الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020
تولت المملكة العربية السعودية لأول مرة رئاسة مجموعة العشرين خلال عام 2020م، ولأول مرة تكون القضايا البيئية خاصة تغير المناخ على قمة أولويات عمل المجموعة. فمجموعة العشرين أساسًا هي منتدى اقتصادي غير رسمي للنقاش بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول القضايا المتعلقة بالاقتصاد العالمي. وقد تم إنشاؤها كاستجابة للاعتراف المتزايد بأن الاقتصادات الصناعية والناشئة الرئيسية مثل السعودية والصين والهند والبرازيل لم يتم تمثيلها بشكل كافٍ في صميم المناقشات الاقتصادية العالمية والحوكمة العالمية. ويتم التناوب على رئاسة المجموعة بين الدول الأعضاء.
إن دول مجموعة العشرين تشكل 85% من الناتج الإجمالي العالمي، كما تمثل المجموعة 80٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHG) العالمية، و80٪ من التجارة العالمية في السلع الزراعية، و60٪ من الأراضي الزراعية في العالم.
توضح هذه المقالة أهم النتائج البيئية لقمة مجموعة العشرين التي عقدت بالسعودية في الفترة من 21-22 نوفمبر 2020م، والدور الذي لعبته المملكة في دفع القضايا البيئية الملحة وخاصة مشكلة تغير المناخ من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
قمة استثنائية
تولت السعودية رئاسة المجموعة لعام ٢٠٢٠م، تحت شعار "اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع"، وركزت من خلال قيادتها على ثلاثة محاور أساسية -بينها المحور البيئي-وهو:
وقد انعقدت القمة في مدينة الرياض في السعودية في وقت استثنائي غير مسبوق؛ وهي المرة الأولى التي تعقد افتراضيًا، حيث أنها جاءت في ظل جائحة كوفيد-19، والتي منذ بدء عقد قمم العشرين لم تحدث أزمة مشابهة لها والتي كانت لها آثار صحية واقتصادية وبيئية واجتماعية خطيرة. هي باختصار أزمة غير مسبوقة أثرت على كافة مناحي الحياة وكافة القطاعات وجميع سكان الأرض بلا استثناء.
إلا أن هذه القمة كانت بلا شك قمة استثنائية في ظروف استثنائية بمخرجات والتزامات استثنائية حيث توجت جهود المملكة على مدار عام كامل في رئاسة مجموعة العشرين بحيث تمخضت عنها سلسلة من التوصيات الهادفة لتحفيز الاقتصاد العالمي وحماية البيئة والمناخ والتنوع البيولوجي وموارد المياه وبالطبع الهدف الأسمى هو حماية الإنسان. وللقمة أيضًا مخرجات أخرى هامة من أجل تحقيق الشمول المالي والرقمي، فضلاً عن دعم المواجهة العالمية لفيروس كورونا وتداعياته الشديدة على العالم، لا سيما الدول الأكثر فقرًا.
وأقرت المجموعة في بيانها الختامي، أنها لن تدخر جهدًا لضمان حصول جميع دول العالم على لقاحات مضادة لـ"كوفيد 19" بأسعار مناسبة، مع ضمان حصول الدول الفقيرة عليها، وقامت دول مجموعة العشرين بضخ ما يزيد على 11 ترليون دولار أمريكي لدعم الاقتصاد العالمي، وسد الفجوة التمويلية في النظام الصحي العالمي بمبلغ 21 مليار دولار أمريكي؛ وذلك لتعزيز التأهب للجوائح والاستجابة لها.
كما التزمت المجموعة بضمان "إبقاء طرق النقل وسلاسل الإمداد العالمية مفتوحة وآمنة"، مع مساندة صندوق النقد للتصدي للتحديات التي تواجه الدول النامية الصغيرة، ذلك فضلاً عن توصية استمرار تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021م، المتوقع أن يستفيد منها أكثر من مليار إنسان في الدول المدينة.
أهم النتائج البيئية للقمة
يستطيع المتتبع لاجتماعات مجموعة العشرين أن يلحظ عدم الاهتمام بالقضايا البيئية العالمية مثل تغير المناخ والتنوع البيولوجي حتى مؤخرًا في قمة أوساكا في اليابان 2019م، حيث بدأت بوادر الاهتمام بالقضايا البيئية العالمية تأخذ مكانها المستحق في اجتماعات مجموعة العشرين. ونستطيع القول بكل صدق أن الاهتمام بالقضايا البيئية عامة وخاصة قضايا المناخ والتنوع البيولوجي تلقت دفعة واهتمامًا كبيرًا في ظل رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين عام 2020م.
فمنذ بداية العام وخلال اجتماع المسؤولين الماليين من دول مجموعة العشرين في الرياض في فبراير 2020م، اتفقوا على صياغة البيان الختامي أن يتضمن الإشارة إلى تغير المناخ للمرة الأولى في عهد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وهذا تطور مهم جدًا حيث أن هذه هي المرة الأولى التي تدرج فيها الإشارة إلى موضوع تغير المناخ في بيان مالي لمجموعة العشرين في عهد ترامب.
وعلى الجانب البيئي للقمة نفسها، أكدت قمة الرياض 2020م، لقادة مجموعة العشرين على أجندة المياه، حيث أقرت بأن خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ميسورة التكلفة والموثوقة والآمنة ضرورية لحياة الإنسان، وأن الحصول على المياه النظيفة أمر مهم لتجاوز جائحة كوفيد-19.
