array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

في تـفسير التدخل الإيراني في دول الخليج

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

كثيرةٌ هي الروابط بين إيران ودول الخليج، بَيْدَ أن العلاقة بين الجانبين يغلب عليها الصراع الذي أصبح العنصر الحاكم في إدارة العلاقات بينهما منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية. ويروم المقال إلى تفسير التدخل الإيراني في دول الخليج، من خلال تناوله المتغيرات المفسرة للطبيعة المعقدة والمتداخلة لسياسة التدخل الإيراني، التي تعكس صراعاً سياسياً مستعراً بين الجانبين.

يشير هذا الصراع إلى عدم التوافق، فالطرفان مضطران عن علم إلى تبني مواقف مستقبلية تنافسية غير متوافقة مع المصالح المدركة للطرف الثاني، ولأن ظاهرة الصراع السياسي الإيراني- الخليجي بالغة التعقيد تتداخل فيها متغيرات عديدة، فإن المقاربات التفسيرية تتصف بالتعدد والثراء. ولذلك، سوف نركز على العوامل الأكثر تفسيرية لظاهرة التدخل الإيراني. وفي ضوء ذلك، هناك مستويان لتفسير هذا التدخل: الأول يتعلق بالتركيب السياسي الوطني لإيران. والثاني يتعلق بهيكل النظام الإقليمي والدولي.

العلاقة بين الدولة والمجتمع

نشأت مؤسسات النظام الإيراني وتشكلت على شرعية وعدها بتحقيق نظام إسلامي يجمع بين الديمقراطية والإسلام، وجعل هذه المؤسسات والهيئات أدوات وآليات مناسبة لتنفيذ أحكام الإسلام الشيعي المهدوي. وهكذا، تشكلت مؤسسات وهيئات النظام والمرافق العامة ضمن صياغتين: الجمهورية والإسلام بدأتا متناسقتين، ومع صيرورة النظام بدا هذا التناسق يواجه صعوبات أفضت إلى جعل ديمومته أمراً في غاية الصعوبة. إذ أفضت هذه الصياغة الملفقة إلى حصر السلطة في ولاية الفقيه ممثلة في القيادة الدينية واحتكارها تسيير دفة الأمور، وتحديد التوجهات والسياسات، فضلاً عن تكريس أنماط معينة من ممارسة السلطة التي تستند إلى قاعدة اجتماعية حيث القيمة العليا للمبادئ والتعاليم الدينية، ما أدى إلى ابتلاع الدولة المجتمع، ومعضلات بنيوية متأصلة في النظام، فضلاً عن تكلس الدولة وشرايين المجتمع. وما التوترات التي تمر بها إيران بين الحين والآخر إلا دليل على هذا التوتر البنيوي والتناقض المتأصل بين الدولة والمجتمع. فلا تزال معضلة تحويل ولاية الفقيه إلى ولاية الأمة تمثل المكون البنيوي المُؤسس لهذه الأزمة المركبة. فالدولة هنا تستند إلى جانب واحد وهو السلطة، من دون جانب الأمة، فأصبح الولي الفقيه كأنه معين من قبل الله، فتجاوزت صلاحياته كل حدود، فلا يحق للأمة أن تنتقده أو تعصي أوامره أو تخلع طاعته. كل ذلك في عصر الديمقراطية والحداثة السياسية المستندة إلى إطار مرجعي وفلسفي يقوم على النسبية المعرفية، وثورتي الميديا والاتصالات، وهو ما جعل هذه الصياغة كأنها تعمل ضد منطق العصر وصيرورة التاريخ في الوجود المتجه صوب العقل والحرية.

وتفضي هذه التركيبة المعقدة إلى حالة دائمة من التوتر بين الدولة والمجتمع تتخللها حالة من الانقسامات السياسية العميقة. لذا تلجأ الطبقة الحاكمة إلى تفريغ حالة التوتر وتصديرها إلى خارج حدودها حتى تحافظ على كيانها وألا يرتد هذا التوتر إلى تدمير ذاتي يؤدي إلى انهيار النظام الحاكم الذي يستند إلى أيديولوجية ولاية الفقيه.

