إفريقيا قارة المتناقضات: القارة الإفريقية هي قارة المتناقضات مساحة كبيرة حيث أنها ثاني أكبر قارات العالم، حيث تشكل 21% من مساحة الكتلة الأرضية (30,3 مليون كيلو متر مربع) وكثافة سكانية عالية في بعضها مثل مصر (وادى النيل والدلتا) نيجيريا، إثيوبيا، رواندا وبوروندي وغيرها، ويسكن بها نحو 1338 مليون نسمة عام 2020م (17,2% من سكان العالم) وتنقصها الأيدي العاملة الماهرة والمهندسون والأطباء الأكفاء الذين يعملون داخل القارة الإفريقية حيث أن كثيرًا منهم مهاجرون ليعملوا في أوروبا وأمريكا، كما تزخر بالكثير من الموارد الطبيعية، مثل النفط والغاز الطبيعي والفحم، ويعيش معظم سكانها على استخدام الخشب والمخلفات الزراعية كوقود.
تنعم إفريقيا بثلث موارد العالم المعدنية من بلاتين وماس وذهب ونحاس وحديد وألمونيوم وكثير من شعوبها يعيشون الأكواخ والمباني المتواضعة، وبها 25% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، إلا أنها تنتج حوالي 10% فقط من الإنتاج الزراعي العالمي، وبها 35 دولة من أفقر 50 دولة على مستوى العالم، حيث أنها تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء وكذلك على المعونات الخارجية الغذائية.
رغم أن إفريقيا بها 22% من أمطار العالم إلا أن حوالي ثلث القارة يعاني الشح المائي ونقص مياه الشرب النظيفة، حيث الصحراء الكبرى وصحراء كلهاري وناميبيا والبخر الشديد الذي يزيد عن 80%، يبلغ نصيب الفرد السنوي من المياه في إفريقيا حوالي 3000 متر مكعب/سنة في 2020م، وهي تمثل تقريباً نصف نصيب الفرد 6000 متر مكعب/سنة.
تتميز القارة الإفريقية بتنوع مصادر الطاقة مثل الطاقة الشمسية المتوفرة في جميع الدول الإفريقية طوال أيام السنة لفترات أكثر من 12 ساعة يوميًا، وطاقة الرياح، والطاقة المائية من الأنهار الكبرى مثل الكونغو ثاني أنهار العالم من حيث كمية المياه (1300 مليار متر مكعب) والزمبيزي والنيجر والنيل، ومع ذلك يعيش حوالى 60% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء بدون كهرباء أو مياه شرب نظيفة أو صرف صحى، يصل إجمالي الطاقة المائية الإفريقية في نهاية عام 2020م إلى حوالى 35 ألف ميجاوات، وحوالى 90% منها يتركز في ثمانية دول هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ومصر والجابون ونيجيريا وزامبيا ومدغشقر وموزامبيق، كما أن إفريقيا تنتج حوالى 3% فقط من إنتاج الطاقة المائية في العالم، وهذا يشكل أقل من 15% من إمكاناتها الكهرومائية.
تحتوي القارة الإفريقية على أكثر من 29% من الماعز في العالم (أكثر من 500 مليون)، 16% من الأبقار (240 مليون)، 8% دواجن (1,5 بليون)، 3% خنزير (25 مليون)، ومع ذلك فسكانها يعانون من الجوع وسوء التغذية بسبب عدم استغلال هذه الثروات نتيجة ضعف البنية التحتية من كهرباء وطرق وعدم توفر مجازر حديثة وثلاجات تخزين، ومصانع للإنتاج الحيواني، وقلة الاستثمارات وضعف الرعاية البيطرية والتسويق.
رغم عدد سكان إفريقيا الكبير (1338 مليون نسمة عام 2020م) وكثرة عدد الدول الإفريقية المستقلة (54 دولة)، وكثرة مواردها الطبيعية إلا أن حجم التجارة البينية بينهم حوالى 17% فقط من إجمالي التجارة عام 2017م، والباقي مع دول خارج إفريقيا مما يفقدها الاستفادة بمواردها وخروج خامتها ومواردها الطبيعية للخارج، مما يزيد في ميزان مدفوعات الدول الإفريقية واعتمادها التجاري على الأسواق الخارجية وضعف اقتصاداتها، ولعلاج هذا الوضع الاقتصادي أنشأت إفريقيا العديد من المجموعات الاقتصادية الإقليمية، وأخيرًا اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، التي من أهم أهدافها توحيد سوق السلع والخدمات، وزيادة التجارة البينية وحرية حركة الأفراد لزيادة التكامل الاقتصادي للقارة في إطار رؤية الاتحاد الإفريقي لقارة متكاملة مزدهرة.
