array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

السعودية نجحت في احتواء النفوذ الإيراني في إفريقيا وحددت أولوياتها في القارة السمراء

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

تقتضي التحولات الدولية السريعة والكثيفة مواجهتها بتفعيل سياسة خارجية قادرة على التعامل مع المستجدات والتكيف معها، وإحداث ترتيبات تستفيد من الفرص المتاحة وتقليص ثقل القيود والاستجابة لمتطلبات التغيير الضرورية لتعظيم المكاسب وتقليل الخسائر، والمحافظة على المكانة الإقليمية والدولية اللائقة بإمكانات المملكة العربية السعودية وقدراتها وتاريخها وتراثها وخصائصها الوطنية. وتستدعي مثل هذه الأمور مزيدًا من الذكاء واستغلال المقدرات المختلفة، وتجميع الطاقات الوطنية وتكتيلها من أجل إنجاز مهمات سياسة خارجية فاعلة ومثمرة ورشيدة. ولا بد من استشراف مخطط للسياسة الخارجية، والإبقاء على الانتباه الدائم لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الآماد المختلفة.

لقد كان للتمدد الإيراني في الشرق الأوسط وفي إفريقيا جنوب الصحراء، وكذا التوسع التركي في الإقليم وفي إفريقيا دور معتبر في إدراك القائمين على السياسة الخارجية السعودية بأهمية إعادة بعث سياسة إفريقية للمملكة. ومن ثم في صياغة الموقف أو المواقف التي يتوجب اتخاذها من قبل صناع القرار في السعودية للصور المشكلة لديهم عن التهديدين الإيراني والتركي في العمق الاستراتيجي للمملكة. 

  ويتطلب تفسير السياسة السعودية تجاه إفريقيا الاستعانة بنظرية الدور التي تنطلق من فرضية مؤداها أن السلوك السياسي الخارجي يمكن تفسيره انطلاقًا من تصورات صانع القرار للدور الذي يجب أن تلعبه الدولة الوطنية، والذي يبنى بالاعتماد على مصادر للدور تضم الخصائص السيكولوجية لصـانع القرار، ومختلف قدرات الدولة السياسية و الاقتصادية والعسكرية.

وتأسيسًا على ذلك، يرتبط السلوك الخارجي للمملكة بجملة من المتغيّرات، في مقدمتها الانطباعات والصور والمعتقدات، والقيم والخصائص الشخصية لصنّاع القرار؛ وهو ما أطلق عليه هولستي (Holsti) بأداء الدور؛ حيث يمكن تفسيره انطلاقًا من تصورات الدور الوطني المرتبط بإدراك الخصائص الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية للوحدة السياسية.

 أولاً: الخبرة السعودية في إفريقيا

إن الاهتمام السعودي بإفريقيا ليس وليد اللحظة، بل يعود إلى أكثر من نصف قرن وتحديدًا إلى عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله (1964-1975م)، حيث يعود إليه الفضل في بناء علاقات دبلوماسية مع عديد الدول الإفريقية في إطار سياسة عزل إسرائيل في إفريقيا في أعقاب هزيمة 1967م. كما أنه أول مسؤول سعودي يتبنى سياسة متناسقة تجاه إفريقيا في وقت كانت فيه إفريقيا لا تحظى باهتمام القوى الإقليمية المناوئة للمملكة. لكن سرعان ما تم التخلي عن تلك السياسة بعد رحيل الملك فيصل رحمه الله، دون أن يعني ذلك انسحابًا نهائيًا من إفريقيا. كما خبرت المملكة العربية السعودية إفريقيا إبان الحرب الباردة، حين انخرطت في سياسة الاحتواء ضد الاتحاد السوفييتي السابق وحلفائه.

ويجزم العديد من الدارسين أن وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم في المملكة العربية السعودية، ووصول الأمير محمد بن سلمان كولي للعهد عام 2015م، أعاد ترتيب أولويات السياسة الخارجية السعودية في محيطها الإقليمي. وهو ما جعل صناع القرار في الرياض يعيدون اكتشاف الأهمية الجيوستراتيجية لإفريقيا وللقرن الإفريقي تحديدًا. ومنذ ذلك التاريخ يمكن القول بأن السعودية أعادت صياغة سياستها الإفريقية بالتنسيق الوثيق مع دولة الإمارات لتحقيق أهداف سياستهما الخارجية والتي من بينها التصدي للتمدد الايراني وللتغلغل التركي – القطري في إفريقيا. 

