array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 162

السعودية تدعم العلاقات الإفريقية بالبنى التحتية وحل النزاعات بين 43 دولة

الأحد، 30 أيار 2021

دعا المستشار الألماني بسمارك إلى "مؤتمر برلين"  الذي استمر من نوفمبر 1884 إلى فبراير 1885م،  وجمع فيه 13 دولة أوروبية والولايات المتحدة لتقاسم النفوذ ومناطق التجارة في القارة الإفريقية، واليوم تحظى القارة الإفريقية باهتمام الدول الكبرى والإقليمية، هل التاريخ يعيد نفسه أم تتشابه حوادثه، فالقارة  تتمتع بموارد اقتصادية وثروات معدنية ولها أهميتها السياسية والاستراتيجية، وتتمثل في الاتحاد الإفريقي الذي يضم 54 دولة يزيد عدد سكانها عن مليار نسمة وثاني أكبر قارة في مساحتها وعدد سكانها، وهي قارة شابة حيث أن 70% من سكانها تحت عمر 25 عاماً، وهذا يرتبط بالقوى العامة والأسواق، وتشهد بعض دولها نمواً اقتصادياً سريعاً حيث أن عشرة دول من دول القارة ضمن الدول الـ 64 الأسرع نمواً، والقارة جذبت الاستثمار الأجنبي، حيث جذبت  55 مليار دولار من 126 تريليون دولار من قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر عام 2014م.

وتحتوي القارة على 12% من احتياطي العالم من البترول سواء في داخل القارة أو على شواطئها، ويقدر احتياطي الغاز الطبيعي في القارة 8% من الاحتياطي العالمي معظمه في نيجيريا وليبيا والجزائر ومصر وهذه الدول الأربعة تنتج 91% من إنتاج القارة من الغاز الطبيعي، وتحتوي القارة على 18% من إجمالي إنتاج العالم من اليورانيوم، و25% من إنتاج العالم من الذهب و40% من الألماس، و80% من إنتاج العالم من البلاتين، و9% من الحديد، إضافة إلى ثرواتها من الخشب والمطاط والثروات الحيوانية، مما جعلها محل تنافس الدول الكبرى.

الدول الكبرى المتنافسة: الاقتصاد والهجرة والقواعد العسكرية

تتهافت الدول الكبرى في القارة الإفريقية لتعزيز وجودها، والدول التي تسعى للنفوذ من الغرب والشرق، كانت قوى الاستعمار الأوروبية التقليدية تحتكر استعمار القارة الإفريقية وتستنفذ خيراتها، حتى أن الكونغو كانت تعتبر ملكاً لامبراطور بلجيكا ليوبولد قبل أن ينقلها لدول بلجيكا، وكذلك كان الوجود الفرنسي والبريطاني والإيطالي، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية أخذت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تحل محل الاستعمار الأوروبي وتتنافس في القارة وتمارس الحرب بالوكالة فيها، وحاولت كل من بريطانيا وفرنسا الإلتفاف على خروجها من القارة بالبقاء على نفوذها من خلال رابطة الكومنولث البريطاني ورابطة الفرانكوفونية الفرنسية، وبالاضافة للتنافس على الموارد، أخذت الهجرة من القارة السوداء تقلق دول الاتحاد الأوروبي حاليًا والجماعات المتطرفة التي تمارس الإرهاب في القارة وخاصة في غرب القارة من الساحل والصحراء وشرق إفريقيا والقرن الإفريقي، ففي الوقت الذي تسعى الدول إلى مصالحها الاقتصادية فهناك أخرى تسعى لعلاقات سياسية وأيديولوجية، وبعضها تهدف لإقامة قواعد عسكرية ومناطق تجسس لها، ولذلك تتعدد الأهداف مع تعدد الدول، الولايات المتحدة والصين والهند وفرنسا وبريطانيا واليابان وإيطاليا واليابان وتركيا وإيران وروسيا وبلجيكا وإسرائيل.

