array(1) { [0]=> object(stdClass)#13020 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

تعزيز العلاقات الخليجية ـ الصينية يتطلب ثقة متبادلة وتحالف أمني وخطط تنمية

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

تحلل هذه الدراسة تاريخ تطور العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وجمهورية الصين الشعبية من خلال المحددات الثلاثة: التطورات في البيئة الدولية، والتغيرات في الجيوسياسية الإقليمية، والتحولات في الدبلوماسية الصينية. وتسعى من خلال هذه المحددات إلى تحليل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الجانبين من البعد الاقتصادي والسياسي، ومدى إمكانية تطوير هذه العلاقة إلى شراكة عسكرية أمنية تكنولوجية مثمرة في المستقبل.

 

أولاً: تاريخ تطور العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي إلى شراكة استراتيجية شاملة

 

خلال فترة الخمسينيات والستينيات، كانت السمة النموذجية للنظام الدولي المواجهة بين المعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي، والمواجهة الإقليمية بين معسكرين: الدول المحافظة بقيادة المملكة العربية السعودية، والجمهوريات الاشتراكية بقيادة مصر، ونظرت الصين إلى دول الخليج كحليف للمعسكر الرأسمالي، ونظرت دول الخليج إلى بكين كحليف للمعسكر الاشتراكي يدعم الجمهوريات الاشتراكية في العالم العربي ضد النظم المحافظة. وبعد تدهور علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي، نظرت الصين إلى الخليج ودول العالم العربي كمسرح ضد الاتحاد السوفيتي والامبريالية الغربية. فدعمت من هذا المنظور الأيديولوجي حركة التحرير في عمان لإضعاف نفوذ الغرب والأنظمة التي تدعمها وتقويض نفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة.

وفي السبعينيات، تبنت الصين سياسة الانفتاح على الغرب وقبول السياسة الأمريكية في منطقة الخليج لمواجهة التهديدات السوفيتية بالقرب من الحدود الصينية، وتوقفت عن دعم حركة التحرير في عمان. وفي الثمانينيات، مع مواصلة التناقضات بين واشنطن وبكين، وتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربي، واعتماد دول المجلس على الشراكة مع القوى الخارجية كمظلة أمنية بعد الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية العراقية، وهدوء التوترات مع الاتحاد السوفيتي، وتطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أدركت بكين أهمية التوزان بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، وبدأت التركيز على الشأن الداخلي وتبني سياسة خارجية براغماتية محايدة ومستقلة تقوم على تعزيز العلاقات الاقتصادية بشأن القضايا الإقليمية مثل الثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية لمنع توسع نفوذ الاتحاد السوفيتي، والحفاظ على استقرار الخليج ودعمت جهود الوساطة للأمين العام للأمم المتحدة على الرغم من أنها استفادت اقتصاديًا خلال الحرب من خلال التجارة العسكرية لإيران والعراق.

وفي بداية التسعينيات، تدهورت العلاقات بين بكين والغرب بعد الاضطرابات السياسية بساحة "تيانامن" عام ١٩٨٩م، وفُرض عزلة دولية عليها، ومع التغييرات الجذرية في أوروبا الشرقية، وإعادة توحيد ألمانيا وتفكك الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١م، وانتهاء الصراع الهيكلي بين المعسكرين الأيديولوجيين الرئيسيين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وإرساء الهيمنة الأحادية الأمريكية، وأزمة وحرب الخليج، وترسيخ الولايات المتحدة هيمنتها في الشرق الأوسط، استغلت الصين هذه التغيرات الإقليمية والدولية لتحسين علاقاتها مع الغرب وضمان إمدادات الطاقة في المنطقة التي تلبي احتياجاتها من الطاقة بعد أن أصبحت مستوردًا للمنتجات البترولية عام ١٩٩٣م، وللنفط الخام عام ١٩٩٦م. فعارضت الصين غزو العراق للكويت في إطار الأمم المتحدة، ورفضت التدخل العسكري للقوى الكبرى في شؤون دول المجلس، وصوتت لصالح جميع قرارات مجلس الأمن التي تدين وتفرض عقوبات على العراق باستثناء الامتناع عن قرار استخدام الغرب القوة. وبعد الحرب، دعت العراق لتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن، وعارضت إنشاء منطقة حظر طيران من قبل أمريكا وبريطانيا ووقف ضرباتهم الجوية ضد العراق وإنهاء العقوبات.

وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد وقوع " هجمات الحادي عشر من سبتمبر " واندلاع الحرب على العراق، وزيادة الطلب على النفط وتسارع وتيرة الاقتصاد الصيني، تركزت سياسة الصين مع دول المجلس على تعميق التعاون في قطاع الطاقة، والتبادلات الرسمية رفيعة المستوى، مثل زيارة الرئيس الصيني جيانغ زيمين المملكة العربية السعودية عام ١٩٩٩م، وإعلان الجانبين إقامة "شراكة نفطية استراتيجية". في عام ٢٠٠١م، انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية وتأسس منتدى التعاون الصيني العربي عام ٢٠٠٤م. وفي ٢٠٠٤م، زار الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي ووزراء المالية الصين ووقعوا اتفاقية إطار التعاون في مجال الاستثمار والتكنولوجيا، وبدء مفاوضات إنشاء منطقة التجارة الحرة بين دول المجلس والصين، وإنشاء آلية الحوار الاستراتيجي عام ٢٠١٠م، وتوسيع الاستثمار في تطوير سوق النفط والغاز في دول مجلس التعاون، وتعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا البترول. ساهمت أيضًا هجمات الحادي عشر في تطوير التعاون السياسي بين الصين ودول المجلس بعد اقتراح إدارة بوش الابن "مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير"، وتدخل واشنطن في الشؤون الداخلية لبعض دول المجلس وإجبارها على إجراء إصلاحات ديمقراطية تحت ستار "الديمقراطية" و "حقوق الإنسان". مما مكن الجانبين من بناء توافق في الآراء بشأن الحفاظ على الأمن السياسي ومعارضة التدخل في الشؤون الداخلية. وعلى الصعيد الإقليمي، واصلت الصين تبني دبلوماسية براغماتية مستقلة خلال حرب العراق، فعارضت الحرب دون مواجهة أمريكا بشكل مباشر ولم تنضم للمعسكر المناهض للحرب من دول آسيا وأوروبا.

ومع تراخي إدارة أوباما في التعامل مع خطر التمدد الإيراني، وتوقيع الاتفاق النووي الإيراني، وعودة الاضطرابات في العراق، واندلاع الانتفاضات العربية، والانكماش الاستراتيجي التدريجي لأمريكا في المنطقة، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية، والأزمة اليمنية والسورية والليبية، وانطلاق مبادرة الحزام والطريق، وطريق الحرير البحري للقرن ٢١، والحزام الاقتصادي لطريق الحرير، أصبح هناك الكثير من الفرص الاستراتيجية لتنمية العلاقات بين الجانبين. وبالرغم من التناقضات بين الصين ودول المجلس على الملف السوري والليبي، إلا أن العلاقات بين الجانبين تحسنت بشكل كبير وارتقت إلى شراكة استراتيجية شاملة، فأقامت الصين شراكة استراتيجية شاملة مع السعودية والإمارات، وشراكة استراتيجية مع الكويت وعمان وقطر والبحرين. وتتجلى الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الصين ودول المجلس بشكل أساسي في تعزيز التبادلات الرسمية رفيعة المستوى، والتعاون الشامل الذي يتضمن مجال السياسية والطاقة والبنية التحتية والفضاء والاستخدام السلمي للطاقة النووية والطاقة الجديدة، والصحة والتعليم والسياحة والبحث العلمي، ونقل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وحماية البيئة والأمن الغذائي والقطاع المالي والاتصالات وغيرها.

 

التعاون السياسي للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ودول مجلس التعاون

بعد انطلاق مبادرة الحزام والطريق، أصبح بناء شبكة شراكة استراتيجية عالمية جزءًا مهمًا من دبلوماسية الصين ذات الخصائص الاشتراكية الصينية لخدمة مصالحها الوطنية وحماية مصالحها التجارية بالخارج. وتلخص هذه الشراكة تاريخ طويل من الممارسة العملية والنظرية للسياسة الخارجية الصينية. وتعتمد على أربعة مؤشرات: القوة الاقتصادية، والنفوذ الإقليمي، والاستقرار الداخلي، ودرجة التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدولة أو المنطقة المستهدفة.

