array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

الاتحاد النقدي الخليجي أولوية التكامل ونقلة في آليات الاقتصاد المشترك

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

 يُشكل التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي أحد الأهداف الرئيسية للمجلس طبقاً لما جاء في النظام الأساسي لمجلس التعاون في عام 1983م، ومنذ هذا التاريخ شهد مجلس التعاون لدول الخليج العربية جملة من التطورات باتجاه تحقيق التكامل الاقتصادي دُشنت بإنشاء منطقة التجارة الحرة عام 1983م، وهي تمثل المرحلة الأولى من مراحل التكامل الاقتصادي، وبعد عشرين عاماً وتحديداً في بواكير عام 2003م، تم إنجاز المرحلة الثانية من مراحل التكامل الاقتصادي بتأسيس الاتحاد الجمركي الخليجي. ثم تحققت المرحلة الثالثة بإقامة السوق الخليجية المشتركة اعتباراً من مطلع عام 2008م، بعد أن اختمرت ونضجت فكرة المواطنة الاقتصادية الخليجية، وباتت تشكل حقيقة معاشة لمعظم مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، واعتمد المجلس الأعلى اتفاقية الاتحاد النقدي في ديسمبر 2008م، والتي دخلت حيز التنفيذ في فبراير 2010م، وبذلك اقترب مجلس التعاون لدول الخليج العربية من إنجاز المرحلة الرابعة من مراحل التكامل الاقتصادي المتمثلة بالوحدة النقدية.

    سنتناول في هذا المقال تقييم مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي من خلال بيان المشهد الرقمي لهذا التكامل من واقع مؤشرات التجارة البينية والاستثمار البيني، وكيف يتم التأسيس لهذا التكامل بناءً على المزايا النسبية لدول مجلس التعاون، وفي ضوء الخطط التنموية، وكيف يمكن الاستفادة من الرؤى الخليجية التي تمتد من 2020 إلى 2040م، مرورًا بـ 2030م، وما هي أولويات هذا التكامل وفي أي المجالات، وما هي الثمار المتوقعة.

أولاً-تقييم مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي

   سيتم تقييم مسار تحقق التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال التعرف على  حجم حركة الأشخاص والتبادل التجاري البيني السلعي والاستثمارات البينية الخليجية، ومسار مزاولة النشاط الاقتصادي والاستثماري والخدمي.

 

1) مسار التنقل والإقامة والعمل بالقطاعات الحكومية والأهلية:

    يتمتع مواطنو دول مجلس التعاون بالمساواة في المعاملة من حيث حق الإقامة والتنقل بين الدول الأعضاء، والذي يتم بالبطاقة الذكية الموحدة التي أصدرتها جميع الدول الأعضاء للتنقل ولتحقيق أهداف أخرى. ويُبين المشهد الإحصائي لحركة تنقل مواطني دول المجلس تضاعف أعداد المواطنين الذي تنقلوا بين الدول الأعضاء من (4.5) مليون مواطن في العام 1995م، إلى (27) مليون مواطن في العام 2019م، وبنسبة نمو قدرها )500%).

شكل (1) مواطنو دول المجلس الذين تنقلوا بين الدول الأعضاء (1995-2019) مليون شخص

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

     أما فيما يتعلق بمسار العمل في القطاعات الحكومية والأهلية، فقد صدر قرار المجلس الأعلى في دورته الحادية والعشرين المنعقدة بالمنامة في ديسمبر 2000م، بالموافقة على معاملة مواطني دول المجلس العاملين في الخدمة المدنية في أي دولة عضو معاملة مواطني الدولة مقر أثناء الخدمة. كما أكد قرار المجلس الأعلى في الدورة (23) المنعقدة بالدوحة في ديسمبر 2002م، على تطبيق المساواة التامة في المعاملة بين مواطني دول المجلس في مجال العمل في القطاعات الأهلية، وإزالة القيود التي قد تمنع من ذلك في موعد أقصاه نهاية عام 2003م، ولتحقيق ذلك اعتمد مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية برامج عمل خاصة بزيادة فرص توظيف وتسهيل انتقال العمالة بين دول المجلس في القطاع الأهلي.