وتشير استطلاعات الرأي التي قامت بها جهات رسمية إيرانية عام 2002 إلى أن من بين 16.274 شخصاً طلب منهم الاختبار بين (دعم الوضع الراهن أو تصحيحه أو إجراء تغيير أساسي جذري)، صوت 11 في المائة لصالح بقاء الوضع كما هو، وصوت 66 في المائة لصالح تصحيح هذا الوضع، في حين رأى 23 في المائة ضرورة إجراء تغيير أساسي وجذري، و48 في المائة قالوا (لا) عندما سئلوا (هل يمكن أن ينتقد المواطن الإيراني النظام الحالي من دون الشعور بالخوف والرعب والتهديد؟).

وفي استطلاع آخر عام 2002 وجد أن 74 في المائة من الإيرانيين يفضلون استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة، و46 في المائة يرون أن السياسة الأمريكية تجاه إيران كانت (صحيحة إلى حد ما).

وأجرت بعض المراكز في لوس أنغلوس العديد من الدراسات التي تشير إلى نسبة الإيرانيين الذين يفضلون النظام الإيراني الحالي لا تتجاوز 25 في المائة.

وفي ضوء ذلك، يتبين أن إيران تعيش مخاضاً سياسياً كبيراً يمس علاقة الدولة بالمجتمع، وأن الدولة لا تعتبر تمثيلاً أميناً عن المجتمع. إذاً تمر علاقة الدولة والمجتمع بتحولات كبيرة تكاد تكون جذرية تمس مستقبل نظام القيم.

وهكذا تصبح مسألة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول الخليج مسألة بنيوية وليست عرضيةً. بعبارة أخرى، إن إيران بحاجة مستمرة إلى توتير علاقاتها مع الخارج، لأن ذلك يقوم بوظيفة اجتماعية ايجابية إذ يؤدي إلى توحيد الجماعة الوطنية، ويساهم في تماسك أفراد المجتمع وبخاصة كلما توترت العلاقة بين المجتمع والدولة. وثمة مقولة شهيرة في علم الاجتماع السياسي، وهي أن الحكومات تؤجج مشاعر العداء تجاه الخارجي، وتلجأ إلى المغامرات الخارجية كمتنفس لها لامتصاص حالة تمزق داخلي ناتج عن حرمان وتضييق من جراء عيوب في الجهاز الحكومي وعجزه عن القيام بوظائفه.

إذاً هناك علاقة بين النظام السياسي الإيراني الذي يستند إلى شرعية أيديولوجيا ولاية الفقيه، والتدخل في دول الخليج. فتركيبة النظام الحالي وأيديولوجيته تفضيان إلى علاقة غير صحية بين المجتمع والدولة، مما تمسي معه مسألة توتير علاقة إيران مع الخارج مسألة وجودية وضرورية في آن لبقاء النظام واستمراره، وتنمية الوعي القومي وترسيخه بغية تحقيق التماسك الداخلي، فضلاً عن إشعار المواطن بأنه مهدد.

الإطار الدستور

يحدد الدستور الإيراني الفلسفة السياسة للنظام السياسي في الدولة، وهو أمر بالغ الأهمية، لاسيما في ما يتعلق بتحديد المجال الخارجي للسلطة السياسية من خلال فرض التزام العمل به من قبل السلطة المختصة. وتصبح أيديولوجية ولاية الفقيه التي تشكل الإطار المرجعي للدستور ملزمة لنشاط السلطات ومخالفتها تشكل انتهاكاً لنصوص الدستور وروحه (ولاية الفقيه).

ويطفح الدستور الإيراني بالنصوص التوسعية التي تجيز التدخل في شؤون الغير: (الدفاع عن حقوق جميع المسلمين(...) وتبادل العلاقات السلمية مع الدول غير المحاربة)، وهذا بدوره يعطي السياسة الخارجية الشرعية الدستورية للتدخل في الدول الأخرى، كما أن عبارة (الدول غير المحاربة) عبارة غامضة ومطاطة تتسع دلالاتها، حيث يمكن اعتبار كل دولة تختلف مع إيران دولاً محاربة، مما يستدعي أخذ التدابير المناسبة لمواجهتها. (إقامة حكومة الحق والعدل حقاً لجميع الناس)، ويعني هذا أن الحكومة الإيرانية هي القائمة على الحق والعدل وهي الأجدر والأحق بالاتباع، ولو ربطنا هذا المعنى بالمادة (152) يتضح لنا البعد التوسعي، لأن أية حكومة لا تقام على شاكلتها يعني أنها ليست حكومة حق وعدل، أي أنها حكومة ظالمة تقهر المستضعفين ما يستدعي تدخل إيران للدفاع عنهم حسب المادة (154) التي تنص على (دعم النضال المشروع ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم). ولطالما أشارت إيران إلى فساد أنظمة الحكم الملكية في الخليج، ومطالبتها في فترات التوتر والصدام مع السعودية بأن يكون الإشراف على المقدسات الإسلامية ممثلين عن الأمة الإسلامية (أي في يد إيران). وهذا ما ذهب إليه محمد جواد لاريجاني في نظريته (أم القرى) الذي يروم جعل إيران دولة أم القرى وبالتالي تمثيل دار الإسلام وتصبح والحالة هذه مركز العالم الإسلامي وتوحيد جميع المسلمين تحت الراية الإيرانية.