تتنافس الدول الكبرى على موارد القارة الإفريقية مرة أخرى خاصة في بداية الألفية الجديدة، من أهمها الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، والصين، ولكن بشكل جديد يتفق مع طبيعة العصر الحديث، ويمكن تلخيص وضع القارة الإفريقية في عبارة قصيرة "قارة غنية وشعوب فقيرة"، وحديثاً ازدادت الاستثمارات لدول الخليج العربي وتركيا والهند وإيران وإسرائيل على الساحة الإفريقية بهدف الاستفادة من موارد القارة الطبيعية والتعاون مع سكانها.
التكامل لا الصراع في إفريقيا:
متى ستظل إفريقيا أسيرة للنفوذ الأجنبي وخروج الموارد والثروات الطبيعية الإفريقية؟ وهل سوف تستمر الصراعات الداخلية بين المجموعات البشرية والقبلية داخل الدولة الواحدة وبين الدول بعضها البعض؟ وإلى متى ستظل إفريقيا مسرحًا لصراعات الدول العظمى؟
حاولت الدول الإفريقية التغلب على تلك المشكلات وإنهاء الصراعات بينها وزيادة التعاون الاقتصادي بإنشاء التجمعات الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا، إلا أنها لم تستطع تحقيق طموح الإنسان الإفريقي وارتفاع مستواه الاقتصادي، بسبب ضعف تلك التكتلات الاقتصادية الإفريقية لأسباب بعضها داخلي والآخر نتيجة التأثير الخارجي للقوى الاقتصادية العظمى وسيطرتها على معظم موارد القارة الإفريقية بطرق مشروعة وغير مشروعة.
تحولت منظمة الوحدة الإفريقية إلى كيان إقليمي هو الاتحاد الإفريقي عام 2002م، وعمل الاتحاد منذ نشأته على التغلب على تلك المشكلات الإفريقية وخروج إفريقيا من التبعية الاقتصادية للخارج عن طريق تكامل الدول الإفريقية، فاعتمد عام 2013م، خطة تطوير وتنمية للخمسين عاماً القادمة أطلق عليها أجندة 2063م، تمثل استراتيجية إفريقية للبناء الذاتي، بهدف استغلال الموارد الطبيعية والذاتية في بناء إفريقيا الجديدة المزدهرة، وترسيخ الديمقراطية ونشر العدالة الاجتماعية من خلال تعزيز الحوكمة، وفرض سيادة القانون، وتعزيز قيم السلم والأمن في قارة عانت طويلاً الصراعاتِ والحروبَ الأهلية، إيماناً بأن إنقاذ إفريقيا من الفقر لن يتم إلا عن طريق تعزيز استغلال مواردها الطبيعية والتكامل كأساس للتنمية الاقتصادية تحقيقاً للمقولة "اتحاد الضعفاء قوة، وتكامل الفقراء غنى".
استطاع الاتحاد الإفريقي بعد عمل بدأ مع تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963م، وعلى مدار أكثر من 55 عاماً من تحقيق اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية AfCFTA)) والتي تأسست عام 2018م، ووافقت عليها الدول الإفريقية إبان رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي عام 2019م، وتم إطلاق المرحلة التشغيلية لها في قمة الاتحاد الإفريقي بالنيجر في يوليو 2019م، وتأجل تنفيذها عام 2020م، بسبب جائحة كورونا إلى أن دخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير2021م، بخفض أو إلغاء التعريفات الجمركية على 90% من البضائع، كما أنها تمهد الطريق لاتحاد جمركي على مستوى القارة الإفريقية. كما وقعت الدول الإفريقية كافة، باستثناء إريتريا، على اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية، وصادقت عليها 34 دولة، وطبقًا لتوقعات البنك الدولي فإنها سوف تنتشل عشرات الملايين من الأفارقة من الفقر بحلول 2035م.
