جاء وصول الرئيس الأمريكي الديموقراطي الجديد جو بايدن وإدارته إلى سِدة الحكم في البيت الابيض، خلفًا للرئيس الجمهوري السابق -المثير للجدل-دونالد ترامب، ليثير العديد من التساؤلات حول توجه الإدارة الأمريكية الجديدة خلال إمساكها بدفة حكم الولايات المتحدة حتى نهاية عام 2024م، وربما حتى 2028 م، ومنها تساؤلات محورية، فهل سيكون بايدن استمرارًا لشبح إدارة الرئيس الأسبق أوباما والذي عمل بايدن معه نائبًا لفترتين رئاسيتين؟ وهل سيركز على السير عكس نهج ترامب والذي وصف فترة رئاسته المنقضية (بالفوضى)،
وهو ما بدأه بالفعل، وقضايا المناخ، وحلف الأطلنطي، والمهاجرين إلى الولايات المتحدة، والأهم هو ما سنركز عليه في هذا المقال من حيث توجه بايدن وإدارته صوب منطقة الشرق الأوسط بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص من حيث التهديد الإيراني ومشروعها النووي من جهة، وقضايا الأمن الخليجي وفى مركزها قضايا التسلح من جهة أخري، والتي أوجد بايدن تجاهها علامة استفهام بإيقاف صفقات تسلح سعودية وإماراتية بدعوى المراجعة، رغم سابق إقرارها مع إدارة ترامب والكونجرس.
ولذلك سيشتمل المقال على (خلفية تاريخية -الآثار السلبية لانسحاب ترامب من اتفاق إيران النووي -المخاطر الإيرانية بعد استئناف الاتفاق النووي -تعليق بايدن لصفقتي التسلح السعودية والإماراتية -بايدن والتهديد الإيراني للشرق الأوسط والخليج -المنتظر من بايدن تجاه إيران وحلفائه -البدائل المتاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي)
أولاً: خلفية تاريخية:
ظلت إيران وريثة فارس، مصدر قلق دائم لجيرانها، وإن شاب المنطقة هدوء نسبى خلال مرحلة ما قبل عام 1979م، حيث حكم آل بهلوي المتوائم مع حكام الخليج العربي حينئذ، وخاصة خلال مرحلة الحربين العالميتين اللتين واكبتا حقبة التوسع في اكتشاف وازدهار النفط، وشكل جانبي شرق وغرب الخليج شبه تحالف منفرد لكل جانب مع الغرب وخاصة الولايات المتحدة، مع دخول العديد من الدول العربية تحت الانتدابين البريطاني والفرنسي منذ نهاية الحرب العالمية الاًولى 1914-1918م، وبعد هزيمة وزوال الإمبراطورية العثمانية بما في ذلك بعض إمارات ودول الخليج والعراق تحت الانتداب البريطاني.
تغير الموقف الإيراني بعد ثورة 1979م، وجاء حكم الملالي (آيات الله)، وتحولت إيران من دولة علمانية إلى دولة راديكالية متشددة رغم اختيارها لمسمى الجمهورية الإسلامية، حيث أعلنت عداءها للغرب وخاصة الولايات المتحدة حلفاء الجانب العربي الخليجي تصاعد العداء الإيراني تجاه دول الخليج العربية بما فيها العراق، وتدرج هذا العداء من التنافس إلى التحدي إلى التهديد غير المباشر وأخيرًا إلى التهديد المباشر باحتلال جزر خليجية إماراتية ، واستمر تصاعد التهديد بالمد المذهبي الشيعي تجاه بعض الدول العربية بدءًا بمعظم دول مجلس التعاون الخليجي المتاخمة، إلى أن وصل التهديد مداه بقرب وصولها إلى امتلاك الأسلحة النووية، الذى أوقفه نسبيًا اتفاق 5+1، إلى أن انسحب ترامب من الاتفاقية النووية لتستأنفه إيران سرًا، وهى النقطة التي سيبدأ منها الرئيس بايدن التعامل مع المنطقة.