ويأتي تعيين السفير أحمد عبد العزيز قطان في منصب وزير الدولة للشؤون الإفريقية، مطلع 2018م، كتأكيد على حرص الرياض على إعادة بعث سياستها الإفريقية. وقد أوكلت له مهمة تنسيق الجهود السعودية في القارة لتحقيق الأهداف المذكورة. وكانت أولى ثمار هذا الاختيار نجاح الدبلوماسية السعودية في التوصل إلى اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا.  

ثانيًا: فرص السياسة السعودية في إفريقيا

تمتلك السعودية العديد من الأوراق في إفريقيا تعمل على توظيفها لتحقيق أهداف مأمورية سياستها الخارجية في المجالات الدبلوماسية، الأمنية، التجارية، بالإضافة إلى أوراق أخرى تتصل بقوتها الناعمة وكذا بالجانب الإنساني. وقد تمكنت السعودية من وضع سياسة تجمع بين الدبلوماسية والمساعدات المالية ورصيدها المعنوي باعتبارها بلاد الحرمين.

كما أن امتلاك المملكة السعودية لخزّان بشري لا ينضب من الدبلوماسيين المخضرمين الذين يعرفون إفريقيا جيدًا، حيث سبق لهم وأن شغلوا في المجال الدبلوماسي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م، ساعد الرياض على العودة السريعة إلى إفريقيا في السنوات الأخيرة، والتكيف مع التحولات الجوهرية التي تشهدها إفريقيا. وقد حددت المملكة أولوياتها في إفريقيا، حيث تحتل منطقتا الساحل والقرن الإفريقي صدارة مأمورية سياستها الإفريقية. 

وتعد السعودية من أكثر دول الخليج امتلاكًا لبعثات دبلوماسية في إفريقيا، كما أنها أقدم من حيث الحضور في الدول الإفريقية المسلمة؛ حيث تحظى المملكة بشبكة دبلوماسية واسعة في المغرب العربي، والقرن الإفريقي إلى جانب جنوب إفريقيا.  ويبلغ عدد البعثات الدبلوماسية السعودية في القارة 43 بعثة، وبذلك تتفوق المملكة على إيران التي لديها تمثيل دبلوماسي في نحو 30 دولة إفريقية فقط. لكن هذا الرقم تراجع بعد الأزمة الدبلوماسية بين طهران والرياض في يناير 2016م، حيث قررت كل من السودان وجيبوتي وجزر القمر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، وطرد سفراء إيران لديها، تضامنًا مع السعودية. فالسعودية تنظر إلى إفريقيا باعتبارها عمقها الاستراتيجي، وبإمكانها الاستعانة به في الدفاع عن أمنها القومي ضد التهديدات الإيرانية، أو ضد التغلغل التركي في الإقليم، وهو ما تؤكده بوضوح التطورات السياسية في منطقة البحر الأحمر.   

ويكشف هذا التضامن عن الدعم الدبلوماسي الإفريقي الواسع الذي تحظى به المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة، وتحديدًا في مجال النزاعات الدبلوماسية. وهو ما يمكن تفسيره ربما بأن هذه الدول تشعر أن السعودية أقرب إلى الدول الإفريقية من إيران أو تركيا.

إذن، فالتوجه الإفريقي للسعودية يُتيح لها نسج تحالفات جديدة من دول القارة، حيث تعتقد القيادة السعودية انها بحاجة إلى الكتلة الإفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حين يكون هناك تصويت في قضايا إقليمية كالوضع في اليمن، ليبيا، أو سورية، مع العلم أن الكتلة التصويتية الإفريقية تحتل المرتبة الثانية بين الكتل التصويتية.

