array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 158

قمة "العلا" تعيد لدول الخليج نموذج التعاون الإقليمي وقاطرة التنمية العربية والتجربة الباهرة لنجاحاتها

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

يحتل العمل الاقتصادي العربي مكانًا بارزًا في أنشطة جامعة الدول العربية وحظي باهتمام كبير من الآباء المؤسسين منذ بدء إنشائها في العام 1945م، وقد ورد نصًا في ميثاقها أن من أغراضها تعاون الدول المشتركة تعاونًا وثيقًا بحسب نظم كل منها وأحوالها في الشؤون الاقتصادية والمالية ويدخل في ذلك التبادل التجاري والجمارك والعملة وأمور الزراعة والصناعة وكذلك شؤون المواصلات ويدخل فيها السكك الحديدية والطرق والطيران والملاحة والبريد إلخ. 

وفي العام 1950م، تمت الموافقة على معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي والتي ورد فيها أنه استكمالاً لأغراض هذه المعاهدة وما ترمي إليه من إشاعة الطمأنينة وتوفير الرفاهية في البلاد العربية ورفع مستوى المعيشة فيها تتعاون الدول المتعاهدة على النهوض باقتصاديات بلادها واستثمار مرافقها الطبيعية وتسهيل تبادل منتجاتها الوطنية والزراعية والصناعية وبوجه عام على تنظيم نشاطها الاقتصادي وتنسيقه وإبرام ما تقتضيه الحال من اتفاقيات خاصة لتحقيق هذه الأهداف، ولتحقيق الأمن القومي والتحرر والوحدة وتأمين تيسير عملية التنمية الشاملة المتوازنة أقر القادة العرب في قمة عمان التي انعقدت في نوفمبر 1980م، ميثاق العمل الاقتصادي القومي العربي الذي يؤكد أن العمل الاقتصادي يمثل عنصرًا رئيسيًا في العمل العربي المشترك و قاعدة راسخة ومنطلقًا ماديًا له و بأنه يشكل الأرضية الصلبة للأمن القومي الذي يتعزز بالتنمية المستقلة الشاملة وبأن جدوى العمل المشترك يتجاوز الجمع الآلي للعمل القطري ولذلك تلتزم الدول العربية الموقعة على هذا الميثاق بتحييد العمل  الاقتصادي العربي المشترك عن الخلافات العربية وإبعاده عن الهزات والخلافات السياسية الطارئة باعتباره الأرضية المشتركة لبناء التضامن العربي، لأهمية موضوع التجارة باعتبار أنها القاطرة للتنمية الاقتصادية ولأن زيادة التبادل التجاري بين الدول العربية يظل هدفًا ثابتًا لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي وتحقيقًا لما نصت عليه المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية من وجوب قيام تعاون وثيق من دول الجامعة في الشؤون الاقتصادية والمالية بما في ذلك تسهيل وتوسيع نطاق التبادل التجاري في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات المتعلقة بها، فقد تم توقيع اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في عمان عام 1981م، وتستهدف هذه الاتفاقية ما يلي:

 

  1. تحرير التبادل التجاري بين الدول العربية من الرسوم والقيود المختلفة التي تفرض عليها.
  2. الربط المنسق بين إنتاج السلع العربية وتبادلها. وذلك بمختلف السبل، وعلى الأخص تقديم التسهيلات التمويلية اللازمة لإنتاجها.
  3. تيسير تمويل التبادل التجاري بين الدول العربية وتسوية المدفوعات الناشئة عن هذا التبادل.
  4. منح تيسيرات خاصة للخدمات المرتبطة بالتجارة المتبادلة بين الدول الأطراف.
  5. الأخذ بمبدأ التبادل المباشر في التجارة بين الدول الأطراف.
  6. مراعاة الظروف الإنمائية لكل دولة من الدول الأطراف في الاتفاقية وعلى الأخص أوضاع الدول الأقل نموًا منها.
  7. التوزيع العادل للمنافع والأعباء المترتبة على تطبيق الاتفاقية

ولتنفيذ اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية، أنشأت منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ووقعت اتفاقيتها في عمان عام 1997م، وفي نفس الإطار تم التوصل إلى اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية عام 2017م، واتفاقيات التجارة الحرة العربية الكبرى هي أول مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي كما تشكل أداة تمكينية قوية لتحقيق التنمية الاقتصادية.