تفتقر معظم الدول الإفريقية إلى الإجراءات المتعلقة بالجمارك والبنية الأساسية الضرورية لتيسير التجارة من دون رسوم جمركية بينها، مما يضعف من كفاءة تطبيق هذه الاتفاقية، وكذلك البنية التحتية المتمثلة في توفر الطاقة الكهربائية وشبكة طرق دولية جيدة ووسائل نقل سريعة وآمنة وتخزين جيد ونظم تسويق متطورة وشبكة اتصالات قوية، مما يؤدى إلى إعاقة التنفيذ الكامل لهذا البروتوكول من أجل تلبية حاجات القارة التنموية.
سد النهضة الإثيوبي:
سد النهضة أو سد الألفية الإثيوبي الكبير هو سد إثيوبي قيد البناء يقع على النيل الأزرق بولاية بني شنقول-جوميز بالقرب من الحدود السودانية، وسد بوردر هو الاسم الأصلي الذي جاءت به دراسة مكتب الاستصلاح الأمريكي التي أجريت على حوض النيل الأزرق (أبيي)، واستمرت 6 سنوات (1958-1964م)، وانتهت بتحديد 33 موقعاً لإنشاء السدود أهمها أربعة على النيل الأزرق الرئيسي هي: كارادوبي، مابيل، ماندايا، وسد الحدود (شكل 1).
أعلنت إثيوبيا عن عزمها بناء سد النهضة في فبراير 2011م، عقب ثورة 25 يناير وبعد تنحى الرئيس الراحل حسنى مبارك مباشرة فبراير 2011م، وطبقًا للمواصفات الأمريكية فإن ارتفاع السد الحدودي حوالي 84,5 متر، وسعة التخزين 11,1 مليار متر مكعب، عند مستوي 575 متر للبحيرة فوق سطح البحر، إلا أن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل مليس زيناوى كانت له طموحاته بأن يكون مثل الرئيس جمال عبد الناصر الذى خلد اسمه مقروناً بالسد العالي، ومساندته للدول الإفريقية، فطلب تعديل مواصفات السد التي تغيرت عدة مرات خلال 45 يومًا وفى كل مرة يأخذ اسمًا جديداً، فبدأ في فبراير بسد الحدود (11 مليار متر مكعب)، وبعد أسبوعين تغير الاسم إلى مشروع س X-Project (64 مليار متر مكعب) ثم سد الألفية الإثيوبي العظيم (74 مليار متر مكعب)، وتم وضع حجر الأساس في 2 أبريل 2011م، ثم تغير الاسم بعد أقل من أسبوعين إلى سد النهضة الإثيوبي العظيم (شكل 2).
شكل (1) المشروعات المائية فى إثيوبيا القائمة والمستقبلية.
شكل (2) نموذج يوضح مكونات سد النهضة من السد الرئيسي والسد المكمل وبوابات التصريف العلوية.
يتكون سد النهضة من سد رئيسي خرساني على مجرى النيل الأزرق بارتفاع 145 متر وطول 1800م، وبيتين لتوليد الطاقة يحتويان على 13 وحدة (توربينات) لإنتاج الكهرباء على جانبي النهر، وثلاث قنوات عليا لتصريف المياه والتحكم في منسوب بحيرة التخزين، وسد مكمل (سرج) بارتفاع 50 متر وطول 5 كيلو مترات لزيادة حجم تخزين المياه إلى 74 مليار متر مكعب (شكل 2).
أثارت مواصفات سد النهضة الجديدة (7 أضعاف سعة الدراسة الأصلية) مخاوف مصر فذهب وفد من الدبلوماسية الشعبية لزيارة إثيوبيا نهاية أبريل 2011م، وطلب الوفد تشكيل لجنة من خبراء المياه والري في مصر وإثيوبيا حتى يطمئن الشعب المصري بعدم خطورة السد، ومن هنا بدأت جولات مفاوضات سد النهضة:
- الجولة الأولى بدأت بزيارة د. عصام شرف رئيس وزراء مصر الأسبق إلى أديس أبابا في مايو 2011م، والاتفاق على تشكيل لجنة خبراء دولية لمراجعة الدراسات الإثيوبية وتقييم تأثير السد على كل من مصر والسودان، وانتهت بتقرير لجنة الخبراء الدولية في مايو 2013م، الذي أظهر ضعف الدراسات الإثيوبية.