 تعمل الشراكة الاستراتيجية والشاملة مع دول مجلس التعاون على تعميق التعاون في مجال السياسية من خلال تعزيز المصالح الجوهرية للصين (السيادة والأمن والتنمية)، وتعزيز الزيارات الرسمية رفيعة المستوى والمشاورات بين قيادات الصين ودول المجلس على جميع المستويات. تدعم دول مجلس التعاون موقف الصين بشأن تايوان وشينجيانغ وبحر الصين الجنوبي، والتعددية القطبية وسياسة الصين بشأن التبادلات الدينية. فعلى سبيل المثال، تحترم السعودية شروط السياحة الدينية مع بكين، فالحكومة الصينية تولي منذ فترة طويلة سياسة مشددة على الأمن الأيديولوجي وتجمع بين الحج والأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي والوحدة العرقية. تلتزم الصين أيضًا بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس وتدعم سياستها في مكافحة الإرهاب.

 

التعاون الاقتصادي الشامل للشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية ـ الخليجية

 

في عام ٢٠٢٠م، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لدول المجلس، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين دول المجلس والصين على التوالي، السعودية ٣٣١.١ مليار دولار، والإمارات ٢١٨.٤ مليار دولار، الكويت ١٢٧.٧، وعمان ٩١.٥ مليار دولار، وقطر ٤٦.٧ مليار دولار والبحرين ١٨.٩ مليار دولار. كانت السعودية هي الشريك الأكبر للصين في المنطقة، والإمارات الشريك الأكبر التجاري غير النفطي للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا، وتصدرت السعودية والإمارات على التوالي أعلى نسبة من حجم الاستمارات الصينية ٣٩.٩، ٣٤.٧ مليار دولار. يعتبر قطاع الطاقة الركيزة الأساسية للتعاون، حيث تستورد الصين أكثر من ٣٠٪ من النفط الخام و١٠٪ من الغاز الطبيعي من دول المجلس، ويتم تصدير ما يقرب من ٢٥٪ من المنتجات الكيماوية والبتروكيماوية التي تنتجها دول مجلس التعاون الخليجي إلى الصين. توفر هذه الشراكة فرص استراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي بعد انخفاض اعتماد الدول الغربية والولايات المتحدة على الطاقة وتزايد الطلب الآسيوي وإطلاق دبلوماسية "التوجه شرقًا" بالتزامن مع استراتيجية الولايات المتحدة “الانعطاف نحو آسيا “والانكماش الاستراتيجي التدريجي في المنطقة.

كما تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنوع في اقتصاداتها خوفًا من عدم استدامة " الاقتصاد الهيدروكربون"، من خلال التركيز على الاستثمار في البنى الأساسية وتسهيل التجارة والاتجاه إلى الاستثمار في القطاعات الجديدة مثل الطاقة النظيفة. وتستهدف استراتيجية الرؤية المستقبلية للتنمية لجميع دول المجلس مصادر الطاقة النظيفة لضمان التنمية المستدامة والاستقرار الاجتماعي والإقليمي، والصين هي أكبر سوق في العالم لكل من الخلايا الكهروضوئية والطاقة الحرارية الشمسية منذ عام ٢٠١٥م، كما أنها تسعى جاهدة لمتابعة الثورة الخضراء، ووقف ارتفاع انبعاثات الكربون بحلول عام ٢٠٣٠م، وتحقيق نسبة الصفر بحلول عام ٢٠٦٠م، تعد الثورة الصناعية الرابعة أيضًا دافع هام لتعزيز الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الجانبين، فكل ثورة صناعية ينتج عنها مجموعة من الصناعات الجديدة تؤدي إلى تعديل هيكل القوة الدولية وإعادة تنظيم العلاقات بين القوى الكبرى.

تقوم أيضًا الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين دول المجلس والصين على تسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي، وخاصة في مجالات إنترنت الأشياء، وتقنية الجيل الخامس، والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والزراعة الحديثة والفضاء والاقتصاد الرقمي وغيرها. على سبيل المثال، تحتل الإمارات المركز الأول على مستوى المنطقة العربية في مؤشر الابتكار العالمي لعام ٢٠٢٠م، والسعودية المركز الثالث ويليها قطر ثم الكويت والبحرين وعمان. وعلى المستوى العالمي، احتلت الإمارات المركز ٣٤، والسعودية٦٦، وقطر ٧٠، الكويت ٧٨ والبحرين ٧٩ وعمان ٨٤، بينما احتلت الصين المركز ١٤ عالميًا.