ويتبين مما سبق الشخصية الحقيقية لنظام الجمهورية الإسلامية التي تقوم على أيديولوجية ذات صبغة دينية إسلامية شيعية مهدوية تمزج التوجهات والطموحات التاريخية والسياسية والجغرافية مع المبادئ الأممية التي تقوم عليها ولاية الفقيه، بغية تجديد دور حضاري عالمي.

كما أن التدخل الإيراني في شؤون دول الخليج مؤطر في الدستور وحق شرعي للسلطة التي تناط بإدارة الشؤون الخارجية، وإلا تصبح مقصرة في واجباتها الدستورية تستحق الجزاء والعقاب.

وأرى أن هذا البعد التوسعي الأممي لنشاط السياسة الخارجية الإيرانية وتدخلها هنا وهناك، يروم بادئ ذي بدء إلى بناء إيران الدولة المعاصرة القوية غير المسودة المالكة زمام أمورها، من خلال امتلاك أدوات القوة من علم وتكنولوجيا وصناعة بغية تحقيق الهيبة والمكانة. ولذلك فإن التدخل والتوسع وتحقيق الهيبة وامتلاك ناصية القوة ترمي أولاً إلى تأمين وتوفير القدرات والطاقات والإمكانات اللازمة لتقوية إيران الدولة الوطنية، والدفاع عنها من الأخطار والتهديدات التي تحاك ضدها. وهذا يدفعنا إلى تحليل السياسة الخارجية الإيرانية من خلال ممارستها الواقعية وليس من خلال تحليل المقولات الأيديولوجية فحسب. لأن في الممارسة كثير ما ظهر التناقض بين السلوك والالتزام الأيديولوجي، وهو دليل على البراغماتية الإيرانية.

المخيال السياسي

المخيال السياسي الإيراني هو مجموعة الأفكار والأحداث والتصورات والقيم والصور النمطية التي تؤثر في التفكير والسلوك السياسيين لإيران والتي تتسم بالشيوع والثبات النسبي، وتقر تفضيلات واتجاهات وأساليب تعاملها مع العرب وبخاصة عرب الخليج. فالأدب والشعر والأمثال الشعبية والحكايات الشفهية مملوءة بالصور القومية النمطية السلبية والعدائية التي يحملها المخيال الفارسي الشيعي عن العرب، مما ولد استعدادات نفسية واجتماعية ورؤى ومشاعر سلبية تجاه عرب الخليج بخاصة. كثيرة هي المقولات العنصرية التي يرددها الإيرانيون في حق العرب. هذا المخيال السياسي يموضع الجماعة (إيران) ويرسخها في تاريخ ذي معنى محدد وذي خصوصية مزود بكثافة سيكولوجية ضخمة، كما يموضع هذا المخيال أيضاً السلوك السياسي الإيراني في إطار ممارسات مملوءة بالنظرة الشيفونية والاستعلائية تجاه دول الخليج. ومن يحمل هذا المخيال الاستعلائي تجاه دول الخليج لا يعير مفهوم السيادة الخليجية أي اهتمام.

المجال الحيوي

المجال الحيوي الإيراني هو ذلك الفضاء الممتد الذي ترى فيه إيران مجالاً لممارسة نفوذها بحرية شبه كاملة بغية الهيمنة والسيطرة، حيث إن المجال الحيوي لإيران غير محدد، فالتاريخ السياسي والواقع الحاضر لإيران يشيران إلى نمط سياسي توسعي يحكم سلوكها الخارجي. كما أن الواقع الحالي أيضاً يشير إلى تمدد إيران خارج حدودها. غير أن الخليج يشكل مجالاً حيوياً لإيران ذا أهمية قصوى تفوق أهميته أي مجال جيوسياسي آخر. فالمصالح الحيوية الإيرانية في الخليج تؤثر في الأمن والراحة العامة واستقرار نظامها السياسي. لذا فإن تحقيق مصالحها هنا يحظى بالأهمية القصوى لضمان أمنها.