- الجولة الثانية بدأت في سبتمبر 2013م، بعد ثورة 30 يونيو لتنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية وانتهت في يناير 2014م، بفشل المفاوضات لرفض إثيوبيا وجود خبراء دوليين في اللجنة الفنية.
- الجولة الثالثة بدأت في أغسطس 2014م، بعد أن التقى الرئيس السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي هايلي مريام ديسالين على هامش القمة الإفريقية في ملابو "غينيا الاستوائية يونيو 2014م، والاتفاق على عودة المفاوضات، وانتهت في نوفمبر 2017م، بعد رفض إثيوبيا والسودان التقرير الاستهلالي للشركة الفرنسية، وتعد هذه أطول جولة.
- الجولة الرابعة بدأت في أبريل 2018م، بتدخل وزراء الخارجية ورؤساء المخابرات بعد فشل وزراء المياه و الري في المفاوضات، وانتهت في أكتوبر 2019م، بالخرطوم بالفشل أيضاً ورفض إثيوبيا وجود وسيط.
- الجولة الخامسة بدأت في نوفمبر 2019م، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية للمفاوضات وانتهت بانسحاب إثيوبيا وعدم حضورها في اليوم الأخير 28 فبراير 2020م، لتوقيع الاتفاق النهائي الذي صاغته أمريكا بالاستعانة بخبراء البنك الدولي، ووقعت عليه مصر بالأحرف الأولى ورفض السودان التوقيع، بدعوى أن توقيعها في غياب إثيوبيا قد يضر القضية، وتعللت إثيوبيا بأنها تريد وقتاً للتشاور وكأن 9 سنوات قبلها كانت غير كافية للتشاور والدراسة.
- الجولة السادسة بدأت بعقد قمة مصغرة برعاية الاتحاد الإفريقي في 26 يونيو 2020م، والتي تم تحديدها سريعاً لكي تعقد قبل جلسة مجلس الأمن المخصصة لمناقشة قضية سد النهضة والمحدد لها 29 يونيو 2020م، للالتفاف الإثيوبي المشترك مع جنوب إفريقيا رئيس الاتحاد الإفريقي لنفس العام لسحب ملف سد النهضة من مجلس الأمن إلى الاتحاد الإفريقي، وفشل الاتحاد الإفريقي في الوصول إلى اتفاق لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة حتى نهاية فترة رئاسة جنوب إفريقيا للاتحاد الإفريقي في أوائل فبراير 2021م.
- الجولة السابعة بدعوة من رئيس الكونغو الديمقراطية فليكس تشيسكيدى لوزراء الخارجية والمياه والري لاجتماع بخصوص سد النهضة السبت 3 أبريل 2021م، بكينشاسا، وبعد اجتماعات على مدار ثلاثة أيام امتدت يوماً رابعاً فشل الاتحاد الإفريقي في الوصول إلى اتفاق أو إصدار بيان مشترك.
أضرار التخزين الثاني لسد النهضة:
تتوالى التصريحات الإثيوبية بأن التخزين الثاني لن يضر دول المصب، وهو تكرار لتصريحاتهم بعد التخزين الأول لحوالي 5 مليارات متر مكعب في صيف 2020م، وشاهدنا ماذا حدث في السودان من انخفاض مستوى النيل الأزرق وخروج العديد من محطات مياه الشرب عن الخدمة، وبالنسبة لمصر فإن 18,5 مليار متر مكعب كانت كفيلة لزراعة 3 مليون فدان أرز بقيمة تصديرية حوالي 10 مليارات دولار. وتتنوع أضرار التخزين الثاني بين مائية وسياسية وقانونية وبيئية في الآتي:
- فرض سياسة الأمر الواقع والهيمنة الإثيوبية على أنهار دولية، وحريتها في تحديد كميات التخزين والتشغيل السنوات القادمة.
- تكرار سياسة بناء سد النهضة على المشروعات المائية المستقبلية في إثيوبيا.
- محاولة بعض دول المنابع الأخرى لاتباع نفس النهج الإثيوبي عند إقامة مشروعات مائية على روافد نهر النيل.
- خسارة مائية تعادل الكمية المخزنة (18,5 مليار متر مكعب) ونقص هذه الكمية من الخزانات السودانية والسد العالي.