ولتحقيق أهداف العمل الاقتصادي العربي المشترك تم إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي ينعقد مرتين في العام قبيل انعقاد مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية وهو معني بمتابعة التعاون الاقتصادي والاجتماعي العربي والاتفاقيات الموقعة وهو المسؤول عن منظمات العمل العربي المشترك ويضم وزراء المال والاقتصاد في الدول العربية.

وقد قام المجلس الاقتصادي بإنشاء ثمانية مجالس وزارية في مجالات الإسكان والتعمير، النقل، السياحة، الكهرباء، المياه، الاتصالات والمعلومات، شؤون البيئة وشؤون الأرصاد الجوية والمناخ إضافة إلى لجان فنية دائمة في مجالات الإحصاء، الملكية الفكرية وغيرها من المجالات. 

كما قام المجلس الاقتصادي والاجتماعي بإنشاء عدد كبير من منظمات العمل العربي المشترك على قرار منظمات الأمم المتحدة تمثل أذرع فنية وبيوت خبرة للتعاون والتكافل الاقتصادي العربي كما أنشأ أذرع مالية تساهم في تمويل مسيرة التنمية العربية منها صندوق النقد العربي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا، الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات.

ومن خلال استعراض ما تقدم نجد أنه بذل جهد كبير لوضع الأطر القانونية والتشريعية والمؤسسية المتعلقة بمسيرة العمل العربي المشترك.

 

الإطار القومي لخطط التنمية:

بعد تبني جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في عام 2015م، أهداف التنمية المستدامة(2030) شهدت المنطقة العربية حراكًا واسعًا تمثل في وضع الخطط القطرية لتحقيق الأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة وحشد الدعم والتأييد لصالح هذه الأهداف خاصة من طرف الحكومات العربية التي شكلت حجر الزاوية في هذه العملية التي هدفت إلى تغيير الأنماط السلوكية والمعيشية المرتبطة بالإنسان والكوكب، ولأن مشكلات البيئة والتلوث والانفجار السكاني وقضايا الفقر والبطالة والفئات المهمشة ومشاكل الحفاظ على البيئة والموارد كلها من الأمور التي تتجاوز الحدود الوطنية والقومية لتصبح همومًا إنسانية تخص جميع البشر بلا استثناء برزت  ضرورة  إشراك جهود كل الفاعلين وعلى رأسهم الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وأهمية تعبئة الموارد و تبادل التجارب الناجحة وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي فيما يتعلق بالعلوم و التكنولوجيا و طرق الوصول اليها وتعزيز تبادل المعارف بوسائل تشمل تحسين التنسيق فيما بين الآليات القائمة وكلها قضايا من شأنها تعزيز الخطط الوطنية التي تهدف إلى تنفيذ جميع أهداف التنمية المستدامة 2030.

ورغم الأهمية المحورية لأدوار الحكومات والفاعلية من أصحاب المصلحة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030إلا أن الجامعة العربية -والتي أنشأت إدارة خاصة للتنمية المستدامة تحت الإشراف المباشر للأمين العام-تلعب دورًا كبيرًا في طرح التصورات وإيجاد الحلول وتعزيز التنسيق من أجل تنفيذ فعال للخطة على امتداد الوطن العربي. وقد حرصت الأمانة العامة للجامعة العربية أن تكون التنمية المستدامة حاضرة في كل نقاشات آليات ومنظمات العمل العربي المشترك حيث تم إضافة بند دائم للتنمية المستدامة على جدول أعمال لجنة التنسيق العليا للعمل العربي المشترك التي يرأسها الأمين العام وذلك في الاجتماع الاستثنائي للجنة الذي انعقد بتاريخ 13/11/2016م، والذي تم فيه مناقشة الدور المطلوب من مؤسسات العمل العربي المشترك للمساهمة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030.

