العلاقات الأمريكية ـ الصينية تعد حديث الساعة منذ تسعينيات القرن العشرين، وتزايد الحديث عنها بعد أن اجتاحت العالم جائحة كورونا نهاية العام الماضي وبالتزامن مع تصاعد الخطاب الأمريكي تجاه الصين، وظهور ما يشبه حالة استقطاب من الجانبين، حيث بدا الخطاب السياسي والإعلامي بين الدولتين في تصاعد وبلهجة حادة تحمل اتهامات للصين من جانب الإدارة الأمريكية حول بداية انتشار فيروس كوفيد ـ 19، وترتب على ذلك تراشق إعلامي وسجال سياسي متبادل بين واشنطن وبكين.
وقاد تركيز المراقبين على قراءة مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، إلى وجهات نظر متباينة حول مستقبل النظام الدولي، فالبعض يرى أن العالم على أعتاب نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ، والفريق المؤيد لذلك يستند إلى حجج وبراهين عن نمو حجم الاقتصاد الصيني، والتطور التكنولوجي، واقتصادات المعرفة، والتبادل التجاري مع بقية دول العالم ،ومظاهر القوة الخشنة والناعمة، إضافة إلى خروج الصين من إطار حدودها بشكل غير مسبوق سواء عبر الاقتصاد والتجارة أو مبادرة الطريق والحزام، أو بالتواجد العسكري في إفريقيا تحت مظلة حماية أساطيلها التجارية، وتقديم مساعدات مالية ضخمة للدول النامية، ونقل التكنولوجيا المتطورة ضمن شراكات متعددة، خاصة في معقلها الإقليمي والجغرافي شرق وجنوب آسيا، إضافة إلى امتلاك الصين لأدوات تكنولوجيا الفضاء والدخول بقوة إلى سوق صناعة الأسلحة ؛ ما أعطى مؤشرات قوية على ولوج بكين إلى قمرة قيادة العالم ومنافسة أمريكا، ويستند هذا الفريق المتفائل بمستقبل الصين إلى ما يعتبره تراجع في القدرات الأمريكية وما يحدث فيها من جدل بين البيت الأبيض ومؤسسات أمريكية أخرى وأيضًا إلى مواقف الولايات المتحدة في السياسة الخارجية وتراجعها في مناطق كثيرة من العالم مع ارتباك علاقاتها حتى مع الحلفاء ، ويجدون في ذلك ما يؤيد حججهم على تراجع الدور الأمريكي.
لكن في المقابل هناك فريق آخر لا يرى فيما تقدم مؤشرات على تفوق الصين أو قدرتها على أن تكون قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة ويتسندون إلى الناتج المحلي الإجمالي لأكبر اقتصاد في العالم ، ومتوسط دخل الفرد للمواطن الأمريكي ، والقدرات العلمية والصناعية والعسكرية ؛ ما يجعل أمريكا في مقدمة العالم بدون منافس ولسنوات عديدة قادمة، وأن الصين مازالت دولة نامية غير قادرة على منافسة القطب العالمي الأعظم، وأن ما يدور في الصين هو مرحلة نهوض لا مرحلة تفوق على الولايات المتحدة ذات الثقل الاستراتيجي متعدد الجوانب.
ويستبعد هذا الفريق نشوب حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة، ناهيك عن استبعاد أي مواجهة مسلحة؛ فالميزان العسكري سيظل يميل لصالح واشنطن مهما تقدمت الصين في هذا الاتجاه.
السؤال هنا: ماذا يهم دول مجلس التعاون الخليجي من الصراع الأمريكي ـ الصيني، أو التنافس بين القوى التقليدية والقوى الصاعدة؟ والإجابة تكمن في قضيتين رئيسيتين مرتبطتين ارتباطًا وثيقا فيما بينهما، وهما: "المصالح والأمن ". المصالح، هي لغة أرقام مجردة من العواطف وخالية من الانتماءات ولا تتعلق بأيدولوجيات، ولذلك تتعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع مختلف دول العالم على قاعدة المصالح شأنها في ذلك شأن كل دول العالم ووفق قواعد العلاقات الدولية، وفي هذا الصدد نستطيع القول إن المصالح الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي بصفة عامة، و المملكة العربية السعودية بصفة خاصة ، وقوامها النفط والغاز ـ السلعة الرئيسية في الصادرات ــ تتجه شرقًا إلى الصين المستورد الأكبر في العالم للطاقة، كما شقت المنتجات الصينية طريقها إلى دول مجلس التعاون الخليجي بمزايا تفاضلية إما لأسعارها المعقولة أو لكونها تأتي ضمن تبادل تجاري بين الجانبين، مع توطين التكنولوجيا الصينية بهذه الدول في إطار صفقات سهلة الشروط ودون انتقائية، وعلى خلفية علاقات تاريخية قديمة بين الشرق الأوسط والصين وعموم شبه القارة الهندية.
في المقابل : لدول الخليج علاقات شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة تتجاوز النفط والتجارة، إلى السياسة والتسليح وأمن المنطقة والبعثات التعليمية والنمط الرأسمالي في الحياة التي بدأت منذ اللقاء التاريخي بين مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945م، ذلك اللقاء الذي أرسى دعائم العلاقات السعودية / الخليجية ـ الأمريكية، كما كانت واشنطن هي القوة التي ملأت الفراغ إثر مغادرة بريطانيا منطقة شرق السويس، ثم منطقة الخليج عام 1971م،وتبنت واشنطن أمن الخليج من خلال مبادئ الرؤساء الأمريكيين الذين اعتبروا أمن الخليج من الأمن القومي الأمريكي، ثم تشعبت العلاقات الخليجية ـ الأمريكية لتشمل كثيرًا من الجوانب الاقتصادية والعلمية والثقافية والسياسية وغيرها.
أمريكا تتفاعل مع المنطقة والعالم وتتواجد بأشكال مختلفة منها ما هو إيجابي تمتدحه النخب والشعوب، ومنها ما هو سلبي تنتقده النخب والشعوب أيضًا، لكنها موجودة ومتفاعلة بطريقة أو بأخرى.
في حين نجد الصين في السلع والتجارة وبيع النفط، ولا نراها في السياسة والأمن والفكر الاستراتيجي ومواجهة الإرهاب وسياسات التوازن وملء الفراغ وحل الأزمات.
أمريكا واضحة في الدفاع عن مصالحها أينما كانت وفي ظل جميع إداراتها المتعاقبة، بينما الصين تأخذ اللون الرمادي شعارًا لها؛ فهي تتعامل مع جميع الأطراف في المنطقة من منظور تجاري دون مواقف سياسية واضحة، وتتعامل مع دولة ونقيضتها، وتدافع عن مواقف تبدو فيها تميل إلى مرحلة ما قبل سقوط الاتحاد السوفيتي حيث تدافع عن إيران وإسرائيل وتتبنى مواقف روسيا تجاه قضايا الشرق الأوسط دون فرز أو تمحيص وكأنها ترضخ لأيدولوجيات بادت قبل نهاية القرن العشرين وهي تتدثر برداء المصالح وتحقيق المكاسب لها وللجميع.
في اعتقادي أن العلاقات الخليجية سوف تسير في مسارها التاريخي أي علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، وعلاقات تجارية متزايدة مع الصين حتى تتخلى بكين عن تحفظها وتنخرط في السياسة الدولية بوضوح ومواقف ثابتة لصالح شعوب وقضايا دول المنطقة دون مواربة.