array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

مستقبل الوحدة الاقتصادية الخليجية يعتمد على تطبيق الآليات الاقتصادية والمالية

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

يتميز مجلس التعاون الخليجي بتناغم سياسي بين دوله الأعضاء، وتجانس عرقي وثقافي بين مجتمعاته، وتزايد في قدراته المالية والاقتصادية بدرجة عالية تفوق مثيلاته في الوقت الحاضر. كما تأتي أهميته من قدرته على مواجهة الصراعات الإقليمية ونجاحه في تطوير الأطر المؤسسية الاقتصادية مثل اتفاقية التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة بهدف زيادة التعاون الاقتصادي وتحقيق التكامل الاقتصادي. ولكن مع بلوغ مجلس التعاون عامه الأربعين لابد من وقفة لتقييم ما تم إنجازه والوقوف على أهم التحديات التي تعيق تحقيق التكامل الاقتصادي الإقليمي. وعليه يحاول هذا المقال تقديم عرض نقدي لأهم التحديات الاقتصادية التي تواجه مجلس التعاون في ضوء القدرات المتاحة والحلول الممكنة.

دور مجلس التعاون الخليجي في التكامل الاقتصادي

على مدى الأربعين عامًا الماضية نجح مجلس التعاون الخليجي في تكوين ثلاثة كيانات اقتصادية ساهمت بشكل كبير في دعم فكرة التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية الخليجية الست وهي المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، وقطر، والبحرين، والكويت. فعلى الرغم من أن الهدف السياسي لقيام المجلس هو خلق كيان سياسي قوي يوفر الحماية للدول الخليجية الست من المخاطر الأمنية والجيوسياسية الإقليمية والدولية التي تؤثر على دول الخليج إلا أنه سرعان ما اتجه تركيز دول المجلس إلى تحقيق فكرة التكامل بينهم من خلال التعاون الاقتصادي، حيث أنشئت منطقة التجارة الحرة عام 1983م، لتخفيض التعريفات الجمركية وزيادة التعاون التجاري بين الدول الست الأعضاء.

 وبعد عشر سنوات تقريبًا من إقامة منطقة التجارة الحرة قام مجلس التعاون بإنشاء الاتحاد الجمركي عام 2003م، لتعزيز التجارة البينية من خلال تخفيض إزالة الحواجز التي تعيق حركة التجارة بين الدول الأعضاء واتباع سياسة تجارية موحدة وتعريفة جمركية بنسبة 5 بالمائة على كل السلع والخدمات التي تدخل دول المجلس. وسرعان ما أقدم دول المجلس على إقامة السوق الخليجية المشتركة في 2008م، بهدف تعميق فكرة التكامل الاقتصادي من خلال تسهيل حركة تنقل الأشخاص ورأس المال والسلع والخدمات، وحركة المواطنين الخليجيين في العيش والعمل والتملك في أي دولة من الدول الأعضاء.

تشير أدبيات التكامل الاقتصادي الإقليمي أن مجلس التعاون الخليجي نجح في إرساء مبادئ عملية التكامل الاقتصادي وخلق الأطر المؤسسية الهامة المتمثلة في الكيانات الاقتصادية الثلاث السابق ذكرها، فرغم عدم استكمال المرحلتين الرابعة والخامسة في عملية التكامل الإقليمي هما الاتحاد الاقتصادي والاتحاد السياسي الا أن بعض الدراسات قدمت منظور بناء حول الجدوى الاقتصادية طويلة المدى من إنشاء دول المجلس منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة.  فعلى أقل تقدير يمكن اعتبار التعاون بين دول المجلس أحد أهم الوسائل التي يمكن أن تقلل من المخاطر الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تتعرض لها هذه الدول من خلال تسهيل التصنيع الفعال والتنويع الاقتصادي الهادف وبالتالي تقليل اعتماد دول الخليج على عائدات النفط.

ومن الناحية التجارية، لا يمكن التقليل من أهمية منطقة التجارة الحرة في إزالة العقبات أمام حركة التجارة بين الدول الأعضاء وخلق فرص للتجارة البينية لتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة والمنتجات المحلية، حيث تشير دراسة سابقة للكاتب بأن منطقة التجارة الحرة ساهمت بشكل أكبر من الكيانات اللاحقة في تعزيز التجارة البينية بين الدول الخليجية الستة. كما ساهم الاتحاد الجمركي في فرض تعريفة خارجية مشتركة على السلع الأجنبية وتوحيد القواعد والإجراءات الجمركية، وتوزيع عائدات التعريفة الجمركية، وتحديد الإجراءات لجمع البيانات، والتغييرات في السياسة التجارية. في حين ساهمت السوق المشتركة في منح المساواة الاقتصادية للشركات والمواطنين في أنحاء المنطقة، مما يدل على الدور الهام للمؤسسات التجارية والاقتصادية في تحقيق التكامل الاقتصادي، والاجتماعي، والأمني.   

