array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

العراق يعاني من 3 متلازمات: الهشاشة والفجوة التمويلية و الصورة السلبية

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

       خرج العراق عام 1988م، من حربه مع إيران باقتصاد مدمر وشعب فقير، حيث تعرض لخسائر اقتصادية فادحة قدرت بـ (425 ) مليار دولار ، أي ما يعادل (10) أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لفترة سنوات الحرب الثمان ،  كما دمرت العديد من المنشآت النفطية والبنية التحتية، وترهل قطاع الصناعة والزراعة وتزايدت الحاجة للاستيراد . أزمة الاقتصاد العراقي أصبحت حالة هيكلية وليست ظاهرة وقتية، لذا فإن الحاجة المتزايدة لإيرادات النفط قادت النظام السابق إلى مواجهة نفطية مع الكويت، والتي بدورها شكلت مدخلا لغزو الكويت في الثاني من أغسطس / آب 1990م. منذ لك الحين لم يشهد العراق استقرارًا ولا أمنا، حيث توالت النزاعات والحروب على المستويين المحلي والدولي . والقائمة تطول بدءًا من العمليات العسكرية لتحرير الكويت وما تلاها من حصار اقتصادي، مرورًا بالغزو الأمريكي والحرب الأهلية والعنف الطائفي وصولاً إلى اجتياح تنظيم " الدولة الإسلامية " للبلاد. تطور النزاع في العراق إلى ما يمكن تسميته ( أطواق الموت الثلاثة)، الطوق الأول هو الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988م)، الطوق الثاني هو غزو الكويت وحرب الخليج الثانية (1990م) والحصار الاقتصادي ( 1990-2003م) ، الطوق الثالث هو الغزو الأمريكي ( 2003م ) واحتلال العراق، وهي الحرب التي أزاحت نظام الرجل والحزب الواحد وتطور بعدها النزاع الداخلي وصولاً إلى العمليات الإرهابية . إن قراءة وضع العراق الاقتصادي في إطار اقتصاديات النزاع(التنمية العكسية) تظهر حجم الآثار الواسعة و الأضرار شديدة الوطأة على التنمية المستدامة  ( اقتصاديًا، سياسيًا، أمنيًا، اجتماعيًا، بيئيًا، ثقافيًا، نفسيًا، إعلاميًا ...) والتي امتدت لعقود متتالية والتي تتيح وصف العراق كدولة تقع ( خارج الزمن).

        أصدر مجلس الأمن القرار رقم 661 في السادس من آب/ أغسطس 1990م، بفرض عقوبات اقتصادية على العراق، و قادت أمريكا قوات التحالف في حرب لتحرير الكويت منتصف كانون الثاني 1991م، لمدة 40 يومًا وأخرجت القوات العراقية. وظلت العقوبات نافذة بذريعة التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، وتطبيقه قرارات مجلس الأمن، وشملت هذه العقوبات حظراً تجارياً كاملاً باستثناء المواد الطبية والغذائية والمواد التي لها صفة إنسانية.  قدرت خسائر العراق الاقتصادية بقيمة ( 190) مليار دولار، وصل إنتاج نفط العراق نتيجة الحرب إلى ( 300) الف برميل يوميًا مقارنة بنحو 3 ملايين قبل الحرب أي بخسارة 15 مليار دولار. الخسائر البشرية كانت 400 ألف من الجيش والمدنيين، والخسائر المادية 4 آلاف دبابة و 240 طائرة  و 3100 قطعة مدفعية ، و 1856 عربة لنقل القوات وتدمير الدفاعات الجوية  ومراكز الأبحاث العسكرية، وقواعد إطلاق الصواريخ والسفن الحربية في الخليج . فضلاً عن تدمير المرافق العراقية من مصانع وجسور ومراكز اتصالات ومدارس وجامعات ومنشآت نفطية وموانئ والسكك الحديدية ومحطات توليد الكهرباء وتصفية المياه، بلغ عدد المنشآت الحكومية التي دمرت 8230 منشأة إضافة إلى تضرر 20 ألف وحدة سكنية وتجارية أهلية. تم كذلك تجميد الأرصدة العراقية في البنوك العالمية وفرض اقتطاع نسبة 5% من العوائد النفطية لدفع تعويضات غزو الكويت التي قدرت بنحو 52 مليار دولار .