الصين والولايات المتحدة: القوة الناعمة تنافس القوة الصلبة

سعت الصين منذ ثلاثة عقود لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع القارة الإفريقية سواء على مستوى التبادل التجاري والاستثمارات والطاقة، وفي أكتوبر عقد المنتدى الأول للصين والدول الإفريقية في بكين عام 2000م، وحضره 44 دولة إفريقية، وأصبحت الصين تنافس الولايات المتحدة على الصدارة في المجال الاقتصادي، وبعد ثمانية عشر عاماً، من المنتدى الأول عقد المنتدى السادس عام 2018م، وتعهدت الصين بتقديم 60 مليار دولار  للدول الإفريقية  كقروض واستثمارات في البنية التحتية خلال ثلاث سنوات وبناء السكك الحديد والمواصلات والتنقيب عن المعادن والبترول كما في أنجولا والجزائر ونيجيريا وبوركينافاسو والكنغو، وهناك شركات صينية تستغل النحاس في زامبية،  وقدرت القروض الصينية للدول الإفريقية من 2000-2014م، مبلغ 86 مليار دولار كقروض تجارية بمعدل 6 مليارات دولار سنوياً، وحسب تقرير Foresight Africa 2018 ، فإن قروض الصين إلى  إفريقيا أكثر 6 مرات من قروض فرنسا للقارة . وحسب تقرير ماكنزي 2017م، (  2017 McKinsey Reportم) هناك عشرة آلاف صيني يملكون شركات  تعمل في إفريقيا وثلثهم في المجال الصناعي  وهذه حسب التقرير توفر فرص عمل للأفارقة وتنمية المهارات ونقل التقنية . وتهتم الصين بعلاقاتها الاقتصادية أولاً على عكس الولايات المتحدة التي ترفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولذلك تشعر الدول الإفريقية السلطوية بالرضى عن علاقاتها بالصين، ولا تهتم الصين بالقواعد العسكرية بالقارة فلها قاعدة عسكرية وحيدة بجيبوتي للخدمات اللوجستية والمشاركة في مطاردة القراصنة ولكنها تشارك في قوات حفظ السلام بالقارة كما في مشاركتها في الكونغو وليبيريا ومالي والسودان.

وتشير التقارير إلى أن حوالي 20% من الديون الخارجية الإفريقية عام 2018م، مستحقة للصين، وبلغت قيمة الديون 148 مليار دولار، وكانت قروضها بسيطة ولكنها ارتفعت خلال السنوات من 2000-2018م، حتى بلغت عشرة مليارات سنوياً من 2008-2018م، وكان عام 2016م، حالة خاصة في إقراض الصين لإفريقيا حيث تلقت أنجولا ما يقرب من 20 مليار دولار كائتمان.

وتستثمر الصين إلى جانب المجال الاقتصادي في مجال الإعلام والثقافة حيث شرعت في بناء مراكز ثقافية عديدة لتعليم اللغة الصينية وبدأ كثير من الصينيين الإقدام على الزواج من نساء إفريقيات، ولا تتدخل الصين في سياسات الحكومات الداخلية مما يريح الدول الإفريقية التي معظمها ينتهك حقوق الإنسان وانتشار الفساد في النخب الحاكمة. إن النفوذ الصيني اعتمد على القوة الناعمة في مساعدة الأفارقة وبناء البنية التحتية.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، فقد اعتمدت القوة الصلبة في علاقاتها مع الدول الإفريقية تحت ذريعة محاربة الجماعات الإرهابية والمتطرفة، وتمثل في تشكيل القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا U.S. Africa CommaAFRICOM))، أكتوبر  2007م، في عهد الرئيس بوش الأبن، وسعت الولايات المتحدة للقواعد العسكرية فيوجد حوالي 7000 جندي أمريكي في القارة الإفريقية تتوزع في عدة دول كما في أوغنده وجنوب السودان، السنغال، النيجر، الغابون، الكمرون، بوركينا فاسو والكنغو، وتشارك القوات الأمريكية في مثلث الساحل مالي والنيجر وموريتانيا حيث الجماعات المتطرفة مثل بوكوحرام كما توجد قوات في شرق إفريقيا كما تقوم الطائرات الأمريكية في مطاردة حركة الشباب في الصومال، كما يوجد 2000 جندي أمريكي يقومون بمهمة التدريب في أربعين دولة إفريقية، واهتمام الولايات المتحدة بالجيش في الدول الإفريقية محاولة لاختراق هذه الجيوش في حالة الانقلابات العسكرية في حالة تحقيق المصالح الأمريكية إذا استعصى على النظام السياسي خدمة الولايات المتحدة كما حدث في الكونغو لباترس لوممبا وفي غانا  للرئيس كوامي نكروما.