ثانيًا: الآثار السلبية لانسحاب ترامب من اتفاق إيران النووي 5+1:
لم يكن انسحاب الولايات المتحدة في عهد ترامب من هذا الاتفاق هو الأمثل لمعالجة بعض نقاط الضعف فيه وأهمها عدم شموله بالقدر الكافي على تطوير منظومة الصواريخ الإيرانية التي سوف تمثل وسيلة الحمل الرئيسية للرؤوس النووية إلى أهدافها، حيث لا تمتلك إيران الوسائل الأخرى سواء الجوية أو البحرية، وحيث يعتبر تكامل التهديد النووي هو محصلة مثلث (الرأس النووية -وسيلة الحمل -إرادة الاستخدام) والأخيرة لا تفتقر إليها إيران اُسوة بكوريا الشمالية وإسرائيل، وهو ما يزيد من خطورة الامتلاك.
-أدى انسحاب أمريكا وعودة عقوباتها الاقتصادية ضد إيران، إلى تحلل إيران تدريجيًا من مسؤولياتها تجاه الإنفاق، وأخطرها عودتها إلى إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب (الإغناء) حيث ينتظر أن تكون رفعت امتلاكها من وحدات الطرد المركزي تحت الأرض باستخدام الهندسة العكسية من الأصل السوفيتي (الروسي) كما أفادت بعض المصادر الاستخباراتية الأمريكية والإسرائيلية، وقد تكون المعلومة صحيحة في جوهرها مع اختلاف في عدد وحدات الطرد المركزي ونسبة التجاوز في كمية اليورانيوم المُخصًب.
وفي حالة استئناف وإحياء الاتفاق، سوف تكون أهم نقطة من وجهة نظر أمريكا وباقي الشركاء الغربيين، ادراج منظومة الصواريخ بالقدر الكافي وكذلك تجاوز أعداد وحدات الطرد المركزي وما تم تراكمه من اليورانيوم عالي التخصيب أكثر من المخطط في الاتفاق، وإن كان ذلك سيكون صعب الاكتشاف لتوقع إخفائه داخل أو خارج إيران، وهو ما سيحتاج إلى جهد أكبر للتتبع والاكتشاف من الشركاء ومن الهيئة الدولية للطاقة الذرية، التي قدرت التجاوز إلى حدود 4.5 % مما يقلل وقت الوصول إلى(العتبة النووية)إلى 4 أشهر، حيث تعتبر العتبة النووية هي الخطوة الأخيرة السابقة للإنتاج الفعلي وقت الحاجة.
ثالثًا: المخاطر الإيرانية المتوقعة بعد استئناف 5+1:
1-إمكانية شراء أسلحة تقليدية متطورة:
لن يكون استئناف الاتفاق حتى مع مراعاة ما سبق ذكره، كافٍ لدرء المخاطر والتهديدات الإيرانية المتوقعة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، فإن استئناف الاتفاق يعنى إنهاء العقوبات الاقتصادية ضد إيران مما سيحررها من قيود صادرات نفطها وتحرير تجميد أرصدتها الكبيرة في الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين، وهو ما سوف يتيح لها ضخ إمكانيات نقدية كبيرة مع تحرر للواردات أيضًا، مما سيمكنها من استيراد أسلحة نوعية تُحسٍن وترتقى وتلافى نقاط ضعفها خاصة في القوات الجوية والدفاع الجوي كطائرات القتال من الجيلين الرابع والخامس ونظم الدفاع الجوي الحديثة والفعالة مثل س س300 و 400 وسيكون مصدر التسلح الرئيسي والمرحب بذلك هو روسيا بلا شك، ثم تأتى الصين وكوريا الشمالية في المراتب التالية.
هذا بالإضافة إلى قوة إيران البرية والبحرية والبشرية، وعلى سبيل المثال تنفرد في منطقة الخليج بامتلاك 33 غواصة مما يضعها في مصاف متقدمة ضمن القوى البحرية العالمية كما يمكن تحديثها بالتعاون مع روسيا بلد المنشأ. وهكذا يمكن أن تتأثر معادلة التوازن العسكري بينها وبين دول الخليج المتفوقة في القوات الجوية كمًا ونوعًا، سيؤثر الدفاع الجوي الإيراني المتطور وطائرات القتال الحديثة على معادلة التفوق الجوي الخليجي.
