array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى: ثبات النهج وحيويّة المنهج

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

لم يكن خطابًا تقليديّا بل كان رؤية ملك ورأي دولة في ملفات وقضايا داخليّة وخارجيّة تمس المواطن والمجتمع الإنساني بأسره. هكذا كان خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز – يحفظه الله – وهو يفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة الثامنة لمجلس الشورى في يوم مشهود وافق الأربعاء 25 ربيع الأول 1442هـ، (11 نوفمبر 2020م).

كان خطاب خادم الحرمين الشريفين أمام مجلس الشورى شاملاً صريحًا وشفافًا في ملفات كثيرة وضعها المليك أمام شعبه وأمته والعقلاء في العالم. وفي مجمل هذا الخطاب تتأكد وتتعزّز ثوابت النهج السعودي في التعامل مع كافة القضايا وفق مبادئ الحق والعدل والسلام. ويأتي هذا الخطاب السنوي إعمالا للمادة الرابعة عشرة من نظام مجلس الشورى التي نصت على أن:" يلقي الملك أو من ينيبه، في مجلس الشورى، كل سنة خطابا ملكيّا يتضمن سياسة الدولة الداخليّة والخارجيّة.

وينتظر أعضاء مجلس الشورى ولجانه هذا الخطاب السنوي في موعده قبل بداية كل سنة شوريّة للتعرف على توجهات الدولة وبرامج الحكومة بوصف هذا الخطاب مرجعًا لأعمال لجان المجلس والموجه لنشاطات ومبادرات اللجان البرلمانيّة ولجان الصداقة في المجلس في علاقاتها مع البرلمانات العالميّة.

الصعيد الداخلي وجائحة كورونا

وفي مستهل خطاب خادم الحرمين الشريفين أبدى المليك في خطابه مدى اعتزازه بمبدأ الشورى كأساس في دعم الدولة والأجهزة الحكوميّة منذ تأسيس الدولة السعوديّة مؤكدًا على أن مجلس الشورى كان له دور جليل في جهود تطوير المملكة وتعزيز مسيرتها التنمويّة الشاملة في سبيل وطن آمن يعيش شعبه وقاصديه في أمن ورخاء وازدهار. كما خاطب الملك أبناءه جنود الحد الجنوبي داعيًا الله لهم بالثبات، وللشهداء الرحمة والغفران في اعتزاز وتقدير ملكي كبير بدورهم وتضحياتهم.

وقد أشاد الخطاب الملكي برؤية المملكة 2030 التي باتت خارطة الطريق لمستقبل الوطن مشيدًا بما تحقق من إنجازات في مجالات تحسين الخدمات الحكوميّة، ورفع نسبة التملك في قطاع الإسكان، وتطوير قطاعات الترفيه والرياضة والسياحة، واستقطاب العديد من الاستثمارات الأجنبيّة، إضافة إلى تمكين المرأة وتفعيل دورها في المجتمع وسوق العمل. وقد بين الخطاب الملكي بعض ثمار هذه الإنجازات في تقدم مركز المملكة دوليّا في "القدرة التنافسيّة العالميّة" وفي التنافسيّة الرقميّة، كما حصلت على مرتبة الدولة الأكثر تقدمًا وإصلاحًا من بين (190) دولة في ممارسة الأعمال، كما حققت المرتبة الأولى خليجيًا والثانية عربيًا، في تقرير البنك الدولي حول: "المرأة، أنشطة الأعمال والقانون 2020".

وأوضح المليك أن المملكة في ظل هذا الظرف الاستثنائي الذي فرضته جائحة كورونا على العالم كلّه لم تتردّد في تسخير كافة الموارد لخدمة الحرمين الشريفين، واتخاذ احتياطات السلامة والوقاية لضمان توفير سبل الراحة لضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين. كما بين المليك أن الدولة حرصت على موازنة الأثر الاقتصادي والصحي والاجتماعي للجائحة. وفي سعيها لتخفيف الآثار الاقتصاديّة لتفشي فيروس كورونا المستجد، قدمت الدولة ما يزيد على (218) مليار ريال للقطاع الخاص، ومبلغ (47) مليار ريال دعمًا للقطاع الصحي. وفي إطار التخفيف من آثار جائحة كورونا وتعزيز جهود مواجهتها أشار الخطاب الملكي إلى مساهمة المملكة في دعم منظمة الصحة العالميّة وتقديم المساعدات والمستلزمات الصحيّة لعدد من الدول.

