لقد أتاح وجود روسيا والصين المرونة والمصداقية في آن واحد لمنظمة شنغهاي للتعاون؛ وعلى مدى السبعة عشر عامًا الماضية، شكلت كل من مصالحهم وقدرتهم على العمل معًا أيضًا تطور المنظمة، وكان ذلك غالبًا ما يتم في ظل ظروف بالغة الصعوبة. وأشار ريك راودن إلى أن منظمة شنغهاي للتعاون "تستند إلى اتفاقية استراتيجية بين روسيا والصين تهدف إلى التعاون من أجل تعزيز مصالحهما العسكرية والاقتصادية المتبادلة في جميع أنحاء آسيا بطرق مختلفة". ومن الناحية العملية، كان ذلك يعني "دمج" منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي )EEU (مع قوة الصين الاقتصادية والمالية، ولا سيما مبادرة "الحزام والطريق".
لقد بذل هذان البلدان الرئيسيان في أوراسيا جهودًا للتخفيف من حدة المنافسة والخصومة بينهما والتوفيق بين مصالحهما. وتمثل أحد العوامل الرئيسية التي سهلت ذلك الأمر في رؤية الرئيس بوتين "لصلة إيجابية" بين مقترح الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق الصينية. وتوج ذلك بالبيان المشترك بين روسيا والصين بشأن التعاون بين المبادرتين، الذي وقعه بوتين وشي جين بينغ في مايو 2015م، وعليه، أقام البلدان الأوروآسيويان من خلال هذه المبادرات علاقات إقليمية قوية وعلاقات أمنية مع منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي، بالإضافة الى دعم الروابط الاقتصادية من خلال اتفاقية الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومبادرة الحزام والطريق "OBOR-EEU". وبهذه الطريقة، أيدت الصين المخاوف الأمنية لروسيا، في حين استوعبت روسيا المصالح الاقتصادية للصين في جميع أنحاء أوراسيا، ولا سيما في آسيا الوسطى.
كما أقاموا علاقات ثنائية قوية: ورأى راودن أن العداء الغربي لروسيا ردًا على الصراع في أوكرانيا، بما في ذلك فرض العقوبات وطرد روسيا من مجموعة الثماني، شجع العلاقات الروسية ــ الصينية. وعليه، في عام 2014م، نفسه، اتفق البلدان على بناء خط أنابيب غاز بطول 3370 كيلومترًا من روسيا إلى مقاطعة هيلونغجيانغ في الصين، بقيمة 400 مليار دولار، وهو ما سيوفر للصين 38 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا اعتبارًا من عام 2019م، لمدة 30 عامًا. وأعقب ذلك التعاقد بشأن خط أنابيب غاز آخر من غرب سيبيريا إلى مقاطعة سنجان، حيث ينقل 30 مليار متر مكعب سنويًا لمدة 30 عامًا.
إلى جانب الطاقة، عززت روسيا والصين أيضًا علاقاتهما العسكرية: اشترت الصين نظام الدفاع الصاروخي الروسي إس-400 تريومف ضد الطائرات والمقاتلات الدفاعية من طراز Su-35، وتشارك في تدريبات مشتركة؛ كما أنهما يطوران بشكل مشترك أنظمة أسلحة جديدة. وأكد البلدان على القيمة الاستراتيجية لعلاقاتهما الدفاعية من خلال التأكيد على مصالحهما المشتركة وتقديم جبهة موحدة أمام التحدي الذي تشكله الولايات المتحدة لمصالحهما.
