array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

مجلس الشراكة السعودي ــ الهندي: مسارات للقضايا السياسية والأمن والاقتصاد

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

قبل زيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ التاريخية إلى الهند في عام 2006م، اقترحت الهند أن تُعد قائمة بأسماء المسلمين البارزين الذين في إمكانهم مقابلته في نيودلهي. لكن الرياض أشارت إلى أن الملك مهتم بلقاء الشخصيات الهندية البارزة بصفة عامة، وليس فقط المسلمين. وقد ساعد ذلك الأمر في تخفيف الحواجز الأيديولوجية التي أعاقت العلاقات السعودية ـ الهندية من تحقيق إمكاناتها. وفي الواقع، قال الملك عبد الله قولًا مأثورًا حين ذاك: "أنا أعتبر نفسي في بيتي الثاني".

 

وفي مثال آخر على التحول من فكر ديني إلى نهج عملي، قادت المملكة العربية السعودية مجلس التعاون الخليجي لتوقيع الاتفاقية الإطارية 2004م، بشأن التعاون الاقتصادي، والتي منحت الهند نفس مكانة باكستان. 

 

وقد ساهمت هذه التغييرات في إضفاء الطابع الرسمي على الوثيقة الحكومية الدولية الأولى، إعلان دلهي، الذي وقعه الملك عبد الله شخصيًا. ثم اتفق البلدان على الذهاب إلى أبعد من العلاقات الاقتصادية والسياسية المتوخاة في اتفاقية 2006. ونص إعلان الرياض الموقع خلال زيارة رئيس الوزراء مانموهان سينغ في عام 2010 على "عهد جديد من الشراكة الاستراتيجية". 

 

ومنذ ذلك الحين، زار رئيس الوزراء ناريندرا مودي الرياض في عامي 2016 و2019م، وزار  ولي عهد المملكة سمو الأمير  محمد بن سلمان نيودلهي في بداية عام 2019م، وقد ساعدت هذه الزيارات في تعزيز العلاقات الثنائية، دون أن تلعب عوامل خارجية أخرى، تتمثل عادةً في باكستان وإيران وإسرائيل، ومؤخرًا، الصين والولايات المتحدة، لعبة المفسد.

 

وينبغي أن تحصل الرياض على نصيب كبير بفضل تحسين العلاقات السعودية ـ الهندية خلال العقدين الماضيين. وقد بدأت سياسة المملكة "التوجه شرقًا" في مطلع القرن بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك الازدهار الاقتصادي الآسيوي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وكانت هذه السياسة مشروطة جزئيًا بزيارة الملك عبد الله إلى نيودلهي في عام 2006 م- وهي أول زيارة يقوم بها ملك سعودي للهند منذ عام 1955م، وأول مشاركة رفيعة المستوى منذ زيارة رئيسة الوزراء إنديرا غاندي للمملكة العربية السعودية في عام 1982م.

 

وقد استكملت الهند ذلك بسياسة "الجوار القريب" التي تتبعها، مدعومة بتحول كبير في السياسة السعودية. وفي عام 2001، اعتبرت الرياض النزاع الهندي الباكستاني بشأن كشمير نزاعًا ثنائيًا، وهي بالتالي تتوافق مع صياغة نيودلهي بأنها لا تتطلب وساطة من طرف ثالث.

 

لم تقم حكومة مودي وسياسته "التفكير في الغرب" بعد ذلك بتعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل فتحت الأبواب للتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك.  ونظرًا لإدراك شركة أرامكو السعودية وشركة بترول أبو ظبي الوطنية للإمكانات الاقتصادية للهند والطاقة اللازمة لدعم طموحات الهند في التطور من دولة "فقيرة جدًا" إلى قوة عظمى، التزمت أرامكو السعودية وشركة بترول أبو ظبي الوطنية باستثمار 50% في مصفاة تكرير بقيمة 44 مليار دولار في غرب الهند. ويعد ذلك أكبر استثمار أجنبي منفرد في الهند. وفي عام 2019م، لا تزال أرامكو ترغب أيضًا بالاستحواذ على حصة 20% في أعمال تحويل النفط إلى الكيماويات بقيمة 75 مليار دولار لمجموعة ريلاينس الهندية. ومن المثير للاهتمام، أن المملكة العربية السعودية وقعت الاتفاقية الإطارية للتحالف الدولي للطاقة الشمسية لتصبح الدولة الثالثة والسبعين التي تنضم إلى منظمة الطاقة المتجددة التي تقودها الهند وتضم 122 عضوًا.

 

ومع وصول حجم التجارة الثنائية 33 مليار دولار في 20-2019، تعد المملكة العربية السعودية من بين أكبر خمسة شركاء تجاريين للهند ومن بين أكبر موردي الطاقة إلى جانب العراق. وأبدت المملكة العربية السعودية خلال زيارة ولي العهد رغبتها باستثمار 100 مليار دولار في قطاعات الطاقة والتكرير والبتروكيماويات والبنية التحتية في الهند. ويمكن أن تقع بعض الصفقات الأخيرة ضمن مجموعة الاستثمارات المذكورة.

وتجري حاليًا مناقشات بشأن التعاون في قطاعات أخرى، بما في ذلك الزراعة والتكنولوجيا المبتكرة والطاقة المتجددة ومعدات الدفاع. وفي الواقع، تعد الهند واحدة من ثماني دول تم تحديدهم باعتبارهم شركاء استراتيجيين لرؤية المملكة 2030، إلى جانب الصين والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية واليابان.