وبموجب هذه السياسة تحرص المملكة العربية السعودية أيضًا على المشاركة في مؤتمرات القمة الدبلوماسية، فقد شاركت في القمة الإفريقية بإثيوبيا في يناير 2016م، وقام وزير خارجيتها عادل الجبير بزيارات إلى كل من السودان وجنوب إفريقيا وزامبيا في فبراير من السنة ذاتها، ثم إلى كينيا وتنزانيا في شهر مارس 2016م، كما استقبلت الرياض عددًا من الرؤساء الأفارقة هم رئيس غينيا "ألفا كوندي"، ورئيس جنوب إفريقيا "جاكوب زوما" في شهر مارس 2016م، وقبلهما الرئيس النيجيري محمد بخاري في شهر فبراير 2016م. 

وفي عام 2019م، برز الملف السوداني بالنسبة للرياض كأولوية قصوى يجب التعامل معه كملف ذي صلة وثيقة بالأمن الوطني للمملكة. فقد سعت الرياض وأبو ظبي في أعقاب اندلاع الاحتجاجات في أبريل/ نيسان 2019م، والتي أطاحت بالرئيس عمر البشير من الحكم، إلى التأثير في المرحلة الانتقالية عن طريق الرجل الثاني في المجلس الانتقالي العسكري المدعو محمد حمدان داغلو (حميتي). فقد تنقل حميتي مرات عديدة إلى السعودية، كما أدى فريضة الحج. وكانت هذه الزيارات فرصة له للحصول على دعم سياسي من الرياض. كما تنقل عبد الفتاح البرهان الرئيس السابق للهيئة العسكرية الانتقالية رفقة الوزير الأول عبد الله حمدوك إلى الرياض في أكتوبر 2019م، وذلك بعد تشكيل الحكومة في أكتوبر 2019م. وبذلك تكون الرياض قد نجحت في إعادة رسم المشهد السياسي في السودان بعيدًا عن التدخل الإيراني أو التركي.

أما على الصعيد الاقتصادي فتمثل إفريقيا فرصة ذهبية للسعودية لإعادة بناء اقتصادها بعيدًا عن هيمنة الريع النفطي. حيث تمثل القارة بالنسبة للمملكة سوقًا يبلغ تعداد سكانها مليار نسمة، وتحتوي على 30 في المائة من احتياطي الثروات المعدنية في العالم. وهو ما يجعل من السوق الإفريقية فرصة مواتية لبناء اقتصاد مُنتج في ضوء رؤية 2030.

وتأسيسًا على ذلك، صاغت السعودية سياسة زراعية تجاه الدول الإفريقية؛ وأطلقت المملكة بموجب هذه السياسة مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ــ للاستثمارات الزراعية السعودية بالخارج عام 2014م، عبر صندوق التنمية الزراعية. وهو صندوق لتمويل الشركات السعودية الراغبة في الاستثمار في إفريقيا، وترمي هذه المبادرة إلى ضمان الأمن الغذائي الوطني والاقليمي والعالمي. وهو ما أدى إلى تدفق الاستثمارات السعودية في عديد الدول الإفريقية (تنزانيا، إثيوبيا، السودان، مالي، النجير، أوغندا، جنوب إفريقيا والسنغال). وهو ما جعل من السعودية أكبر مستثمر خليجي في معظم دول القارة الإفريقية، وعلى سبيل المثال فقد بلغ عدد المشروعات السعودية في إثيوبيا، 294 مشروعًا بقيمة 3 مليارات دولار، منها 141 مشروعًا في الإنتاج الحيواني والزراعي، و64 مشروعًا صناعيًا.

 وفي مجال الطاقة تُعول السعودية على نفوذها داخل الأوبك، من خلال تعزيز التعاون مع الدول النفطية الإفريقية وهي سبع دول أعضاء في الأوبك (الجزائر، ليبيا، نيجيريا، أنغولا، الكونغو، الغابون، وغينيا الاستوائية)، من مجموع 14 عضوًا.   