وفي اجتماعات لوزراء الدفاع والخارجية لمنظمة شنغهاي للتعاون في تشينغداو بالصين في أبريل 2018م، قبل القمة في وقت لاحق في يونيو، أشاد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالعلاقات الروسية الصينية وقال إن البلدين يسيران في "مسارهما الاستراتيجي نحو زيادة تعزيز العلاقات الودية والموثوقة في مجال الدفاع"، ووصف هذه العلاقات بأنها" عامل مهم للحفاظ على الأمن العالمي والإقليمي". في حين أشار وزيرا الدفاع إلى مواقفهما المشتركة بشأن الصراع في سوريا، لا سيما معارضتهما للهجمات العسكرية الغربية على أهداف سورية، كما أكد وزيرا الخارجية على مرونة العلاقة الثنائية. وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي إن العلاقات "في أفضل فترة في التاريخ"، وقال إن البلدين بحاجة إلى العمل معًا بشكل وثيق "لأن الوضع الدولي والإقليمي الحالي لا يزال مليئًا بمختلف الشكوك". وأعلن الوزير الروسي أن البلدين سيعملان على منع الولايات المتحدة من تعطيل الاتفاق النووي الإيراني.
تحظى العلاقات الصينية الروسية باهتمام كبير من النقاد. بينما يعتبرها جريج شتراكس، من جامعة شرق الصين للمعلمين، شنغهاي، "ظاهرة حقيقية ودائمة"، ويعتقد رافايللو بانتوتشي أن روسيا حريصة على إقامة علاقات ثنائية وثيقة مع الصين. ويعتقد ماثيو ساسكس، من جامعة تسمانيا، أن الدافع وراءها هو الضرورة وليس الثقة المتبادلة، بينما تنظر إليهما الباحثة الهندية أنيتا إندير سينغ باعتبارهما منافسان في أوراسيا ويشك في عمقهما.
وعلى غرار جميع القوى الكبرى ذات المصالح العالمية، سوف تُحَدَد العلاقات الصينية ــ الروسية من خلال مزيج من التقارب والمنافسة. ولم تسع أي من القوتين إلى تحالف رسمي في هذه المرحلة، ومن ثم فإنه من غير المرجح أن يخدم ذلك غرضًا مفيدًا يذكر. ومن المهم أن يفهم المحللون العوامل التي تجمعهما معًا ومدى أهمية هذه العوامل من حيث مصالحهما الأساسية.
الأمن الإقليمي
لقد كفلت الأحداث التي وقعت في غرب آسيا منذ انتفاضات الربيع العربي أن أمن أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون في أوراسيا وجنوب وغرب آسيا أصبح الآن مترابطًا بشكل وثيق، ولم يعد من الممكن النظر في مصالح هاتين المنطقتين الفرعيتين على حدة. وخير مثال على ذلك هو التطورات في سوريا. وفي هذا الصدد، تتنازع إيران والمملكة العربية السعودية: فإيران، المدعومة من حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى، هي نفسها موجودة من خلال ميليشيا فيلق القدس.
تدخلت روسيا عسكريًا في سوريا في سبتمبر 2015م، لدعم نظام الأسد، وهي الآن مترسخة سياسيًا بقوة باعتبارها قائدة لعملية السلام في أستانا التي تضم إيران وشريك حوار منظمة شنغهاي للتعاون، تركيا. وسعت المملكة العربية السعودية من جانبها إلى تعزيز موقفها من خلال إقامة تحالف وثيق مع الولايات المتحدة والعمل مع إسرائيل. وتسيطر مشاعر العداء على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل مع إيران، وتعتبرانها المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة والراعي الرسمي للإرهاب. وعليه، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، المشار إليه رسميًا باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، تم تحديد خطوط المعركة بوضوح في المنطقة، حيث تواجه الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إيران، بدعم من سوريا وحزب الله. وربما العراق وروسيا.
تشعر كل من روسيا والصين والهند بقلق عميق إزاء التوتر السعودي ـ الإيراني وتدهور الوضع الأمني، حيث أنه يهدد مصالحهم الرئيسية. وتعتبر روسيا من الوافدين الجدد نسبيًا على مسرح غرب آسيا، لكنها الآن، كما أشار نيكولاي كوزانوف، "طورت مصالحها في المنطقة باعتبارها هدفًا في حد ذاتها". وهي ترى دورها في المنطقة كجزء من قناعتها بأن لها دورًا مهمًا في معالجة المسائل ذات الأهمية العالمية. ومع تزايد ابتعادها عن الغرب، أصبحت هذه القناعة أكثر أهمية، كما ظهرت الحاجة إليها لتنويع ارتباطاتها العالمية.