تتركز الشراكة الاستراتيجية الشاملة للصين على تعزز نفوذها الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي من خلال الاستثمار في البنية التحتية والموانئ والمناطق التجارية الحرة والاقتصادية الخاصة وإنشاء مناطق صناعية في المناطق ذات الأهمية الجغرافية والاقتصادية لحماية مصالحها الاقتصادية والأمنية (أمن الطاقة وتجارتها الخارجية) والتي ترتبط بالمصالح الوطنية الأساسية. تتمتع دول المجلس بهذه الإمكانيات الجغرافية التي تتمثل في قربها من الخليج العربي، وقوة اقتصادية عربيًا وعالميًا ونفوذ إقليمية في تغيير اللعبة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط. على سبيل المثال، تستثمر الصين في ميناء الدقم بعمان والذي يتميز بموقع استراتيجي بين بحر العرب والمحيط الهندي، وإنشاء مدينة صناعية في قلب صحراء عمان كأول مدينة صناعية لوجستية في مبادرة الحزام والطريق، وتحويل منطقة الدقم إلى مركز صناعي يساعد التجارة الصينية للوصول لشرق إفريقيا وشبه القارة الهندية ومنطقة الخليج، ومدينة جازان في السعودية للصناعات الأساسية والتحويلية كأول مدينة للتعاون الصيني السعودي في إطار الحزام والطريق، والاستثمار الصيني في مشروع الجزر الخمس بالكويت وخاصة جزيرة بوبيان ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي المهم والمحاذي لإيران وبوابة للعراق. ومن ناحية أخرى، تعزيز استراتيجية " خروج الشركات المملوكة للدولة" للاستثمار في البنية التحتية والطاقة النظيفة كنوع من تعزيز القوة الناعمة للصين وتوسيع نفوذها العالمي. لذلك، مبادرة "الحزام والطريق" مع دول مجلس التعاون الخليجي تشمل أيضًا "طريق الحرير الرقمي" المستخدم للمعاملات عبر الإنترنت و "طريق الحرير في القطب الشمالي" الذي يغطي طرق الملاحة البحرية المتزايدة باستمرار عبر القطب الشمالي، وتعزيز الميزة الاستراتيجية للصين باعتبارها جزءًا مهمًا في سلسلة التوريد وفي سلسلة الصناعة العالمية، وقدرة التصدير الفائضة لتعويض العجز الهائل في البنية التحتية للنقل العالمي.

كما توفر منصة عالمية من خلال التمويل الإسلامي لتسريع تدويل الرنمينبي لتجنب الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي الذي غالبًا ما يستخدم كسلاح لفرض عقوبات طويلة المدى. على سبيل المثال، أطلقت الصين عملة رقمية سيادية ومشروع مشترك أنشأه بنك الشعب الصيني والبنك المركزي الصيني وشبكة سويفت SWIFT المسؤولة عن أغلب التحويلات المالية حول العالم الذي سيؤدي إلى تسريع عملية تدويل الرنمينبي، وهذا يتطلب من دول المجلس تعديل السياسات المالية مع الصين للاستفادة من صعودها في الأسواق المالية في السنوات القادمة.

 

مستقبل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ودول المجلس

يعتمد مستقبل هذه الشراكة على التحولات في العلاقات الأمريكية ــ الصينية، والعلاقات بين دول المجلس وإيران والصين. فمنذ القرن الحادي والعشرين، تعتمد السياسة الخارجية لدول المجلس على "الانقسام" الجيوسياسي والجيو-اقتصادي، أي الاعتماد على الغرب كمظلة للأمن والشرق كمسار للتعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي.