كما تعتمد السعودية على الهبات المالية والمساعدات كأدوات لتحقيق أهداف مأموريتها الخارجية وزيادة نفوذها في إفريقيا، وذلك بواسطة الصندوق السعودي للتنمية، حيث قدم منذ تأسيسه عام 1975م، ما يقارب 75 % من احتياطاته إلى إفريقيا (قرابة 7 مليارات دولار). كما خصص 4.2 مليار يورو لإفريقيا؛ منها 60% لدول المغرب، و40 % لمصر. بالإضافة إلى جيبوتي التي حظيت بالخمس من مجموع القروض الممنوحة لإفريقيا. وفي إفريقيا الغربية استفادت 18 دولة من المساعدات المالية للمملكة، حيث تحصلت موريتانيا على ربعها. الأمر الذي جعل نواكشوط تصبح أحد أهم ركائز السياسة الإفريقية للسعودية في السنوات الأخيرة، وهو ما يُؤكده قرار موريتانيا قطع علاقاتها مع قطر عقب أزمة الحصار. 

 وعلى الصعيد الأمني والعسكري، يحظى ملف الحرب على الإرهاب وتجفيف منابعه على رأس أولويات السياسة الإفريقية للسعودية. فقد اقترحت المملكة خبرتها في هذا المجال على دول تواجه صعوبات عديدة في القضاء على تنظيمات راديكالية (نيجيريا والصومال). وحول هذه النقطة بالذات، يمكن القول إن المملكة تستخدم قوتها الناعمة المتمثلة في دورها الريادي في العالم الإسلامي لمواجهة الفكر التكفيري والمتطرف. ويتزامن ذلك، مع ما شهدته المنطقة العربية من تحولات سياسية عرفت باسم ما يسمى "الربيع العربي" ترمي إلى تغيير أنظمة الحكم عن طريق العنف، الأمر الذي رأت فيه المملكة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي خصوصًا وأن الإدراك السعودي ينظر إلى البلاد العربية باعتبارها عمقًا استراتيجيًا للمملكة.

ومما لا شك فيه أن إعلان المملكة العربية السعودية في مارس/ آذار 2016م، عن بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، يندرج في سياق تأكيد الرياض لمكانتها الإقليمية وكذا ريادتها العالم الإسلامي. كما تملك البحرية السعودية قاعدة أخرى في جزر فرسان القريبة من باب المندب، وهي ذات أهمية استراتيجية بالغة. وهو ما مكنها من دخول نادي اللاعبين الكبار في إفريقيا من الدول الكبرى التي تمتلك قواعد عسكرية في جيبوتي (الولايات المتحدة، فرنسا)، ومن ثم تكون الرياض قد حققت هدفين؛ الأول هو اكتساب هيبة في إفريقيا، والثاني حرمان إيران من حليف إفريقي هام ألا وهو جيبوتي.

على الصعيد العسكري يمكن القول إن الحضور العسكري للمملكة مازال أقل من المأمول في القارة الإفريقية؛ لأن الرياض تفضل تمويل الدول للتنمية بدلاً من الانخراط في تعاون عسكري-عملياتي. وحتى في الملف الليبي اكتفت المملكة بتقديم الدعم السياسي للجنرال خليفة حفتر في حربه ضد حكومة الوفاق الوطني، خلافًا للإمارات التي اختارت التدخل عسكريًا في هذا النزاع لاعتبارات تتعلق بمأموريتها الأمنية في الإقليم.  

وعلى صعيد القوة الناعمة والرصيد المعنوي استطاعت السعودية بفضل رعايتها للمقدسات الإسلامية ودورها في تحديد حصص الدول في مواسم الحج والعمرة، تعزيز نفوذها في الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة. كما أن نشر ثقافتها الإسلامية وتعزيز دورها في التصدي للمد الشيعي ولحملات التنصير التي ترعاها منظمات صليبية دولية ساهم في نجاح سياتها الإفريقية. كما خصصت المملكة ميزانيات ضخمة لتطوير المناهج التعليمية والتربوية والبنى التحتية في منطقة غرب إفريقيا، كما قامت السعودية بتدريب العلماء والأئمة الأفارقة في جامعاتها ومعاهدها الإسلامية.    