كما نظمت الأمانة العامة العديد من ورش العمل التدريبية في مجال بناء القدرات والتي استفاد منها ممثلو الدول العربية وكذلك مبادرة الأسبوع العربي للتنمية المستدامة الذي يتجدد كل عام لنقاش مختلف قضايا التنمية المستدامة بالمنطقة العربية وجوانبها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.  ولتأكيد التزام الجامعة العربية الذي لا يتزحزح بضرورة تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية أصدر المجلس الاقتصادي والاجتماعي القرار رقم (2161) في دورته العادية رقم (100) بتاريخ 24/8/2017م، باعتبار بند التنمية المستدامة بندًا دائمًا على جدول أعمال المجلس لإحاطته بكافة التطورات والمستجدات في هذا الشأن. كما أصدر المجلس قراره رقم (2181) في دورته العادية رقم (101) بتاريخ 8/2/2018م، بالموافقة على عقد اجتماعات للجنة العربية لمتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 بالمنطقة العربية بمشاركة نقاط اتصال المجلس ودعوة المجالس الوزارية العربية المتخصصة المعنية بتنفيذ خطة 2030 إلى إحاطة اللجنة العربية للتنمية المستدامة بكافة الموضوعات المتعلقة بالتنمية المستدامة لرفع تقرير في هذا الشأن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي

و قد واجهت الدول العربية عددًا من التحديات أثرت سلبيًا على أدائها الاقتصادي ومن ثم على قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 ولعل أهمها عدم الاستقرار السياسي و الأمني في العديد من الدول العربية وتراجع النمو الاقتصادي ومستويات التشغيل وارتفاع معدلات التضخم وتدني الإنتاجية وعدم كفاية التمويل ونقص الكوادر البشرية المؤهلة مع تدني الانفاق على التكنولوجيا والبحث العلمي وكما تعاني بعض الدول العربية من عدم استدامة النمو الاقتصادي نتيجة للطبيعة الريعية للاقتصادات العربية والتركز القطاعي لها ثم الارتفاع المستمر للفجوة الغذائية من عام لآخر حتى بلغت في بعض الأعوام 45 مليار دولار، وقد أدت التوترات السياسية في المنطقة إلى نزوح جماعي وتزايد أعداد اللاجئين كما ارتفعت معدلات البطالة، إضافة إلى ذلك التأثيرات المناخية على الدول العربية خاصة الجفاف والفقر المائي الذي يزداد عمقًا بالدول العربية عامًا بعد عام، هذه التحديات وغيرها دفعت الدول العربية إلى تطبيق برامج إصلاح اقتصادية شاملة بهدف تعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي وتحفيز الاستثمار الخاص وتنويع مصادر الدخل القومي وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ومستدامة وخلق فرص عمل منتجة وتخفيض معدلات الفقر والبطالة، وارتبطت هذه الإصلاحات بخطط التنمية المستدامة 2030والتي تراعي التنمية بأبعادها الثلاثة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

وقد حرصت الجامعة العربية على دفع برامج الإصلاح الاقتصادي في الدول العربية من خلال إصدار العديد من القرارات والسياسات التي تشجع الدول العربية على تنويع اقتصاداتها من خلال تبني رؤية عربية مشتركة في مجال الاقتصاد الرقمي إدراكًا لأهمية مواكبة التطور التكنولوجي والمعلوماتي وما أحدثه هذا التطور من تغيرات كبرى في تنظيم الاقتصاد العالمي وقد أصدرت القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة (بيروت- لبنان 20/1/2019م) قرارًا بإنشاء صندوق الاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأس مال قدره مائتي مليون دولار، بمبادرة من صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ/ صباح الأحمد الجابر الصباح عليه رحمة الله 

كما أصدرت القمة العربية بتونس الميثاق العربي لتطور قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نظرًا للأهمية التي تمثلها الصناعات الصغيرة والمتوسطة في النسيج الصناعي العربي ضمن الهيكل الصناعي الكلي لا سيما في مجال التشغيل والمساهمة في الناتج الوطني الكلي، كما أطلقت الجامعة العربية مبادرة عربية للتنمية المستدامة لتعزيز التمويل المستدام للتنمية وذلك نظرًا لأهمية أدوات التمويل في تحقيق التنمية المستدامة بالمنطقة العربية حيث يتطلب تنفيذ أهداف خطة التنمية المستدامة 2030 توفير التمويل لدعم مجهود الدول العربية للعمل على كافة قطاعات الخطط التنموية بأبعادها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية.      