التحديات الاقتصادية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي

على الرغم من الإنجازات الموضحة أعلاه فقد واجه مجلس التعاون الخليجي انتقادات لعدم القدرة على إقامة الاتحاد النقدي والعملة الموحدة كما كان مخطط لهما في عام 2010م. يمكن إرجاع هذا التعثر إلى أسباب سياسية أكثر منها مالية حيث تمتلك دول الخليج مقدرات مالية هائلة من عائدات النفط والغاز وتعتبر من أكثر الدول ثراء في العالم،  وتأتي في مقدمة هذه الأسباب صعوبة التوصل إلى حل وسط بشأن القضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية، أو اتخاذ إجراءات جماعية في مسائل تخص مستقبل المنطقة اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، بالإضافة إلى فتور الثقة أحيانًا التي أجبرت البعض على السعي إلى التعاون الأمني مع قوى إقليمية ودولية.

 يجب أيضًا التنويه إلى أن عدم التوازن الجغرافي والديمغرافي بين الدول الأعضاء، واختلافات أساليب القيادة، والهياكل المؤسسية، وعمليات الإصلاح أثرت على عملية تطوير البناء الهيكلي والوظيفي لمجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية. وتبين ذلك جليًا في عدم رغبة الدول الأعضاء في تفويض السلطة إلى الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي مما انعكس على عدم قدرة المجلس على تطوير آلية سياسية مشتركة لمعالجة المشاكل المشتركة، خاصة في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والمالية، والنقدية. 

الاعتماد على قطاع النفط والغاز في التنمية

من أهم التحديات التي يمكن التطرق إليها في هذا السياق هي الاعتماد الكبير لدول الخليج على عائدات النفط والغاز في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.  يمثل النفط والغاز المكون الأساسي للإيرادات العامة في كل دول مجلس التعاون الخليجي. ففي سلطنة عمان وهي أقل الدول الخليجية إنتاجًا للنفط والغاز وصلت نسبة إيرادات النفط والغاز 73.71 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2019م، في حين ترتفع هذه النسبة إلى أعلى من 85 % في بقية دول المجلس. كما تستحوذ الصادرات النفطية على الجزء الأكبر من إجمالي الصادرات السلعية سواء في مواد خام مثل النفط والغاز الطبيعي أو المصنع والنصف مصنع مثل السلع ومشتقات السلع البتروكيماوية والغاز المسال، مما يؤكد أن النفط والصناعات المرتبطة به هو الركيزة الأساسية لجزء مهم من الدخل القومي.

ونظرًا لتذبذب أسعار النفط وانخفاضها الحاد لأسباب تتعلق بانخفاض في الطلب العالمي أو أخطار جيوسياسية تتعلق بمنطقة الخليج، فإن انخفاض وارتفاع عائدات النفط التي تمثل المصدر الأساسي للاستثمار لها تأثير مباشر على مدى تطور البنية التحتية مثل الطرق والموانئ الجوية والبحرية وشبكات توليد الطاقة وتحلية المياه والصرف الصحي بالإضافة إلى قطاع الخدمات الرئيسية من بناء وتطوير المدارس والجامعات والمستشفيات والخدمات الصحية والاجتماعية الأخرى. وتشير التحليلات الاقتصادية أن نمو القطاعات غير النفطية مرتبط أيضًا ارتباطًا وثيقًا بمعدل النمو في قطاع النفط وقيمة عائداته، حيث إن معظم المشاريع الكبرى تم تنفيذها في الفترات التي شهدت ارتفاعًا كبيرًا في أسعار النفط، في حين تم تأجيل تنفيذ معظم المشاريع الكبرى التي لا تمثل أولوية قصوى خلال فترات انخفاض أسعار النفط (1981-1990 و2014-2021م). وهذا يؤكد الدور المحوري الذي يلعبه قطاع النفط والغاز في عملية التنمية.

