array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 155

مجموعة العشرين ركيزة الالتزام بحقوق الإنسان في المجتمع الدولي

الأحد، 01 تشرين2/نوفمبر 2020

معروف أن مجموعة العشرين هي في الأساس مجموعة اقتصادية مالية، تضم أهم اقتصادات عالم اليوم. فقد تأسست عام 1999م، لتضم "مجموعة السبعة" الكبار (G7)، وأهم الدول ذات الاقتصادات الأكبر الأخرى. وتحاول هذه المجموعة الآن ألا يقتصر اهتمامها واختصاصاتها على المال والاقتصاد وحل مشاكله، وحسب، بسبب "ترابط" المجال الاقتصادي مع المجالات السياسية والاجتماعية والأمنية، ترابطًا يصعب تجاهله. لذلك، امتد اهتمامها للمجالات غير الاقتصادية الأصل، ومنها: التعليم والصحة والتنمية، إضافة إلى حقوق الإنسان، الموضوع السياسي الاجتماعي البالغ الأهمية، في عصرنا الحاضر. 

    ومعروف، أن حقوق الإنسان تتجسد في مبادئ وقيم، يقدرها ويحترمها غالبية البشر، في كل زمان ومكان، وفى مقدمة هذه المبادئ: الحرية والعدالة والمساواة، والديمقراطية (الشورى) والتكافل الاجتماعي....أو ما يسمى بـ "المبـــادئ الخمســـة المبـجلة" عالميًا وإنسانيـًا  (Universally- Appreciated Principles).  ومعروف أن التمسك بهذه المبادئ، والالتزام بتبنيها وتطبيقها، يضفي على الطرف الملتزم، أو الدولة المتمسكة، قوة ناعمة كبيرة التأثير. فلـلقوة الناعمة لأى دولة، تأثير سياسي كاسح..... يضارع في بعض الحالات أثر وتأثير القوة الخشنة.

   ولا تكتمل قوة أي دولة، ويستتب وضعها واحترامها، على الساحة الدولية إلا بامتلاك قدر (معقول) من "القوة "، بشقيها المادي والمعنوي، وبعناصرها المختلفة، وخاصة عنصر القوة الناعمة الأهم وهو التمسك بالعقائد والقيم والمبادئ السامية، التي تخدم الإنسان، وتحقق غاياته، وتجعل حياته أسهل وأكرم. فغياب هذه القيم قد يحيل حياة الناس إلى جحيم لا يطاق.

     إن لكل مجتمع "خصوصية" معينة، بل إن لكل فرد – في أي مكان وزمان– خصوصية معينة خاصة به وحده. ومع ذلك، فإن هناك قيم عامة ... تجمع فيما بين البشر الأسوياء.  ويقال إن هذه القيم هي من أنبل ما يجمع بين بني البشر، إضافة إلى أن تطبيقها يعتبر حاجة أساسية وملحة، لحياة عامة سعيدة، ونقية. ويلاحظ أن الأديان قاطبة تحض على التمسك بمضمون هذه المبادئ، رغم اختلاف "تفاصيل" هذا التمسك الملزم، والمطلوب، دينًا، وعرفًا. وهناك اتفاق على "جوهر" ومضمون كل من هذه المبادئ، ولكن الاختلاف ينصب على تفاصيل كل مبدأ، من طرف لآخر.

     تعتبر هذه المبادئ الآن أهم حقوق الإنسان. ولا يفوق أهمية هذه القيم سوى الالتزام بتطبيقها بحق، وبالفعل. فالادعاء بالتمسك بها، والتمويه بشأنها، له نتائج عكسية تمامًا، على المتلاعبين بها. وهذه المبادئ الخمسة تنبثق منها وعنها العديد من القيم، ويتفرع عنها الكثير من المبادئ المتعلقة بالإنسان وحقوقه وواجباته. فعن مبدأ الحرية تتفرع – على سبيل المثال– حرية التعبير، حرية الصحافة ...الخ. وعن مبدأ المساواة تنبثق قوانين منع التفرقة العنصرية، وضرورة توفير الحد الأدنى من العيش الكريم، وغيرها.  وهكذا.   

    لقد أصبح على الدول والأطراف التي تريد حقًا حماية وتنمية "قوتها"، أن تحمي وتنمي قوتها الصلبة، والناعمة كذلك، وتحرص على تطبيق هذه المبادئ. فكلما تمسكت الدولة بجوهر هذه المبادئ، كلما زاد احترامها وتقديرها من قبل الآخرين. والعكس صحيح. وتعتبر الشعوب التي تقيم دساتيرها على هذه المبادئ وتلتزم بمضمونها بالفعل، شعوبًا مستنيرة، وناجحة، وتتمتع بدرجة مرتفعة – نسبيًا – من السعادة العامة. ولإدراك أهمية هذه المبادئ، لنتخيل – كما ذكرنا آنفًا-وضع المجتمعات التي لا تسود فيها الحرية والعدالة والمساواة ... الخ، أو لنتخيل وضع الإنسان في غيابها.