در ا لكن أشد آثار الحرب تدميرًا للعراق تجلت في مضاعفات الحصار ، حيث تراجع إنتاج قطاع البترول بنسبة (86%)،  بانخفاض من (3.3) مليون برميل يومياً قبل غزو الكويت إلى أقل من (0.5%) مليون برميل يومياً، الذي يكفي لسد متطلبات الاستهلاك المحلي.  لقد تقلص الاستيراد بنسبة (90%) والصادرات بنسبة (97%)، وقدرت  الخسائر الناجمة عن الحصار لفترة الأشهر الستة الأولى قبل بدء العمليات العسكرية في شهر كانون الثاني عام 1991م، بما مقداره (17) مليار دولار، شملت (10) مليارات دولار خسائر تصدير البترول ، (5.1) مليار دولار خسائر توقف الإنتاج المحلي، (1) مليار دولار زيادة كلفة الإنتاج، (0.7) مليار دولار خسائر تأخيرات مشاريع التنمية، إضافة إلى (1.3) مليار دولار خسائر أخرى . كما  انخفض الناتج المحلي الإجمالي  إلى ما لا يزيد على ثلث المستوى الذي بلغه قبل عام 1991م، وفي عام 1988م، كان دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي 3510 دولارات، لكنه انخفض إلى 1500 دولار عام 1991م، ثم انخفض إلى 1036 دولارًا عام 1998 م.  وقد تدهورت  قيمة العملة وبلغ حجم التضخم في نهاية عام 1994م،معدل 24000% سنوياً، ونظراً لعدم قدرة الحكومة على تأمين الوظائف الحكومية في القطاعات الصناعية التي توقفت نتيجة الحصار، فقد تم تسريح ما يقارب ثلثي القوى العاملة مما ساهم في زيادة معدلات البطالة وما تمخض عنها من آثار اقتصادية واجتماعية سلبية. وبالنسبة لبرنامج النفط مقابل الغذاء، فبرغم أن كمية النفط التي يصدرها العراق بلغت أعلى معدل لها منذ عام 1991م، إلا أن العائدات ظلت غير كافية بسبب الارتباط السلبي بين أسعار النفط المنخفضة والتأخير في الحصول على قطع الغيار اللازمة والتهالك العام للبنية التحتية لصناعة النفط . كما أن حظر الاستيراد  منع إصلاح شبكات الهاتف والكهرباء والطرق والماء والصرف المتضررة .

    وعلى مستوى مؤشرات التنمية البشرية فقد تراجعت في جميع المجالات التعليمية والصحية والبيئية . فقد نشأت ظاهرة التسرب وانخفاض مستوى التعليم، حيث انخفض معدل المسجلين بالمدارس لجميع الأعمار (من 6-23 سنة) إلى 53%. أما عن التقدم الواقعي لمحو أمية الكبار والإناث فقد توقف ورجع إلى مستويات منتصف عام 1980م  . كما تفاقمت ظاهرة هجرة العقول بأعداد كبيرة، حيث يقدر رسميًا أن أكثر من 23 نسبة كبيرة منهم من حملة الشهادات العليا. تأثير الحصار أيضًا على الصحة العامة وعلى ارتفاع معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة حيث زاد عن الضعف من 56 حالة وفاة لكل ألف مولود خلال الفترة من 1984-1989م، إلى 131 حالة وفاة في الفترة من 1994-1999م. وكذلك تزايد معدل وفيات المواليد من 47 لكل ألف مولود إلى 108 حالة. وتضاعفت نسبة سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة من 12% إلى 23% خلال الفترة بين عام 1991-1996م، و انخفضت القدرة الوظيفية لنظام الرعاية الصحية أكثر بسبب نقص مخزون المياه والطاقة . .وعادت الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الماء والملاريا، والتي كانت تحت السيطرة، لكنها عاودت إلى الظهور كوباء عام 1993م، بسبب تردي  نظام المياه والصرف الصحي . كذلك بدت مشاكل سوء التغذية بالإضافة إلى ندرة الموارد . من جانب آخر تزايدت الديون الخارجية فقد بلغت قيمة التعويضات للكويت 240 مليار دولار ، يضاف لها 125 مليار دولار ديون العراق الخارجية، يعود ثلثها 40 مليار دولار  للدول الأعضاء في نادي باريس ، والباقي لدول خارج نادي باريس أغلبهم من الدول العربية ( تم تخفيض 100 مليار منها لاحقًا ) .