إن سيطرة الحكومة على عائدات النفط واتساع دورها في مجال الإنتاج السلعي والخدمي باعتبارها المستثمر الرئيسي أدى إلى تحجيم الفرص المتاحة أمام القطاع الخاص. وقد أكدت عدة دراسات أن الفرص المتاحة لشركات القطاع الخاص غالبًا ما تقتصر على المناقصات التي تسندها الجهات الحكومية إليها، مما يؤدي إلى ضعف القطاع الخاص وعدم قدرته على الإنتاج بشكل مؤثر في السوق والمنافسة، وبالتالي العزوف عن العمل في القطاعات الإنتاجية والتحول إلى الاستيراد لتلبية الطلب المحلي على السلع والخدمات. ويمكن القول أيضًا أن هيمنة الحكومة والقطاع العام على عملية التنمية أثرت سلبًا على شركات القطاع الخاص، ودفع العديد منها وعلى الأخص الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر إلى تفادي الاحتكاك بالنظام الحكومي الرسمي والعمل في السوق الموازي، دون أي سجلات تثبت وجودها في السوق وبالتالي لم تعد غير قادرة على الاستفادة من المساعدات المالية والفنية التي تقدمها المؤسسات الحكومية المعنية.

 ضعف التجارة البينية: 

تظهر الإحصائيات أن معدلات التجارة البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي متواضعة جدًا مقارنة بحجم تجارة هذه الدول مع العالم الخارجي. فتشير البيانات التجارية أن النسبة الإجمالية لتجارة دول مجلس التعاون في السلع والخدمات مقارنة بتجارتها مع بقية العالم في العقدين الماضيين تتراوح بين أدنى معدل بلغ 8.98 % من إجمالي تجارتها مع العالم في عام 2009م، وأعلى معدل بلغ 15.32 % في عام 2014م،  توكد البيانات أيضًا أن دول المجلس لم تسع جادة في تعظيم الاستفادة من إنشاء السوق المشتركة في عام 2008م، حيث سجلت النسبة المئوية الإجمالية للتجارة في السلع انخفاضًا كبيرًا من 6.9 % من إجمالي التجارة في السلع مع العالم في عام 2008 م، إلى 3.97 %، و4.13 %، و4.77 % في 2009، و2010، و2011م، على التوالي. 

وتوضح البيانات أيضًا أن الارتفاع الحاد في التجارة داخل دول مجلس التعاون الخليجي إلى متوسط 8.4 % بين عامي 2012 و2015م، يعكس العلاقة بين ارتفاع أسعار النفط وارتفاع قيمة التجارة. وظهر هذا جليًا في ارتفاع قيمة التجارة في قطاع الخدمات في منطقة الخليج تدريجيًا على مدى السنوات العشر الماضية، حيث بلغ أدنى معدل لها 4.76 % في عام 2008 م، وأعلى معدل بلغ 7.12 % في عام 2015م.

كل هذه البيانات تؤكد أن الترتيبات التجارية لمجلس التعاون الخليجي لم تؤد إلى خلق تجارة trade creation   بل أدت إلى تحويل التجارة trade diversion نتيجة لعدم قدرة هذه الدول على استبدال السلع المستوردة التي كان مصدرها في السابق من دول غير أعضاء بمنتجات مصنعة داخل دول مجلس التعاون الخليجي. كما تكشف البيانات عن الحصة الضخمة من صادرات النفط في إجمالي صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى العالم، مما يشير إلى ارتباط وتكامل أكبر مع الاقتصاد العالمي مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي.

يجب أيضًا التنويه إلى انخفاض كثافة التجارة داخل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام. فمنذ عام 2000م، على سبيل المثال، لم تتاجر الإمارات إلا مع البحرين والكويت وعمان في السنوات الثلاث الأولى، وكانت التجارة مع عمان هي الأكثر كثافة، لا تزال كثافة تجارتها مع البحرين هي الأدنى على مدار العشرين عامًا الماضية، ولا وجود لأي نوع من التجارة مع قطر في عام 2018م، بسبب الخلاف الخليجي. أما بالنسبة لكثافة التجارة السعودية، فلم تكن موجودة إلا مع البحرين وعمان في عام 2002م، ومع الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان فقط في 2003 و2004م، وبوجه عام تتمتع المملكة العربية السعودية بعلاقة تجارية مكثفة مع الإمارات العربية المتحدة وإن أدنى علاقة لها مع عمان.