وفيما يتعلق بسوريا، كان لديها أيضًا مخاوف أكثر إلحاحًا: تتمثل هذه المخاوف في مشاركة مقاتلين يتحدثون الروسية في صفوف المقاتلين في سوريا. ويقال إن هذه الأعداد قد زادت من 250 في عام 2013م، إلى أكثر من 2000 بعد ذلك بعامين، وربما ما يقرب من 5000 في عام 2016م، وتشمل الشيشان وداغستان، إلى جانب بضعة آلاف من دول آسيا الوسطى الأخرى. وبالنسبة لهؤلاء المقاتلين، فإن ساحة المعركة السورية ليست سوى إعداد لمعركتهم الرئيسية في روسيا نفسها، حيث تعززت خبرتهم القتالية ومعتقداتهم الأيديولوجية وعلاقاتهم مع شبكة الجهاد العالمية.
لقد أدرك النقاد بوضوح أن روسيا تمتلك "استراتيجية وقوة بقاء" لوجودها في غرب آسيا. وكما أشار ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية، فإن روسيا تمتلك "استراتيجية لإضعاف الغرب، وتبدأ في الشرق الأوسط". ويؤكد كوزانوف هذا الرأي بالإشارة إلى أن غزو روسيا الحالي لغرب آسيا يختلف عن محاولاتها السابقة لدخول المنطقة؛ وهي الآن محاولة "للتخفيف من الآثار السلبية للمواجهة المستمرة بين موسكو والغرب على اقتصاد روسيا وأمنها وعلاقاتها الدولية". وفي نوفمبر 2017م، أفادت التقارير أن بوتين أكد، خلال زيارته لطهران، للمرشد الأعلى، علي خامنئي، أن روسيا ستقف إلى جانب إيران في مواجهتها مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ وقيل إن خامنئي قال له: "إن تعاوننا من الممكن أن يعزل أمريكا".
دخلت الصين منطقة غرب آسيا بجعبة من المصالح في مجالات الطاقة والاقتصاد والخدمات اللوجستية باعتبارها أولوياتها (التفاصيل أدناه)؛ وقد أسست لمصالح كبيرة للغاية في المنطقة لا يمكن أن تزدهر إلا في بيئة مستقرة؛ ومن ثم فهي "لم تعد مستعدة للجلوس في الصفوف الجانبية ومشاهدة المنطقة وهي تنحدر إلى الفوضى". وتواجه الصين العديد من التحديات التي تهدد مصالحها بسبب تدهور الوضع الأمني الإقليمي: إن المواجهة في الخليج واحتمال نشوب صراع على مستوى المنطقة يهددان مصالح الصين في مجالي الاقتصاد والطاقة طويلة المدى ويثيران تساؤلات جدية بشأن جدوى مبادرة الحزام والطريق.
ونظرًا لمصالح أمن الطاقة والمصالح الاقتصادية واللوجستية، وكذلك المصالح المتعلقة بالمجتمع ذات الصلة بالمنطقة، فإن الهند لديها المصلحة الأكبر في استقرار منطقة غرب آسيا. وتشهد العلاقات الكبيرة مع دول الخليج التي بدأها رئيس الوزراء مودي على مدى السنوات الثلاث الماضية والاستجابة القوية التي تلقتها مبادراته على حقيقة أن الخليج أيضًا يولي أهمية للعلاقات مع الهند. ويمثل السيناريو الكابوسي الذي تواجهه الهند وروسيا والصين تصعيد المواجهة السعودية ــ الإيرانية إلى صراع شامل من شأنه أن يجتاح غرب آسيا بالكامل وربما يجذب القوى الكبرى.
