كان للمملكة العربية السعودية دور مهم في تأسيس مجلس التعاون الخليجي، حيث دعمت التحركات التي قام بها خلال فترة السبعينات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس الإمارات العربية المتحدة، والشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير الكويت الأسبق، لجمع كلمة دول الخليج بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة. وكانت الفكرة تواجه بعض الصعوبات بسبب عدم التوافق بين دول الخليج حول مهام المجلس وأهدافه، فضلاً عن المعارضة الخارجية لقيام المجلس، إلا أن دعم المملكة ساعد على التغلب على تلك الصعوبات.
في أكتوبر عام 1979م، استضاف الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، في مدينة الطائف، اجتماعًا محوريًا لوزراء خارجية الدول الخليجية الست (الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المملكة العربية السعودية، عمان، قطر، الكويت)، تم خلاله الاتفاق على معظم ملامح الإطار العام لــ (مجلس التعاون لدول الخليج العربية)، باستثناء بعض القضايا التي استمر النقاش حولها، وأهمها أن بعض الدول كانت تدفع بأن يركز المجلس الجديد على التكامل الأمني والعسكري، بل طُرحت فكرة تشكيل تحالف عسكري رسمي منذ البداية، في حين رأى آخرون التركيز على الدبلوماسية والتكامل الاقتصادي والقوة الناعمة، ولم تتخذ المملكة موقفًا من هذين القطبين، بل سعت إلى تحقيق توافق بين الآراء دون فرض توجه معين.
في عام 1980م، أوكلت إلى الأمير سعود مهمة التوفيق بين وجهات النظر المختلفة وقيادة عملية صياغة النظام الأساسي، وعمل معه بشكل وثيق وزير خارجية الكويت في حينه الشيخ صباح الأحمد ووزير خارجية البحرين الأسبق الشيخ محمد بن مبارك، وقطعوا في ذلك شوطًا كبيرًا خلال ذلك العام. وخلال الأشهر الأولى من عام 1981م، تكثفت الاجتماعات في الرياض، والكويت، ومسقط، وأبوظبي، لوضع النظام الأساسي في صورته النهائية التي أقرها القادة في القمة الأولى للمجلس في 25 مايو 1981م، وكانت صيغة توافقية تنص على الترابط والتعاون والتنسيق بين دول المجلس في المرحلة الأولى، ولكن بهدف الوصول إلى الوحدة، وهو ما نصت عليه المادة (4) من النظام الأساسي، وكان ذلك إشارة إلى رغبة بعض دول المجلس في تحقيق اتحاد أقوى من صيغة المجلس التعاونية التي تم التوافق حولها، وشكلت الإشارة إلى الوحدة كذلك دافعًا إلى عدد من الرؤى اللاحقة التي طرحتها المملكة ودول المجلس الأخرى بهدف تسريع التكامل بينها.
تمكن مجلس التعاون خلال مسيرته من تحقيق قدر كبير من التكامل بين أعضائه في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والعسكرية، والأمنية وتقريب وجهات النظر في القضايا السياسية الإقليمية والدولية، مما جعله أكثر المنظمات العربية التكاملية قوة وتماسكًا، على الرغم من الأزمات التي مر بها خلال العقود الأربعة الماضية منذ تأسيسه. وعلى مستوى العالم تفوق المجلس على معظم منظمات التكامل الإقليمي، ولكنه لم يصل إلى مستوى الاتحاد الأوروبي مثلاً، فما زال مستوى التكامل بين أعضائه أقل مما كان القادة المؤسسون يستهدفون في عام 1981م، وأقل مما يتطلع إليه المواطن ورجل الأعمال الخليجي، خاصة في ظل المشتركات الكبيرة بين دول المجلس في التاريخ والثقافة والعادات والتشابك الأسري والقبلي بين مواطنيه.
استمر النهج السعودي في دعم المجلس، دون فرض صيغ معينة للتكامل، بل العمل وفق الأسلوب التوافقي الذي ظل الأسلوب المفضل في العمل الخليجي، مما تسبب في تباطؤ مسيرة المجلس، خاصة حين تمت ترجمة ذلك التوافق، خطأً، إلى ضرورة تحقق الإجماع على كل خطوة تكاملية، مهما كانت فرعية، وتكاثر عدد اللجان وفرق العمل التي لم تتمكن من حل الخلافات في تلك القضايا، وأسهم ذلك في بطء مسيرة المجلس بشكل عام.
وكان ذلك البطء في مسيرة المجلس مُحبطًا للشعب الخليجي الذي توقع تحقيق مكاسب أكبر وأسرع مما استطاع المجلس تحقيقه على أرض الواقع، كان عدد من المفكرين، وبعض المسؤولين في المجلس، يطالبون المملكة باتخاذ دور أكبر بهدف الإسراع في تحقيق أهداف المجلس، وأن تلعب دور "القاطرة" لعملية التكامل الإقليمي.
في ديسمبر 2001م، وجه الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي عهد المملكة العربية السعودية، الذي مثلها في القمة الخليجية الـ (22) التي عقدت في مسقط، نقدًا لاذعًا، وواقعيًا، لمسيرة المجلس، حيث انتقد في الورقة التفصيلية التي قدمها إلى القمة البطء في كافة مسارات التكامل الخليجي، بما في ذلك المسارات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وألقى اللوم فيه على التمسك بالسيادة في مفهومها الضيق. وطالب الأمير بالعمل الحثيث لإصلاح ذلك الخلل.
