array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

عام من مواجهة جائحة كورونا وسبل الخروج من الأزمة الاقتصادية

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. محمد البنا

أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ العالم، فكل الأزمات الاقتصادية كان مرجعها اضطرابات في أحد جوانب النظام المالي، سواء في جانب الأسواق المالية (البورصة)، أو مؤسساته المالية الوسيطة (البنوك)، لكن الأزمة الحالية، سببها جائحة صحية نتجت عن فيروس جديد، كوفيد 19 المستجد، شملت ربوع الكوكب، ولم يستثنى منها بلد، فأضرت بصحة الإنسان وصحة الاقتصاد.

وبحلول أوائل أبريل كان نحو 150 بلدًا قد أغلقت جميع المدارس، وفرضت إلغاء التجمعات والفعاليات، وأغلق أكثر من 80 بلدًا كل أماكن العمل لاحتواء تفشي الفيروس. وفرضت قيود على السفر على نطاق واسع، وأثرت الإغلاقات الإلزامية إلى جانب التباعد الاجتماعي التلقائي من جانب المستهلكين والمنتجين تأثيرًا كبيرًا على نشاط التجارة في العالم، وصاحبتها تقلبات في الأسواق المالية، وتراجعات حادة لأسعار النفط والمعادن الصناعية.

آثار الجائحة على الاقتصاد العالمي

تتمثل الأزمة الاقتصادية بصفة عامة في تراجع مستويات النشاط في كافة المجالات مع دخول رجال الأعمال في حالة من الترقب والانتظار، وحدوث حالات من الانهيار والخروج من العمل بسبب الخسائر، أو تجنبًا لخسائر محتملة مما يؤدي إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي، وارتفاع معدلات البطالة، ودائما كانت الأزمات الاقتصادية نتيجة انهيار النظام المالي (الأسواق المالية والوسطاء الماليون)، وضعف دوافع الادخار والاستثمار، وخروج العديد من الوحدات الإنتاجية عن العمل.

وما عهدناه كاقتصاديين أن شرارة الأزمة الاقتصادية تنطلق من اضطرابات في النظام المالي، سواء في الأسواق المالية، أو في المؤسسات المالية الوسيطة خاصة البنوك بأنواعها، حتى كانت جائحة كوفيد 19 المستجد، فأدى إلى صدمة سلبية على مستوى العرض وصدمة سلبية على مستوى الطلب في الاقتصاد الكلي.

 وتأتي صدمة العرض من انخفاض العمالة والتشغيل سواء بشكل مباشر حيث أن العمال يقعون مرضى بفيروس كورونا، وبشكل غير مباشر بسبب القيود على السفر وجهود الحجر الصحي وتزايد عدد العمال المقيمين في المنزل لرعاية الأطفال، إضافة إلى نقص المواد الخام ورأس المال والمستلزمات الوسيطة مع صعوبات النقل وتعطل عمل الشركات.

أما الصدمة السلبية على جانب الطلب فقد كانت عالمية وإقليمية، فالصعوبات الاقتصادية العالمية وتعطيل سلاسل القيمة العالمية، تؤدي إلى خفض الطلب على السلع والخدمات المنتجة، (وعلى الأخص النفط والسياحة في منطقة الخليج)، وعلى المستوى الإقليمي يؤدي الانخفاض المفاجئ في النشاط التجاري، والمخاوف بشأن العدوى، تحد من السفر، إضافة إلى حالة عدم اليقين بشأن انتشار الفيروس يمكن أن تضعف من الاستثمار والاستهلاك في المنطقة.

وقد تضررت الأنشطة الاقتصادية في دول المجلس عام 2020م، بشكل غير مسبوق، وهي التي كانت تتعامل سابقًا مع الأزمات المالية والاقتصادية العالمية، بقدر كبير من المرونة، وقدرة عالية على تحمل الصدمات، لكن شمول هذه الأزمة، مع تأثيرات الإغلاق التام للحدود، وتقيد الأنشطة الداخلية، ووضع قيود على الحركة الداخلية، أثرت بشكل مباشر على معدلات النشاط الاقتصادي في معظم الأنشطة الإنتاجية السلعية والخدمية.