ويتمثل الجانب الإيجابي لهذا السيناريو في أنه، مع تدهور الوضع الإقليمي بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، انخرطت الدول الأعضاء الثلاث الرئيسية في منظمة شنغهاي للتعاون في حوار جوهري فيما بينها على مدار الأسابيع القليلة الماضية. وقد رفضت الدول الثلاث تهديد الولايات المتحدة بفرض عقوبات ثانوية وتعهدت بالتعاون الوثيق مع إيران في المجالات ذات الصلة بمصالح إيران، وخاصة الطاقة والتجارة والخدمات اللوجستية.
الطاقة والتجارة والاستثمار
تعتبر الطاقة أحد الاعتبارات المهمة التي جلبت روسيا إلى غرب آسيا، وهي تمثل عامل رئيسي في صنع القرار في سياستها الخارجية. وهذا له عدة أبعاد: وفي ضوء الأهمية الأساسية لعائدات النفط في اقتصادها، بدأت روسيا بالتعاون الوثيق مع المملكة العربية السعودية منذ أواخر عام 2016م، لإجراء تخفيضات في الإنتاج من جانب أوبك والدول الأعضاء المختارين من خارج أوبك. ولقد ضمن هذا التعاون ارتفاع أسعار النفط من حوالي 40 دولارًا في عام 2016م، إلى أكثر من 70 دولارًا بحلول مايو 2018م.
وترى روسيا أن اتباع سياسات تعاونية مع منتجي النفط الرئيسيين الآخرين سوف يحقق فوائد كبيرة. وبالتالي، فهي ترى أن الواردات من إيران والعراق تعمل على توسيع قاعدة توريداتها. وعملت مع إيران لشراء نفطها وبيعه في الأسواق العالمية، وفي الوقت نفسه تمد محافظات شمال إيران بالنفط. وبالمثل، نظرًا لنقص الاحتياطيات المالية في كل من روسيا وإيران، أبرمت روسيا مع إيران اتفاقية "النفط مقابل البضائع" حيث توفر المنتجات والاستثمارات الروسية للنفط الإيراني. وفي نوفمبر 2017م، اشترت روسيا مليون برميل من النفط من إيران وزودتها بمعدات السكك الحديدية. ومن قبل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من خطة العمل الشاملة المشتركة، كانت روسيا قد أعدت بالفعل خطط لشراء 5 ملايين طن من النفط من إيران وبيع سلع بقيمة 45 مليار دولار.
كما أقامت روسيا علاقات وثيقة مع دول الخليج في مجال الغاز الطبيعي. وسُمح لهيئة قطر للاستثمار بالاستحواذ على حصة في شركة الغاز الروسية العملاقة روسنفت، في حين أبدت روسيا اهتمامًا بخط أنابيب الغاز الممتد من إيران إلى باكستان. وتهتم المملكة العربية السعودية بالحصول على حصة في شركة خدمات النفط الروسية وشركة أوراسيا للحفر ومشروع الغاز المسال في القطب الشمالي في روسيا. ومن منظور طويل الأمد، ترغب روسيا في المشاركة بعمق مع شركات دول مجلس التعاون الخليجي حيث تسعى للحصول على المزيد من الغاز من المصادر الخارجية لبرامج التنويع والقيمة المضافة الاقتصادية المحلية الخاصة بها بما يتجاوز مجرد بيع النفط الخام.
وقد فرضت العقوبات الغربية وانخفاض أسعار النفط في 2015-2017م، ضغوطًا كبيرة على الاقتصاد الروسي وجعلت من الضروري أن تستكشف البلاد أسواقًا جديدة. واكتسبت منطقة غرب آسيا أهمية كبيرة في هذا الصدد. وقد ارتفعت التجارة الثنائية بين روسيا وغرب آسيا من 2.2 مليار دولار في عام 2010 م، إلى 4.2 مليار دولار في عام 2016م، وكان إجمالي التجارة لصالح روسيا. وتتمثل السلع الرئيسية التي تأمل روسيا في تصديرها إلى المنطقة فيما يلي: النفط والغاز والمنتجات النفطية والمعدات والآلات ومركبات النقل والمعادن الثمينة والمنتجات المعدنية والزراعية. وتتمثل السلع ذات الأهمية على المدى الطويل لروسيا في الخليج فيما يلي: الحبوب والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة والأسلحة، بينما يوجد مجالان جديدان قيد الدراسة هما الفضاء والطاقة النووية.