في ظل هذه الظروف غير المواتية جاءت جائحة كوفيد 19 لتضع العالم في أزمة هي الأعمق والأخطر منذ الكساد العظيم الذي ضرب العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي وتتجلى خطورة هذه الأزمة في أنها أصابت الجميع دولاً ومؤسسات وأفرادًا ولم تستثن أحدًا وألقت الأزمة بظلالها على كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقد كان لها تأثير كبير على أسواق العمل في جميع أنحاء العالم مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر لتعطل النشاط الاقتصادي نتيجة لسياسات الإغلاق والحجر الصحي التي اتبعتها الدول في سبيل حماية مواطنيها من انتشار الوباء، وقد وردت الكثير من التقديرات والأرقام عن آثار هذه الجائحة على قطاعات الاقتصاد المختلفة ولكن الواضح أن كل هذه التقديرات والأرقام ستتضاعف مع طول المدة التي سيستغرقها انتشار هذا الفيروس وتعدد أنماط السياسات التي تتبعها الحكومات للتصدي للآثار الناجمة عنه وستكون له آثار وخيمه على الاقتصاد العالمي على المدى الطويل وسيكون التأثير أقسى على الدول النامية والأقل نموًا والتي تقع دولنا العربية في نطاقها، وعليه فإن مهمة تشريع النمو الاقتصادي في السنوات المقبلة مهمة يصعب تحقيقها في ظل انخفاض أسعار النفط وانخفاض الدخل وزيادة كبيرة في الديون الحكومية، بالإضافة إلى ذلك فإن جزءًا كبيرًا من الشركات الصغيرة والمتوسطة على وشك الانهيار، كما أن قطاعات مثل النقل الجوي والسياحة تأثرت تأثرًا بالغًا، في هذه الحالة فإن القضية الأكثر إلحاحًا ليست تسريع النمو الاقتصادي ولكن تخفيف حجم الركود ومعالجة الآثار السلبية. 

 

مسيرة التنمية في دول مجلس التعاون الخليجي:

تتفاوت الدول العربية في استجابتها لخطط التنمية العربية وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة وذلك للكثير من العوامل السياسية والاقتصادية وللتباين في حجم النمو الاقتصادي الذي تحققه فبينما نجد أن بعض الدول العربية مصنفة من الدول الغنية على مستوى العالم نجد أخرى من أفقر الدول في العالم ولعل دول مجلس التعاون الخليجي تمثل نموذجًا مشرفًا لمسيرة التنمية العربية والعمل العربي المشترك وأحرزت تقدمًا مذهلاً في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ولم تأت هذه النتائج صدفةً وإنما نتاج لتخطيط عميق وعمل دؤوب على المستوى الوطني وعلى مستوى العمل المشترك، وقد اعتمد المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في قمته الأولى التي انعقدت في الفترة من 21-22 رجب 1401هـ الموافق 25-26 مايو 1981م، والتي استضافتها دولة الإمارات العربية المتحدة و برئاسة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان-عليه رحمة الله - الكثير من السياسات والخطط التي تستهدف التكامل الاقتصادي وصولاً للوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي الستة وإنشاء المشاريع المشتركة ووضع أنظمة متماثلة في جميع الميادين الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتشريعية بما يخدم مصالحها و يقوي قدرتها على التمسك بعقيدتها و قيمها، وقد نجحت دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق الكثير من اهداف العمل الاقتصادي العربي المشترك خاصة في مجال التعاون التجاري والاقتصادي والمالي وساعد في ذلك عمق الروابط التي تجمع بين شعوبها وتشابه التحديات التي تواجهها وقربها من بعض جغرافيًا والذي مكن من ربطها بشبكة من الطرق البرية كما مكن من ربط شبكاتها الكهربائية بعضها البعض، وقد تبنى مجلس التعاون في المسار الاقتصادي عددًا من المشاريع الإنمائية والتكاملية الكبرى شملت إقامة الاتحاد الجمركي في مطلع يناير 2003م، والتي كان لها الأثر الكبير في زيادة معدلات التجارة البينية بين دول المجلس كما اعتمد المجلس استراتيجيات متكاملة للتنمية الشاملة بعيدة المدى للأعوام 2000-2025م، ولذلك عندما جاءت الدعوة العالمية لتبني أهداف التنمية المستدامة كانت دول مجلس التعاون الخليجي قد قطعت شوطًا كبيرًا في تحقيق العديد من الأهداف، هناك عوامل أساسية ساعدت دول مجلس التعاون الخليجي الستة على إحراز تقدم كبير في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعل أهمها:

  1. توفر الإرادة السياسية والاستقرار السياسي الذي تشهده دول المجلس الستة.
  2. وضع رؤية واضحة لكيفية تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على المستوى الوطني حيث تمتلك الدول الستة خطط وطنية للتنمية المستدامة.
  3. توفر الكفاءات البشرية المؤهلة حيث استثمرت دول الخليج أموالاً طائلة في دعم التعليم والبحث العلمي وتحسين المهارات والكفاءات واستجلاب الخبراء لدعم وتنفيذ خطط التنمية المستدامة.
  4. امتلاك بنية تحتية متطورة في مجالات النقل البري والبحري والجوي.
  5. امتلاك بنية تحتية متقدمة في مجال الاقتصاد الرقمي حيث تمتلك الدول الستة استراتيجية رقمية وطنية استهدفت تعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحسين بنيته التحتية وامكانيات شبكات النطاق العريض مع تعزيز خدمات الحكومة الإلكترونية واعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والرعاية الصحية والنقل.
  6. توفر التمويل المطلوب حيث استفادت دول مجلس التعاون الخليجي من ارتفاع أسعار النفط والغاز على مدار عقود من الزمان في تكوين احتياطات مالية كبيرة ساعدت في تمويل خطط التنمية المستدامة.   

ورغم النجاح الكبير الذي حققته دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا أنها واجهت تحديات متعددة أدت إلى تباطؤ تحقيق أهداف خطط التنمية المستدامة وإن كانت هذه التحديات تختلف في حدتها ومقدارها من دولة إلى أخرى، وأهم التحديات هي:

  1. تحديات التنويع الاقتصادي: مازال النفط والغاز يشكلان مصدر الدخل الأساسي في معظم دول مجلس التعاون الخليجي بالرغم من السعي الجاد منها لتنويع اقتصاداتها والتحدي أمامها أن تنجح في هذا المسعى من خلال تنويع صادراتها والعائدات المالية للدولة وكذلك تنويع القاعدة الإنتاجية السلعية والخدمية ولن يتم ذلك إلا من خلال حزم سياسات تستهدف توسيع الإنتاج المحلي من خلال حفز وتوجيه الاستثمار المنتج ليشمل أكبر عدد ممكن من الأنشطة والقطاعات الإنتاجية وتحويل هيكل الإنتاج وإعادة توزيع الموارد نحو قطاعات مختلفة ذات قيمة مضافة عالية.
  2. ارتفاع معدلات التضخم: برغم معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة التي حققتها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في العقد الأول من القرن الحالي إلا أن معدلات التضخم تصاعدت بشكل كبير ولكن انخفاض أسعار النفط في عامي 2019-2020م، ساهم في انخفاض معدلات التضخم.
  3. ارتفاع معدلات البطالة: البطالة مشكلة تعاني منها الدول العربية غير النفطية ولكنها أصبحت متواجدة وإن كان بشكل أقل حدة في بعض الدول النفطية.
  4. مساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية: مازالت دون الطموح مقارنة بجهود القطاع العام في عملية التنمية الاقتصادية.
  5. التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا: أدت جائحة كورونا إلى زيادة الضغط على موازنات دول مجلس التعاون الخليجي مثلما فعلت بكل دول العالم وإن كان بدرجة أقل نتيجة للتدابير الاحترازية التي اتخذتها الدول وتوقف النشاط الاقتصادي في قطاعات مهمة كالنقل والسياحة وغيرها ، كما أثرت الجائحة في أسعار النفط فأدت إلى انخفاضها نتيجة لضعف الطلب العالمي ولكن الوضع المالي والاحتياطات النقدية الكبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي مكنتها من التعامل مع هذه الأزمة وآثارها من خلال حزمة من التدابير والحوافز الاقتصادية التي قدمت للقطاعات المتأثرة لتخفيف ثقل الأزمة عليها.

يبقى أخيرًا الإشارة إلى الخلاف الذي كان بين بعض الدول الخليجية والذي طوته القمة الحادية والأربعين لدول مجلس التعاون الخليجي والتي عقدت بالعلا بالمملكة العربية السعودية لتوفر بيئة إيجابية تمكن من عودة العلاقات الاقتصادية وتطويرها وتعيد مجلس التعاون لدول الخليج كنموذج ناجح للتعاون الإقليمي، وستكون دول المجلس هي القاطرة للتنمية العربية والنموذج الباهر لنجاحاتها.

مقالات لنفس الكاتب