 

   وغني عن البيان، فإنه بالرغم من تزايد إجمالي أعداد مواطني دول المجلس العاملين في الدول الأعضاء الأخرى من (25) ألف شخص غداة انطلاق السوق الخليجية المشتركة إلى (33) ألف شخص عام 2019م، مشكلة ما نسبته (%0.11) من إجمالي قوة العمل في مجلس التعاون البالغة حوالي (29) مليون عامل في عام 2019م، غير أن هناك فرص كبيرة لزيادة هذه النسبة لتعكس الطموحات والأهداف المرسومة للسوق الخليجية المشتركة.

شكل (2) مواطنو دول مجلس التعاون العاملين في القطاعين الحكومي والأهلي (2007-2019م)

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

      وتجدر الإشارة إلى ارتفاع أعداد العاملين من موطني دول المجلس في القطاعين الحكومي والأهلي في الدول الأعضاء من (8) و(19) ألف عامل عام 2008م، إلى (10) و(24) ألف عامل عام 2019م، في القطاع الحكومي والقطاع الأهلي على التوالي. وشكلت ما نسبته 1 بالألف من إجمالي العاملين بالقطاع الحكومي وحوالي (0.1) بالألف من إجمالي العاملين بالقطاع الأهلي.

2) مسار مزاولة الأنشطة الاقتصادية:

      يُعد تشجيع وتسهيل منح مواطني دول المجلس الأخرى تراخيص لمزاولة أشكال الأنشطة كافة بمثابة الركيزة الرئيسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية، وذلك لدورها الفاعل في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي تمثل غالباً المصدر الرئيس لتشغيل اليد العاملة والقيمة المضافة في الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عن طريق زيادة فرص الاستثمار البيني والتي بدورها تعمل على تنشيط التبادل التجاري البيني، وتوفير فرص العمل لمواطني دول مجلس التعاون.

  • التراخيص الممنوحة:

      شهد العقدان المنصرمان ارتفاعاً ملحوظاً في عدد التراخيص الممنوحة لمواطني دول المجلس لممارسة الأنشطة الاقتصادية في الدول الأعضاء الأخرى من (6.5) آلاف رخصة عام 2001م، إلى (60) ألف رخصة في نهاية عام 2019م، أي تضاعف بأكثر من تسع مرات.

شكل (3) عدد التراخيص الممنوحة لمواطني دول المجلس لممارسة الأنشطة الاقتصادية بالدول الأعضاء الأخرى

المصدر: الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية – شؤون المعلومات، المسيرة والإنجاز، أعداد مختلفة

  • المصارف التجارية:

     بلغ عدد المصارف الخليجية العاملة في الدول الأعضاء الأخرى (27) مصرفاً من أصل (174) مصرفاً يعمل في دول المجلس، أي ما نسبته (%15.5) من الإجمالي. وتفاوت هذه النسبة بين (5.6%) في قطر (مصرف خليجي واحد من أصل 18 مصرفاً) و)34.8%) بالكويت (8 مصارف خليجية من أصل 23 مصرفاً). ومُثلت المصارف الخليجية العاملة في الدول الأعضاء الأخرى ما نسبته )28.7%)من إجمالي المصارف الأجنبية (غير المحلية) العاملة في دول المجلس والبالغ عددها (67) مصرفًا أجنبياً. وتفاوت هذه النسبة بين 14.3% في قطر (مصرف خليجي واحد من أصل 7 مصارف غير محلية) و66.7% في الكويت (8 مصارف خليجية من أصل 12 مصرفاً غير محلي).

 

شكل (4) عدد المصارف العاملة في دول مجلس التعاون 2019

  المصدر: من عمل الباحث بالاعتماد على: مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

   وتجدر الإشارة إلى أن نسبة فروع المصارف الخليجية العاملة بالدول الأعضاء الأخرى قد بلغت نحو (%24.8) من إجمالي الفروع غير المحلية، مما يعكس بأن فروع المصارف الخليجية داخل كتلة مجلس التعاون كانت أقل من فروع المصارف غير المحلية بصفة عامة.

شكل (5) المصارف الخليجية والأجنبية العاملة في دول مجلس التعاون لعام 2019م.

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

   وعلى صعيد الدول الأعضاء تراوحت نسبة الفروع الخليجية العاملة بالدول الأعضاء الأخرى من إجمالي الفروع المحلية ما بين (%5.1) في دولة الإمارات و(%100)بالكويت، وكانت النسبة على صعيد دول مجلس التعاون ككل (%33.05) لعام 2019م.

