array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

صناعة الإرهاب وتجارة الأمن

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

أصبحت صناعة الإرهاب رائجة اليوم لتبرير تجارة الأمن والمرتزقة، وما تطلق عليه الشركات الأمريكية (تجارة الأمن)، وتعد من الصفقات التجارية المربحة للغاية، وتفوق إيراداتها المالية حالياً مداخل النفط والذهب في العالم، خصوصاً بعدما ارتبطت هذه التجارة بمبررات وهمية صنعتها دوائر المخابرات والشركات الكبرى، السلاح، المرتزقة، المعدات، المعلومات، الفضاء.. إلخ.

جاءت هذه المبررات على شكل تهديد عالمي أطلق عليه (الحرب العالمية على الإرهاب) تذكيها نظريات راديكالية متشددة تتسق بمفاهيم المحافظين الجدد في أمريكا، وبدوافع اقتصادية تقودها فلسفة (مدرسة شيكاغو) لمنظرها ميلتون فريدمان بذراعيها الصدمة والعنف المطلق والتي يعتنقها عدد كبير من المحافظين، خصوصاً أن الشركات الكبرى باتت تسيطر وبشكل تام على مجريات ومقدرات صنع السياسة العالمية، وتتحكم في مصير الدول والأنظمة والشعوب، وسعت إلى فتح أبواب دول العالم على مصاريعها، واخترقت شعوبها وأنظمتها ومؤسساتها، وإعادة تشكيلها بشكل تعسفي يخدم مخططاتها، وألغت بذلك مفاهيم الوطن والأمة والمنظومة القيمية والجيوش المهنية، وفق مفاهيم خصخصة الحرب والاستحواذ على الرقع الدولية، وباستخدام (فوبيا) التنظيمات المسلحة التي أسهمت بنشرها وبشكل هلامي في العالم، والتي لا يمكن حصر وجودها وتنظيماتها والحدس بأفعالها، وكذلك صعوبة التأكد من أنها تقف خلف ما تروج له وسائل الإعلام المرتبطة بأجندة صناعة الإرهاب العالمي، وفي الغالب يجري تضخيم التهديد (صناعة العدو)، وخصوصاً أننا نعيش اليوم عالم الاتصالات المتطور، والتقنيات الرقمية الحديثة، وتسوده حمى الدعاية السياسية الإعلامية والمأجورة منها، وبذلك تم اغتيال النظام الرسمي العالمي ومنظوماته الوطنية التي تضع مفاهيم العقيدة الأمنية مبهمة على الدوام، وبذلك اخترقت كافة الحدود السياسية للدول، وأصبح العالم ميداناً حراً وسوقا مفتوحة لشركات المرتزقة والمعلومات والإلكترونيات والسلاح، وبذلك تحافظ على البيئة الأمنية الاستراتيجية الدولية والإقليمية مضطربة ومتقدة لغرض ديمومة تجارتها وما تسميه صناعة الإرهاب وتجارة الأمن.