أضف إلى ذلك ما تتسم به دول المنطقة من سمات خاصة، أهمها، أنها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة والسياحة وعلى صادرات السلع الأولية، وتعاني من مواطن ضعف مالية، بسبب طول فترة الاعتماد على الفوائض النفطية في تمويل الموازنات العامة للحكومات، وهو ما يجعلها أكثر عرضةً للضغوط المالية، فضلاً عن استمرار ارتكاز الاقتصادات الوطنية على القطاعات الأولية، وعلى الإنفاق الحكومي.

ومنذ اكتشاف الفيروس الجديد في نهاية عام 2019م، انخفضت أسعار النفط انخفاضًا حادًا، مما يعكس هبوطًا شديدًا في الطلب العالمي على النفط، المصاحب بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات ذات الصلة بالجوائح، وانخفض سعر خام برنت إلى أدنى مستوياته منذ عدة سنوات وهو 20 دولارًا للبرميل في شهر أبريل 2020م، حين ظهرت وفرة في الإمدادات العالمية بسبب الإغلاق الاقتصادي مما أدى إلى انهيار الطلب على النفط في جميع أنحاء العالم وارتفاع إنتاج النفط في أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك.

وفي أول مايو من العام نفسه، بعد التوصل إلى اتفاق، بدأت أوبك والمنتجون المتحالفون معها في خفض إنتاج النفط بمستوى قياسي بلغ 7.9 مليون برميل يوميًا، وفي وقت لاحق من شهر مايو أعلنت السعودية عن خفض إضافي من جانب واحد قدره مليون برميل يوميًا، ثم أعلنت الكويت والإمارات إنهما ستحذوان حذوها، ونتيجة لذلك، انخفض إنتاج أوبك بحدة في الربع الثاني من عام 2020م. وساعد هذا الخفض في الإنتاج، إلى جانب تخفيف الإغلاق الاقتصادي في بعض أنحاء العالم، على ارتفاع سعر خام برنت إلى أكثر من 40 دولار للبرميل اعتبارًا من أواخر سبتمبر2020م.

ولاتزال توقعات أسعار النفط تعتمد إلى حد كبير على حالة الاقتصاد العالمي وتحالف أوبك، ومن غير المتوقع أن يتعافى الطلب على النفط إلى مستوى ما قبل تفشي الجائحة قريبًا، حيث تحيط بالاقتصاد العالمي حالة قوية من عدم اليقين. وفي شهر أغسطس 2020م، توقعت الوكالة الدولية للطاقة أن يتقلص الطلب العالمي على النفط عام 2020 بمقدار   8.1مليون برميل يوميًا مقارنة بعام 2019م، ويشير منحنى العقود الآجلة إلى أن أسعار النفط ستظل دون 50 دولار للبرميل حتى نهاية عام 2022م، (تقرير أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أكتوبر 2020)

وهكذا تسببت جائحة كورونا، في إحداث مخاطر مباشرة هددت جهود دول الخليج نحو الرؤى المستقبلية التي بدأتها مع إعلان الأمم المتحدة عن أهداف التنمية المستدامة 2015-2030م، ولا تزال تأثيراتها السلبية آخذة في الانتشار، مع انفتاح اقتصادات دول المنطقة على العالم الخارجي، وما لم تتخذ بلدان العالم تدابير مناسبة للتصدي لها، فإن التأثيرات التراكمية لهذه الجائحة وتداعياتها الاقتصادية، سوف تستمر لفترة طويلة في المستقبل.

وفيما تدخل بلدان المنطقة في سباق مع الزمن للتعامل مع حالة الطوارئ الصحية، سيتعين عليها البحث عن سبل لاحتواء الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، والعمل بصورة عاجلة على إعادة خطط التنمية إلى مسارها من جديد، بدأته منذ سنوات طويلة وعدلت مسارها مؤخرًا في حقبة ما بعد الفوائض النفطية، ومن بين محاور التركيز الأساسية في جميع دول المجلس: تحسين تقديم الخدمات، وتشجيع تنوع النشاط الاقتصادي، وتدعيم الإدارة الرشيدة والحوكمة، وتعزيز رأس المال البشري الوطني على وجه الخصوص.