- نقص في إنتاج كهرباء السد العالي نتيجة انخفاض منسوب بحيرة ناصر.
- فقد حوالي 10% من المياه المخزنة على الأقل كبخر وتسريب تحت سطح الأرض.
- تأثر الزراعة في مصر بتحديد مساحات الأرز وقصب السكر والموز.
- يشكل وزن سدي النهضة الرئيسي والسرج وزناً جديداً على المنطقة (150 مليون طن) بالإضافة إلى 18,5 مليار طن هي وزن إجمالي المياه التي تخزن هذا الصيف مما ينشط الفوالق والتشققات وإمكانية حدوث زلازل بالمنطقة.
- تحلل الأشجار وبعض الكائنات الحية مما يجعلها تؤثر عل نوعية مياه النيل الأزرق.
- تغير في التنوع البيولوجي في المنطقة.
- انخفاض درجة الحرارة وإنشاء مناخ محلى وتغير محتمل في أمطار المنطقة.
- غرق بعض المناطق التعدينية (ذهب – نحاس – يورانيوم – بلاتين) وانتقال بعض العناصر الثقيلة المصاحبة إلى مياه النيل الأزرق.
- حجز كميات كبيرة من الطمي وحرمان الأراضي الزراعية منه في السودان مما يقلل من الإنتاجية الزراعية.
- تحول السودان نحو استخدام الأسمدة الزراعية لتعويض حجز الطمي مما يزيد من تكلفة الإنتاج الزراعي والتحول من الزراعة العضوية إلى الكيميائية.
- ارتفاع منسوب المياه الجوفية في الأراضي السودانية على النيل الأزرق وأرض الجزيرة.
- ارتباك في تشغيل سدى الروصيرص وسنار لعدم تعاون إثيوبيا في التشاور في الملء والتشغيل.
- هجرة حوالي 30 ألف إثيوبي بعضهم نحو السودان نتيجة غرق أراضيهم وبيوتهم تحت بحيرة سد النهضة.
رغم كل ما سبق مازالت إثيوبيا تردد أن التخزين الثاني لن يضر مصر والسودان، وتؤكد أنه في صالحهما.
دور الاتحاد الإفريقي برئاسة جنوب إفريقيا في مشكلة سد النهضة:
ظل الاتحاد الإفريقي صامتًا طوال التسع سنوات الأولى في مشكلة سد النهضة رغم أن مكتبه يقع في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ولأمرة مرة دعا رئيس جنوب إفريقيا ورئيس الاتحاد الإفريقي لعام 2020م، رؤساء الدول الثلاث لعقد قمة مصغرة افتراضية يوم 26 يونيو 2020م، وخرجت بتوصيات طيبة منها عدم اتخاذ قرار أحادي، وعدم الإدلاء بتصريحات تضر بسير المفاوضات، وعمل اللجان الفنية على صياغة اتفاق خلال أسبوعين، إلا أن الجلسات مع اللجان الثلاثية والخبراء والقانونيين في وجود 11 مراقب دولي امتدت أكثر من ستة أشهر دون التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف للأسباب الآتية:
- عدم وجود إرادة سياسية لدى الطرف الإثيوبي للوصول إلى اتفاق ملزم.
- تعنت إثيوبيا في المفاوضات لخلق قضية خارجية نتيجة تردى الأوضاع الاقتصادية الداخلية وتصاعد الصراعات العرقية داخل إثيوبيا وغضب المعارضة من تأجيل الانتخابات العامة لمدة سنة بدعوى انتشار جائحة كورونا، وقتل المئات واعتقال زعماء المعارضة وعلى رأسهم جوهر محمد المنافس الأول لابيي أحمد في الانتخابات.
- عدم وجود آليات لحل قضية سد النهضة لدى الاتحاد الإفريقي مثل اللجان الفنية المتخصصة، ولو كانت متوفرة لاستغلتها مصر أثناء رئاستها للاتحاد الإفريقي عام 2019م.
- عدم امتلاك الاتحاد الإفريقي لآليات الضغط على أي من الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا.