تتجلى العلاقات بين دول المجلس وإيران والصين في التهديد الإيراني للأمن القومي لدول المجلس ولا سيما الإمارات والسعودية، والهيمنة على المنطقة بإضعاف نفوذ هذه الدول بسياستها الأيديولوجية وتوسعتها العسكرية. تحاول دول المجلس استخدام شراكتها الاستراتيجية الشاملة المتنامية مع الصين للتأثير على سياسة الصين تجاه إيران للضغط عليها للحد من سياسات التدخل في شؤونها الداخلية وتوسعتها العسكرية في العراق واليمن والبحرين ولبنان وسوريا، إلا أن الصين تحاول الحفاظ على التوزان بين الاثنين وفقًا للدبلوماسية البراغماتية المستقلة دون الضغط على إيران. فإيران أيضًا شريك استراتيجي موثوق وصراع الهيمنة على الهضبة الإيرانية له أهمية كبيرة وبعيدة المدى لأمن المنطقة الغربية للصين. كما أن دول المجلس تعتمد على مؤشرات قياس الشراكة الاستراتيجية التي تستجيب لصالحها من حيث القوة الاقتصادية والنفوذ الإقليمي والاستقرار الداخلي (دون تدخلات وكلاء إيران) ودرجة التعاون الاقتصادي والسياسي مع الصين. وتنظر إلى بكين كشريك استراتيجي موثوق، ويعزى ذلك إلى الاستقرار السياسي للصين ولا سيما بعد الاضطرابات السياسية الداخلية الأخيرة في الولايات المتحدة والتحولات في السياسات الأمريكية اتجاه المنطقة منذ عهد إدارة الرئيس باراك أوباما. كما تزعم بكين بأن دبلوماسية الشراكة الاستراتيجية تقوم على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتدعمها دول المجلس في مواجهة التدخلات الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بقضايا شنجيانغ والتبت والبحر الجنوبي وهونج كونج وتايوان وغيرها. على سبيل المثال، دعمت دول المجلس بشكل إيجابي الصين في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة بشأن " مصدر وباء التاج الجديد" التي تزعم بأن مختبر وهان هو المنبع، وشاركت في التجارب السريرية للقاح الصيني سينوفارم. وأيضًا تساهم في تعزيز القوة الناعمة للصين من خلال إدراج اللغة الصينية كلغة ثالثة بعد العربية والانجليزية وإنشاء مدارس وفصول تدريبية ومعاهد وأقسام بالجامعات المرموقة لتعزيز اللغة الصينية في العالم العربي، والترويج لمبادرة "الحزام والطريق" من خلال استثمارات الصين في قطاع الطاقة النظيفة والمدن الصناعية الصينية في دول المجلس. ولذلك، ينبغي على الصين تبني نهج الانخراط والوساطة المؤثرة والإيجابية الذي قد يساهم في تخفيف التوترات بين الجانبين والاستقرار الإقليمي. كما أن هذا الانخراط يعزز النفوذ والمصالح الأساسية للصين في منطقة الشرق الأوسط وهويتها في المجتمع الدولي كقوة كبرى مسؤولة والترويج لنموذجها التنموي الذي يدعو إلى التعددية ونظام عالمي جديد.

كما يتطلب من دول المجلس تبني سياسات تساهم في الاستفادة المثمرة من التعاون مع بكين في مجال تكنولوجيا الفضاء والطاقة النظيفة والتنوع الاقتصادي غير النفطي، مثل تعزيز التبادلات بين مؤسسات البحث العلمي، ودراسة السوق الصيني لمساعدة كبار المستثمرين لدول المجلس على الانفتاح والاستفادة من هذا السوق الكبير، وهذا يتطلب تعزيز آليات العمل المؤسسي لقنصليات وسفارات دول المجلس لدى الصين. والاستفادة من النفوذ الإقليمي للصين للتنوع الاقتصادي مع الدول الآسيوية الناشئة، وإنشاء مراكز للشؤون الصينية بدول المجلس لتعزيز فهم السياسة الصينية لدى صناع القرار، وتعزيز القوة الناعمة لدول المجلس من خلال التبادلات الثقافية والأكاديمية مع جامعات ومعاهد الشرق الأوسط بالصين، والاستفادة من إيلاء صناع القرار في الصين أهمية كبيرة على تعزيز قوة الخطاب الدولي والاتصال الاستراتيجي لبكين، وبناء نظام دولي بمفاهيم جديدة والترويج للثقافة الصينية وإبراز القوة الوطنية الشاملة للصين.