وقد أثرت جائحة فيروس كورونا وانخفاض إنتاج النفط وأسعاره تأثيرًا كبيرًا على الاقتصادات الخليجية، وخاصة على أوضاع المالية العامة، التي لا تزال الفوائض النفطية ركيزته الأساسية، على الرغم من التدابير الكبيرة الرامية إلى تنويع مصادر الدخل القومي، ومن ثم تنويع مصادر الإيرادات العامة للدولة، مع توسعة الأوعية الضريبية، وزيادة اسهامات القطاع الخاص في مجالات النشاط الاقتصادي، وتشغيل مزيد من العمالة الوطنية عالية المهارة التي تفرزها نظم تعليمية متطورة.

وما زالت نهايات عام 2020م، غير مؤكدة، مع اعتماد التعافي في المدى المتوسط على احتواء الجائحة وانتعاش الاقتصاد العالمي في نهاية المطاف، وتشير الأوضاع السائدة في أسواق النفط العالمية إلى استمرار عجز الموازنة في الأمد المتوسط، مما قد يفضي إلى مسار متصاعد في الدين العام، لكن إصرار الحكومات على نجاح خطط التنويع واستقرار الأطر المالية العامة على نحو يبعث بإشارة جيدة إلى القطاع الخاص، يمثل توجهًا استراتيجيًا، لتخطى آثار الأزمة وتلافي انعكاساتها السلبية.

الوضع الاقتصادي لدول المنطقة خلال عام 2020

تشكل التكلفة الاقتصادية والمالية والاجتماعية الناجمة عن جائحة كورونا تكلفة ضخمة على الاقتصاد العالمي بيد أنها أكثر كلفة على منطقة الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي، ورغم أن الجائحة أصابت تقريبًا كل قطاع من قطاعات الاقتصاد بالمنطقة، بما في ذلك الزراعة والخدمات التجارية وغير التجارية، حيث يعمل معظم العمال منفضي الأجر والنساء، وقد تحمل قطاع الخدمات المحلية في المنطقة أكبر صدمة سلبية، وكذلك خدمات السياحة، مما أضر بمصالح العاملين في أنشطة السفر والسياحة وتجارة التجزئة، وخدمات الإقامة وخدمات الأغذية والمشروبات، ومع استمرار انتشار المرض والإغلاق الاقتصادي جميع أنحاء المنطقة واستمرار تعطل سلاسل التوريد، ستكون عمالة الإناث – التي تسعى دول الخليج للدفع بها قدمًا للأمام، هي الأكثر تضررًا باعتبارهم الأكثر حضورًا في قطاع الخدمات والقطاعات غير الرسمية

أشارت النسخة الرابعة من تقرير المرصد الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي (البنك الدولي) التي صدرت قبيل انفجار الأزمة الحالية، إلى أن معدل النمو الاقتصادي في المنطقة كان من المتوقع أن يرتفع إلى 2.1% في 2019م، مقارنة بنحو 2% العام 2018م، قبل أن تتسارع وتيرته ليصل إلى 3.2% في 2020م، ويستقر عند 2.7% في 2021م. لكن عادة لا تجري الرياح بما تشتهي السفن، فقد أثرت جائحة فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط على جميع جوانب الاقتصادات الوطنية في المنطقة، ومن المتوقع ألا تتعافي إلا بصورة جزئية عام 2021م، وذلك لأسباب ترجع في الأساس إلى انخفاض عائدات تصدير النفط، وانخفاض إيرادات المالية العامة، والزيادة الكبيرة في المصروفات استجابة للأزمة الصحية. وبحسب تقارير البنك الدولي، من المتوقع أن تتعرض دول المنطقة لحالة من التباطؤ والتي تحولت إلى ركود وذلك على النحو التالي:

 البحرين: من المتوقع أن ينكمش اقتصاد البحرين في عام 2020م، بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية والاجراءات الاحترازية، ومن المرتقب أن يرتفع العجز في المالية العامة والعجز في ميزان المعاملات الخارجية بشدة في 2020م، بعد التراجع الذي حدث في كليهما عام 2019م.