  ثالثًا: القيود على السياسة الإفريقية للسعودية 

لم تعد السعودية اللاعب الإقليمي والشرق – الأوسطي الوحيد في إفريقيا، حيث باتت القارة الإفريقية في العقود الأخيرة تشهد تنافسًا محمومًا بين قوى إقليمية متوسطة هي السعودية، إيران وتركيا وإسرائيل. الأمر الذي يجعل السياسة السعودية في إفريقيا تواجه جملة من القيود قد تحول دون تحقيق أهدافها. 

وترفض الرياض انفراد تركيا وإيران بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما برز بوضوح منذ عام 2015م، وتبني الملك سلمان وسمو الأمير محمد بن سلمان لسياسة خارجية هجومية ترمي إلى مقارعة منافسيها الإقليميين، وتعزيز ريادتها لمنطقة الشرق الأوسط من خلال بناء تحالفات جديدة مع الدول الإفريقية المسلمة. وهو ما يجعل المأمورية السعودية في إفريقيا تواجه أجندات قوى إقليمية أخرى تعمل على تعزيز نفوذها في القارة.

وفي هذا الصدد، تحاول المملكة العربية السعودية استغلال الانتكاسات التي منيت بها إيران في إفريقيا منذ 2010م، وتحويلها إلى مكاسب لها. فقد نجحت في جعل دول مثل نيجيريا والسنغال وغامبيا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، بعد ضبط هذه الدول شحنات من الأسلحة القادمة من طهران باتجاه هذه الدول. كما أوقفت جنوب إفريقيا وارداتها النفطية من إيران في عام 2012م، تطبيقًا للعقوبات الدولية المفروضة على طهران.

وبذلك تكون السعودية قد نجحت في تحجيم الوجود السياسي لإيران في الدول الإفريقية من خلال استخدام نفوذها كأكبر دولة في العالم الإسلامي. كما استطاعت تجفيف المستنقعات الشيعية التي ظهرت في عديد الدول الإفريقية (كينيا، تنزانيا، نيجيريا، السينغال، ...الخ). وفي السنغال فتساهم السعودية في تمويل بناء المساجد لمواجهة المد الشيعي. أما في جنوب إفريقيا فتحاول السعودية الاستثمار في اقتصاد البلاد لقطع الطريق على إيران التي تحاول الإفلات من الحصار والعقوبات الدولية.  

وفي منطقة الساحل الإفريقي قدمت المملكة دعمًا ماليًا للقوة المشتركة لمنطقة الساحل، وهي أحد فروع التحالف المفوض من مجموعة الدول الخمس لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر في بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد. 

وردًا على السياسة الإفريقية للسعودية، تحاول أنقرة وطهران منع الرياض من بسط نفوذها في القارة. فقد قامت تركيا بتأجير جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر نهاية عام 2017م، وهو ما رأت فيه السعودية تهديدًا للأمن الإقليمي ولمصالح حلفائها من دول الجوار. كما شرعت تركيا في تنسيق سياساتها مع قطر في منطقة البحر الأحمر وظهر ما يُعرف بالمحور التركي-القطري، حيث تحاول الدوحة تخفيف وطأة المقاطعة المفروضة عليها من قبل دول الخليج.

وتقوم السياسة الإفريقية لتركيا على توقعات بتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة وعلى رؤية سياسية تجد مصدرها في الميراث التاريخي الذي يسيطر على النسق العقيدي للرئيس أردوغان الذي لم يخف تطلعاته العثمانية. كما ترمي إلى خلق شراكة "رابح-رابح"، بعيدًا عن الهبات والمساعدات الإنسانية.  كما أن المقدرات الاقتصادية لإفريقيا تعتبر عامل جذب للاستثمارات التركية في القارة ودافعًا من دوافع الانفتاح نحو إفريقيا المسلمة ورغبة في تزعم العالم الاسلامي عبر بوابة الاستثمارات، وهو ما ترفضه السعودية جملة وتفصيلاً، بسبب تدخل تركيا في الشؤون الداخلية للدول العربية، الأمر ذاته ينسحب على إيران التي عززت من نشاطاتها في إفريقيا خلال الولاية الرئاسية الثانية للرئيس روحاني. كما تتطلع طهران إلى المساهمة بشكل فعال في دعم الاستقرار الأمني في القارة ردًا على السياسة الإفريقية للسعودية. وهو ما تؤكده الزيارات المتكررة لكبار المسؤولين الإيرانيين لعديد الدول الإفريقية بغية إنعاش الاقتصاد الإيراني الذي أنهكته العقوبات الاقتصادية الغربية. بيد أن هذه المحاولات باءت بالفشل عقب نجاح سياسة الاحتواء السعودية والإماراتية.