ويبدو الاستثمار الخليجي في روسيا واعدًا للغاية. ويعمل صندوق الاستثمار الروسي المباشر بالفعل مع مؤسسات نظيرة في المملكة العربية السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين. ووفقًا لمصادر روسية، استثمرت السعودية بالفعل 600 مليون دولار في روسيا وسوف تستثمر في مشاريع جديدة بقيمة 3 مليارات دولار قريبًا، بينما استثمرت قطر 2.5 مليار دولار في بنك روسي والمطار في سانت بطرسبرغ وروسنفت. وتود روسيا أن ترى استثمارات خليجية في قطاع الغاز الطبيعي المسال وفي تطوير المعدات لقطاع الهيدروكربونات. ويقوم جهاز أبو ظبي للاستثمار ومؤسسات إماراتية أخرى بدراسة مقترحات الاستثمار في تطوير الموانئ والنقل والبنية التحتية.
تعد الصين الآن أكبر مستورد للنفط في العالم. ومن المتوقع أن يصل اعتمادها على الواردات من النفط والغاز إلى 67 بالمائة العام الحالي كما كان متوقعًا قبل جائحة كورونا. وتوفر دول مجلس التعاون الخليجي وإيران والعراق 60 بالمائة من النفط المستورد للصين. وفي حين أن روسيا هي المورد الأول لها (بنسبة 29 في المائة)، فإن الموردين الرئيسيين الآخرين من الخليج هم: المملكة العربية السعودية (بنسبة 26.5 في المائة)؛ والعراق (بنسبة 18 في المائة)، وعمان (بنسبة 17 في المائة)، وإيران (بنسبة 14.5 في المائة)، والكويت (بنسبة 8 في المائة) والإمارات (بنسبة 6.2 في المائة).
كما تعد الصين الشريك التجاري الرئيسي لمعظم دول غرب آسيا، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي وإيران. وفي عام 2016م، بلغ إجمالي تجارة الصين مع دول مجلس التعاون الخليجي فقط 114 مليار دولار. وفي عام 2013م، أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة العربية السعودية لأول مرة، حيث بلغت قيمة التجارة الثنائية 70 مليار دولار، بعد أن نمت 230 مرة منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1990م. وتعتبر الإمارات العربية المتحدة مهمة بالنسبة للصين باعتبارها مركز لإعادة التصدير لسلعها إلى أوروبا وإفريقيا بقيمة 70 مليار دولار سنويًا.
وتحتل الصين مكانة مهمة للغاية في سوق المشاريع في المنطقة حيث تنفذ شركاتها البالغ عددها 160 شركة أكثر من 175 مشروعًا. وبلغت استثمارات الصين في المملكة العربية السعودية في 2005-2017 28 مليار دولار، منها 10 مليارات دولار لقطاع الطاقة. وبلغت قيمة استثمارات السعودية في الصين 15 مليار دولار. وإلى جانب النفط، ترى الصين نفسها شريكًا رئيسيًا في مبادرات الإصلاح الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي للتحضير لمرحلة ما بعد النفط، مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، وبناء مرافق بنية تحتية جديدة لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الإسكان والطاقة والطرق وشبكات السكك الحديدية والاتصالات السلكية واللاسلكية، وما إلى ذلك.
كما تحتل الصين مكانة مهمة في الاقتصاد الإيراني. وبلغت قيمة التجارة الثنائية في عام 2018 28 مليار دولار، أي ضعف ما كانت عليه في عام 2006م؛ وتقدر قيمة الصادرات النفطية بنحو 11 مليار دولار سنويًا بالأسعار الجارية. وفي أوائل عام 2018م، قدمت الصين قروضًا بقيمة 8.5 مليار دولار لـ 26 مشروعًا في مجالات مثل الطرق السريعة والتعدين وتصنيع الصلب. ويمكن أن تتوسع هذه العلاقات في المستقبل حيث تحتاج إيران إلى 140 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية لتطوير قطاع الهيدروكربونات وكذلك حوالي 14.5 مليار دولار سنويًا لتحديث البنية التحتية للنقل.