وهكذا تشكل الجغرافيا السياسية لإيران عاملاً أساسياً في تدخلها في دول الخليج، لكون هذه الجغرافيا تقع ضمن نسق المصالح العليا لإيران في إطار المنافسة العالمية في مجالات النفط والأسواق والطاقة والمكانة والنفوذ، فضلاً عن كونها مركز جذب القوى العظمى. ومن هنا تهتم إيران على وجه الخصوص بتحديد مجالها الحيوي وتوسيعه كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، حتى تمسي القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة بلا منازع.

كما يلاحظ أن الحدود بين إيران ودول الجيران غير مستقرة، فمثلاً لا تزال إيران تدعي ملكيتها للبحرين، وزعمها بملكية الجزر الإماراتية الثلاث، ومشكلاتها الحدودية مع العراق. وإيران تتميز بكثافة سكانية، ومساحة شاسعة، وتكوين سياسي عريق وراسخ، وأمة قوية ترفض اندماج البلاد كأمة مسودة داخل النظام العالمي، وحراك اجتماعي وسياسي داخلي، ونضج في التكوين الاجتماعي، مقابل دول الخليج حيث الندرة السكانية، وعدم رسوخ الوعي بالدولة، وفقر في التكوين السياسي والاجتماعي. كل ذلك يفسر الحضور المتميز لإيران في الخليج، حيث ينظر إليها معظم جيرانها على أنها مصدر تهديد. فدول الخليج تفتقد القوة البشرية باستثناء المملكة العربية السعودية اللازمة للانخراط بنجاح في مواجهة إيران. واختلال التوازن في الخليج لصالح إيران يدفعها إلى التدخل في هذه الدول متى اقتضت مصلحتها ذلك.

الفراغ العربي

في المجال السياسي يعني الفراغ الخواء، أي أن هناك منطقةً فارغةً وغير فاعلٍة، لعدم وجود قوة سياسية وعسكرية فاعلة وقوية تحمل رؤيةً ومشروعاً سياسياً، الأمر الذي يجعل دولاً أخرى تتدخل في شؤونها أو احتلالها إن رأت مصلحتها تقتضي ذلك. وإيران تستلهم مفهوم الفراغ في سياستها الخارجية حيال دول الخليج التي تفتقد القوة الموازية لإيران، وضعف القدرة في التأثير على الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط عامة والخليج خاصة، وهو ما يجعل دول الخليج مكشوفةً سياسياً وعسكرياً وجيواستراتيجياً. وبالتالي غياب الحصانة والمناعة عنها، وهو بدوره يدفعها إلى الارتهان للخارج بحثاً عن الحماية والأمان. ومن هنا فإنه من المشروع الحديث عن الفراغ كمقولة تفسيرية للسياسة الإيرانية التدخلية في دول الخليج، إذ ترى إيران أن لها دوراً محورياً في ملء الفراغ العربي الخليجي.

إيران والنظام الدولي

تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من إيجاد نفوذٍ سياسي وعسكري في الشرق والجنوب والشمال وبعض مناطق الجبهة الغربية لإيران في كل من أفغانستان والمحيط الهندي وجمهوريات آسيا الوسطى والخليج وتركيا والعراق، وبالتالي إحكام الحصار حول إيران، وفق طوق أمني وسياسي وعسكري بغية عزلها وإبعادها عن أي ترتيبات في محيطها الإقليمي. كما ما انفكت دول الجوار تقابل سياسة إيران بنظرة من الشك والريبة، حيث تواجه إيران 15 دولة جوار يغلب علي تفاعلاتها معها سمة التوتر.