2-عدم دفع إيران لكف يدها عن اليمن:
جاء تصريح بايدن باعتزامه إلغاء قرار ترامب بتصنيف الحوثيين في اليمن كجماعة إرهابية، جاء محبط لدول مجلس التعاون الخليجي وخاصة السعودية والإمارات وأيضًا باقي دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقدر ما قوبل بارتياح من إيران وحلفائها الحوثيين الذين يقومون بالحرب بالوكالة عن إيران وخاصة ضد السعودية، بواسطة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة بدون طيار(الدرونز)الإيرانية المهربة إلى اليمن رغم الإنكار الإيراني المتكرر.
هذا وقد قوبل تزامن قراري الرئيس بايدن، الأول بعدم تصنيف الحوثيين كجماعه إرهابية، والثاني بإيقاف صفقتي التسلح السعودية والإماراتية المصدق عليهما من الكونجرس لأغراض المراجعة!! قوبل باستغراب شديد ووضع علامة استفهام عن توجه الرئيس بايدن تجاه المنطقة وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
رابعًا: تعليق بايدن لصفقتي السلاح إلى السعودية والإمارات !!:
جاء هذا القرار من الرئيس بايدن مستغربًا بل ومستهجَنًا ويضع علامة استفهام عن مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية خاصة في مجالي الأمن والدفاع، وكان التعليق بدعوى (المراجعة والشفافية) مما أزاد الاستغراب، حيث سلكت الصفقتان المسارات الطبيعية المُتًبعة من خلال موافقة الكونجرس وتصديق الرئيس ترامب وإخطار وزارة الخزانة والشركات المنفذة لجدولة الإنتاج.
كما أن تزامن قرار بايدن مع إلغاء قرار ترامب وعدم تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، يضيف علامة استفهام وتساؤل جديد مفاده، هل يريد ترامب أن يغل دول التحالف ضد الحوثيين في اليمن، لعودة الشرعية للحكومة اليمنية ضد جماعة اختطفت الدولة وأشعلت فتيل حرب أهلية مزقت اليمن وأعادته إلى القرون الوسطى كدولة فاشلة؟
وقد تعدى التهديد الحوثي تمزيق اليمن داخليًا، إلى تهديد الحدود ثم عمق دول الجوار، ثم تهديد الملاحة الدولية في باب المندب وجنوب البحر الاحمر بدءًا بسفن دُول التحالف في عاصفة الحزم، وانتهاءً بالاستهداف العشوائي بالألغام لأي سفن كان من آخرها على سبيل المثال سفن يونانية وبريطانية؟ وما كان الحوثيون ليفعلوا كل ذلك دون دعم تسليحي نوعي وتخطيطي من إيران -رغم العقوبات الأمريكية -فماذا هم فاعلون بعد رفعها واستئناف اتفاق 5+1؟ ورغم أنه لا علاقة بين الموقف في اليمن وبين اتفاق 5+1 إلا أن بايدن يعرف جيدًا أن إيران قاسم مشترك في كليهما وبالتالي قاسم مشترك في تهديد المنطقة وفى قلبها دول مجلس التعاون الخليجي، فماذا هو فاعل لدعم حلفائه الاستراتيجيين في وجه التهديد الإيراني؟
خامسًا: بايدن والتهديد الإيراني لأمن الشرق الأوسط وخاصة مجلس التعاون الخليجي:
تُعتبر إيران أحد أهم مربع التهديد العربي من دول الجوار الشرق أوسطي غير العربية، بالإضافة إلى كل من إسرائيل وتركيا وإثيوبيا، حيث تمثل إسرائيل المركز وتمثل الدول الثلاث الحواف العربية، وإن اختلف التهديد من حيث النوع والطبيعة والخطورة و العاجلية و الاستمرارية وهل هو تهديد واحد أم مركب ومتعدد؟ بينما لا توجد دولة عربية واحدة من 22 دولة تحتل دولة عربية أخرى، إذن تهديد الوطن العربي يأتي من خارجه، وإيران -محل مقالنا – كمثال للتهديد المركب والمتعدد والخطير والمستمر كالآتي:
1-احتلال أراضِ عربية: فإيران تحتل أرض خليجية (ثلاثة جزر إماراتية) وهوما يمثل أقصى درجات التهديد وترفض الاحتكام إلى المحكمة الدولية، كما فعلت مصر وإسرائيل بخصوص 4 كم مربع فقط في طابا، حيث يشترط موافقة الطرفين على التحكيم، وهو ما وافقت عليه الإمارات ورفضته إيران.