         جاء الغزو الأمريكي – البريطاني واحتلال العراق في اذار/ مارس 2003م، بمساندة عشرين دولة أخرى والمعارضة العراقية لإسقاط نظام صدام حسين  بحجة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وتحرير الشعب العراقي، وبلغت الخسائر البشرية من العراقيين نحو مليون شخص وفقًا لدراسة معهد الاستطلاع البريطاني في 2007م، فضلاً عن تدمير شبه شامل للبنية التحتية والمصانع والمرافق العامة الخدمية. أوضاع الاقتصاد العراقي بعد الغزو الأمريكي اتسمت بتراجع الإنتاج النفطي المصدر الرئيس لتمويل الموازنة العامة. إن التحليل الاقتصادي لتأثيرات الغزو الأمريكي على الريع والموارد الاقتصادية يبدأ من قطاع الإنتاج النفطي، حيث توقف الإنتاج في بداية الحرب وحل دمار كبير خلال الحرب وبعدها بمنشآت وشركات النفط والغاز والتصفية والتوزيع والاستكشافات النفطية، فضلاً عن عمليات النهب والتخريب، وعلى مستوى الإنتاج  فقد وصلت سعة العراق الإنتاجية قبل الحرب إلى حوالي 8.2 مليون برميل يوميًا، لكنها انخفضت إلى 900 إلف برميل يوميًا بعد الحرب أي بخسارة 9.1 مليون برميل يوميًا. تعرض الاقتصاد العراقي إلى أزمة مزدوجة تمثلت بالهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية، والهجوم الشرس من المجاميع الإرهابية " لداعش" التي قامت بدورها بالسيطرة على بعض الآبار والمصافي النفطية لتمويل عملياتها. بلغت التكلفة التقديرية للأضرار التي لحقت بقطاع النفط والغاز بـ  4.3 مليار دولار وقد تأثرت أكثر من 50 منشأة ذات صلة بالنفط  من مصانع للبتروكيمياويات وتوليد الطاقة كنتيجة للقصف الجوي والمدفعي وما أعقبهما من نهب للمعدات.

  في الجانب الاقتصادي عمل الحاكم الأمريكي بول برايمر عام 2003م، على وضع العراق على سكة الليبرالية وفقًا لنظام السوق الحر وقام بحل الجيش والعديد من الوزارات، ونتيجة ذلك تحول العراق إلى دولة ريعية واستهلاكية متخلفة أكثر من ذي قبل مع جيش من العاطلين وتزايد الفقر الذي أدى إلى تزايد الفساد والإرهاب والجريمة المنظمة لا سيما بعد تردي الواقع السياسي وغلبة المصالح الخاصة والمحاصصة في الحكومات المتتالية لاحقًا.  من التأثيرات الأخرى تدني مستويات المعيشة وتفاقم ظاهرتي الفقر والبطالة وارتفاع معدلات التضخم مما زاد من حدة التشوهات الهيكلية والضريبية وفي نظام الأسعار ونظام الصرف الأجنبي والنظام النقدي والمصرفي . لقد دمر الغزو كل مقومات القطاع الزراعي من بنى تحتية لمشاريع الري وشبكاته، ولوثت البيئة تربة وهواء ولا سيما مصادر المياه من بحيرات وأنهار وسدود بالملوثات الكيميائية والنووية،  ودمرت مراكز الأبحاث وبنوك البذور المحسنة  ومستلزمات الإنتاج ناهيك عن خسارة الموارد البشرية نتيجة القتل والتهجير، وهو ما حول العراق إلى مستورد صاف للغذاء، وأضحى العراق مهددًا بفقدان أمنه الغذائي . إن العمليات العسكرية للاحتلال أدت إلى قطع وتجريف الكثير من البساتين وأشجار الحزام الأخضر حول المدن والشوارع الرئيسية مما فاقم من مشكلة التصحر بشكل كبير.