لقد أصبحت الولايات المتحدة مهووسة بمحاربة الإرهاب بعد تفجير تنظيم القاعدة لسفارتي الولايات المتحدة في تنزانيا وكينيا 1998م، وأحداث 11 سبتمبر 2001م، أما الثروات المعدنية والبترول فبعض الشركات الأمريكية استثمرت في البترول كما في أنجولة ولكن لم تعد واشنطن بحاجة للبترول كما كانت في الحرب الباردة، وأصبحت واشنطن في بداية القرن الحادي والعشرين مهتمة بالمحور الآسيوي– الهادي، وتبقى القوة الصلبة هي أساس السياسة الأمريكية في إفريقيا.

وبالاضافة للولايات المتحدة، فإن فرنسا لها تاريخ طويل من الاستعمار في القارة الإفريقية ولها وجود عسكري في  جيبوتي المستعمرة الفرنسية التي استقلت عام 1977م، تضم أكبر قاعدة عسكرية فرنسية فيها حوالي 1450 جندي فرنسي ـ والوجود الفرنسي يقوم على معاهدة الدفاع بين البلدين التي عقدت في ديسمبر 2011م، ويتركز النفوذ الرنسي أيضًا في منطقة الساحل، الغرب الإفريقي وتشارك بشكل فعال في محاربة الجماعات المتطرفة التي تهدد مالي والنيجر وتشاد وهي تاريخيا مناطق نفوذ  فرنسي، ولا شك أن لفرنسا مصالح اقتصادية في إفريقيا ولها تاريخ ثقافي من خلال استعمال اللغة الفرنسية كلغة رسمية في بعض الدول الإفريقية.

ويوجد لألمانيا قوات عسكرية في القاعدة الفرنسية في جيبوتي منذ 2001م، للمساهمة في محاربة القرصنة في المحيط الهندي والقرن الإفريقي، كما تشارك بطائرات استطلاع ومراقبة، فهي دولة صناعية لها مصالح تجارية ويهمها حماية خطوط الملاحة البحرية في منطقة القرن الإفريقي.

وكما لفرنسا تاريخ استعماري ووجود حاليًا في القارة، فبريطانيا لها أيضًا قوات في جيبوتي، وأرسلت قوات لمراقبة الخطر التي يتعرض له باب المندب من خلال سيطرة الحوثي على صنعاء، ولها خمسة قواعد في مستعمرتها السابقة كينيا تضم 400 جندي بريطاني للتدريب وقوة رمزية بريطانية للمشاركة في مهام التدريب والمراقبة والاستخبارات، ولبريطانيا علاقة مع الصومال فترة الاستعمار عندما قٌسمت الصومال إلى نفوذ بريطاني وإيطالي وفرنسي.

وفي ظل محاربة القرصنة، تعهدت اليابان 2009م، بالمشاركة في هذه الحرب بسفن بحرية وطائرات من القاعدة الأمريكية في جيبوتي، وإنشاء قاعدة عسكرية، ولأول مرة اليابان تقيم قاعدة عسكرية بالخارج بعد الحرب العالمية الثانية وتحاول اليابان التوازن مع الوجود الصيني في جيبوتي.

وإثر الوجود الصيني في إفريقيا، تحركت الهند لتعزيز وجودها في المحيط الهندي كرد فعل على وجود الاسطول الصيني، فالهند عززت وجودها في شمال المحيط الهندي وبالقرب من مضيق هرمز وفي جزر سيشل ومدغشقر وجنوب المحيط الهندي وتسعى لبناء محطات على طول طريق المحيط الهندي لحماية خطوطها البحرية. وأعلنت رغبتها في إقامة 32 محطة رادار للمراقبة في سيشيل وموريشيوس والمالديف، واتفق رئيس وزراء الهند مودي مع رئيس سيشيل للتعاون في بناء قاعدة عسكرية بالجزيرة.

ونجد أن الدول الغربية يغلب على وجودها في القارة الإفريقية طابع القوة الصلبة، ودول شرق آسيا كما هو الحال بالنسبة للصين واليابان والهند لأهدافها الاقتصادية والمحافظة على خطوط التجارة والاستثمارات والتبادل التجاري مع القارة الإفريقية، وتأتي الصين في قمة هذه الدول الغربية والشرقية في أهدافها الاقتصادية التبادل التجاري والاستثمارات والتنقيب عن المعادن والطاقة وبناء البنية التحتية.