 لقد استطاعت السعودية والإمارات في الخمس سنوات الأخيرة قلب العلاقات الايرانية مع جيبوتي، إثيوبيا والصومال. فقد أعادت هذه الدول النظر في علاقاتها مع طهران، لدرجة أن السفن الإيرانية باتت تجد صعوبة بالغة في الإبحار في البحر الأحمر. وبموجب هذه السياسة أصبحت الإمارات تدير قواعد عسكرية في إريتريا (منطقة عصب) وفي أرض الصومال (بربرة). أما السعودية ففي طريقها إلى بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي.

وتشهد منطقة شرق إفريقيا صراعًا بين السعودية والإمارات في مواجهة محور تركيا-قطر؛ فقد برز التنافس والصراع بين الجانبين في يونيو 2017م، في منطقة قريبة جغرافيًا من شبه الجزيرة العربية، حيث تم تدشين قواعد عسكرية وإبرام صفقات لإدارة مرافئ في منطقة استراتيجية للحرب في اليمن. كما تشهد هذه المنطقة نشاطًا تجاريًا قدرّه الخبراء بـ 10 % من التجارة العالمية نظرًا لوجود قناة السويس.

ويعتبر الصومال ميدانًا لهذا التنافس والصراع؛ حيث يحتضن قاعدة عسكرية تركية تم تدشينها عام 2017م. كما تدعم تركيا وقطر النظام في مقديشو، بينما تدعم الإمارات بعض السلطات الفيدرالية الجهوية، وهو ما ترى فيه الدوحة نشاطًا مناوئًا يرمي إلى إضعاف السلطة المركزية في مقديشو. لقد استثمرت تركيا أموالاً طائلة في إصلاح شبكة الطرقات في الصومال، وظفرت الشركات التركية بمشاريع في مطار العاصمة منذ 2013م، وتدير شركة البايراك مطار مقديشو، كما يحمل أحد مستشفيات العاصمة اسم الرئيس التركي. من جهتها قدمت قطر مساعدة مالية بمقدار 385 مليون دولار إلى السلطات المركزية. وفي إثيوبيا تتطلع أبو ظبي إلى بناء أنبوب نفط بين إثيوبيا وإريتريا، لتمكين إثيوبيا من تصدير نفطها.   

أما في غرب إفريقيا فقد نجحت المملكة العربية السعودية في بناء تحالف مع موريتانيا والسنغال لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة. في مقابل ذلك، تشهد المنطقة تدفق غير مسبوق للاستثمارات السعودية.

 استنتاجات

ختامًا، يمكن القول إن السياسة الإفريقية للمملكة العربية السعودية منذ مبايعة الملك سلمان بن عبد العزيز باتت أكثر وضوحًا وجرأة من ذي قبل وعلى أكثر من صعيد. لقد أدركت القيادة السعودية أن العالم الإسلامي يُعد بمثابة عمق استراتيجي للمملكة، ولا يجب التفريط فيه. وهو رد على الفكر الاستراتيجي العثماني الذي تُبرّر به تركيا تدخلها في ليبيا وفي سورية وفي آسيا الوسطى. وما يؤكد صواب هذا التوجه السعودي الجديد هو النتائج الايجابية التي حققتها السياسة الإفريقية، حيث انضمت بعض دول القارة إلى التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، ونجحت المملكة في احتواء النفوذ الإيراني، وقطع عدد من الدول الإفريقية علاقاتها أو قلصت تمثيلها الدبلوماسي مع طهران تضامنًا مع الرياض. ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيدًا من التحرك السعودي نحو إفريقيا في ضوء رؤية 2030.

مقالات لنفس الكاتب