      كانت النزاعات السبب الرئيس في انخفاض الناتج المحلي الاجمالي والدخل القومي ومتوسط نصيب الفرد منهما بسبب التأثير المباشر للنزاعات على النفط، وإهمال المشاريع الصناعية والزراعية، وهروب رؤوس الأموال المحلية وعزوف مثيلاتها الأجنبية عن العمل في السوق العراقية، وتفاقم العنف والإرهاب والكلف البشرية والمادية والمالية المتزايدة لهما . نشأت كذلك مشكلة النزوح والهجرة والتهجير القسري. ومع نمو اقتصاد الحرب في العراق ارتفعت التخصيصات لقطاع الدفاع على حساب القطاعات الاقتصادية الأخرى.

 من الآثار السلبية للنزاعات الأكثر هدرًا لموارد البلد هي تنامي وتفاقم  الفساد الإداري والمالي، الفساد في السنوات الخمس ما بعد 2003م، كلف العراق 250 بليون دولار، حيث بلغ حجم الموازنات العراقية لعشر سنوات من 2006-2015م، نحو 1000 مليار دولار دون توفير خدمات أو فرص عمل لائق، وفي عام 2015م، بلغ حجم موازنة العراق 103 مليار دولار وهي تفوق إجمالي موازنات 12 دولة مجتمعة من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية . من 9000 مشروع لم ينجز سوى 500 مشروع وبنسب إنجاز لا تبلغ 40% ، كما ظلت نسبة 70 % من موازنة الدولة تشغيلية لسد رواتب الموظفين الذين  وصل عددهم إلى 4.2 مليون مقارنة بمليون موظف قبل عام 2003م، مع استمرار غسيل وتهريب الأموال من العراق والتي قدرت بنحو 130 مليار دولار .

 من جانب آخر قدرت الخسائر الاقتصادية  للأضرار من تنظيم " داعش" الإرهابي  الذي سيطر على ثلث مساحة العراق  في المحافظات السبع المتضررة ( بغداد ، نينوى ، الأنبار ، صلاح الدين، ديالى، كركوك ، بابل ) بنحو 45.7 مليار دولار ، وبحلول عام 2017م، بلغت الخسائر التراكمية الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بسبب النزاع 107 مليار دولار، أي ما يعادل 72% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013م، و 142% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي لعام 2013م. وكان قطاع الإسكان أكثر القطاعات الاجتماعية تضررًا  إذ بلغت تكلفة الأضرار  16 مليار دولار ، وفي قطاعات البنية التحتية يعد قطاع الطاقة الأكثر تضررًا بكلفة 7 مليار دولار يليه قطاع النفط والغاز بكلفة 4.2 مليار دولار ، تقدر احتياجات الإعمار والتعافي بمبلغ 88.2 مليار دولار. إن ضرب القطاع الاقتصادي بواسطة الإرهاب هو المفتاح لضرب القطاعات الأخرى، وأن الحرب الدائرة عالميًا الآن هي حرب اقتصادية، والإرهاب هو الوسيلة لتلك الحرب. تؤدي النزاعات إلى تفشي العنف واستشراء الفساد وانتشار الإرهاب، وهي أمور تقوض عملية التنمية المستدامة .

      تضافرت كل من الهشاشة والمديونية في تأزم وضع الاقتصاد العراقي ، إن الدين الناشئ عن الهدر والفساد والنزاعات أوقع العراق في شرك المديونية فاضحت إحدى أوضح صور المظاهر الاقتصادية للنزاعات، وهي بمثابة شرك يستدرج الدولة الهشة لتقع في فخ بلا عودة . في ظل هشاشة الوضع الاقتصادي والتمويلي الداخلي، لجأ العراق إلى القروض الخارجية بالدرجة بالأساس،  لا سيما بعد سيطرة الإرهاب عام 2014م ، إذ ارتفع الدين الخارجي من 58.1 مليار دولار عام 2014م، إلى  66.1 مليار دولار عام 2015م ، و استمر بالارتفاع وصولًا الى 84.6 مليار دولار عام 2018م. ووفقًا لمؤشر حجم الدين إلى قاعدة الموارد، ولكون الارتفاع في الدين ترافق مع الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي،  فإن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت من 24.8 % الى 36.8% ثم إلى 49.1% للسنوات المذكورة على التوالي. من جانب آخر ارتفع الدين الداخلي أيضًا من 17.1 مليار دولار إلى 27.1 مليار دولار ثم إلى 62.3 مليار دولار للسنوات المذكورة ذاتها  وبنسبة ( 32% - 55.1% -85.2 % ) من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي ، وهي نسب بعيدة عن المستويات التي وضعها صندق النقد الدولي والتي تتراوح بين 25-30 %  ، علمًا أن الدين الداخلي عاود الارتفاع الى 88.3 مليار دولار عام 2021 وبنسبة نمو 416% عن ما كان عليه في 2014م، وكذلك ارتفاع نسبته إلى 74.9 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021م .