 

تركيا وإيران بين الأهداف الاقتصادية والأيديولوجيا

أخذت تركيا اهتماماً قويا ً بالقارة الإفريقية، وكانت أول سفارة لتركيا افتتحت عام 1926م، ورغم طول الفترة إلا أن العلاقات لم تتطور إلا في عهد حزب العدالة والتنمية لتوفير الأسواق التجارية والاستثمار للشركات التركية، فالمجال الاقتصادي يأتي الهدف الأول للوجود التركي في إفريقيا، فأهتمت بشرق إفريقيا بالصومال والسودان حيث ساعدت في تطوير جزيرة سواكن التاريخية، وكذلك قدمت المساعدات للصومال بفتح المشاريع التنموية وتدريب الجيش الصومالي. كان حجم التبادل التجاري بين إفريقيا وتركيا عام 2002م، ثلاثة مليارات دولار ووصلت عام 2019م، إلى  26.2 مليار دولار ، وصادرات تركيا للقارة وصلت الى 16.6 مليار دولار نفس العام،  ومن المتوقع حسب التخطيط التركي أن  يصل حجم التبادل التجاري إلى 50 مليار دولار ، ووقعت تركيا مع 13 دولة إفريقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية التجارة الحرة مع خمسة دول أخرى، وأفاد الرئيس أردوغان في أكتوبر 2020م، أن قيمة المشاريع التركية المنجزة في إفريقيا بلغت نحو 70 مليار دولار وأن أكثر من 100 ألف إفريقي حصل على فرصة عمل بفضل الاستثمارات التركية في القارة، ولخدمة اقتصادها عززت تركيا وجودها الدبلوماسي في القارة فبلغ عدد سفاراتها في القارة 2020م، إلى 42 سفارة مع تأسيس مكاتب للاستشارات التجارية في 26 دولة؟

واهتمت تركيا أيضًا بالجانب الثقافي بافتتاح المراكز الثقافية وتقديم المنح الدراسية للدول الإفريقية فقد قدمت عام 2015م، 3500 منحة للطلبة الأفارقة بالإضافة للمنح في السنوات السابقة، كما تعمل مؤسسات المجتع المدني في بعض دول القارة وكذلك الخطوط الجوية التركية في 28 بلداً إفريقيا من خلال 42 نقطة.

وقام الرئيس التركي بزيار لدول غرب إفريقا في يناير 2020م، حيث زار السنغال وغامبيا والجزائر، وكان الهدف الاقتصادي واضحًا من خلال الوفد المرافق لاردوغان، وتكررت زيارة الرئيس التركي للقارة خلال السنوات الماضية حتى وصل عدد الدول الإفريقية التي زارها إلى 27 دولة إفريقية.  وفي تقرير لمؤسسة إيمار  IMMARللأبحاث والاستشارات ومقرها في باريس  أظهر الاستطلاع الذي حمل عنوان (Africaleads 2021 ) أن صورة فرنسا تتراجع في القارة الإفريقية  في الوقت الذي ارتقت صورة تركيا في القارة الإفريقية وعزا التقرير ذلك إلى زيادة الاستثمارات التركية في القارة والإعلان المستمر لشركة الخطوط الجوية التركية عن وجهات جديدة لها في القارة، وبالإضافة للأهداف السابقة فتعول تركيا على الأصوات الإفريقية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لعددها المؤثر؟

أما بالنسبة للعلاقات الإيرانية الإفريقية، فالأهداف الإيرانية تتمثل في العلاقات السياسية ونشر المذهب الشيعي وتجاوز الحصار والعقوبات التي فرضتها عليها الدول الغر بية خاصة الولايات المتحدة وإلى حد ما الاتحاد الأوروبي. إن إيران ليست لها القوة الصناعية والأموال للاستثمار الاقتصادي لتنافس الدول الغربية أو الصين وتركيا ولكن تبقى الأصوات الإفريقية مهمة لإيران في المؤسسات الدولية وخاصة الأمم المتحدة فأقامت إيران السفارات والمراكز الثقافية والبعثات للطلبة الأفارقة ـ فكانت السودان المحطة الرئيسة بعد انقلاب البشير في عام 1989م، فقد زار الرئيس هاشمي رفسنجاني السودان عام 1991 وعام 1996م، كما زار الرئيس محمد خاتمي السودان 2006م، وزيارة محمود أحمدي نجاد عامي 2008 و2011م، وتعتبر إيران السودان مدخلاً لإفريقيا ولكن العلاقات بينهما تبقى متذبذبة لأن السياسة السودانية برجماتية بسبب حاجة السودان للعون العسكري والسياسي والمالي بفعل الحصار والعقوبات عليه ووضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب.