وتحصل الهند على أكثر من 80 في المائة من احتياجاتها النفطية المستوردة من الخليج، و50 في المائة من دول مجلس التعاون الخليجي والباقي من إيران والعراق. ويعد الخليج أيضًا الشريك التجاري الرئيسي للهند وهو أيضًا وجهة التصدير الأولى للهند. وبلغ إجمالي التجارة الثنائية للهند مع دول مجلس التعاون الخليجي الست في 2016-2017 100 مليار دولار، بما في ذلك 53 مليار دولار مع الإمارات العربية المتحدة. كما كانت الإمارات العربية المتحدة المستثمر الأول للهند في عام 2017 بمبلغ 690 مليون دولار.
التعامل مع دول الخليج
لقد أوضحت هذه الورقة النقاط الرئيسية التالية: أولًا، ارتباط مصالح أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تشمل الأمن والطاقة والتجارة والاستثمار والخدمات اللوجستية، ارتباطًا وثيقًا بغرب آسيا. ثانيًا، إن غرب آسيا الآن في خضم اضطرابات كبيرة، مع استمرار الصراعات في سوريا واليمن، والتوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، وتأثير أزمة الخلاف الخليجي ــ الخليجي، والعداء الكبير للولايات المتحدة في عهد ترامب تجاه إيران، حيث يتم تمهيد المسرح لصراع على مستوى المنطقة. ثالثًا، سيهدد مثل هذا الصراع بشكل خطير المصالح طويلة الأمد لأعضاء منظمة شنغهاي للتعاون. ويشكل ذلك تحديًا لمنظمة شنغهاي للتعاون بشأن كيفية التعامل مع هذه المأساة الوشيكة.
وعلى مدار العقد ونصف العقد الماضيين، تطورت منظمة شنغهاي للتعاون من حيث مبادراتها ومؤسساتها على أساس تنسيق روسيا والصين لمصالحهما وسياساتهما لإعطاء قيمة للمنظمة. وتعتبر الهند الآن ثالث قوة إقليمية كبرى تنضم إلى صفوفهم. وبالتالي، يمكن لمنظمة شنغهاي للتعاون اليوم أن تعتمد على قدرات وخبرات ثلاثة كيانات إقليمية رئيسية لتوجيه المنظمة في خضم التحديات الخطيرة التي يفرضها النظام الإقليمي، حيث ازداد السيناريو تعقيدًا بسبب سياسات واشنطن غير المؤكدة والعدوانية ودائمة التحور والمدفوعة بالأيديولوجية.
ومن أجل معالجة هذه المخاوف، يُقترح أن تبدأ الهند، بدعم من روسيا والصين، مشاركة كبيرة مع الدول الرئيسية في مجلس التعاون الخليجي وتعزيز التكامل التدريجي لأعضاء مجلس التعاون الخليجي مع منظمة شنغهاي للتعاون، في البداية باعتبارهم شركاء في الحوار أو مراقبين، وفي الوقت المناسب، باعتبارهم أعضاء كاملي العضوية. وبالنظر إلى التوتر بين البلدين العملاقين الإسلاميين، إيران والمملكة العربية السعودية، سيكون من الصعب استيعاب كلا البلدين في نفس المنظمة.