شكل (6) نسبة الفروع الخليجية العاملة بالدول الأعضاء الأخرى من إجمالي الفروع غير المحلية %

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

3) مسار تداول وشراء الأسهم

     شهدت الفترة بعد انطلاق السوق الخليجية المشتركة تقدماً ملحوظاً في عدد الشركات المساهمة العامة المسموح تداول أسهمها من قبل مواطني دول المجلس في الدول الأعضاء الأخرى حتى وصلت إلى (653) شركة برأسمال بلغ (376) مليار دولار من أصل (687) شركة مساهمة عامة في دول مجلس التعاون وبرأسمال بلغ (389) مليار دولار في عام 2019. مما أسهم في تعميق أسواق الأوراق المالية والقطاع المالي بشكل عام. كما وارتفعت نسبة الشركات المسموح تملك أسهمها من قبل مواطني المجلس بالدول الأعضاء الأخرى إلى (95%) عام 2019 م، قياساً بنسبة (87%) عام 2000م. وبلغت هذه النسبة التغطية الكاملة (100%) في كل من البحرين وقطر وعمان والكويت.

شكل (7) نسبة الشركات المسموح تدول أسهمها من قبل مواطني دول المجلس من إجمالي الشركات المساهمة العامة لعام 2019م.

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

  أما فيما يتعلق بعدد المساهمين من مواطني دول المجلس بالشركات المسموح تداول أسهمها في الدول الأعضاء الأخرى، فقد انخفض من (508) ألف مستثمر خليجي لدى انطلاق السوق الخليجية المشتركة إلى (431) ألف مستثمر خليجي في عام 2019م، أي بنسبة انخفاض تقدر بنحو (15.3%).

شكل (8) عدد المساهمين من مواطني دول المجلس في الشركات المسموح تداول أسهمها في الدول الأعضاء الأخرى (ألف مستثمر خليجي)

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

4) مسار تنقل رؤوس الأموال – الاستثمار الأجنبي المباشر البيني

     يُعد الاستثمار الأجنبي المباشر البيني من أهم صور التكامل، وركائز السوق الخليجية المشتركة وذلك لكونه يعكس ثقة المستثمرين من دول مجلس التعاون بأسواق واقتصادات الدول الأعضاء الأخرى، ومصدراً هاماً لخلق فرص العمل للمواطنين لاسيما في مجال تأسيس الشركات الجديدة، كما أنه يمثل مدخلاً للاستفادة من اقتصاديات الحجم.

  ويشير مشهد الاستثمارات المباشرة البينية الخليجية خلال الفترة (2010-2018م) إلى أنها تمثل جزءاً قليلاً من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مجلس التعاون، حيث بلغ (64) مليار دولار، مشكلاً ما نسبته (13.4%) من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى دول المجلس في عام 2018 م، قياساً بما نسبته (18.2%) عام 2010م، وكذلك فإن نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر البيني بلغت حوالي (3.9%) من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018م، قياساً بنسبة (5.6%) لعام 2010م.

شكل (9) أرصدة الاستثمار الأجنبي الوارد إلى دول مجلس التعاون " مليار دولار"

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على تقرير مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

    وتجدر الإشارة إلى تصدر البحرين دول المجلس المستقبلة للاستثمار المباشر البيني، حيث بلغ (20) مليار دولار، أي بنسبة (31%) من الإجمالي، تليها السعودية باستثمار بيني يناهز (17) مليار دولار، شكل حوالي (26%) من مجمل الاستثمارات المباشرة البينية المستقبلة لعام 2018.

شكل (10) أرصدة الاستثمار الأجنبي المباشر البيني في دول مجلس التعاون بنهاية عام 2018

    المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مؤشرات أداء السوق الخليجية المشتركة في دول مجلس التعاون، ديسمبر، 2020م.

     ويلاحظ من الجدول أعلاه بان الكويت احتلت المركز الأول بالنسبة لدول مجلس التعاون المصدرة للاستثمار البيني الخليجي، حيث بلغت قيمته حوالي (18) مليار دولار وبنسبة (27.5%) من الإجمالي، ثم الإمارات بحوالي (15.4) مليار دولار وبنسبة (23.7%)، فالسعودية (14.6) مليار دولار أي بنسبة (22.5%) من الإجمالي لعام 2018. 