 كذلك لم تتاجر البحرين مع الإمارات العربية المتحدة وعمان والمملكة العربية السعودية إلا في أعوام 2002 و2003 و2004م، ومع الإمارات وعمان في عام 2009م، ومع المملكة العربية السعودية حتى 2017 و2018م، وأن كثافة تجارتها منخفضة جدًا مع الكويت وعمان. أما الكويت فلديها كثافة تجارية عالية جدًا مع دولة الإمارات، ولكن كثافة تجارتها مع البحرين وعمان منخفضة، ولم تبدأ التجارة مع قطر حتى عام 2005م. الجدير بالذكر أن كثافة التجارة في قطر هي الأعلى كثافة مع عمان في عام 2018م، منذ أن لم تنخرط عمان في عرقلة التجارة ضد قطر.

أما بالنسبة إلى نمط التجارة البينية، تؤكد البيانات أن نمط التجارة لم يتغير داخل دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقدين الماضيين. يرجع هذا إلى عدة عوامل، أهمها (1) عدم وجود تأثير كبير للاتحاد الجمركي أو السوق المشتركة على العلاقات التجارية لدول مجلس التعاون الخليجي، (2) التأثير الشديد لأسعار النفط على تجارة دول مجلس التعاون الخليجي، (3) عدم الإسراع في التنويع والتكامل الاقتصادي، (4) الآليات غير الفعالة لتوزيع الإيرادات الجمركية والرفاهية بالتساوي، (5) وبيئة الأعمال غير الجذابة في معظم هذه الدول.

 

قلة الاستثمارات الأجنبية المباشر:

يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر أحد المؤشرات الهامة التي تؤكد تنافسية الاقتصاديات الخليجية، حيث تستثمر دول الخليج معظم رأسمالها في الاقتصاديات المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة وشرق آسيا، في حين اتجهت مؤخرًا إلى الاستثمار بنسب أقل في الاقتصاديات الصاعدة في جنوب شرق آسيا وبعض الدول الإفريقية. هذا الاتجاه يتماشى مع طبيعة وأهداف هذا النوع من الاستثمارات التي تبحث عن أسواق يتمتع بمعدلات نمو عالية، واستقرار سياسي، وحماية قانونية للرأسمال والممتلكات، كثافة سكانية كبيرة، معدلات استهلاك عالية، ونسب أرباح عالية.

أما عن قدرة الأسواق الخليجية على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فهي متواضعة جدًا لعدة أسباب، أهمها صغر حجم الأسواق الخليجية وعدم جاذبية بيئة الأعمال. ففي الخمسة أعوام السابقة لانتشار فيروس كوفيد-19 (2015-2019م) بلغت نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 1.1 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة أقل من نصف المتوسط العالمي البالغ 2.5 %، وأقل بثلاثة أضعاف تقريبًا نسبة تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الاقتصاديات المتقدمة.

 تشير الاحصائيات أن سلطنة عمان هي أكثر دول مجلس التعاون الخليجي جاذبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة وصلت 3.4 % من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2015-2019م، تليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة تصل إلى 2.7 %، وهي نسب أعلى من المتوسط العالمي في نفس الفترة. تأتي في المرتبة الثالثة البحرين بنسبة 1.1 % من إجمالي الناتج المحلي، ثم المملكة العربية السعودية بنسبة 0.6 %، ثم الكويت بنسبة 0.2 %. تأتي قطر في المرتبة الأخيرة بنسبة –0.3 % بالرغم من الأعداد الهائلة من مشاريع البنية التحتية استعدادًا لبطولة كاس العالم لكرة القدم في 2022م.

ونتيجة لضعف بيئة الأعمال في دول مجلس التعاون الخليجي وعدم تطوير نظم وتشريعات الاستثمار الأجنبي مما انعكس بالسلب على تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة، فقد اتجهت بعض الدول إلى التعويض عن ذلك بإشراك الصناديق السيادية في مشاريع التنمية المحلية خاصة البنية التحتية والاتصالات مثل شركة مبادلة وصندوق أبو ظبي للاستثمار وجهاز قطر للاستثمار وبنك قطر للتنمية وجهاز الاستثمار العماني. وبالتالي فإن مستقبل الاستثمارات البينية الخليجية يغلب عليها الطابع الحكومي أكثر من استثمار الشركات والأفراد. وأبرز مثال على ذلك مشروع مصفاة الدقم بين شركة النفط العمانية وشركة البترول الكويتية العالمية، وتبلغ طاقته الإنتاجية 230 ألف برميل يوميًا. كما تقتصر الاستثمارات الخليجية على الشركات الكبرى وقطاعات محدودة، مثل شركات اتصالات الإماراتية وأوريدو القطرية في مجال الاتصالات، وكروة القطرية في النقل والمواصلات.    

