنيد، فتحولت أجزاء واسعة من الدول ( مثل ،شمال مالي، وشمال نيجيريا) إلى ساحة لنشاط غير مسبوق للجماعات الارهابية وتهديدها لوحدة واستقرار الدول الإفريقية، وفى تطور لاحق شهدته السنوات الأخيرة دخلت دول أخرى لم تكن مركزًا لنمو الجماعات الإرهابية على خط المواجهة مع هذه الجماعات بعد استهداف الأخيرة لها واستغلال حدودها المشتركة مع الدول التي تنمو فيها هذه الجماعات، وفى مقدمة هذه الدول، النيجر وبوركينافاسو وتشاد .
وأتاحت الفوضى التي تعيشها العديد من دول الساحل والغرب الإفريقي الفرصة للتدخلات الخارجية التي ساهمت في مضاعفة الآثار الناجمة عن الإرهاب.
وفى إطار الأزمة القطرية والتي أفضت عن مقاطعة أربع دول عربية للحكومة القطرية، تزايدت الأدلة التي قدمتها جهات ووسائل إعلام مختلفة والتي تشير إلى تورط دولة قطر في دعم الجماعات الإرهابية، مما دفع دول عربية أخرى لمقاطعة قطر، فقد أعلنت موريتانيا في يونيو العام 2017، قطع علاقتها مع الدوحة بسبب "تقويض المبادئ التي تأسس عليها العمل العربي المشترك، وارتباط سياستها في المنطقة بدعم التنظيمات الإرهابية" وفق بيان للخارجية الموريتانية.
إلا أن انعكاسات هذه الأزمة على الاستقرار في إفريقيا كان بالغ الأثر، فقد اتجهت حكومة الدوحة إلى تكثيف دعمها للجماعات الإرهابية في إفريقيا بما يهدد المصالح العربية وبحسب التقارير الاستخباراتية الغربية، تقدم قطر مساعدات مالية ولوجستية كبيرة لكل من الإرهابيين في شمال مالي، ومنطقة الساحل الإفريقي، كما عملت الدوحة على ضرب استقرار دول كثيرة في منطقة غرب إفريقيا، من خلال تمويل وتسليح الجماعات الإرهابية واستخدامها في ضرب استقرار هذه الدول، بهدف السيطرة على مواردها. فقد أكد جهاز المخابرات الفرنسية في عام 2018م، أن الدوحة قدمت دعمًا عسكريًا ولوجيستيًا وماليًا كبيرًا لجماعات إرهابية متطرفة شمالي مالي، بهدف زعزعة استقرار عدة دول إفريقية تتعارض مصالحها مع الدوحة.
فكشفت صحيفة "لوكانار أنشينيه" الفرنسية، عن تلقي "حركة أنصار الدين" وحركة "التوحيد والجهاد" في غرب إفريقيا ومتمردي الطوارق، دعمًا ماليًا من قطر بحجة المساعدات والغذاء والتي كانت تهبط في مطارات جاو وتمبكتو في مالي لتصل إلى أيادي المتطرفين والإرهابيين.
ونشر الفريق الدولي لتقصي الحقائق في انتهاكات قطر، ومقره "لاهاي" مذكرة حقوقية صدرت نسختها الأولى في نوفمبر 2018م، وجرى تحديثها وإصدارها في نهاية 2019م، كشفت تورط حكومة قطر ودعمها للجماعات الإرهابية في إفريقيا.
ورصدت المذكرة العلاقة بين مؤسسات قطرية، وحركة شباب المجاهدين في الصومال، وكذلك جماعة "بوكو حرام" الإرهابية في نيجيريا، واعتبرت المذكرة، أن ذلك يشير إلى مثلث قطر لدعم الإرهاب في إفريقيا من ليبيا شمالاً إلى الصومال شرقًا وإلى نيجيريا غربًا.
كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز في يوليو 2019م، تفاصيل تسجيل صوتي عثرت عليه يثبت الترابط بين حكومة قطر وإحدى الجماعات الإرهابية في الصومال، وان هذه الجماعة قامت بتفجيرات في مدينة بوصاصو الصومالية.
ونشرت صحيفة غارديان أسماء الجماعات الإرهابية التي يدعمها بنك الريان القطري، إضافة لتقرير تايمز البريطانية الذي كشف تمويل بنك الدوحة لتنظيم القاعدة وفروعها المختلفة في كافة أرجاء العالم.