5) مسار التجارة البينية الخليجية:

      حظي التعاون في المجال التجاري باهتمام القادة بتوفير البيئة التشريعية الشاملة لتحقيق التكامل التجاري البيني، فقد عملوا على إزالة الحواجز والقيود الجمركية بين دولهم لتعزيز أطر التبادل التجاري بينها، ومما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية السلعية، وإقامة منطقة تجارة حرة في عام 1983م، وإلغاء الرسوم والضرائب الجمركية على المنتجات الخليجية، ومعاملتها معاملة السلع الوطنية، وتوّج ذلك بالإعلان عن إقامة الاتحاد الجمركي الخليجي في عام 2003م.

     وخلال تلك السنوات تم إقرار العديد من القوانين والتشريعات التي أسهمت في انسياب حركة تنقل السلع والبضائع وتعزيز قدرات القطاع الخاص في تنمية الصادرات، كذلك أدى قرار مجلس التعاون عام 1991م، إلى السماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية في الدول الأعضاء بفتح مكاتب للتمثيل التجاري في أي دولة عضو، والسماح باستيراد وتصدير المنتجات الوطنية بين دول المجلس من دون الحاجة إلى وكيل محلي. الأمر الذي انعكس أيجاباً على حجم التجارة البينية الخليجية التي حققت ارتفاعاً مطرداً.

 

شكل (11) التجارة البينية الخليجية (1984-2018م)

المصدر: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التقرير السنوي للتجارة الخارجية، سنوات مختلفة

   ومع تطبيق الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ارتفعت نسبة التجارة البينية الخليجية من إجمالي تجارة المجلس الخارجية من (5.9%) عام 2003م، إلى (13.4%) عام 2018م.

شكل (12) نسبة التجارة البينية الخليجية إلى إجمالي تجارة دول المجلس الخارجية (2003-2018م) %

 

المصدر: من احتساب الباحث بالاعتماد على: المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تقرير التجارة الخارجية  

ثانياً-كيفية الاستفادة من الرؤى الخليجية لتعزيز التكامل الاقتصادي:

    اهتمت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالتحول الاقتصادي الوطني القائم على عملية التنويع في أنشطتها وقطاعاتها الاقتصادية من خلال الرؤى والخطط التنموية الاقتصادية المستقبلية الطموحة التي تبنتها دول المجلس للنهوض باقتصاداتها حتى عام 2030م، وعام 2040م، والتي ستسهم في دعم مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي بالتوازي مع الخطوات المهمة التي أنجزتها دول المجلس لتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك، من بينها إنشاء هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية والهيئة القضائية الاقتصادية في عام 2016م.

ترصد الرؤى الاقتصادية التغيرات والتطورات العالمية في مجال التكنولوجيا والإبداع والثورة الصناعية الرابعة، وتعمل مواكبتها وتوطينها ضمن الخطط والاستراتيجيات التنموية التي تستهدف تحول الاقتصادات الخليجية صوب الاقتصاد الرقمي الذي يشكل عماد الثورة الصناعية الرابعة.

وما من شك فإن القواسم المشتركة في الخطط والاستراتيجيات التنموية التي تتبنها دول المجلس يمكن أن تشكل مداخل رئيسة لتحقيق التكامل الاقتصادي. ويمكن الإشارة إلى بعض الميادين المهمة في هذا المجال:

1) الطاقات المتجددة:

     تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى التقليل من الاعتماد على الطاقة التقليدية، وتستهدف زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية بقصد خفض تكاليف الوقود، وتقليل الانبعاثات الكربونية، والمحافظة على موارد المياه الشحيحة، وخلق فرص العمل. فتستهدف المملكة العربية السعودية أن تصبح حصة الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء بالمملكة حوالي (50%) بحلول عام 2030م، وهذا يتماشى مع الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة 2030 الذي يسعى إلى تعزيز الحصول على الطاقة والاستخدام المحسن للطاقة المتجددة، بسبل منها تعزيز التعاون الدولي والتوسع في الهياكل الأساسية والتكنولوجيا الخاصة بالطاقة النظيفة.