2-قريبة من العتبة النووية: المؤدية إلى امتلاك السلاح النووي ولا ينقصها وسائل توصيل السلاح النووي إلى أهدافه، حيث تمتلك ترسانة صاروخية متدرجة في المديات لتغطي معظم الدول العربية، كما أن القصير منها وهو الأغلب، كافِ لتغطية كل عمق الشاطئ العربي من الخليج، حيث كل مصادر الطاقة وكل الكتلة السكانية عدا السعودية والعراق، فيكفي لتغطيتهما الصواريخ المتوسطة، كما لا تفتقر الحكومة الإيرانية إلى إرادة الاستخدام النووي اُسوة بإسرائيل وكوريا الشمالية مما يضاعف من خطورة الامتلاك.
3-الانتشار العسكري في الإقليم العربي: وذلك بالتواجد العسكري الكامل في كل من سوريا وأجزاء من العراق والتواجد التسليحي النوعي والخبراء في اليمن مع التواجد التسليحي في جنوب لبنان، مع البحث عن موقع قدم عسكري جديد على الساحل الغربي للبحر الأحمر كما في إريتريا المواجه للسعودية أو في أرض الصومال المواجه لباب المندب باليمن، بما يعكس التوجه بعيد المدى للتواجد في مواجهة وخلف شبه الجزيرة العربية وخاصة السعودية.
4-التدخل في شؤون دول الجوار: وخاصة ذات الأقليات الشيعية في دول المجلس وخاصة البحرين الذي وصل التدخل فيها اإى شبه تمرد، مما احتاج إلى تدخل قوات درع الجزيرة لاستعادة انضباط الموقف، وكذلك في سوريا واليمن ولبنان وبكثافة في العراق المتاخم لحدود طويلة، مع البحث عن دول جديدة ليس بها أقليات شيعية لزرع المذهب ورعايته كمقدمة للتدخل الإيراني السياسي والعسكري.
يوضح ما سبق أن إيران تمثل تهديدًا كبيرًا للمشرق العربي بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص بما في ذلك مجلس التعاون الخليجي والعراق، وهوما يقودنا إلى ما ينتظران يفعله بايدن تجاه إيران بالتعاون مع حلفائه.
سادسًا: المنتظر من الرئيس بايدن تجاه إيران وتجاه حلفائه:
لا شك أن إقليم الشرق الأوسط يأتي في مقدمة القضايا الإقليمية الدولية التي تنتظر موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن للتدخل في أزماتها وبلا شك في مقدمتها الأزمات الإيرانية في محيطها الإقليمي الفرعي في الخليج العربي، خاصة أن بايدن قال إنه لن يبدأ في تناول قضايا المنطقة الإيرانية سواء النووية أو اليمنية قبل الرجوع إلى الأطراف الحليفة في المنطقة، ويقصد بحلفائه في الأزمة النووية كل من دول مجلس التعاون الخليجي، إسرائيل، ومصر الداعية بتكرار لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل وخاصة النووية في الأمم المتحدة منذ 1995م، أما في الأزمة اليمنية فهم دول التحالف العربي بقيادة السعودية في مواجهة الأطراف اليمنية بما فيهم الحوثيون، لذلك يهتم بإلغاء قرار ترامب بتصنيفهم إرهابيين، حيث شرع وزير الخارجية الأمريكي بالفعل في تنفيذ ذلك على أن يبقى القادة الحوثيون المتورطون في جرائم الحرب ضمن قوائم الإرهاب، وستكون إيران الغائب الحاضر خلفهم، خاصة إذا ما تم حل أزمة الاتفاق النووي مسبقًا، لتثبت إيران لأمريكا أنها طرف لا غنى عنه في حل أزمات المنطقة.