وتشمل الصفقات الموقعة على هامش مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار 2019م، في الرياض قطاعات النفط والغاز والدفاع والطيران المدني. والأهم من ذلك، تم إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية بقيادة ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الهندي. وسيكون لهذا المجلس مساران متوازيان -أحدهما يتعلق بالقضايا السياسية والأمن والثقافة والمجتمع بقيادة وزيري خارجية البلدين، والآخر يتعلق بالاقتصاد والاستثمارات بقيادة وزير التجارة الهندي ووزير الطاقة السعودي. وتعتبر الهند رابع دولة بعد المملكة المتحدة وفرنسا والصين توقع مثل هذه الاتفاقية مع المملكة العربية السعودية.

ومن شأن اتفاق آخر أن يسهل المناورات البحرية السعودية الهندية. وستمكن هذه المناورات، ربما على الساحل السعودي، البحرية الهندية من إظهار قوتها واختبار إمكانية التشغيل المتبادل مع القوات البحرية للعديد من الدول الواقعة من مضيق هرمز إلى مضيق ملقا. ويتماشى ذلك مع اتفاق كلا البلدين على "أهمية المشاركة الثنائية في تعزيز طرق ضمان أمن وسلامة الممرات المائية في المحيط الهندي ومنطقة الخليج من التهديدات والأخطار التي قد تؤثر على مصالح البلدين".

وتقوم البحرية الهندية بعمليات لمكافحة القرصنة في خليج عدن منذ عام 2008م، ونشرت سفنًا حربية لفترة وجيزة في الخليج لمرافقة السفن الهندية عندما تصاعدت التوترات الأمريكية الإيرانية في عام 2019 وأوائل عام 2020م، ويفتح ذلك الباب أمام دور الهند في تطور البنية الأمنية البديلة في الخليج، إلى جانب الجهات الفاعلة الآسيوية الأخرى، إذا استمرت الولايات المتحدة في إنهاء ارتباطها بالمنطقة.

وعلى صعيد مكافحة الإرهاب، سلمت المملكة للهند وساعدتها في القبض على العديد من المشتبهين الرئيسيين، بما في ذلك أحد المتورطين في هجمات مومباي عام 2008م، مما ساعد البلدين على تعزيز التزامهما بمحاربة التطرف.

وتشير بعض الاتفاقيات الأخيرة إلى احتمالات غير محدودة في مجال الاقتصاد الرقمي المزدهر. وفي ديسمبر 2019م، أبرم البلدان اتفاقًا من شأنه أن يتيح للهند أن تكون أول دولة في العالم تجعل عملية الحج لعام 2020م، بأكملها عملية رقمية بنسبة 100%. وعلى الرغم من أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لم يسمح بتطبيق هذا المخطط، إلا أنه سيتم التعامل مع متطلبات التقديم والتأشيرة والنقل والإقامة لـ 200,000 حاج هندي عبر الإنترنت في المستقبل.

والأهم من ذلك، التزم صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة باستثمارين مهمين في التجارة الإلكترونية وسط حالة الإغلاق الوبائي -1.3 مليار دولار في شركة ريلاينس للتجزئة و1.5 مليار دولار في شركة جيو بلات فورم التابعة لريلاينس.

وفي حين أن الطاقة والتجارة و2.6 مليون مغترب هندي تمنح الأساس للعلاقات الثنائية السعودية الهندية، إلا أنها توفر أيضًا إطارًا للبلدين لمتابعة المشاركة "الاستراتيجية" في المناطق المعرضة للنزاع في كل من البلدين. ومن هنا، يكتسب التفاعل بين الدول الأخرى – ولا سيما باكستان وإيران – أهمية بالغة. وقد صرح رئيس الوزراء الهندي، دون تسمية الدولتين: "لدى كلا من الهند والمملكة العربية السعودية مخاوف أمنية متشابهة تجاه دول الجوار".

ومن الناحية الاستراتيجية، مع رفض باكستان وصول الهند إلى أفغانستان، فإن إيران ليست النافذة لأفغانستان فحسب، بل آسيا الوسطى أيضًا. وعلاوة على ذلك، تلقت الهند حوالي 15% من إمداداتها النفطية من إيران قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية. وإدراكًا منها أن برنامج إيران النووي يمكن أن يزعزع استقرار الشرق الأوسط، فقد أيدت الهند الدعوة العربية إلى شرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية.

وكان البعد الاستراتيجي للهند بين الفلسطينيين والإسرائيليين مصدر إزعاج آخر للعلاقات السعودية الهندية. ولكن في عام 2017م، سمحت المملكة العربية السعودية للخطوط الجوية الهندية باستخدام مجالها الجوي للطيران.

قد تؤثر دولتان أخريان على التعاون الاستراتيجي السعودي الهندي في المستقبل. تتمثل إحداها في الولايات المتحدة، التي وقعت شراكة طاقة استراتيجية مع الهند في عام 2018م، وبذلك أصبحت منافسًا محتملاً للمملكة. والأخرى هي المشاركة الصينية المتزايدة على جانبي الخليج. ونظرًا للعلاقة المعقدة التي تشترك فيها الهند والصين وسط بيئة لا تتخذ فيها دومًا هاتان الدولتان، والولايات المتحدة، ودول الخليج نفس الموقف، فهناك دائمًا خطر انجرار منطقة الخليج إلى المنافسة الجيوستراتيجية في المستقبل.

ولكن مع انتقال العلاقات الخليجية الهندية من المعاملات إلى المشاركة الاستراتيجية، سيتعين على المملكة العربية السعودية والهند إيجاد سبل في سياساتهما الخارجية لحماية مصالحهما من خلال تحقيق التوازن بين التعاون والمنافسة مع جميع الدول المعنية. وقد تساعد الحاجة إلى الانتعاش الاقتصادي في مرحلة ما بعد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ورئاسة المملكة لمجموعة العشرين البلدين على إيجاد آليات جديدة للتعاون.

مقالات لنفس الكاتب