أما المحطة الثانية لإيران فهي نيجيريا لأهميتها الاستراتيجية وأكبر دولة إفريقية ويشكل المسلمون 55% من السكان معظمهم في الشمال  فأسست المراكز الثقافية والمساجد لنشر المذهب الشيعي، وبالفعل حققت شيئاً من النجاح في تشييع عدد من النيجيريين، ويعتبر إبراهيم زكزاكي أبرز الموالين لإيران في نيجيريا وقد تخرج من جامعة أحمد بيلو ولكن الحكومة النيجيرية وضعت حداً لمحاولة التشيع عندما حاول زكزاكي استنساخ ظاهرة حزب الله بتشكيل جماعة شيعية مسلحة واتهامه بمحاولة اغتيال رئيس الأركان توكور يوسف  2015م، مما أدى لرفض الوجود الإيراني وفتور العلاقات الإيرانية النيجيرية .

انتهزت إيران الفراغ الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي أحدثه البعد العربي عن الساحة الإفريقية فاستغلت شعار "نصرة المستضعفين" للتغلغل في القارة ولكنها نحجت بداية في السودان ونيجيريا ولكنها فيما بعد تراجع نفوذها في البلدين ؟؟

إسرائيل في القارة الإفريقية لمواجهة النفوذ العربي

تبنت إسرائيل منذ إنشائها استراتيجية الأطراف، فحاول  بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل تجاوز المقاطعة العربية بإقامة علاقة مع إيران الشاه وتركيا الكمالية وإثيوبيا هيلاسلاسي، كانت العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا لمواجهة النفوذ المصري في القارة، وكان الهدف منذ البداية مياه نهر النيل لإضعاف مصر بتشجيع إسرائيل لاثيوبيا لإقامة السدود على النيل، فإضعاف مصر هدف استراتيجي لإسرائيل منذ عقد الخمسينيات ورغم اتفاق كامب ديفيد 1979م، استمرت في استراتيجيتها، وفي رسالة بن غوريون للرئيس الأمريكي أيزنهاور عام 1958م، إن الجهد الإسرائيلي لإضعاف الدول العربية ينبغي ألا يحشد على خطوط المواجهة فقط مع دول المواجهة، بل يجب أن ينتشر ليصل إلى قلب الدول الإفريقية التي يمكن أن تصبح دول دعم وإسناد.

سعت إسرائيل لكسب الدول الإفريقية جنوب الصحراء، فهناك 48 دولة تقيم 40 دولة منها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وعشر دول تتبادل السفارات معها، وترى الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي (MASHAV) جدوى الاستثمار في العلاقات مع إفريقيا وينعكس ذلك في التصويت على القرارات المهمة في الأمم المتحدة، لأن كسب الدول جنوب الصحراء يضمن أغلبية مساندة لإسرائيل في الأمم المتحدة. وترى إسرائيل أن تطورها العلمي وفي صناعة السايبر والتكونولوجيا عالية التطور والذكاء الصناعي يجعل إفريقيا سوقاً مهمة وخاصة في مجال صناعة التجسس وشركات الأمن، كما تعتقد دول إفريقية مثل توغو ورواندا وبوروندي وجنوب السودان والكمرون والكنعو الديمقراطية أن العلاقة مع إسرائيل تفتح لها أبواب واشنطن.

إن أحد الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، أن يبقى البحر الأحمر بحيرة غير عربية، ولذا وطدت علاقتها مع إرتيريا من أجل إقامة محطات تجسس فيها، كما تاريخيًا لها علاقات قوية مع إثيوبيا والاستثمار في مشاريع السدود على منابع النيل وزودت إثيوبيا بالمهندسين والخبراء وكانت وراء مشروع السدود الإثيوبية وخاصة سد النهضة، فاهتمام إسرائيل بالقرن الإفريقي وحوض النيل لأهميتهما الاستراتيجية كما تعزز نفوذها في وسط القارة كما في الكنغو وموزمبيق حيث أقامت علاقة مع أتباع الكنيسة الإنجليكانية" تنظيم بيت إيل-مسيحيون من موزمبيق من أجل إسرائيل لخدمة مصالها والتحريض على العرب والمسلمين.