1-الأزمة النووية الإيرانية:
بالإضافة إلى ما سبق، ينتظر أن تبدأ إيران مباحثاتها بأن برنامجها للأغراض السلمية، حيث أن الامتلاك العسكري (محرم شرعًا-كفتوى المرشد العام علي خامئني !) رغم اكتشاف الهيئة الدولية للطاقة الذرية عام 2009م، في منطقة (فوردو) لعدد 3000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، مما يعكس أنه برنامج عسكري. وأيضًا ما أعلنته الهيئة في 2019م، أي بعد عام من انسحاب أمريكا وتحرر التخصيب الإيراني، بأنه يمكن لإيران اختصار وقت الوصول إلى العتبة النووية بمقدار الربع.
-كما أفصح الموساد الإسرائيلي للولايات المتحدة بنهاية عام 2018م، عن الحصول على 5000 صفحة و160 قرص مدمج من أرشيف البيانات النووية الإيرانية، ولم يفصح كيف؟ وأغلب ظني أنها إحدى عمليات الحرب السيبرانية الناجحة، كما وضعت إسرائيل علامة استفهام أخرى تشير إلى أنها ربما كانت خلف قصف مبنى داخل مفاعل(نطنز) خاص بإنتاج أجهزة الطرد المركزي، في رسائل إسرائيلية مفادها، إذا لم يعدًل الاتفاق 5+1 بما يؤمنها، فسوف تحتفظ بحرية حركتها منفردة للحفاظ على بقائها ووجودها.
-سوف تشترط إيران بالبدء برفع العقوبات الاقتصادية قبل الجلوس لمائدة المفوضات حتى لا تكون تحت ضغط، ويجب ألا يسمح لها بذلك فهم أساتذة في إضاعة الوقت، فقد استغرقوا حوالي 7 سنوات للوصول إلى 5+1 ورغم ذلك جاء ناقصًا القدرات الصاروخية بما يكفىي، نتيجة إرهاق المفاوضات وخاصة خلال الشهر الأخير، وهم على استعداد لتكرار ذلك بشكل أكبر نتيجة تشعب المفاوضات للوصل إلى موقف 2018م، أولاً للبحث عن التجاوز والمخالفات قبل الانطلاق إلى اتفاق معدًل.
سابعًا: ما هي البدائل المتاحة أمام دول مجلس التعاون الخليجي لضبط معادلة التوازن الدفاعي؟:
يحكم ذلك مؤثران رئيسيان الأول، يتعلق بالإدارة الأمريكية وقرار بايدن بتعليق صفقتي التسلح والثاني، يتعلق بإيران وموقفها بعد تجديد وتعديل 5+1 ومدى التزامها به، وكذلك قدرتها الاقتصادية على شراء أسلحة نوعية دون قيود جوهرية كالآتي:
1-ضبط معادلة التوازن في مجال التسلح التقليدي:
تتفوق إيران في مجالات القوة البشرية العسكرية العاملة والاحتياطية، والقوة البرية، والقوة الصاروخية الكثيفة والمتدرجة في المديات، والقوة البحرية وخاصة الغواصات، بينما تعاني من ضعف نسبى وتقادم قوتها الجوية، وكذلك في قوة الدفاع الجوي. وذلك في مواجهة محصٍلة قوات مجلس التعاون الخليجي المتفوقة في مجالات القوة الجوية كمًا ونوعًا وكذلك المضادات الجوية والصاروخية، مع محدودية القوة البحرية والبشرية العسكرية وعلاقتها بقوة العمل والاعتماد على التطوع أكثر منه على التجنيد الإلزامي.
لذلك يجب الا يغُل بايدن يد حلفائه الخليجيين بل يوفر لهم أحدث ما في ترسانته وترسانة حلفائه الغربيين العسكرية للحفاظ على التفوق النوعي ضد إيران، خاصة أن أمريكا باعت لإسرائيل طائرات(ف-35) من عدة سنوات لمجابهة التهديد الإيراني المؤقت لها من سوريا، وهو المطلوب أيضًا لمجابهة التهديد الإيراني المستمر للخليج. وكذلك دعم دول مجلس التعاون الخليجي للتغلب على التفوق البشرى الإيراني ببناء الجيوش الذكية محدودة العدد وعالية الكفاءة القتالية، كما تفعل مع إسرائيل.