 تُشكل العلاقات الأمريكيةــ الصينية الحالية أيضًا تهديدًا كبيرًا على الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول المجلس. حيث تقود شبكات الجيل الخامس الثورة الصناعية الرابعة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وتبني واشنطن استراتيجية "تقويض النفوذ التكنولوجية الصينية" في العالم من خلال شبكة تحالفاتها الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية. على سبيل المثال، في١٠ يونيو ٢٠٢١م، طالبت إدارة بايدن من الإمارات إزالة معدات شبكة هواوي الصينية من شبكة الاتصالات الخاصة بها في غضون السنوات الأربع المقبلة مقابل الحصول على صفقة الطائرات المقاتلة F-35. وأعرب قادة الإمارات بأن أمريكا لا تقدم بديلًا لهذا الشرط والصين هي الشريك التجاري الأكبر لدولة الإمارات العربية المتحدة، ويصل حجم تجارتها مع بكين أكثر من ضعف حجم تجارتها مع الولايات المتحدة.

كما أن هذا التصعيد ينعكس بشكل كبير على علاقة بكين مع طهران، والتي تطرح تساؤلات حول إمكانية التعاون بين واشنطن والصين لتحقيق توازن أكثر استقرارًا للقوى الإقليمية في المنطقة. بالرغم من عدم وجود ملامح واضحة حتى الآن لاستراتيجية بايدن مع دول مجلس التعاون، إلا أنها تساهم في تعزيز التطبيع مع إسرائيل، والمصالحة الخليجية والعودة إلى المفاوضات النووية مع إيران ولكن بشكل غير مباشر مع مواصلة العقوبات لاحتواء سياستها الإقليمية. وبالنسبة لدول المجلس، فهي تخشى من أن تكون جزءًا من التحالف الأمريكي المناهض للصين الذي يؤدي إلى عواقب اقتصادية على دول المجلس وتهديد استقرارها الداخلي والأمن الإقليمي. كما أن هذا التحالف غير مقيد باحترام السيادة أو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فهناك لهجات متصاعدة وإن كانت غير قوية من واشنطن فيما يخص قضايا حقوق الإنسان في دول مجلس التعاون. فالموقف المحايد لدول المجلس أو محاولة التوازن في هذا الصراع الجيو-استراتيجي يحتاج إلى تعزيز الثقة السياسية والأمنية بينها ونزع فتيل الخلافات والوصول إلى اتفاق سياسي في إطار المجلس لتجديد الثقة المتبادلة وبناء التحالف الأمني القوي لتعزيز القوة العسكرية لدول المجلس وتقليل الاعتماد على مظلة الأمن الأمريكية، وتنوع اقتصاداتها مع الدول الناشئة في شرق وجنوب شرق آسيا، وتنوع تحالفاتها خارج مظلة الأمن الأمريكية مثل الهند، وروسيا، وألمانيا، وفرنسا لمواجهة الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة، وتعزيز علاقاتها العسكرية مع مصر باعتبارها قوة عسكرية إقليمية في منطقة الشرق الأوسط. إن تبني هذا النهج قد يدفع الصين إلى تبني وساطة مؤثرة وإيجابية تضغط على إيران من خلالها لتعديل سياستها في المنطقة وتفتح مسار جديد لتعزيز العلاقات العسكرية والأمنية مع دول المجلس.

إن تعميق هذه الشراكة يعتمد أيضًا على كيفية نجاح الصين في مساعدة دول المجلس على التنوع الاقتصادي غير الهيدروكربوني وتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الداخلي، والعلاقات بين دول المجلس التي تتطلب بناء الثقة المتبادلة وتحالف أمني قوي وخطط تنموية تمكنها من نهج الموقف المحايد الذي يحافظ على مصالحها الحيوية والأساسية مع الصين وأمريكا، والاستفادة من علاقاتها العسكرية مع واشنطن التي لا ترغب في أن تحل بكين محلها في سوق الأسلحة الأكثر سرعة وجاذبية، ولا انزلاق الأمن الإقليمي إلى وضع يهدد مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، ناهيك أن هناك دول في المجلس تساهم من منظور أمريكي في استقرار منطقة الشرق الأوسط، وهي الإمارات التي تعمل على تعزيز "اتفاقية إبراهيم" لتطبيع العلاقات بين دول المجلس وإسرائيل.

مقالات لنفس الكاتب