(عقيدة رامسفيلد) تحطم بيروقراطية الجيش الأمريكي ومهنيته

يعتبر رامسفيلد وتشيني عرابي الانهيار العالمي، واندثار القيم العسكرية ومهنيتها وخصائصها، وذلك من خلال تبنيهما فلسفة خصخصة الحرب والإرهاب، وإشراك المرتزقة في الأعمال الحربية وصناعة الأعمال الإرهابية ذات التقنية الحديثة، خصوصاً في ما يتعلق بالعمليات الخاصة والاستخبارات والتحقيق والأسلحة المتطورة والقدرات اللوجستية الإدارية والاتصالات وغيرها، مع اقتصار الجندي على القتال فقط، وتعد هذه الفلسفة مدمرة للجيوش ونهجها المهني ومنظومتها التكاملية، وأضحت الجيوش بهذه الشاكلة تفكر بأن تقاتل من أجل المال لا من أجل العقيدة أو الدفاع عن تراب الوطن، وحصر الولاء للمالك والراعي المالي والمتعهد السياسي بدلاً من الشعب والدولة، وقد جرى بالفعل إخضاع المؤسسة العسكرية الأمريكية لهذه الصفقات، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وقد تمخض عنها إبرام صفقتي حرب أفغانستان والعراق من قبل المحافظين الجدد في أكبر عملية نهب عرفها العالم، وفي حرب العراق جاء رامسفيلد بأكبر جيش للمقاولين من المرتزقة لم يسبق له مثيل، وقدر بما يقارب الـ 100 ألف مرتزق، وأصبحت النسبة العاملة جندياً نظامياً واحداً يقابله مرتزق، وقد اعتبر رامسفيلد رسمياً أن المقاولين جزء من الآلة الحربية الأمريكية، وبذلك أعلن الحرب على (البنتاغون) لتمهيد الطريق أمام استخدام القطاع الخاص في شن حروب أمريكا وكصفقة تجارية مربحة، واعتمدت سياسة (البنتاغون) الجديدة على القطاع الخاص، وتوسيع نطاق الأعمال السرية، وأنظمة الأسلحة المتطورة، واستخدام أكبر للقوات الخاصة والمقاولين والطائرات من دون طيار، وتعد تجارة مربحة للغاية، وأصبحت ما يعرف بـ (عقيدة رامسفيلد) تحطم بيروقراطية الجيش المهنية التقليدية والضرورية والقيم الإنسانية والأخلاقية في العالم، وهذا فتح المجال الواسع لاستخدام المرتزقة في كل مظهر من مظاهر الحرب بما في ذلك القتل باسم الدولة والجيش والنظام الرسمي الدولي.

تحتفظ (بلاك ووتر) بسجل بياني 21 ألف عنصر سابق في القوات الخاصة، والجنود وعملاء تطبيق النظام المتقاعدين

وتولى ديك تشيني حليف رامسفيلد منصب وزير الدفاع إبان حرب الخليج 1991، وقد أعد دراسة عند ترؤسه شركة (هاليبرتون) حول كيفية خصخصة سريعة للعسكرية الأمريكية، علماً أن رامسفيلد وتشيني كانا أعضاء أساسيين في (مشروع القرن الأمريكي الجديد) الذي طرحه اليمين المتشدد في أمريكا كتوصيف للحرب الأيديولوجية المقبلة، وقد نشر مشروع القرن الأمريكي الجديد تقريراً سماه (إعادة بناء دفاعات أمريكا –القوى والموارد للقرن الجديد)، واعترف التقرير بوضعه رؤية لإصلاح آلة الحرب الأمريكية إصلاحاً شاملاً كما يزعم، وهذا يتطلب حدثاً كارثياً أو محفزاً حربياً مثل (بيرل هاربر جديدة)، وبالفعل بعد سنة شهد العالم أحداث 11 سبتمبر التي استثمرت بشكل وحشي لغزو العالم، وجاءت كمحفز حربي لهيكلة عقول الرأي العام وحشده حول صفقة (الحرب العالمية على الإرهاب)، ويعد تبريراً غير مسبوق للمضي قدماً في الأجندة الراديكالية التي وضعها العملاء السريين من المحافظين الجدد وممن تسلقوا السلطة في ظل إدارة بوش لعسكرة العالم وتسويق (فوبيا) الأمن المكلفة عبر العالم.

أصبح العالم ميداناً حراً وسوقاً مفتوحة لشركات المرتزقة والمعلومات والإلكترونيات

حروب تغير الأنظمة السياسية والنهب الاستعماري

تميزت إدارة الرئيس السابق جورج بوش بتوزيع الأدوار والمناصب على المحافظين دعاة الحروب التجارية، وقد تكدس في (البنتاغون) عدد منهم ومن المؤدلجين بمفاهيم راديكالية متشددة كمعبر لخلفياتهم المالية والمرتبطة بالشركات الكبرى، أمثال بول وولفويتز، ودوغلاس فيث، وزلماي خليل زاد، وستيفن كامبون، ومديرين تنفيذيين قدماء في الشركات المدمجة، وكثيرون منهم في شركات كبرى لصناعة الأسلحة أمثال نائب وزير الدفاع بيت الدريدغ- شركة أيرو سبيس، ووزير الجيش توماس وايت-شركة أنرون، ووزير البحرية غوردون انغلند-شركة جنرال داينميكس، ووزير سلاح الجو جيمس روش- شركة نورثروب غرامان وجاءت القيادة المدنية الجديدة إلى (البنتاغون) بأهداف أساسية ذات منحى استراتيجي، مما يؤكد حقيقة صناعة السياسة والحرب من قبل الشركات وبطابع تجاري بحت ولعل أبرز مرتكزاتها:

1- ديمومة حرب تغير الأنظمة السياسية في الدول الاستراتيجية المستهدفة.