الكويت: في حين أن الأداء في عام 2020م، سيعاني من الصدمات المزدوجة للجائحة وتراجع أسعار النفط، من المتوقع الآن أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 7.9٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020م، (مقارنة بـ -5.4٪ في يونيو 2020م) حيث أن نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ضعيف بسبب إجراءات قيود الصحة العامة المطولة وإجراءات التخفيف المالية المقيدة، كما تراجعت عائدات النفط في بنسبة 16.6٪ على خلفية انخفاض أسعار النفط بنسبة 10.3٪ وانخفاض إنتاج النفط بنسبة 2.2٪. كما انخفضت الإيرادات غير النفطية أيضًا بسبب ضعف النشاط الاقتصادي.

عمان: من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بشدة بأكثر من 9% في 2020م، بسبب تراجع الطلب العالمي على النفط والضربة التي وجهتها جائحة كورونا للقطاع غير النفطي. ويواجه الاقتصاد غير النفطي ضغوطًا كبيرة أيضًا في ظل القيود المستمرة، إذ أن قطاعي السياحة والفنادق من بين أشد القطاعات تضررًا. وإذا ما تحسنت الظروف فمن المتوقع أن يتعافى النمو تدريجيًا إلى 4% في المتوسط في2021-2022م.

قطر: من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2٪ في عام 2020م، والذي تم تخفيفه من خلال الإنفاق على البنية التحتية قبل كأس العالم لكرة القدم عام 2022م، والتوسع المستمر في قدرة الغاز الطبيعي المسال، والتكيف المالي ومن المتوقع أن تدعم الخطوات المتخذة لتحسين بيئة الأعمال، وكذلك الدفعة الأخيرة قبل كأس العالم، النمو الاقتصادي على المدى المتوسط.

المملكة العربية السعودية: تؤثر جائحة فيروس كورونا وانخفاض إنتاج النفط وأسعاره تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد السعودي وأوضاع المالية العامة، وعلى الرغم من التدابير الكبيرة في السياسات المالية والنقدية التي صاحبت رؤية 2030، فما زالت آفاق 2020م، ضعيفة مع اعتماد التعافي في المدى المتوسط على انتعاش الاقتصاد العالمي واحتواء الجائحة وفتح الحدود في نهاية المطاف.

الإمارات العربية المتحدة: أكد البنك الدولي في يونيو الماضي أن دولة الإمارات تمكنت من تقليص حجم الأضرار الاقتصادية الناتجة عن جائحة كورونا، نتيجة سياساتها الاقتصادية والمالية التي أسهمت في تعزيز الإيرادات الحكومية أمام تقلبات أسعار النفط، إضافة لقوة أوضاعها المالية، كما توقع صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي أن تسهم المصدات المالية الضخمة والأسس القوية التي قام عليها اقتصاد دولة الإمارات في تسريع التعافي من تبعات أزمة كورونا، ليسجل نموًا يصل معدله إلى 3.3% في عام 2020م،  (البنك الدولي، الآفاق الاقتصادية لدول الخليج — أكتوبر 2020)

السبيل للخروج من الأزمة

برغم كل النجاحات السابقة على الأزمة والإصلاحات الجارية، من أجل تحسين بيئة الأعمال في المنطقة، إلا أن تحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة، سيظل رهنا بانفراج الأزمة والحصول على اللقاح الواقي من كورونا وإتاحته للأفراد على قدم المساواة.  وبالتوازي مع انحسار الأزمة، فإن استعادة زخم التنمية يتطلب من دول الخليج الاستمرار في مساندة تدابير ضبط أوضاع المالية العامة، وتنويع النشاط الاقتصادي، والنهوض بخلق الوظائف بقيادة القطاع الخاص، لاسيما للنساء والشباب، إضافة إلى تسريع وتيرة تكوين رأس المال البشري عن طريق اتباع إستراتيجية حكومية شاملة لتحسين النواحي الصحية والتعليمية التي تصنع رأس المال البشري.