ىالاااالعراق كأرض خصبة للنزاعات يعاني من ثلاثة متلازمات. أولاً: النزاع والهشاشة، فإن إعادة إعمار البلد المتضرر تستوجب بذل جهود استثنائية لا سيما في البيئة السياسية للعراق الهشة والمعقدة، وعليه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة إلا بتغيير دراماتيكي مدروس ودولة إنمائية فاعلة. ثانيًا: النزاع والفجوة التمويلية، كنتيجة لاستنزاف الموارد البشرية والمادية والمالية وبالتالي دخول البلد في فخ الفجوة التمويلية، لا سيما مع تدهور أسعار النفط بسبب الأزمات العالمية وجائحة كورونا . ثالثًا: النزاع وتشوه الصورة الدولية،  حيث يأتي العراق في المراتب المتأخرة من المؤشرات الدولية ( مؤشر مدركات الفساد، أخطر الدول، أسوء المدن، الدولة الهشة)  وما يترتب على هذا الأثر السلبي من عزوف للاستثمارات الأجنبية للعمل فيه لتمويل التنمية المستدامة.

  إن عودة الاقتصاد العراقي إلى سابق عهده من القوة وترميم اقتصاده عبر تعظيم مردود موارده وتعافي الناتج المحلي الإجمالي يعيقه النزاعات القليمية والداخلية المستمرة بتنافس النخب السياسية  على الموارد والسلطة، وانحلال العقد الاجتماعي والتماسك الاجتماعي والمستوى العالي من الهشاشة . لم يحدث أي تطور في عقلية الحكم سواء قبل وبعد 2003م، في مجال تنويع الاقتصاد العراقي والاهتمام بالاستثمار بالأنشطة الاقتصادية الأخرى للخروج من طوق الريعية المميت، مما أدى إلى عدم تراكم رأس المال وضعف النمو واستمرار التبعية للخارج حيث عوائد تصدير النفط توجه للاستيراد مرة أخرى. إذا استمرت طريقة الحكم في إدارة الموارد الاقتصادية، سيزيد الاعتماد على النفط والاستيراد ، وإن التركيز على الرؤية الأمنية فقط يعني استمرارية الوضع الاقتصادي السيئ الحالي.  

  أصبح الإصلاح السياسي و الاقتصادي في العراق ضرورة ويستوجب وضع برنامج اقتصادي لخلق تنمية مستدامة وبناء قاعدة لمشاريع  صناعية وزراعية مترابطة بهدف زيادة الناتج المحلي الإجمالي لسد جزء من الطلب المحلي المتزايد، وتعظيم موارد العراق من خلال فرض التعريفة الجمركية. وكذلك جذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل دور القطاع الخاص عبر تحسين قانون وبيئة الاستثمار وتصميم نماذج للمناطق الاقتصادية الخاصة الصناعية منها والتجارية لغرض جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والدولية وتفعيل دورها التنموي. كما أن العراق يمتلك قدرات كامنة لزيادة الصادرات من عدة منتجات عبر التكامل التجاري الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، كذلك يعد قطاع الأغذية الزراعية واعدًا في مجال الاستقرار وخلق فرص العمل، ولمساعدة قطاعه الإنتاجي غير النفطي فإن على صناع القرار الاستثمار في البنية التحتية المعززة للإنتاجية لدعم التنمية المتنوعة في مجال تطوير الممرات التجارية والمنافذ الحدودية البرية والبحرية وتوفير المياه والتنمية الريفية  فضلًا عن الاستثمار في تطوير رأس المال البشري.

مجلة آراء حول الخليج