2- ديمومة النهب الاستعماري بمرحلتين الأولى، تجريد الأرض من ثروتها والثانية، تجريد البلد من أراضيه.

3- تطبيق عملية الخصخصة وفق عقيدة فريدمان بالصدمة والعنف.

4- فتح سوق الشركات والاستثمار داخل المؤسسة الأمريكية كأسبقية أولى.

5- إلغاء فلسفة الدولة والنظام الرسمي الدولي وقيود القانون الدولي.

6- غزو دول الاهتمام الاستراتيجي وإلحاق بيئتها السياسية ومناخها الاجتماعي لتصبح دولاً شركاتية تابعة بعد تحطيم قدراتها واقتلاع مرتكزاتها الثقافية والفكرية والمؤسساتية.

7- ديمومة الحرب العالمية على الإرهاب كمبرر أساسي لصناعة الإرهاب وتجارة الأمن.

8- قرصنة رؤوس الأموال الأمريكية على محاور السياسية الخارجية الأمريكية وتطويع القوة لتنفيذها ضد الدول المستهدفة.

9- تعميم فلسفة تجزئة الحرب وخصخصة الموارد خارج مسارح الحركات.

حروب القسم الخامس في القوة الأمريكية الشاملة

تعد مجموعة شركات (بلاك ووتر) جيشاً خاصاً مخيفاً وخطيراً، يسيطر عليه شخص واحد يخوض حروباً غير شرعية متعددة، وهذه الشركة إحدى الشركات المتعهدة بتطبيق الحرب العالمية على الإرهاب كمبرر ومعالجة، وقد اتسعت مهامها وفعالياتها، وتغلغلت في المؤسسات الأمريكية، وخصوصاً دوائر صنع واتخاذ القرار في واشنطن، وتصنفها العقيدة العسكرية الأمريكية على أنها (القسم الخامس في القدرة الأمريكية الشاملة) بعد الجيش، البحرية، سلاح الجو، المارينز، بلاك ووتر.

وتحتفظ (بلاك ووتر) بسجل بياني لواحد وعشرين ألف عنصر سابق في القوات الخاصة، والجنود، وعملاء تطبيق النظام المتقاعدين، اللذين يمكن أن تستدعيهم في أي لحظة كجيش احتياط، وتمتلك (بلاك ووتر) أسطولاً خاصاً من الطائرات، وكذلك الهليكوبتر الهجومية، وحوامات، وفرقة من مناطيد الرصد الصغيرة، والطائرات المسيرة، وتدير الشركة فرقة استخبارات خاصة بها، وتعتمد الشركة في تعيين مديريها من كبار المسؤولين السابقين في الجيش والاستخبارات حصراً، وأن بعض مديريها التنفيذيين يتباهون بانتمائهم إلى (فرسان مالطة) ذات السيادة، ولديها صندوق العمليات الأسود السري، والذي لا تكشف عن حقيقة وأسعار عقودها مع الحكومة الأمريكية، وكالة الاستخبارات الأمريكية، والشركات أو الأفراد والحكومات الأجنبية المتعاملة معها، وتستطيع مجموعة (بلاك ووتر) أن تزعزع أنظمة وحكومات كثيرة في العالم وفق نظرية صناعة العدو، وتذكي صراعات ونزاعات عرقية وطائفية لتنفيذ مخططات التفكيك السياسي وخصوصاً في العالم العربي والإسلامي، وكذلك تنفذ عمليات قذرة وسط حشود المدنيين للتأثير في المسرح السياسي عبر ما يسمى (الحركة) ضمن حرب الصدمة النفسية، وذلك لاحتكامها إلى مفاعيل القوة والحصانة والقدرة المكتسبة، مع قدرتها على التأثير في ميدان السياسة الدولية وعبر لوبي (بلاك ووتر) المتخندق في مركز صنع القرار الأمريكي في واشنطن.