وحتى لا تُضْطر دول المجلس إلى البحث عن موارد تسلح متفوقة من المعسكر الشرقي مما يسبب عدم ارتياح الجانب الأمريكي مثل ما تم مع تركيا عند شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسية س س 400.
ومما يشجع، أن بايدن صرح في زيارته الأولى للخارجية الأمريكية، عند سؤاله عن تعليق صفقتي التسلح، إن ذلك إجراء روتيني وإنه سيعمل على دعم وحماية حلفائه في الخليج وخاصة السعودية، مما أوجد شيئًا من الارتياح العربي والخليجي.
2-ضبط معادلة التوازن في مجال التسلح النووي:
في حالة النجاح في إبرام اتفاق نووي جديد (5+1المعدل) فإنه يجب التدقيق والمتابعة القريبة لمدى التزام إيران، لا نها على استعداد ان تحذو حذو كوريا الشمالية للالتفاف حول اتفاقات مشابه (4+1) والتحول من النشاط السلمي إلى العسكري بعد أن حصلت على كل التسهيلات التي وصلت إلى حد المكافئات، حين تم اكتشاف أن المفاعلات المولدة للطاقة الكهربائية، لا تخرج منها كابلات ولا هوائيات !!
وفى هذه الحالة لن يكن أمام دول مجلس التعاون الخليجي خيار في تحويل طاقتها النووية السلمية إلى عسكرية لاستعادة التوازن الكبير المفقود ومع ما يحتاجه من وقت تحت التهديد الإيراني النووي. ولنا في تجربة شبه القارة الهندية عِبرة، وكم بذلت باكستان من الجهد والوقت للحاق بالهند النووية، وحينذاك بدأ موقف التوازن النووي يُعيد الاستقرار بين البلدين بنسبة كبيرة وأيضًا إلى شبه القارة الهندية.
خاتمة:
ستظل إيران تشكل تهديدًا مستمرًا ومتصاعدًا لدول مجلس التعاون الخليجي، سواء باستمرار احتلال الجزر الإماراتية أو الحرب بالوكالة في اليمن ضد المملكة العربية السعودية أو التدخل في شؤون دول المجلس الداخلية، والأخطر هو المضي قُدما في برنامجها النووي سواء قبل اتفاق 5+1 أو حتى بعده وانسحاب أمريكا منه، حيث بدأت في التحلل من التزاماتها تدريجيًا وخاصة زيادة نسبة اليورانيوم عالي التخصيب الذي يقربها زمنيًا من العتبة النووية بنسبة الربع كما أعلنت الهيئة الدولية للطاقة الذرية. مما يحتاج وضع ضوابط جديدة لاستئناف العمل باتفاق معدًل يضع في اعتباره نقاط ضعف الاتفاق الأول، على أن يسبقه تشاور أمريكي مع حلفائها في المنطقة وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي.
زاد من قلق دول المجلس إجراءان أمريكيان متزامنان ويؤثران على الأمن الخليجي، الأول تعليق صفقتي التسلح إلى كل من السعودية والإمارات، والمصدق عليهما من الرئيس ترامب والكونجرس الأمريكي والثاني، رفع جماعة الحوثيين من قائمة الإرهاب ولكن ربما هدأ القلق الخليجي نسبيًا بإعلان الرئيس بايدن في وزارة خارجيته، أن إجراء تعليق الصفقتين ما هو إلا إجراء روتيني للمراجعة مع حرصة على استمرار التعاون التسليحي لدول المجلس في مواجهة التهديد الإيراني، كما أنه يسعى إلى حل المشكلة اليمنية لصالح المنطقة ولضمان أمن السعودية. يبقى أن يُبر الرئيس بايدن بوعده بأنه لن يبدأ أي خطوات جديدة تجاه الاتفاق النووي الإيراني إلا بعد التشاور الكافي مع حلفائه في المنطقة، ونرجو أن يتم التشاور الكافي أيضًا لحل المشكلة اليمنية، حيث أن إيران قاسم مشترك في كلتا الأزمتين، فلننتظر ونرى.