ومع ذلك، فإن البلدان الثلاثة مجتمعة تجلب قوة كبيرة للمبادرة المقترحة. ويتفاعلون مع بعضهم البعض بانتظام وبشكل جوهري، سواء على المستوى الثنائي أو باعتبارهم أعضاء في البريكس، وفي منصة المناقشة الثلاثية الخاصة بهم، روسيا والهند والصين (RIC). وباعتبارهم قوى كبرى، فإنهم يمتلكون تصورات مختلفة بشأن قضايا معينة، فضلًا عن المنافسات التقليدية والمصالح المتنافسة، لكنهم حافظوا على وتيرة الحوار المنتظم حتى يتم معالجة السلبيات في علاقاتهم بشكل فعال. وظهرت الاجتماعات بين مودي وشي جين بينغ في أبريل ومودي وبوتين في مايو 2018م، والتي وصفت بأنها "مؤتمرات القمة غير الرسمية"، بوصفها منصات مفيدة لمناقشة المسائل ذات الاهتمام المشترك على أعلى مستوى.
إن مخاوف الهند المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق لها جوانب عديدة. أولًا، بالإضافة إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، أكدت الصين دعمها الاستراتيجي لباكستان على الرغم من ارتباطها الوثيق بالمتطرفين الذين هاجموا الهند، بل وعرّضوا أمن الصين للخطر. وبالمثل، من خلال نقل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني من خلال إقليم كشمير في باكستان (PoK)، يبدو أن الصين تغاضت عن الخلاف حول كشمير. وثانيًا، أدى تطوير ميناء جوادر وحق الصين في تشغيله على أساس طويل الأمد إلى تعزيز وجود الصين في المحيط الهندي في جوار الهند. ثالثًا، بشكل عام، تعد مبادرة الحزام والطريق تعبيرًا عن محاولة الصين السيطرة على مساحة اليابسة الأوروبية الآسيوية والمحيط الهندي.
ويبدو أن هذه المخاوف في غير محلها. أولًا، فمن مصلحة الهند أن تستثمر الصين في باكستان وتأمل أن تُبعد شباب البلاد عن التطرف. وبالمثل، بينما كان من المرغوب فيه أن تستشير الصين الهند فيما يتعلق بنشاط الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني في إقليم كشمير، تظل الحقيقة أنه سيتم تحديد الوضع النهائي لهذه المنطقة المتنازع عليها في النهاية بين الهند وباكستان في اللحظة المناسبة.
ثانيًا، لا يشكل جوادر خطرًا على مصالح الهند كما يعتقد العالم ذلك. وتتمتع الهند بموقع جيد في شاباهار، على بعد 80 كم فقط. كما أنها تمتلك علاقات وثيقة مع سلطنة عمان وتتمتع بالوصول إلى الموانئ العمانية على ساحل المحيط الهندي.
وأخيرًا، لا يمكن النظر إلى مبادرة الحزام والطريق باعتبارها تأكيدًا على مخططات الصين المهيمنة. وستكون مشاريع مبادرة الحزام والطريق نتيجة لمشاركة التمويل والمشاركة المؤسسية من مختلف أنحاء المنطقة ومن مصادر دولية؛ وببساطة لا تمتلك الصين الموارد المالية أو التقنية أو البشرية اللازمة لتنفيذ مئات مشاريع البنية التحتية التي تشكل جزءًا من مبادرة الحزام والطريق بمفردها. وفي الواقع، وكما هو مذكور أعلاه، فإن مشاريع "مبادرة الحزام والطريق" ليست ثابتة؛ بل هي في الواقع مشاريع مفتوحة للأعضاء، وسيتم تناول مقترحات محددة إلى حد كبير نتيجة لمبادرة الدول المعنية وموافقتها. وقد تحقق ذلك من خلال تعميق التعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة وزيادة التعاون البحري مع اليابان وأستراليا وإندونيسيا. وتعتبر هذه ترتيبات غير مفككة ولا تشكل "تحالفات"، ولكن يمكن رفع مستواها بسرعة إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وتتمثل النقطة الرئيسية التي يجب ملاحظتها في أنه مع الثقة التي قدمها هذا "التوازن الخارجي" للهند، لا يوجد الآن أي عائق أمام روسيا والصين والهند للعمل معًا لتعزيز المشاركة مع دول الخليج من خلال منصة منظمة شنغهاي للتعاون.