ومن أهم المخرجات البيئية كانت تبني القمة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون من أجل المحافظة على كوكب الأرض حيث تمثل خطوة عملية فعلية على أرض الواقع من أجل التوافق مع متطلبات خفض الانبعاثات الضارة والتوافق مع التزامات اتفاقية باريس لتغير المناخ.
فقد اقترحت المملكة العربية السعودية تعزيز مبادرة اقتصاد الكربون الدائري كنهج متكامل وشامل للانتقال نحو نظام طاقة أكثر شمولاً ومرونة واستدامة وصديقًا للمناخ والذي يوفر طريقة جديدة لمقاربة الأهداف المناخية التي تشمل جميع الخيارات، ويشجع كل الجهود المبذولة للتخفيف من تراكم الكربون في الغلاف الجوي. فلقد اعتمد وزراء الطاقة مبادرة اقتصاد الكربون الدائري وإطارها المكون من أربعة عناصر «التقليل Reduce وإعادة الاستخدام Reuse وإعادة التدوير Recycleوالإزالة Remove »؛ حيث تعمل رئاسة المملكة على تعزيز الجهود لإدارة الانبعاثات في جميع القطاعات وتحسين التآزر بين إجراءات التكيف والتخفيف مع تعزيز الوصول إلى طاقة أنظف وبأسعار معقولة وأكثر استدامة.
إن إزالة الكربون أمر حيوي لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، فاقتصاد الكربون الدائري منطقي لأنه يتماشى مع كيفية إدارة الطبيعة للكربون، من خلال التوازن الوثيق بين الانبعاثات وإزالة ثاني أكسيد الكربون. حيث تم التركيز على قضايا رئيسية تشمل اقتصاد الكربون الدائري واقتصاد الكربون الأزرق والعمل المناخي في الحزم الاقتصادية فيما بعد كوفيد-19، وتحقيق الهدف رقم 13 من أهداف التنمية المستدامة بشأن العمل المناخي، وهو يهدف إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره.
ومما لا شك فيه أنه من الضروري أن ينظر إلى جائحة كوفيد-19 كفرصة ودرس في كيفية معالجة تغير المناخ بسرعة وبشكل تعاوني، فلابد من تنسيق الجهود عالميًا وخاصة لدول مجموعة العشرين لتحقيق هذا الهدف، مع ضرورة ألا تعرقل حزم تحفيز التعافي الاقتصادي بعد الوباء الإجراءات المناخية، وكذا أهمية أن تستخدم إطار اقتصاد الكربون الدائري لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية في نفس الوقت مع تحفيز الازدهار الاقتصادي من أجل مستقبل أكثر شمولاً واستدامة.
وأيضًا اهتمت القمة بقضية التنوع البيولوجي فهو أساس الحياة والتنمية المستدامة حيث توفر الطبيعة طعامنا ومياهنا وملابسنا ودواءنا وهواءنا، وهو أهم ما نحتاج إلى الحفاظ عليه. ومع ذلك، من خلال زيادة الملوثات، وكذلك التغيرات السريعة الضخمة، مثل النمو السكاني السريع والتصنيع وتأثيرات تغير المناخ، إلى جانب الضغوط البيئية الأخرى البشرية، تزيد من حدة وسرعة فقدان التنوع البيولوجي بما يهدد الجنس البشري نفسه. على سبيل المثال، إن الرئاسة السعودية لمجموعة العشرين سعت ليس فقط لدعم جهود الحفاظ على الشعاب المرجانية بل إلى زيادة حجم الشعاب المرجانية على الصعيد العالمي بنسبة 10%.
فبلا شك إن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي في قلب القضايا العالمية سواء اقتصادية أو صحية. ويتطلبا إجراءً عاجلاً – وهو ليس فقط عملًا فرديًا ولكن نهجًا منسقًا متكاملاً– ومجموعة العشرين ربما هي أهم منصة عالمية لتحقيق ذلك. في الواقع، إذا لم تقدم مجموعة العشرين برنامج عمل وخطوات فعلية قابلة للتطبيق في مجالي التغير المناخي والتنوع البيولوجي ففي رأي الباحث لا يمكن لأي منصة أخرى تحقيق ذلك.
ومما لا شك فيه أن الزخم السياسي الذي نشأ بسبب اتفاقية باريس للتغير المناخي وأهداف التنوع البيولوجي لما بعد عام 2020م، وكذا أهداف التنمية المستدامة جميعها تدفع مجموعة العشرين لأن تلعب دورها المحوري في تعزيز كفاءة الموارد والبيئة باعتبارها الخطوة التالية من أجل تحقيق مستقبل مستدام خاصة مع إدراج صندوق النقد الدولي الكوارث المرتبطة بالمناخ في قائمة المخاطر التي يمكن أن تعرقل الانتعاش المتوقع والهش للاقتصاد العالمي فيما بعد كوفيد-19 المتوقع خلال عام 2021م.
بلا شك إن اهتمام مجموعة العشرين بالقضايا البيئية والمناخ أمر مهم فحماية البيئة وقاعدة الموارد الطبيعية هي متطلب أساسي من أجل تحقيق تقدم ملموس في مجال تغير المناخ والتنوع البيولوجي والتنمية المستدامة ولدفع عجلة الاقتصاد العالمي فيما بعد كوفيد-19 في قطاعات الطاقة والزراعة والسياحة والبنية التحتية والنقل وغيرها.
الخلاصة
مجلة اراء حول الخليج
٣٠ شارع راية الإتحاد (١٩)
ص.ب 2134 جدة 21451
المملكة العربية السعودية
+هاتف: 966126511999
+فاكس:966126531375
info@araa.sa :البريد الإلكتروني