بناء على ذلك، تعيش إيران بحق معضلة الأمن، أي إحساسها العميق بأنها مهددة، وأن نظامها السياسي الثيوقراطي غير مرغوب فيه، ويمر بأزمة أنطولوجية (وجودية) تؤثر سلباً على استمراره وديمومته في ظل مجال حضاري كوسموبولتاني (عالمي) وفضاء معلوماتي مفتوح. ولذلك فهي تعيش وضعية اللاانسجام مع مجالها الموضوعي، وما يرتبه ذلك من توترات سيكولوجية عند الطبقة السياسية الحاكمة والخشية من نيات السلوك المستقبلي المحتمل للدول الإقليمية والكبرى وبخاصة الولايات المتحدة، وهو ما يدفعها في اتجاه وضعية الدفاع الذاتي متى كان المجال الموضوعي ضاغطاً عليها، وهجومياً متى سنحت الفرصة لذلك.

وعموماً، فإن علاقة إيران بدول الخليج تتأثر دائماً بالعلاقات الأمريكية – الإيرانية. وكلما تأزمت الأخيرة انعكس ذلك على علاقة إيران بالدول الخليج. ولذلك فإن مسار العلاقات الأمريكية – الإيرانية يفسر التدخل الإيراني في دول الخليج، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة وإيران تعتبران فاعلين محوريين في تفاعلات النظام الخليجي. وتنظر إيران إلى نفسها باعتبارها قوة إقليمية بازغة تعارض النظام الدولي (الظالم) وهي تعتقد أن لها رسالة تتجاوز إطارها القطري لتشمل كل مجالها الحيوي وفي العمق منه الجغرافيا الخليجية.

البرنامج النووي الإيراني والورقة الخليجية

بسبب الصراع الأمريكي- الإيراني على الملف النووي الإيراني، فإن الطرفين يستعملان الورقة الخليجية في صراعهما هذا. فمن جانب واشنطن توظف ورقة الخليج كورقة ضغط في أزمة البرنامج النووي الإيراني، ويزداد تدخل إيران في الخليج كلما تصاعد توترها مع واشنطن. وتطوير إيران لبرنامجها النووي يعد أحد مسببات الصراع الإيراني- الخليجي، لأنه يضاعف اختلال ميزان القوى لصالح إيران. فالموقف الخليجي يؤمن بمبدأ وجوب منع إيران من امتلاك القدرات النووية العسكرية الذي سيجعل منها الضحية المحتملة للضغوط السياسية والعسكرية من جانب طهران وواشنطن معاً. وهكذا تلجأ إيران إلى سياسة الترغيب والترهيب لتحييد الدور الخليجي من الملف النووي المنحاز بموقفه إلى واشنطن بضرورة عدم امتلاك إيران للقدرات العسكرية النووية. فمثلاً أظهرت إيران القوة والحزم من خلال التصريحات الإيرانية بضرب دول الخليج إن شنت واشنطن حرباً ضدها. وهو يعتبر تدخلاً سافراً.

الخلاصة

حاولنا في هذا التحليل دراسة المتغيرات الاجتماعية بالإضافة إلى المتغيرات السياسية والدولية، الأكثر مقدرة تفسيرية للتدخل الإيراني في دول الخليج. ولم نحصر تحليلنا في الجانب السياسي فحسب الذي يركز على المتغيرات السياسية لسياسة التدخل الإيراني فقط، بل تم التركيز أيضاً على التكوين الاجتماعي من خلال مدخل المجتمع والدولة وإن كان باقتضاب شديد، بالإضافة إلى تكوين الطبقة السياسية والأيديولوجية الحاكمة، والمخيال السياسي، وجدلية السياق الوطني الإيراني بالنظام الدولي والإقليمي. كل ذلك عوامل دافعة للسلوك الإيراني التدخلي في دول الخليج. وإن تم التركيز على الجانب الإيراني موضوع المقال، فنحن لا نعفي العرب من تحمل بعض المسؤولية عن ذلك. كما أننا لا نجرم إيران على طول الخط كما يفعل البعض من خلال وسم الشخصية الإيرانية بسمة جوهرانية لا تستقيم مع التحليل العلمي. فكلا الجانبين (العرب وإيران) يحمل صورة نمطية سلبية تجاه الآخر، وهي إشكالية ثقافية وسياسية واجتماعية لها جذور تاريخية عميقة. إن تكثيف الاتصال بين الجانبين على مستوى البنية التحتية (أي الاقتصادية) والبنية الفوقية (أي الثقافة والسياسة) كفيل بتغيير وتذليل كل الصور النمطية التي يحملها كل طرفٍ عن الآخر.

مجلة آراء حول الخليج