وفي مايو 2002م، في القمة التشاورية نصف السنوية، التي عقدت في جدة، قدم الأمير عبدالله وثيقة أخرى تضمنت حلولاً مقترحة للمشكلات التي تطرقت إليها ورقته التي قدمت للقمة السابقة.
كانت جهود الأمير عبد الله خلال تلك الفترة حاسمة في كسر الجمود في مسيرة مجلس التعاون، خاصة مع حرص الأمير سعود الفيصل على المتابعة الدقيقة وشبه اليومية لتنفيذ ما ورد في مبادرة المملكة، مما دفع الأمانة العامة إلى تخصيص جهود جبارة لتنفيذ تلك المبادرة، بتحويلها إلى برامج تنفيذية مزمّنة لتحقيق الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والاتحاد النقدي، وغير ذلك من البرامج التكاملية، وتم إقرار تلك الخطوات التنفيذية وبرامجها الزمنية في القمة الـ (23) التي عقدت في ديسمبر 2002م، وبالفعل دخل الاتحاد الجمركي في 1 يناير 2003م، والسوق المشتركة في 1 يناير 2008م، وتم الشروع في خطوات تحقيق الاتحاد النقدي والعملة الموحدة، وحدثت قفزات نوعية مشابهة في المسارات الاجتماعية والأمنية والعسكرية.
لم تكن انتقادات الأمير عبد الله موجهة إلى دول المجلس الأخرى، لأن قادة دول المجلس كانوا يشاركونه نفس التوجه ويرغبون في تسريع مسيرة التكامل في كافة المجالات. فالانتقاد كان موجهًا إلى بعض الأجهزة البيروقراطية في دول المجلس، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، وإلى آلية العمل في إطار المجلس، بما في ذلك بعض اللجان التي أصبحت مثبطة للعمل الخليجي المشترك، وآلية عمل الأمانة العامة نفسها.
وبعد الدفعة القوية التي أعطتها المبادرة السعودية للعمل الخليجي المشترك، وتحقق الكثير من الخطوات التكاملية في عدد من المجالات المهمة، إلا أن ذلك التقدم لم يكن كافيًا لتلبية تطلعات قادة دول المجلس أو طموحات المواطن الخليجي، خاصة في ظل الأحداث الخطيرة التي مرت بها المنطقة، ولا تزال.
وهناك تقدمت المملكة بمبادرة جذرية، في ديسمبر 2012م، للتحول بالعمل الخليجي من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وبارك القادة في القمة الـ (33) هذا المقترح، وشكلوا هيئة من (18) عضوًا من الوزراء وكبار المسؤولين والشخصيات المعنيين بالشأن الخليجي من دول المجلس الست. وتوصلت الهيئة إلى تصور للاتحاد المقترح ونظامه الأساسي ومؤسساته التي تشبه إلى حد كبير مؤسسات الاتحاد الأوروبي. ومع وجود توافق عام على هذا التصور، إلا أنه لم يتم حتى الآن إقراره من قبل القمة الخليجية.
أمام التأخر في إقرار التحول إلى "الاتحاد الخليجي العربي"، طرحت المملكة العربية السعودية صيغة جديدة في ديسمبر 2015م، هي رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، تهدف إلى تسريع مسيرة العمل الخليجي. ويمكن النظر إلى هذه الرؤية كصيغة انتقالية إلى أن يأتي الوقت الذي يتم فيه إقرار مقترح التحول إلى الاتحاد.
أكدت رؤية خادم الحرمين الشريفين التي تم إقرارها من قبل قادة دول المجلس في القمة الـ (36) على استكمال المشاريع التكاملية الاقتصادية الرئيسية مثل الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، والمشاريع العسكرية والأمنية الرئيسية، والتي تحقق منها أجزاء مهمة مثل القيادة العسكرية الموحدة التي بدأت أعمالها في نوفمبر 2018م، وعدد من المشاريع في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية. وما زال العمل جاريًا في تنفيذ هذه الرؤية.
ويلاحظ المراقب أن كل قمة خليجية، منذ عام 2012م، وحتى القمة الأخيرة التي عقدت في ديسمبر 2019م، قد تضمنت الإشارة إلى مقترح الملك عبد الله بالتحول إلى الاتحاد، كما أن كل قمة خليجية منذ عام 2015م، تضمنت الإشارة إلى سرعة تنفيذ رؤية الملك سلمان لتعزيز العمل الخليجي المشترك، وهذه الإشارات نابعة من المتابعة الدقيقة والمستمرة من قبل المملكة العربية السعودية وحرصها على تنفيذ ما تقدمه من مبادرات، وعدم الاكتفاء بصدور قرارات أو بيانات بشأنها.
ولهذا فإن الدور السعودي في دعم المجلس يظل ضرورة لتحقيق أهدافه في الوصول إلى أقصى درجات التكامل بين الدول الأعضاء ومؤسساتها الرسمية في كافة المجالات، فضلاً عن تكامل قطاع الأعمال الخليجي ومؤسسات المجتمع المدني.