   وانطلاقًا من هذه الحقائق، يأتي اهتمام مجموعة العشرين بمبادئ حقوق الإنسان، وخاصة مبدئي الحرية والمساواة. ويحظى مبدأ المساواة باهتمام أكبر، بعد ربطه بضرورة توفر الرخاء المادي في المجتمع الدولي. فالتنمية الاقتصادية السليمة يمكن أن تحقق شيئًا من الرخاء الذي يعم، لينال الجميع من ثماره. الأمر الذي يسهم في دعم الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي.  ويبدو أن هذه المنظمة العالمية تؤكد أن التمسك بهذه المبادئ / الحقوق، وما يتفرع عنها، وحسن تطبيقها، يعنى تطبيق أهم مبادئ حقوق الإنسان. وهذا الالتزام يمثل أبرز عناصر القوة الناعمة للدول. كما أنه -في ذات الوقت-ييسر الحياة العامة، ويدعم ازدهارها ويسمو بها.

    لقد أصبح العالم (ممثلا بمنظمات وجمعيات متخصصة) يراقب، أكثر من أي وقت مضى، مدى التزام الدول المختلفة بحقوق الإنسان. ويسارع بكشف أغلب الانتهاكات، ويشجب مرتكبيها، ويشن ضدهم حملات إعلامية وسياسية محرجة، ومضعفة لمواقفهم ومكانتهم. وأخذت وزارات الخارجية بدول مجموعة العشرين، وبمعظم دول العالم، تولي مسألة حقوق الإنسان، داخل بلدانها وخارجها، الاهتمام، وتنشئ أقسامًا إدارية في هذه الوزارات لهذا الغرض. هذا إضافة إلى ما استحدث من هيئات وجمعيات لحقوق الإنسان في أغلب دول العالم.

    ومجموعة العشرين ما زالت منظمة ناشئة، همها الأول والأساسي اقتصادي مالي. وفى هذا الهم، لم تحقق بعد نجاحات تذكر، ناهيك عن تحقيق نجاحات في دورها المفترض في مجال حقوق الإنسان، وغيره من المجالات. وما زال الوقت مبكرًا، في الواقع، للحكم على "أداء" هذه المنظمة، ودورها في الجوانب التي اختارت العمل فيها.

   ومازال العالم، بما فيه مجموعة العشرين، ينتظر تحقيق الحد الأدنى المأمول (إنسانيًا وعالميًا) من القيم النبيلة، بدليل استمرار وجود انتهاكات صارخة لحقوق شعوب لم يسع المجتمع الدولي المتنفذ بجدية، لوقفها وزجر مرتكبيها، ناهيك عن معاقبتهم. كما أن الضغوط الدولية والمدنية تركز على ضرورة الالتزام بحقوق الإنسان داخليًا، أي داخل المجتمعات المعنية. أما على المستوى الدولي، فإن هذه الضغوط إما أن تكون ضعيفة جدًا، أو معدومة. الأمر الذي جعل "الميكافيلية" والانتهازية، ومحاولات تأكيد النفوذ، تسود معظم السياسات الدولية، وخاصة سياسات القوى الدولية المتنفذة، تجاه الدول الأخرى.

       فنشهد حقوق الإنسان وهي تخترق، في بعض البلاد والمناطق، ويسود الظلم، ويستشرى القتل، ويتفاقم الاستبداد، ويقضى كثير من البشر مرضًا وجوعًا وعوزًا وتشردًا، ولا من مجير أو نصير. مما يؤكد أن القائم هو نظام عالمي يدعي العدل ويدعو للمساواة وحسب.  وقد كشفت جائحة كورونا النظام العالمي السائد، وأوضحت كثيرًا من نقاط عواره، ومن ذلك: إهماله لحقوق الإنسان في العلاقات الدولية، لدرجة التجاهل، في أغلب الحالات. والمؤمل، أن تشمل إعادة النظر المرتقبة في سلبيات النظام العالمي الراهن، التي تفرضها أزمة كورونا، والتي تتزعمها مجموعة العشرين، هذه المسألة، لتكتسي العلاقات الدولية المستقبلية بقدر من مراعاة حقوق الإنسان، بما في ذلك حقه في الرخاء المادي.

مقالات لنفس الكاتب