آليات تكوين وحدة اقتصادية خليجية

أن إمكانية تحقيق وحدة اقتصادية خليجية لا تقف عن معالجة التحديات التي سبق ذكر بعضها، بل يحتاج إلى إعادة نظر في الإمكانيات الاقتصادية والمالية وتقييم للنظام المؤسسي والوظيفي الذي بني عليه مجلس التعاون الخليجي. ويمكن تحديد بعض الآليات التي يمكن بحثها للوصول إلى وحدة اقتصادية.

تأسيس وحدة مختص بالتكامل الاقتصادي:

يعاني مجلس التعاون الخليجي من ضعف شديد في نظامه المؤسسي وقدرته على تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أسس من أجلها. فعلى الجانب المؤسسي تهتم المجالس التنفيذية بالشؤون السياسية والصراعات الإقليمية بشكل أساسي في حين تركز السكرتيرة العامة على الأمور الإدارية والمالية المتعلقة بإدارة المجلس وعقد دوراته العادية دون التركيز على تطوير وتطبيق سياسات اقتصادية متطورة تهدف إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية. كما أعتقد أن الاجتماعات التي تتم على مستوى وزراء الاقتصاد أو المالية تقتصر على مناقشة واتخاذ القرارات دون وجود آلية واضحة تتولى تطبيق القرارات.

لذلك يناشد الكاتب بضرورة إنشاء وحدة مختصة تتولى مسؤولية أعداد وتطوير سياسيات اقتصادية محددة تهدف إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية. تحدد اختصاصات هذه الوحدة في وضع السياسات ورفعها للموافقة وتولي تطبيقها طبقًا لجداول زمنية محددة. ويوصي الكاتب أيضًا بالفصل التام بين عمل هذه الوحدة والوحدات الأخرى التي تختص بالشؤون السياسية والأمنية حتى لا تؤثر الأحداث السياسية والاعتبارات الأمنية المتكررة على سير عمل الوحدة المقترحة.  

 

تعميق عملية التكامل الاقتصادي:

اقتصر بناء مؤسسات مجلس التعاون الخليجي على الهيكل التنظيمي الذي حافظ على السيادة الوطنية لكل دولة عضو دون البحث في الجوانب الوظيفية والقدرات البشرية والإبداعية في وضع وتطوير سياسات اقتصادية تتناسب مع الأوضاع والظروف المحلية والقدرة على تطبيق هذه السياسات. يكشف تقييم تكامل دول مجلس التعاون الخليجي عن محدودية قدرة الدول الأعضاء على تطبيق السياسات المحلية بما يتجاوز المعاملة الوطنية من خلال التنسيق والمواءمة والاعتراف المتبادل بالسياسات الوطنية. لذا تنادي هذه المقالة بضرورة توحيد السياسات المحلية والاعتراف بآليات الإنفاذ المتبادل في مجالات مثل الضرائب، وأنظمة الصحة والسلامة، والمعايير البيئية، وحقوق العمل، كما توصي بعدم ترك هذه الآليات إلى التوافق الطوعي للسياسات الوطنية.

يوصي الكاتب أيضًا بضرورة الابتعاد عن السياسيات الفردية التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي لإصلاح الأسواق المحلية، بحيث لا تتكرر معضلة ضريبة القيمة المضافة التي فرضتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الضريبة بنسبة خمسة في المئة في 1 يناير 2018م، تلتهما البحرين في 1 يناير 2019م، وعمان في أبريل 2021م، تاركة قطر والكويت لاتخاذ قرار بشأن موعد اتباعها. وبالتالي يكون التركيز على إصلاح السوق الداخلية على نفس القدر من الاهتمام على المستوى الكلي للتكامل الاقتصادي.

 

مستقبل الوحدة الاقتصادية الخليجية

من الواضح أن التحديات التي تواجه مجلس التعاون الخليجي لا تقتصر فقط على تأخره في إقامة اتحاد نقدي وعملة موحدة، بل تمتد إلى مشاكل حقيقية تخص التحول الهيكلي للاقتصاديات الريعية والتجارة البينية وعدم القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. ولكن التغلب على هذه التحديات ليس بالأمر الصعب حيث بدأت بالفعل دول الخليج في تسريع عملية التنويع الاقتصادي ودعم وتشجيع القطاع الخاص للعب دور أكبر في التنمية. يعتمد مستقبل الوحدة الاقتصادية أيضًا على قدرة دول المجلس في تغليب الأهداف الاقتصادية وآليات تطبيق السياسات الاقتصادية والمالية على المشاكل السياسية

مقالات لنفس الكاتب