وعلى الرغم من أزمة كورونا أكد الخطاب الملكي أن الدولة أكملت استعدادها لعقد قمة العشرين بوصفها رئيسة القمة. وهذه الاستعدادات المبكرة اتضحت لاحقًا حينما عقدت القمة (يومي 22/23 نوفمبر) وترأسها خادم الحرمين الشريفين وألقى كلمة الافتتاح مخاطبًا قادة الدول العشرين مبينا أهميّة التعاون الإنساني لمواجهة الجائحة وغيرها من القضايا مثل الآثار الاقتصاديّة والتغير المناخي ودعم السلم العالمي. وقد شهد العالم كيف جرت أعمال القمة بكل يسر وانسيابيّة استحقت معها المملكة شكر قادة العالم المشاركين والمستفيدين من مبادراتها.

الطاقة وتوازن السوق العالمي

وفي سبيل دعم الاقتصاد العالمي وتسريع تعافيه أكد المليك في خطابه على ثبات السياسة السعوديّة المسؤولة فيما يختص باستقرار أسواق البترول العالميّة، مؤكدًا أن دور المملكة في تأسيس ودعم استمرار اتفاق مجموعة "أوبك بلس" هو التزام ومبدأ سعودي لضمان استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها بما يخدم المنتجين والمستهلكين.

الشؤون العربيّة والإقليميّة

على صعيد الشؤون العربيّة والإقليميّة أكد الخطاب الملكي على مرتكزات النهج السعودي الثابت في أهميّة الأمن والسلم واحترام الحقوق ونبذ التدخل في الشؤون الداخليّة للدول. وفي الوقت نفسه أوضح الخطاب الملكي خطورة المشروع الإقليمي للنظام الإيراني وكارثيّة تدخلاته في شؤون الدول الداخليّة، ودعمه الإرهاب والتطرف وتأجيج الطائفيّة. وفي شفافيّة واضحة طالب الخطاب الملكي المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم تجاه إيران، يضمن منعها من الحصول على أسلحة دمارٍ شاملٍ وتطوير برنامج الصواريخ الباليستيّة وتهديد السلم والأمن.

وفي الشأن اليمني استنكر الخطاب الملكي انتهاكات ميليشيا الحوثي الإرهابيّة المدعومة إيرانيًا، للقوانين الدوليّة، بإطلاق طائرات مفخخة من دون طيار، وصواريخ باليستيّة تجاه المدنيين بالمملكة. وفي الوقت نفسه كان خطاب المليك واضحًا في استمرار المملكة في جهود دعم الشعب اليمني لاستعادة سلطته الشرعيّة على أرضه واستمرار المملكة في تقديم المساعدات الإنسانيّة للشعب اليمني وحل الأزمة اليمنيّة وفق المبادرة الخليجيّة ومخرجات الحوار اليمني وقرار مجلس الأمن (2216).

وبخصوص القضيّة الفلسطينيّة يتضح من الخطاب الملكي مركزيّة هذه القضيّة في السياسة السعوديّة حيث أكد المليك وقوف بلاده إلى جانب الشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقيّة. كما أشار الملك في خطابه إلى أهميّة تطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة فيما يختص بالقضيّة الفلسطينيّة ومساندة بلاده للجهود الرامية لإحلال السلام في الشرق الوسط بالتفاوض للوصول إلى اتفاق عادل ودائم.

وعلى صعيد الشأن العراقي يؤكد المليك في خطابه وقوف المملكة مع العراق وشعبه ونساند جهود حكومته في سبيل استقراره ونمائه وحفاظه على مكانته في محيطه العربي، وتعزيز العلاقات بين البلدين الشقيقين، والتعاون في مختلف المجالات من خلال مجلس التنسيق السعودي العراقي. وهذا ما تأكد لاحقًا من توالي اجتماعات المسؤولين السعوديين والعراقيين والتي توجت بعقد قمة سعوديّة عراقيّة في العاشر من نوفمبر 2020م، عبر دائرة تلفزيونيّة مغلقة، جمعت بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. وقد نتج عن القمة تأكيد على أهميّة توسيع آفاق التعاون الثنائي وتعزيزها في كافة المجالات كما تم عقب القمة افتتاح منفذ جديدة عرعر الحدودي المغلق منذ حوالي ثلاثين عامًا.