وينبغي لمختلف البلدان بالمنطقة، عند التصدي لجائحة كورونا، أن تركز أولاً على الاستجابة للقضايا الصحية مع الحفاظ على قدرات الاستهلاك والإنتاج وحمايتها، على أن تؤجل ضبط أوضاع المالية العامة إلى أن يتحقق الانتعاش ويترسخ النمو، وينصب التركيز الحالي على إعادة تخصيص الإنفاق لمعالجة الأثر العاجل للأزمة وزيادة الكفاءة في هذا الإنفاق لضمان وصول الإغاثة إلى المستفيدين المستهدفين من المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

 وثمة حاجة شديدة في المدى المتوسط إلى تعزيز سياسات رفع الإنتاجية لاستعادة النمو وتحقيق الاستقرار في المالية العامة، ومن الوسائل القوية لتحقيق ذلك إصلاح دور الدولة، وتعزيز المنافسة العادلة، واعتماد التكنولوجيا الرقمية، وتدعيم الدور الفعال للجامعات في الاقتصاد المعرفي والابتكارات، والسعي إلى تحقيق مزيد من التكامل الإقليمي عن طريق تعزيز التجارة البينية وتوسيعها للاستفادة من تفكك سلاسل التوريد العالمية، والسعي لإضفاء الطابع الإقليمي لتعزيز القدرات التنافسية

استراتيجية مقترحة في مواجهة الأزمة

في ضوء عدم اليقين السائد بخصوص اللقاح الواقي وسبل العلاج، فإن الاستراتيجية المقترحة تمر بثلاث مراحل: مرحلة الإغاثة، ومرحلة إعادة الهيكلة، ومرحلة بناء تعاف قادر على الصمود. وترتكز الاستراتيجية المقترحة لبلدان مجلس التعاون في مواجهة الأزمة، اتساقًا مع توجهات البنك الدولي، في العمل على 4 محاور، على النحو التالي: حفظ الأرواح، وحماية الفقراء والفئات المهمشة، وضمان استدامة الأعمال وإيجاد فرص العمل، وبناء تعاف قادر على الصمود، وتشكل هذه المحاور مجالات عمل أساسية خلال المراحل الثلاثة لتطبيق الاستراتيجية.

 

 

 

 

ملخص عناصر الإستراتيجية المقترحة

مجالات العمل

مراجل العمل

مرحلة الإغاثة

 مرجلة إعادة الهيكلة

 مرحلة التعافي المستدام

إنقاذ الأرواح

 إعلان حالة الطوارئ الصحية

إعادة هيكلة النظم الصحية

إقامة نظم صحية جاهزة لمواجهة الجوائح

حماية الفقراء والأكثر احتياجًا

 حالة الطوارئ الاجتماعية

إعادة بناء رأس المال البشري

تحقيق الإنصاف والشمول

 استدامة الأعمال وخلق فرص العمل

حالة الطوارئ الاقتصادية

إعادة هيكلة الشركات وتسوية الديون

نمو العمال التجارية وإيجاد فرص العمل

بناء تعاف قادر على الصمود

الحفاظ على رؤية واضحة نحو الأهداف طويلة الأجل

إصلاح السياسات والمؤسسات

استثمارات لإعادة البناء على نحو أفضل

 

المحور الأول: إعطاء أولوية لإنقاذ الأرواح التي تهددها الجائحة بما يساعد على بناء تعاف قادر على الصمود، وقد ظهر ذلك جليًا من خلال إعلان حالات الطوارئ الصحية العامة مع بدايات الجائحة، وإعادة هيكلة النظم الصحية، وبناء نظم صحية جاهزة لمواجهة الأزمات مستقبلاً.

 المحور الثاني: حماية الفئات الفقيرة والأشد احتياجًا، وهو ما أكده إعلان حالات الطوارئ الاجتماعية (في مرحلة الإغاثة)، وإعادة بناء رأس المال البشري بمجرد السيطرة على الجائحة (مرحلة إعادة الهيكلة)، ومن ثم تميكن الاقتصاد من الخروج من الأزمة في مرحلة لاحقة.