تميزت إدارة بوش بتوزيع الأدوار والمناصب على المحافظين دعاة الحروب التجارية

وتوسعت شركة بلاك ووتر في العراق كثيراً، وفي عهد بريمر أتاح لها العمل وبحصانة قانونية، وقد أصدر بريمر السيئ الصيت القرار 17 في 28/6/2004، ويعطي بذلك حصانة من الملاحقة القانونية في العراق، في حين يخضع الجيش الأمريكي لمساءلة قانونية عسكرية تتعلق بقواعد الاشتباك، وهذا شجع على رواج سوق العراق للمرتزقة كأحد العوامل المغذية للعنف والإرهاب ضمن فلسفة الصدمة، وأضحت تلك الشركات قوة خفية خطيرة تتحكم في مقدرات العراق السياسية والاقتصادية والأمنية وكذلك العسكرية، حيث كلف العقيد توماس إكس ببناء الجيش الجديد بعد غزو العراق، ويلاحظ أن سلوك عمليات الجيش الحالي يتسق تماماً مع الفلسفة العملياتية لدوائر الـ (إف بي آي) وشركات المرتزقة الأمريكية وتبدو كقوات شرطية فقط.

وأصبح عدد شركات المرتزقة الأجنبية في العراق ما يقارب الـ 60 شركة، وقد أسست (اتحاد الشركات الأمنية في العراق –PSC)، ناهيك عن توسيع قدرتها المكتسبة وأذرعها، وتشكيل شركات بواجهات عراقية لتقوم بتجنيد الشعب البائس الجائع للعمل في مجال الأمن السياسي لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وبرواتب زهيدة تتراوح بين (600 -800) دولار في الشهر، بينما يتقاضى المجند الأمريكي أو البريطاني 1200 دولار في اليوم. وهنا نقف أمام حقيقة تشير إلى أن تدمير وتجريف مؤسسات الدولة العراقية كان مخططاً له بعناية ولم يكن ذا طابع استراتيجي وعقائدي راديكالي فحسب، بل ذو منحى اقتصادي وفق فلسفة (مدرسة شيكاغو) - فريدمان، وجرت بالفعل خصخصة مؤسسات ومرافق الدولة العراقية بالكامل منذ أيام الصدمة الأولى في ظل نيران الحرب والإرهاب الدولي، وبلغت تكاليف تشكيل القوات المسلحة الحالية أرقاماً فلكية وبما يزيد على تريليون دولار، وتعد تلك الترتيبات من أبجديات الأمن السلبي لديمومة حمى الإرهاب، التي لم تكن موجودة أصلاً في العراق قبل غزوه، وقد أصبحت صناعة الإرهاب أمراً ضرورياً لهذه التجارة الرائجة والتي تستنزف الشعوب والمجتمعات والدول، وتستنزف ثوراتها، وفق فلسفة الخوف وصناعة التخويف، خصوصاً إذا علمنا أن مرتكزات الاستراتيجيات الأمريكية الثلاث (العسكرية- النووية- الأمن القومي) عاملها المشترك محاربة ما تسميه (الفاعلين غير الحكوميين) كالقاعدة والتنظيمات المسلحة الأخرى، مما يؤكد هيمنة هذه الشركات على مقدرات السياسة الداخلية والخارجية الأمريكية، وكان آخر مقترح لـ (البنتاغون) مطالبة بتشكيل جيش صغير في العراق لحماية الوجود السياسي الأمريكي بعد (ترقيق) القطعات أو انسحاب جزء منها وفق رقع محسوبة ضمن (المهارشة) الاستراتيجية في المنطقة.

وأخيراً نقول إن العراق والعالم العربي يتجهان إلى منحدر خطير تقوده هذه الشركات بشكل متداخل، وهي متغلغلة في مرافق الحياة كافة، وتصنع الحدث لتعرض المعالجة، وقد أصبح هاجس الدول اليوم هو الحرب على الإرهاب من دون الالتفات إلى خطورة عسكرة المجتمعات والانكشاف الحربي والتفكيك السياسي والحرب الديموغرافية والإرهاب الفكري، وكل تلك المخاطر تعد منظومة متكاملة لتكون عوامل مغذية لصناعة الإرهاب وتجارة الأمن التي تسوقها (كارتل) الشركات.

مجلة آراء حول الخليج