ثانيًا: التعاون بين الجانبين في مكافحة الإرهاب
سعت مجموعة من الدول العربية والإفريقية نحو تفعيل التعاون فيما بينها لمواجهة ظاهرة الإرهاب التي أصبحت من أهم التحديات التي تواجه هذه الدول، وخاصة في ظل التدخلات الخارجية التي شهدها الإقليمان تحت مظلة مكا فحة الإرهاب، والتي تبنت العديد من الاستراتيجيات في هذا الشأن من بناء القواعد العسكرية ونشر القوات المسلحة وتبنى عدد من العمليات التي تعد اختراقًا لسيادة الدول العربية والإفريقية، ولا تفرق هذا التدخلات الأجنبية بين الأراضي العربية والإفريقية، فالقاعدة العسكرية الأمريكية التي أنشئت بعد أحداث 11 سبتمبر في جيبوتي تلعب دورًا مهمًا في “الحرب ضد الإرهاب” التي تقودها الولايات المتحدة في اليمن كما يبرهن على ذلك اغتيال جمال البدوي في مطلع يناير 2019م، وهو أحد العقول المدبرة لتفجير المدمرة الأمريكية كول عام 2000م، في عدن، وهي بذلك تقدم دعمًا غير مباشر للتحالف العربي لمكافحة الإرهاب.
وتمثل جيبوتي مركزًا رئيسًا، جوياً وبحريًا، للأمم المتحدة في المنطقة. انطلاقًا من الميناء أو من مطار العاصمة، ترسل إلى اليمن مختلف شحنات برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات غير الحكومية الأخرى باتجاه ميناء الحديدة أو المطارات اليمنية.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة حرصت الدول العربية والإفريقية على تفعيل التعاون فيما بينها لمكافحة ظاهرة الإرهاب، حيث برزت العديد من الجهود عبر مستويين، المستوى الأول، قامت به الدول الإفريقية العربية، والتي بذلت جهودًا كبيرة لاحتواء ظاهرة الإرهاب والحد من تداعياتها على الأمن والتنمية في إفريقيا حيث بدأت هذه الجهود منذ تسعينيات القرن العشرين، أما المستوى الثاني، فقامت به عدد من الدول العربية التي رأت أن احتواء ظاهرة الإرهاب لا يتوقف عند حدودها السياسية وأن مصالحها الاقتصادية في القارة الإفريقية وكذلك أمنها يقتضى التعاون مع جيرانها في القارة الإفريقية وخاصة بعد استغلال منافسيها وأعدائها لأراضي القارة الإفريقية في دعم الإرهاب وضرب المصالح الحيوية للدول العربية .
فقد تبنت الجزائر منذ نهاية التسعينيات مجموعة من الترتيبات الأمنية لدعم قدرات دول الساحل المجاورة لها، والحد من تهديدات الجماعات الإرهابية، وأدت هذه الاستراتيجيات إلى تقوية جيوش دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، إلا أن التطورات التي شهدتها دول الساحل في أعقاب تصاعد الأزمة الليبية بعد عام 2011م، طرحت العديد من التحديات الجديدة والتدخلات الخارجية في المنطقة قلصت من الأدوار الحيوية التي لعبتها الدولة الجزائرية لمكافحة الإرهاب.
كما سعت مصر منذ عام 2014م، لتدعيم روابطها مع الدول الإفريقية، وخاصة دول الساحل الإفريقي، واستضافت العديد من فاعليات التعاون في إطار تجمع الساحل والصحراء، كما قدمت مصر عدد من المنح الدراسية في الكليات العسكرية لطلاب دول الساحل، هذا فضلا عن قيام الجيش المصري بتدريب كتائب من جيوش المنطقة.
ومع إعلان المملكة العربية السعودية في ديسمبر 2015م، تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمكافحة الإرهاب انضمت إلى هذا التحالف الذي ضم 41 دولة، أربع وعشرين دولة إفريقية من بينهم 9 دول عربية، وهذه الدول هي: مصر وتونس وليبيا، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، السودان، جيبوتي، الصومال، موريتانيا، المغرب، بنين، تشاد، توجو، السنغال، سيراليون، الغابون، غينيا، ساحل العاج، مالي، النيجر ونيجيريا. ويقوم هذا التحالف على التعاون بين أعضائه في تبادل المعلومات وتقدم معدات والتدريب ونشر القوات (إذا لزم الأمر).