الأمن القومي في ظل التنافس الدولي

يعتبر عقد الخمسينيات من القرن الماضي وحتى حرب أكتوبر 1973م، العقد الذهبي للعلاقات العربية ـــ الإفريقية، فقد كانت القاهرة قلعة حركات التحرر الإفريقي، من تأييد الثورة الجزائرية إلى دعم الثوار الأفارقة للتحرر من الاستعمار الغربي، فاستقبلت الزعيم الغاني كوامي نكروما وحتى تزوج فتاة مصرية، وشاركت مصر في القوات الدولية في الكنغو وكان قائد كتيبة المظلات  المصرية الفريق سعد الدين الشاذلي  1960م، وكان برتبة عقيد، واستطاع الشاذلي تهريب عائلة لومومبا واستقبلوا في القاهرة بحفاوة عالية، ولذلك كان لمصر تأثير قوي حجم الدور الإثيوبي التي كانت إسرائيل حسب استراتيجة الأطراف تعول عليه لمحاصرة النفوذ المصري في القارة، وفي عام 1973م، تراجع الدور الإسرائيلي في القارة لحد قطع الدول الإفريقية العلاقة مع إسرائيل أو تجميدها باعتبارها دولة عدوانية تحتل أراضي الغير بما فيها مناطق إفريقية باعتبار الأرض المصرية سيناء تحت الاحتلال، ولكن فيما بعد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر استغلتها إسرائيل لعودة علاقاتها، كما أن الاهتمام العربي بإفريقيا تراجع وهي نقطة سلبية في العلاقات مع إفريقيا.

وساهمت المملكة العربية السعودية بدور هام في دعم العلاقة مع الدول الإفريقية  وبناء البنى التحتية من حيث إقامة المدارس والمساهمة في بناء المستشفيات والمراكز الثقافية والمنح الدراسية للطلبة الأفارقة في الجامعات السعودية وزيادة التبادل التجاري مع الدول الإفريقية حيث بلغ عام 2014م، حوالي 18.2 مليار دولار كما أسهمت في حل النزاعات في القارة كما حدث في المصالحة الإرتيرية الإثيوبية برعاية السعودية سبتمبر 2018م، والمصالحة بين الأطراف الصومالية المتنازعة عام 2007م، وترتبط المملكة بعلاقات دبلوماسية مع 43 دولة إفريقية ، وفي مجال العون الإنساني تأتي في المرتبة الأولى في العالم بما تقدمه من مساعدات خارجية نسبة إلى إجمالي الناتج  القومي  حيث ظلت لسنوات تقدم 4%  من ناتجها القومي الإجمالي،  وكانت الدول الإفريقية في مقدمة المستفيدين وتجاوزت القروض الإنمائية للقارة التي قدمتها المملكة حتى نهاية 2017م، المليار دولار .

إن وجود الدول الغربية وإسرائيل في إفريقيا  يشكل تهديدًا للمصالح العربية في القارة السواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي والأمني، كما أن إيران منافس قوي للدول العربية السنية، وفي ظل بناء سد النهضة وتهديده للأمن القومي العربي فالحاجة ملحة لاستراتيجية عربية للعمل في القارة الإفريقية ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، فالدول الإفريقية لها صوت مهم في الأمم المتحدة تستغله إسرائيل، فعلى سبيل المثال عارضت توغو قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2017م، والذي يدعو واشنطن لسحب قرارها بنقل السفارة الأمريكية للقدس وامتنعت تسع دول إفريقية عن التصويت، وأعادت تشاد علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لتطويق دول المغرب العربي من الجنوب، وحيث أن 52% من الأفارقة مسلمون و27 دولة إفريقية عضو في منظمة التعاون الإسلامي فهذا عنصر مهم لصالح الدول العربية لتعزيز نفوذها وضم بعض الدول الإفريقية مثل تشاد التي لغتها الرسمية العربية وإرتيريا للجامعة العربية وإعادة هيكلة الجامعة لتقوم بدورها عربيًا وإفريقيًا لخدمة الأمن القومي العربي، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في القارة من قبل الدول الغنية والتبادل التجاري وتشجيع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية للعمل في إفريقيا مثل بناء المستوصفات الصحية والمدارس وحفر الآبار وتعليم اللغة العربية، فالقارة الإفريقية هي العمق الاستراتيجي للدول العربية وكان النفوذ العربي هو الأقوى قبل دخول الاستعمار الأوروبي وكانت الممالك الإسلامية الإفريقية منتشرة في القارة من السودان شرقًا إلى السنغال غربًا وتنتشر الزوايا الدينية عبر هذا الامتداد الجغرافي.

مقالات لنفس الكاتب