- اختلاف الرؤى المصرية والسودانية طوال السنوات التسع السابقة، حيث أيدت السودان بناء سد النهضة رسمياً طوال هذه السنوات، ورفضت التقرير الاستهلالي للمكتب الفرنسي BRL المكلف بعمل دراسات سد النهضة بالتضامن مع إثيوبيا في نوفمبر 2017م، بالقاهرة، كما عارضت إصدار قرار جامعة الدول العربية بتأييد حق الأمن المائي لمصر والسودان في 4 مارس 2020م، ورفض توقيع اتفاق واشنطن تضامناً مع الغياب الإثيوبي في 28 فبراير 2020م.
- عدم إشراك وزراء الخارجية في المفاوضات وقصرها على وزراء المياه والري مع اللجان الفنية.
- عدم فاعلية دور المراقبين الدوليين بناءً على طلب إثيوبيا بعدم تدخلهم أو التحدث إلا إذا طلب منهم.
- عدم البناء على ما انتهت إليه مفاوضات واشنطن، وفتح إثيوبيا لنقاط جديدة لا تتعلق بسد النهضة مثل عدم اعترافها بالاتفاقيات السابقة وعلى رأسها اتفاق 1959م، بين مصر والسودان، والاتفاقيات المصرية الإثيوبية بدعوى أنها تمت في عصور الاستعمار، ومطالبة إثيوبيا بالحصول على حصة من مياه النيل التي حجزها السد العالي بعد أن كانت تصب في البحر المتوسط وتتقاسمها مصر والسودان.
دور الاتحاد الإفريقي برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية في مشكلة سد النهضة:
استمرت إثيوبيا في إطلاق تصريحاتها بأن التخزين الثاني سوف يتم في موعده باتفاق أو دون اتفاق، وقُبل ذلك بالرفض الشديد من القاهرة والخرطوم، وأعلن الرئيس المصري في 30 مارس 2021م، في تصريحات كانت الأقوى بأن مصر لن تفرط في قطرة مياه واحدة ومحذراً بأن المساس بالمياه خط أحمر.
بدأت جمهورية الكونغو الديمقراطية رئاسة الاتحاد الإفريقي بعد الأسبوع الأول من فبراير 2021م، ودعت وزراء الخارجية والمياه إلى عقد أولى جلسات سد النهضة في عهدها من 4-6 إبريل بكينشاسا، وكانت المرة الأولى للقاء حضوري منذ انتشار جائحة كورونا، وتركزت على منهجية التفاوض بمناقشة الاقتراح السوداني بتشكيل لجنة رباعية دولية مكونة من الاتحاد الإفريقي والأوروبي والأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية كوسيط في المفاوضات حيث أن المراقبين لم يكن لهم دور فعال في الجلسات السابقة، ورفضت إثيوبيا أي وسيط وانتهت الجلسات بعد يوم إضافي دون الاتفاق حتى على منهجية المفاوضات نفسها.
قام رئيس الكونغو الديمقراطية بزيارة كل من مصر والسودان وإثيوبيا في الأسبوع الثاني من مايو حاملاً معه مبادرة جديدة لم يفصح عنها رسمياً، إلا أن بعض الأنباء أشارت إلى أنها تدعو لمفاوضات تركز على التخزين الثاني، وهو ما دعت إليه الخارجية الإثيوبية من قبل، وتأجيل باقي الموضوعات الفنية. وأعلنت مصر والسودان رفضهما للحل الجزئي مطالبين بالوصول إلى اتفاق شامل وملزم قبل التخزين الثاني في يوليو 2021م. ومن المتوقع دعوة الاتحاد الإفريقي لعودة المفاوضات في وجود اللجنة الدولية بدور وسط بين وجهتي النظر لمصر والسودان من ناحية بأن تكون وسيطًا، وإثيوبيا من ناحية أخرى بأن تكون مراقبًا، وهو أن تكون لجنة مسهلة أو استشارية للمفاوضات وأن يكون لها حق إبداء الرأي.
مستقبل الاتحاد الإفريقي:
تدخل الاتحاد الإفريقي في قضية سد النهضة منذ عام تقريباً، وقد طلب مندوب جمهورية جنوب إفريقيا في جلسة مجلس الأمن 29 يونيو 2020 بأن يتولى الاتحاد الإفريقي حل مشكلة سد النهضة بوصفه منظمة إقليمية، وكذلك إثيوبيا، وقد أشاد معظم أعضاء مجلس الأمن بالخطوة التي اتخذها الاتحاد الإفريقي في القمة المصغرة بخصوص سد النهضة 26 يونيو 2020م، ونتائجها، ودعوا إلى استمرار جلسات التفاوض بحسن نية والبناء على نتائج القمة المصغرة.