 المحور الثالث: ضمان استدامة الأعمال وإيجاد فرص العمل، ومساعدتهم على الحفاظ على الوظائف ودعم منشآت الأعمال، وقد ساعد على ذلك حالات الطوارئ الاقتصادية (مرحلة الإغاثة)، وإعادة هيكلة الشركات وتسوية الديون التي تبدأ بمجرد السيطرة على الجائحة، (إعادة الهيكلة)، ومن ثم تأكيد نمو الأعمال التجارية وإيجاد فرص العمل، ومن ثم بناء تعاف قادر على الصمود.

 المحور الرابع: إعادة البناء بشكل أفضل من خلال تعزيز السياسات والمؤسسات والاستثمارات، من أجل بناء تعاف أكثر قدرة على الصمود، وذلك بالحفاظ على رؤية واضحة أمام الأهداف طويلة الأجل في مرحلة الإغاثة، وإصلاح السياسات والمؤسسات في مرحلة إعادة الهيكلة، وتنفيذ قدر كاف من الاستثمارات لإعادة البناء على نحو أفضل للمعاونة في مرحلة بناء تعاف قادر على الصمود بمجرد السيطرة على الجائحة.

 الخلاصة

  إجمالاً تقتضي جائحة كورونا استمرار العمل وعلى نطاق واسع، على صعيد مراحل ثلاثة: الإغاثة، وإعادة الهيكلة، والتعافي القادر على الصمود، حيث تتعلق المرحلة الأولى بالاستجابة الطارئة للتهديدات الصحية التي يشكلها فيروس كورونا وما يترتب عليه من آثار اجتماعية واقتصادية ومالية عاجلة.

وحينما تتمكن البلدان من السيطرة على الجائحة  تبدأ  في إعادة فتح اقتصاداتها، تركز مرحلة إعادة الهيكلة على تدعيم الأنظمة الصحية في مواجهة الأزمات المستقبلية، وعودة الحياة اليومية وسبل كسب العيش إلى طبيعتها من خلال تدعيم التعليم وخلق الوظائف وتوفير سبل الحصول على الرعاية الصحية، ومساعدة الشركات والمؤسسات المالية على الوقوف من جديد على أقدام راسخة، ومن ثم تتمكن من الدخول في المرحلة الثالثة resilient Recovery التعافي الدائم  لبناء اقتصادات أكثر استدامة وصمودًا في عالم بدلته الجائحة، مع الحفاظ على مجال رؤية واضح لدعم الانتعاش وأهداف التنمية طويلة الأجل كما هي مجسدة  في رؤى وخطط ، في بلدان المجلس لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

ومع ذلك ، فإن التقدم على أرض الواقع سوف يختلف بين البلدان، وسيعتمد التقدم بشكل حاسم على احتواء الوباء وقدرات الاقتصادات الوطنية على الصمود والحفاظ على طاقاته الإنتاجية وقوة العمل، وسوف تترتب الكثير من المخاطر إذا طالت فترة الطوارئ ، مما قد يؤدي إلى الإبطاء  في بدء مرحلة إعادة الهيكلة والدخول في مرحلة التعافي، وقد تتسبب احتمالية حدوث موجات ثانوية من العدوى في تراجع تلك الخطط  إلى الوراء، مما يتطلب درجة عالية من المرونة  في التعامل مع الموقف، وأن تتكيف الخطط  مع الظروف المتقلبة والمتغيرة وبسرعة على أرض الواقع.

خلاصة القول إن الأزمة رغم أنها أثرت سلبًا على كثير من الأنشطة الاقتصادية في المنطقة لكنها كشفت عن جوانب كثيرة من قوة الاقتصادات الخليجية، ودعمت أهمية التوجه للانخراط في أجندة إصلاح شاملة تتناول بعض القضايا الهيكلية الأساسية في المنطقة مثل اللامركزية وتنمية القطاع الخاص وتطوير نظم الحماية الاجتماعية، ودعم نموذج نمو أكثر شمولية مثل التنويع الاقتصادي وتخصيص مزيد من الإنفاق على الصحة والتعليم والابتكار الصناعي والمشاركة في سلاسل القيمة الإقليمية.

مقالات لنفس الكاتب