وفيما يختص بالأزمة الممتدة في سوريا أعلن المليك تأييد المملكة للحل السلمي بسوريا وفقًا لقرار مجلس الأمن 2254 ومسار جنيف 1، مؤكدًا في الوقت ذاته وجوب خروج الميليشيات والمرتزقة منها والحفاظ على وحدة التراب السوري. أما الوضع في السودان فأكد المليك في خطابه التزام بلاده كبلد شقيق وبوصفها رئيسًا لمجموعة أصدقاء السودان على أهميّة دعم السودان وتقديم الدعم السياسي الكامل لمحادثات جوبا للسلام.

وحول ما يجري في ليبيا أكد خادم الحرمين الشريفين أن بلاده تتابع باهتمام تطورات الأوضاع في ليبيا وترحيبها بالاتفاقات بين الفرقاء في ليبيا بما يحقق الأمن والسلام والسيادة والاستقرار لليبيا وشعبها الشقيق داعيًا إلى وقف التدخل الخارجي في الشأن الليبي.

السلم الدولي

في خطابه الملكي أكد الملك سلمان أن بلاده تحرص دائمًا على التفاعل البناء مع المجتمع الدولي بالتزامها بميثاق الأمم المتحدة، والمعاهدات والاتفاقات الدوليّة المنضمة إليها. ويؤكد المليك أنه انطلاقًا من هذه المبادئ فإن المملكة تؤكد على عدم استخدام القوة في العلاقات الدوليّة، وضرورة اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه من يتبنى سياسيّة التدخل في الشؤون الداخليّة للغير، كما أنها تشجب جميع أشكال العنف والوسائل المخلة بالأمن والسلم الدوليين، وترفض أي محاولة للتدخل في شؤونها الداخليّة، وتنبذ الإرهاب والفكر المتطرف وتحارب تمويله، وتدعم الجهود الدوليّة في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصوره.

ثبات النهج وحيويّة المنهج

ويمكن تلخيص الخطاب الملكي من عدة وجوه أبرزها وضوح الرؤية السعوديّة في تصميمها على استمرار التنمية الداخليّة بما يحقق الرفاه والأمن للمجتمع السعودي وفي سبيل تحقيق ذلك يؤكد الملك استمرار جهود إصلاح الأداء الحكومي ومحاربة الفساد والحفاظ على المال العام وحماية المكتسبات الوطنيّة. كما يتضح على الصعيد الداخلي العزم على مواصلة تمكين المجتمع من مقدرات وطنه وعلى الأخص المرأة والشباب في كل المجالات وهي مبادرات قطعت شوطًا كبيرًا. على الصعد الخارجيّة يتضح العزم والحزم السعودي في مواجهة التحديات التي تسبب بها خصوم المملكة وعلى رأسهم النظام الإيراني وأتباعه ومنهم ميليشيا الحوثي. وفي الوقت ذاته تتضح تأكيدات السياسة السعوديّة في دعم السلم الإقليمي والعالمي ومحاربة التطرف والإرهاب ودعم السلم والاعتدال ومساندة الشعوب على الاستقرار والأمان والسيادة وفق الشرعيّة الدوليّة. وهذه الثوابت السعوديّة أكدها خطاب خادم الحرمين الشريفين وتعززها الجهود السعوديّة المنطلقة من نظام الحكم السعودي الذي رسخ هذه المرتكزات في نهج المملكة العربيّة السعوديّة داخليًا وخارجيًا. والجديد هنا هو حيويّة المنهج السعودي في تعاطيه مع الأحداث والأزمات متسقًا مع الإدارة الحكوميّة الديناميكيّة التي قررت أن تتعامل مع مختلف الملفات بكل شفافيّة وخارج عباءة البيروقراطيّة والروتين.

مقالات لنفس الكاتب