وخلال السنوات الأخيرة ظهرت أدوارًا حيوية لكل من المملكة السعودية والإمارات في مكافحة الإرهاب في إفريقيا، ففضلا عن اهتمام الدولتين بالاعتماد على الموانئ الشرقية لدول القارة في جيبوتي وإريتريا والصومال لدعم التحالف العربي في اليمن، انضمت الدولتان إلى مبادرة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، بجانب إيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة ولوكسمبورج والدنمارك وهولندا.
وقبل المؤتمر الأخير للتحالف الذي شهدته موريتانيا في فبراير 2020م، من العام الجاري، كانت السعودية والإمارات في طليعة البلدان المشاركة في مؤتمرات المانحين لتمويل المشاريع التنموية بالمنطقة، وعمليات القوة المشتركة للمكافحة التي أنشأها تجمع بلدان الساحل الإفريقي الخمسة. فقدمت الإمارات أكثر من 300 مليون دولار، 30 مليون منها لدعم القوة المشتركة، في حين يوجه المبلغ المتبقي لإقامة مشاريع تنموية بعضها قيد التنفيذ. وقدمت السعودية دعم مالي بقيمة 100 مليون دولار لدعم القوة المشتركة لدول الساحل. هذا فضلاً عما تقدمه السعودية من دعم إنساني للاجئين في المنطقة عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية.
استنتاجات
تتشارك الدول العربية والإفريقية في احتلال المراتب المتقدمة في المؤشر العالمي للدول الأكثر تأثرًا بالإرهاب في العالم، مما يؤكد على التحولات الخطيرة التي شهدتها هذه الظاهرة على مدى السنوات الأخيرة وتركز الجماعات الإرهابية في العالم العربي، وإفريقيا، مما يشير الى أهمية التعاون بين الإقليمين في محاربة هذه الظاهرة إلا أن عملية التعاون يشوبها العديد من المشكلات أهمها:
طغيان الأزمات العربية والإفريقية المختلفة على آليات التعاون، فتدخل الدول العربية لدعم الدول المتضررة من الإرهاب في إفريقيا كثيرًا ما يتم في إطار المحاولات العربية للحد من التدخلات الإيرانية أو القطرية والتركية في شؤون الدول الإفريقية وبما ينعكس على المصالح العربية.
ومن ثم يفتقد التعاون إلى رؤية شاملة للمخاطر التي تمثلها ظاهرة الإرهاب على الأمنين العربي والإفريقي، والاستراتيجيات التي يمكن التعامل مع هذه الظاهرة بحيث تتجاوز هذه الاستراتيجيات المشكلات السياسية العربية ـ العربية ونظيرتها الإفريقية، وكذلك تطور العلاقات العربية الإفريقية، والمسؤولية الإنسانية عن تطور هذه الظاهرة وتحركات عناصر الجماعات الإرهابية عبر الحدود العربية الإفريقية.
كما يتطلب التعاون العربي الإفريقي في مواجهة ظاهرة الإرهاب العمل على دعم الدول العربية الإفريقية، والتي يعاني بعضها من انتشار الجماعات الإرهابية على أراضيه مثل دولة الصومال، ودول أخرى تتشارك حدودها مع دول إفريقية تحولت اراضيها إلى ساحة تستغلها هذه الجماعات في تحقيق أهدافها، فقد تجاهلت الدول العربية كثيرًا الأزمة الصومالية بما سمح بالتدخلات الأجنبية المهددة للمصالح العربية.
يضاف إلى ذلك أن قضية التنمية والقضاء على مشكلات الفقر والجوع والتهميش هي من القضايا الرئيسية في مكافحة الإرهاب حيث تظهر تأثيرات هذه القضايا في الدول الإفريقية أكثر من الدول العربية، مما يشير إلى أهمية أن تعمل الدول العربية في دعمها للدول الإفريقية على مساعدة القطاعات الاقتصادية في هذه الدول على الحد من معدلات الفقر التي تمثل أحد العوامل الرئيسية لنجاح عمليات التجنيد والتعبئة في الجماعات الإرهابية في الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء، على أن تهتم الحكومات العربية بتقديم هذا الدعم إلى جانب الجمعيات الخيرية العربية .