    كما وتركز استراتيجية قطاع الطاقة في قطر في الفترة القادمة على الطاقة المتجددة، حيث تقوم الدولة بتنفيذ مشروع ضخم للطاقة الشمسية بقدرة (500) ميغاوات. كما ونجحت الإمارات في رفع قدرة توليد الطاقة المتجددة لديها بنسبة تزيد على 32% خلال عام 2020 م، لتصل اليوم إلى 2,54 ميغاواط، على الرغم من جائحة كوفيد- 19. وباتت تشكل مثالاً يحتذى به في استغلال الإمكانات الكبيرة لطاقتي الشمس والرياح بوتيرة متسارعة للاستفادة من الحالة التجارية القوية لمصادر الطاقة المتجددة،

2) الاستفادة من مزايا الاقتصاد الأزرق:

   ومن المجالات التي يمكن أيضاً التعاون الاقتصادي بين دول المجلس هو الاقتصاد الأزرق الذي سيقود التنمية الدولية في العقدين القادمين، وسيكون أحد الأدوات والآليات المهمة التي ستسهم في تحقيق أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030م، من خلال استدامة الاقتصادات المرتكزة على المحيطات والبحار.

 وفي هذا الإطار تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي سواحل شاسعة على الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر، تتطلب تبني استراتيجية للتعاون الاقتصادي تستهدف الاستفادة من تطبيقات الاقتصاد الأزرق  سواء فيما يتعلق بتوليد الطاقة المتجددة (الرياح والأمواج) أو النقل المستدام للسلع وبصورة تنسجم مع الرؤى المستقبلية الجديدة التي أطلقتها دول المجلس عبر التركيز على الأنشطة والمنتجات البحرية من محيطات، وبحار وبحيرات، وصيد الأسماك، والنقل البحري والشحن، وصناعة البتروكيماويات، والطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، واستغلال الثروة البحرية، والتعدين بما يحقق أفضل عائد ممكن.

3) التوجه نحو الصناعات المعرفية:

تُعد الصناعات المعرفية إحدى الصناعات المستقبلية الواعدة والتي تعتمد على تكثيف أنشطة البحوث والتطوير ولا تحتاج إلى كثافة عمالية وبالتالي، فهي من المجالات التي يمكن أن تتعاون دول مجلس التعاون في تبنيها للاستفادة من اقتصاديات الحجم بدلاً من اقامتها بشكل منفرد في كل بلد خليجي.

ثالثاً-أولويات التكامل الاقتصادي في المرحلة القادمة وفي أي المجالات، وما هي الثمار المتوقعة.

  يتمثل الهدف الأسمى من الاتحاد النقدي في تحقيق أعلى درجات التكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون والوصول إلى المواطنة الخليجية. ونظراً لكون الدول الأعضاء تجسد مفهوم الاقتصادات الناشئة فإنها تمتلك قدرة حقيقية لتحقيق قفزات تنموية كبيرة إذا ما قورنت بالاقتصادات الناضجة.

 ويحظى مشروع الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة باهتمام كبير من قادة دول المجلس، وتجسد هذا الاهتمام بالمتابعة المباشرة والدعم الواضح من خلال عدد من القرارات التي توجت بدخول النظام الأساسي للمجلس النقدي حيز النفاذ في 27 مارس 2010م، وعقد المجلس إدارته أول اجتماع بالرياض في 30 مارس 2010م، وقام المجلس النقدي الخليجي بإنجاز العديد من الأعمال تناهز (140) عملاً حتى مطلع أبريل 2020م.

      وعليه فإن أولوية التكامل الاقتصادي في المرحلة القادمة ستتمحور حول استكمال الاتحاد النقدي بوصفه مشروعاً استراتيجياً، سيحقق نقلة نوعية في آليات بناء القرار الاقتصادي المشترك باستناده على منظومة تشريعية ومؤسساتية متميزة، مما يجعل منه دعامة قوية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، علاوة على كونه سيعزز مفهوم الإخاء السياسي والاقتصادي القائم بين دول مجلس التعاون، والحضور الإقليمي والدولي لمجلس التعاون ككيان يمثل لاعبين رئيسين في الاقتصاد العالمي، كما إن العملة الموحدة ستشكل في مرحلة لاحقة عملة دولية رئيسية، تساهم في تعزيز تنافسية الاقتصادات الخليجية، وتكون عاملاً مساعداً في تحقيق التنويع الاقتصادي.

 

   وفي الختام، ينبغي على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تكثيف الجهود والإسراع في الخطى نحو استكمال خطوات التكامل الاقتصادي التي بدأتها في ثمانينات القرن الماضي وتتويجها بالعملة الخليجية الموحدة حيث سيوفر لها ذلك قوة تساومية وتفاوضية أكبر عند إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة والتعاون الاقتصادي والفني مع دول العالم المتقدمة والصاعدة والتجمعات والتكتلات الاقتصادية الدولية.

مقالات لنفس الكاتب