يعد موضوع سد النهضة اختبار قوى لقدرة الاتحاد الإفريقي على حل مشاكل القارة الإفريقية المتعددة مثل عدم استقرار ليبيا، ومشاكل الصومال وباكو حرام في نيجيريا والصحراء الغربية مع المغرب، والصومال، وجمهورية وسط إفريقيا، وتشاد، وجنوب السودان، وغيرها. الاتحاد الإفريقي يحتاج إلى دعم الدول الإفريقية والدول الكبرى لتقويته اقتصادياً وعسكرياً واستقلاله عن الضغوط والنفوذ الخارجية حتى يستطيع التدخل بقوة وفرض حلوله على جميع الدول الإفريقية، وكذلك قيادته للمشروعات الاقتصادية الكبرى ونجاح اتفاقية منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية.
التكامل الإفريقي لتعظيم مردود الموارد الطبيعية:
يأتي التكامل التجاري بين الدول الإفريقية في مقدمة أعمال الاتحاد الإفريقي من خلال تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة للدول الإفريقية، والعمل على التغلب على معوقات التنفيذ وفى مقدمتها ضعف البنية التحتية من طاقة وطرق، ومن خلال الخفض التدريجي للرسوم الجمركية على السلع المصنعة، والخامات الزراعية والمعدنية الزراعية والخدمات.
مساندة الدول الإفريقية الكبرى للاتحاد الإفريقي والانتقال تدريجياً من شراكتها الأوروبية إلى الإفريقية، فقد كان الاتحاد الأوروبي شريكاً متميزاً لعدة دول إفريقية، حيث تم في سبعينيات القرن الماضي توقيع اتفاقيات للتعاون والشراكة مع مصر والجزائر والمغرب وتونس، بموجبها تنفذ السلع الصناعية الأوروبية إلى الأسواق الإفريقية، وتصل المنتجات الزراعية الإفريقية إلى الاتحاد الأوروبي.
التعاون العربي الإفريقي في تطوير البنية التحتية من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية، خاصة إنشاء الطرق والجسور وبناء محطات توليد الكهرباء من المصادر المتجددة، وهذا يشكل استثمار جيد للشركات العربية في إفريقيا. تستطيع القارة الإفريقية إنتاج كهرباء أكثر من 200 ألف ميجاوات من الطاقة المائية فقط من خلال الأنهار الإفريقية الكبرى مثل الكونغو والتي تكفي قارة إفريقيا بالكامل، وهي الآن تنتج أقل من 15% من إمكاناتها، وتستطيع الدول العربية الحصول على احتياجاتها الكهربائية من الطاقة المائية الإفريقية وتوفير النفط لاستغلاله في إنتاج مشتقات بترولية لا يمكن الحصول عليها من أي مصدر آخر. ومثلها من الطاقة الشمسية عن طريق إنشاء مصانع إنتاج المعدات اللازمة بدلاً من استيرادها من أوروبا أو الصين.
تستطيع القارة الإفريقية أيضاً توفير الغذاء اللازم لها ولجميع الدول العربية من خلال استغلال المساحات الزراعية الهائلة غير المستخدمة، حيث تمتلك إفريقيا 60% من الأراضي غير المزروعة في العالم، وحتى الآن لم يستغل منها إلا 6% فقط، وتطوير الزراعة المطرية التي تشكل حوالى 97% من الزراعة في إفريقيا من حيث نوعية المحاصيل الملائمة وزيادة الإنتاجية، ودعمها باستنباط سلالات جديدة ملائمة للبيئة ومقاومة للتقلبات المناخية وغير مستهلة للمياه، وتحسين طرق تخزين المنتجات الزراعية، وتطوير الصناعات الزراعية ومن ثم تصديرها مصنعة بدلاً من المواد الخام. وهذا التصنيع يزيد من القيمة المضافة للموارد.
إن بناء إفريقيا الجديدة يتطلب التغلب على معوقات التنمية عن طريق التكاتف والتعاون بين الدول الإفريقية وشركائها من الدول العربية والدول الكبرى لتحسين البنية التحتية بغية تحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة.