array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 165

الصين وروسيا .. محور الشرق الصاعد

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

منذ التسعينات وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة عقود شهدت العلاقات بين بكين وموسكو قفزات نوعية واضحة وتفاهمات عميقة المدى يدعمها تعاون متنامى في مختلف المجالات، مما يؤشر لتحالف استراتيجى مستقر ومتعدد الأبعاد والمرتكزات بين البلدين. ولعل أولى هذه المرتكزات هو الاعتماد المتبادل والتعاون في مجال الطاقة، فالصين أكبر مستورد للطاقة في العالم وروسيا ثاني أكبر مصدريها، وقد كان إطلاق خط "قوة سيبيريا" في 2 ديسمبر 2019م، منعطفاً هاماً "أرتقى بالعلاقلات الصينية الروسية إلى مستوى جديد" على حد تعبير الرئيس الروسى فلاديمير بوتين وكفل شراكة متنامية بين البلدين لثلاثة عقود قادمة. وكانت شركة "غازبروم" الروسية قد وقعت عام 2014م، مع شركة "سي. إن. بي. إس" الصينية أكبر اتفاقية في تاريخ تجارة الغاز عالمياً، أُطلق عليها "صفقة القرن" بين البلدين، وتقضي بتوريد 38 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز الروسي للصين بقيمة 400 مليار دولار خلال 30 عامًا، وذلك عبر خطوط نقل مباشرة من سيبيريا أهمها خط أنابيب "قوة سيبيريا"، الذي يبلغ إجمالي طوله حوالي 4 آلاف كيلومترا إلى جانب إنشاء مستودعات لتخزين الغاز في الصين.

يأتي هذا في إطار تعاون اقتصادي وتقني متسارع الوتيرة بين بكين وموسكو، فخلال عام 2020م، ورغم أزمة كورونا التي اعتصرت العالم إنسانياً واقتصادياً، تمكن البلدان، وفق تصريح الرئيس بوتين خلال اجتماعه مع رؤساء وكالات الأنباء العالمية في 4 يونيو 2021م، على هامش منتدى بطرسبورج الاقتصادي الدولي، من الحفاظ على التبادل التجارى بينهما عند مستوى 100 مليار دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ العلاقات بينهما وعالمياً، خاصة مع استخدام العملات الوطنية، الروبل واليوان، في التعاملات بينهما وعبر البنوك المشتركة. ويسعى البلدان إلى الوصول به إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2024م، ويعادل هذا حجم التبادل التجارى بين الصين والقارة الإفريقية كلها تقريباً.

كما يجمع البلدين كيان اقتصادي مشترك يتمثل في مجموعة "بريكس"، إلى جانب الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، وتم الاتفاق على ربط مشروع "الحزام والطريق" الذي تقوده بكين، والاتحاد الاقتصادى الأوراسي الذى تقوده روسيا لتعميق الشراكة الاقتصادية بينهما، ويمثل الأخير فضاءً تجاريًا واستثماريًا هامًا وداعمًا للصين في مواجهة الحرب التجارية الأمريكية كما إنه معبر رئيسي في مشروع الحزام والطريق. ويحرص الرئيس الصينى شى جين بينج بصحبة أضخم الوفود من المسؤولين ورجال المال والأعمال على المشاركة في  "المنتدى الاقتصادي الشرقي" الذى تنظمه روسيا سنوياً منذ عام 2015م، لتطوير الاستثمارات المشتركة والتعاون في منطقة الشرق الأقصى الروسي، وتشهد الاستثمارات المشتركة بين البلدين نمواً ملحوظاً ويتم تنفيذ أكثر من 30 مشروعًا مشتركًا في المجالات المختلفة بعضها في الأقاليم الروسية ومنها الشرق الأقصى الروسي الذى يمثل فضاءً رحباً للتعاون والاستثمار المشترك بينهما، من أبرزها إنشاء ممر للنقل يتضمن خطوط برية وبحرية لتسهيل التنقل بين البلدين، وتطوير البنى التحتية الحدودية بينهما. من ناحية أخرى، تتيح الحرب التجارية بين بكين وواشنطن آفاقًا جديدة للاقتصاد الروسي حيث تفتح أسواقًا جديدة للصادرات الزراعية الروسية ومنها فول الصويا وغيرها للصين.

وعلى الصعيد التقني النوعي أطلق الرئيسان الصيني شي وبوتين في 19 مايو 2021م، عبر جسر تلفزيوني عمليات البدء في بناء الوحدات النووية الجديدة في محطتي تيانوان وشوداباو، وكان البلدان قد وقعا في يونيو 2018م، حزمة اتفاقات مهمة في المجال النووي، تعد الأكبر في تاريخ تعاون البلدين في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وتتضمن مشاريع قائمة على التكنولوجيا المتطورة لا نظير لها في الصناعة النووية العالمية، ليؤكد البلدان قيادتهما في المجال، تشمل قيام شركة "روس أتوم" الروسية للطاقة النووية ببناء أربع مفاعلات نووية في الصين تبلغ قدرة كل منها 1200 ميجاوات، اثنان منها في محطة تيانوان النووية، واثنان في محطة شوداباو، ومن المقرر تشغيل الوحدات الأربع خلال عامي 2027/2028م.

أما المرتكز الثاني فيتمثل في التعاون العسكري بين البلدين الذي اقترب كثيراً من مستوى التحالف الاستراتيجى بينهما. ومن المعروف أن منظومات التسلح في روسيا والصين متقاربة، وكانت الصين منذ عقدين تمثل السوق الرئيسى للسلاح الروسى وتستأثر وحدها بما يزيد عن 50% من إجمالى مبيعات الأسلحة الروسية بعائد تراوح بين 1 إلى 5,1 مليار دولار سنوياً، هذا إلى جانب تدريب الضباط الصينيين في المعاهد والأكاديميات العسكرية الروسية. ومع تطور الصناعات العسكرية في الصين تراجعت وارداتها من الأسلحة الروسية واقتصرت على منظومات نوعية عالية التقنية، مثل مقاتلات "سو-35" الروسية، ومنظومة صواريخ "إس-400" الروسية التى تسلمتها الصين عام 2018، لتكون بكين أول من يحصل عليها، الأمر الذي يزعج واشنطن وتعتبره تهديداً "للسيطرة الجوية الأمريكية" في منطقة شرق آسيا رغم كونها منظومات دفاعية.

كما تعد المناورات المشتركة أحد أبرز محاور هذا التعاون الاستراتيجى، ومن أهمها "مهمة السلام" لمكافحة الإرهاب التى تجريها سنوياً مع باقى دول منظمة شنجهاى التى تضم البلدين إلى جانب الهند وباكستان وأربعة من دول آسيا الوسطى، والمناورات الجوية المشتركة بعيدة المدى التى أُجريت للمرة الأولى بين القوات الجوية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني والقوات الجوية الروسية في 23 يوليو 2019م، فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي بالمحيط الهادى، و"التعاون البحري-2019"، التى أجريت للمرة الأولى أيضاً في مايو من نفس العام في المحيط الهادى على الساحل الشرقى للصين، وكان أخرها "التعاون -2021" منتصف أغسطس وشارك فيها 13 ألف من قوات الجيشين الروسي والصيني في منطقة نينجشيا الصينية. ولهذا التركيز الروسي / الصيني على منطقة شرق آسيا والمحيط الهادى دلالته فيما يتعلق بالتوازن الاستراتيجي في تلك المنطقة، والذي بدأ يميل تدريجياً لصالح الصين وروسيا، وتعد المناورات مؤشرًا على ذلك ورسالة هامة للولايات المتحدة التى طالما كان لها النفوذ الأكثر تأثيراً في المنطقة بالنظر للحضور العسكري الأمريكي الضخم في اليابان وكوريا الجنوبية والمحيط الهادي عامة، وكون طوكيو وسيول والعديد من دول المنطقة حليف استراتيجى لواشنطن.

ولا يمكن تجاهل التصعيد الأمريكي إزاء البلدين كعامل في دفع التنسيق الاستراتيجي بينهما، ففي خطابه الذي ألقاه بوزارة الخارجية الأمريكية، يوم 4 فبراير، شدد بايدن على ما تمثله روسيا ومعها الصين من تحدى وتهديد للولايات المتحدة، وفي 26 يوليو اعتبرت وزارة الدفاع الأمريكية أن الخطر الرئيسي للولايات المتحدة على المدى الطويل يكمن في الصين، وعلى المدى القصير تمثله روسيا. فقد حذرت القيادة الاستراتيجية الأمريكية التي تشرف على الترسانة النووية في 28 يوليو 2021م، من توسع كبير في حقول صوامع الصواريخ النووية الصينية، وأن لدى الصين وفق بعض التقديرات ما يقرب من 250 صومعة صواريخ تحت الأرض قيد الإنشاء، ويشكل هذا أكبر بناء لصوامع منذ إنشاء صوامع الصواريخ الأمريكية والسوفيتية خلال الحرب الباردة، ويعني أن بكين تخلت جذريًا عن استراتيجيتها المستمرة منذ عقود والمبنية على "الحد الأدنى من الردع". وفي مارس 2021 م، صنفت واشنطن 5 شركات صينية على أنها "تهديد للأمن القومي" بينها "هواوي". كما تم اتهام موسكو وبكين بنشر الأقمار الصناعية في مدارات "قريبة جدًا" من أقمار الآخرين لجمع المعلومات الاستخبارية وتطوير تكنولوجيات مضادة للأقمار الصناعية بما في ذلك "أسلحة الليزر التي تسبب العمى" للأجهزة الفضائية الأخرى، وآليات " تنفيذ التشويش الإلكتروني المتعمد"، مما يشير لتعدد أبعاد التنافس والمواجهة بين الجانبين.

وتعتبر كل من موسكو وبكين السياسة الأمريكية "العدائية" أبرز التهديدات والتحديات المشتركة التى تواجههما معاً، وتعتبر كلاً منهما ظهيرًا وعمقًا استراتيجيًا للأخر، وتعملان على الانتقال لنظام دولى متعدد القوى تمثل أوراسيا مركز ثقل وقائدًا فيه على الصعيدين الاقتصادى والاستراتيجى. فعلى الصعيد الاقتصادي، أطلق البلدان "بنك بريكس" للتنمية وتعملان على إنشاء أنظمة مصرفية ومالية مستقلة عن نظام "سويفت" الدولي للخدمات المصرفية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. يتزامن ذلك مع سعيهما لفك الارتباط بالدولار، وقد أطلقت الصين بورصة عالمية في شنغهاي للطاقة يتم تداول عقود النفط فيها بالعملة الصينية في خطوة وصفت بضربة قوية للـ"بترودولار". وأظهر مسح "المستثمر الحكومي العالمي" الصادر عن "منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية"، وهو مؤسسة فكرية مستقلة تنشط في بريطانيا والولايات المتحدة، في يوليو 2021 أن اليوان قد يصبح عملة عالمية، حيث تخطط نحو 30% من المصارف المركزية في العالم لزيادة احتياطياتها من العملة الصينية على مدى العامين القادمين، وتبلغ حصة اليوان 10% من احتياطيات النقد الأجنبي للمصارف المركزية. كما تتخذ روسيا خطوات جادة للتخلي التام عن الدولار في التعاملات التجارية، والتحول السريع نحو استخدام العملات الوطنية والعملات الأجنبية الأخرى غير الدولار في تعاملاتها التجارية مع الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا، وأعلنت شركة "روس أوبورون إكسبورت" التي تدير معظم صادرات الأسلحة الروسية، أنها تخلت عن الدولار الأمريكي في صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية. ولا شك أن حلحلة وضع الدولار كعملة عالمية مهيمنة ستؤثر حتماً على الاقتصاد الأمريكى، وتفقد واشنطن أداة هامة للتأثير الدولى، وتعد مؤشرًا قويًا على التحول باتجاه نظام اقتصادي عالمي جديد.

على الصعيد الاستراتيجى، تتطابق المواقف الصينية والروسية من القضايا الدولية والإقليمية المختلفة ويأتي في مقدمة ذلك سوريا ومكافحة الإرهاب الذي يشهد تعاونًا واسع النطاق بين بكين وموسكو على المستوى الثنائي وفي إطار منظمة شنغهاي، وكذلك الحال فيما يتعلق بالتطورات في أفغانستان، إلى جانب المحاولات الأمريكية لإعادة التمركز في دول آسيا الوسطى. وفي هذا السياق عُقد مؤتمر طشقند حول آسيا الوسطى والجنوبية في 16 يوليو للتنسيق بشأن إجراءات ضمان الأمن الإقليمي في المنطقة، والذي أكد خلاله وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف إن العلاقات الروسية / الصينية عند أعلى مستوى لها في التاريخ. وتدعم الصين روسيا في الملف الأوكراني وفي المقابل تدعم روسيا الصين في قضية بحر الصين الجنوبي. كما كان هناك تعاونًا ودعمًا متبادلاً بين البلدين خلال أزمة كورونا لمواجهة الوباء وتطوير اللقاحات المضادة له وإجراء اختبارات مشتركة لهذا الغرض.

إن تزامن التصعيد في المواجهة بين واشنطن وبكين على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي حول مدى واسع من القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، مع التدهور غير المسبوق في العلاقات الأمريكية / الروسية وضع موسكو وبكين في خندق واحد، إلا أن الشراكة المتنامية بينهما ليست "اضطرارية" في مواجهة التهديدات الأمريكية، ولكنها خيار واع  تحكمه المصالح المتبادلة بما فيها التصدي للولايات المتحدة، فهي محض إرادة واعية تنطلق من رؤية استراتيجية بعيدة المدى وتمثل توجهاً ثابتاً ومستقرًا لدى البلدين. يدعم ذلك أجواء من الود والتفاهم الشخصي بين الزعيمين بوتين وشي جين بينج، ولأول مرة في تاريخ الصين منح شي الرئيس بوتين وسام الصداقة عام 2018م، الذي يعد أرفع وسام دولة يُمنح للشخصيات الأجنبية في الصين، وذلك تقديراً لشخصه ودوره في النقلة النوعية التي شهدتها الشراكة بينهما، وهو ما أكده شى بقوله: "إن الرئيس بوتين صديقنا الأول، ويحظى باحترام الشعب الصيني ويقدم إسهاما رائعا في تطوير العلاقات الصينية / الروسية وتعزيز الصداقة بين شعبينا". وعكس مشهد بوتين وشي وهما يستقلان قطارًا كهربائيًا سريعًا من بكين إلى مدينة تيانجين تتجاوز سرعته 300 كم في الساعة، واقع ومستقبل الشراكة الصينية الروسية والتي انطلقت هي الأخرى بالسرعة القصوى نحو المستقبل.

إن النظام الدولي متعدد القوى أصبح واقعًا لا يخطئه أي محلل أو باحث، ونجح الصعود اللافت لمحور الصين / روسيا الشرقي في تشكيل خريطة جديدة لتوازنات القوى الدولية، وبقدر ما يفرض هذا تحديات لبعض الدول، فإنه يتيح فرصاً لأخرى. وكما يقوم هذا المحور على المصالح المتبادلة فإن المصالح هى البوصلة التى تحكم حركته ومواقفه وعلاقاته مع مختلف الدول، فهو محور برجماتى يسعى لتحقيق مصالحه وضمان أمنه ليس على حساب الآخرين ولكن بالمشاركة معهم. إن كلاً من الصين وروسيا تنطلق من مبدأ "الكل رابح win win"، والتنمية للجميع، وإن الأمن كل لا يتجزأ، وإن السبيل الوحيد لضمان النمو الاقتصادي والحفاظ على الأمن والاستقرار هو في بناء الشراكات الاقتصادية والأمنية القائمة على المصالح المتبادلة والاحترام للخصوصيات الثقافية والتنموية والسياسية، ودون إملاءات أو شروط.

وترتبط دول الخليج، لاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات، بعلاقات استراتيجية مع البلدين وقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة البلدين عام 2017م، وقام الرئيس شي بزيارة الرياض في 2016م، والإمارات عام 2018م، وزار الرئيس بوتين البلدين في 2019م، كما زار  صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع البلدين وذلك في تأكيد على سعي المملكة على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية والاستفادة من الفرص المتاحة لدى البلدين في دفع خطط التنمية ورؤية المملكة 2030. وتكررت زيارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى روسيا والصين، وكانت زيارته للأخيرة في يوليو 2019م، الرابعة منذ عام 2009م، وكذلك الحال بالنسبة لباقي دول الخليج التي تبدي اهتماماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة بتطوير العلاقات مع الصين وروسيا على النحو الذي يدعم خططها التنموية وأمنها.

إن الصين شريك اقتصادي رئيسي للخليج وتعتبر إمدادات الطاقة من أهم ركائز العلاقات الاقتصادية بين بكين والرياض حيث تعتبر الأخيرة أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين وشريك رئيسي في مشروع "الحزام والطريق"، فالمملكة ومنطقة الخليج حلقة وصل لا غنى عنها لنجاح المشروع الصيني العملاق. وكذلك الحال بالنسبة لموسكو التي ترى في التنسيق مع الرياض بشأن أسعار النفط في إطار صيغة "أوبك +" دعامة أساسية للأمن القومي الروسي، وتتطلع لشراكات اقتصادية واستثمارية أوسع معها، وهناك مدى واسع من الفرص المتاحة لتطوير التعاون الاقتصادى والتقنى بين الخليج والبلدين. وأكد وزير الخارجية الصيني وانج يي خلال لقاء نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان على هامش مشاركتهما في المؤتمر الدولي لآسيا الوسطى وجنوب آسيا الذي عقد في أوزبكستان في 17 يوليو 2021م، أن بلاده تولي اهتمامًا كبيرًا بالشراكة الاستراتيجية الشاملة مع السعودية، مؤكدًا أن الصين تدعم بقوة المملكة العربية السعودية في حماية سيادتها وأمنها، وأن الصين ستواصل تقديم المساعدة للسعودية في مكافحة كورونا، ودعم رؤية السعودية 2030، ومبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، وتعزيز التعاون بين الصين والمملكة العربية السعودية في مجالات مثل الطاقة والاستثمار والتمويل.

ولا تقل الفرص المتاحة على الصعيد الاستراتيجي أهمية حيث تنطلق بكين وموسكو من رؤية تقوم على أنهما خارج أي تحالفات في المنطقة والحرص على دعم الاستقرار والأمن في الخليج العربي وبناء شراكات جادة ومتوازنة مع الدول العربية وغير العربية في المنطقة. ورغم أن كلاً من الصين وروسيا تعد من الشركاء الاستراتيجيين لطهران فإنهما لا تقلان حرصاً على تحجيم القدرات النووية الإيرانية وقصرها على الاستخدامات السلمية، وترى في الاتفاق النووي الإيراني آلية هامة لذلك، ويمكن أن يكون البلدان قناة للتواصل مع طهران والدفع نحو ترتيبات بناء الثقة في المنطقة، وأبدت بكين وموسكو استعدادهما للتوسط في تسوية الخلافات بين الرياض وإيران ودعم الاستقرار والسلام في المنطقة. وقد قامت روسيا ومجلس التعاون الخليجي باستحداث آلية للحوار الاستراتيجي الروسى الخليجى عام 2011م، وتبعتها الصين في إطلاق الحوار الاستراتيجي الصيني /الخليجي عام 2014م، للتنسيق بشأن القضايا الأمنية والاستراتيجية المختلفة ذات الاهتمام للطرفين. ووافقت منظمة شنغهاي للتعاون، التى تضم الصين وروسيا والهند وباكستان وأربعة من دول آسيا الوسطى، على ضم السعودية ومصر إلى قائمة شركائها في يوليو 2021م، لتتم المصادقة على القرار في قمة المنظمة بمدينة دوشنبه عاصمة طاجيكستان في سبتمبر. الأمر الذي يتيح تنسيق أكبر بين بكين وموسكو والرياض حول قضايا مكافحة الإرهاب والجرائم الإلكترونية، وأمن الخليج والأمن الإقليمي عامة.

ومن بين القضايا الأبرز التى يمكن أن تكون محل تنسيق بين الصين وروسيا والخليج هى تلك التطورات التي تجتاح أفغانستان منذ استيلاء طالبان على السلطة وإحكام قبضتها على البلاد، ورغم أن البعض يرى فيها قوة سنية قادرة على موازنة إيران، إلا أن خبرة حكم طالبان في التسعينات وغموض توجهاتها القادمة تثير العديد من المخاوف خاصة وأن ردود الفعل الأولية لإيران لا تعكس ذلك. ويبرز في هذا السياق محورية دور الصين وروسيا باعتبارهما القوى الدولية المعنية مباشرة بالأمن الإقليمي في منطقة وسط آسيا، واحتفاظهما بقنوات اتصال مفتوحة مع طالبان.

فقد أبقت بكين وموسكو على سفارتيهما في كابول وتعهدت طالبان بضمان أمن وسلامة دبلوماسيي البلدين، مما يشير إلى تفاهمات أعمق بين البلدين وطالبان. ويرى البعض أن الولايات المتحدة أرادت بانسحابها من أفغانستان أن تجعل من طالبان قنبلة موقوتة في وجه روسيا والصين وإيران، ويبدو أن بكين وموسكو كانوا على وعي بهذا وتحركوا مبكراً باتجاه طالبان لاحتوائها وصياغة تفاهمات حول الخطوط الحمراء التي تضمن بقاء البلدين على الحياد وربما تطوير العلاقات مع طالبان في المستقبل وملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي بما يضمن مصالح البلدين وأمنهما، ورحبت طالبان بالخطوات الصينية والروسية باعتبار البلدين أكثر القوى تأثيراً وتأثراً بوسط آسيا والتنسيق معهما عامل حاسم لنجاح مخطط طالبان، فتعهدت بعدم إيواء أي جماعة، أو فصيل، أو حركة معادية للصين وروسيا. كما تعهدت طالبان خلال زيارة وفدها لموسكو في 8 يوليو 2021 م، بمكافحة "داعش" وعدم خرق حدود دول آسيا الوسطى الحليفة لروسيا، وكانت الزيارة في إطار اتصالات ومفاوضات مستمرة بين طالبان وموسكو، من بينها استضافة الأخيرة مؤتمراً للسلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان في مارس الماضي. والتقى وفدًا من قادة طالبان بقيادة المسؤول الثاني في الحركة الملا عبد الغني بارادار وزير الخارجية الصيني وانج يي ونائب وزير الخارجية والممثل الصيني الخاص لشؤون أفغانستان يوم 28 يوليو 2021م، وكانت المرة الأولى التي يعترف فيها وزير الخارجية الصيني بأن طالبان “قوة سياسية وعسكرية حيوية في أفغانستان” وجاء هذا الاجتماع ضمن سلسلة من الاتصالات والمفاوضات بين الجانبين بدأت منذ عام 2015م.

إن محور الشرق الصاعد، الصين وروسيا، أصبح قوة اقتصادية وتقنية واستراتيجية قائدة ومؤثرة في التطورات الدولية والإقليمية، وهي لا تسعى لتأجيج المواجهة مع واشنطن أو الانخراط في سباقات تستنزف قواها، ولكنها قادرة على الوقوف بحزم في مواجهة الضغوطات الأمريكية التى قد تبطئ بعض الشئ من تقدمها ولكن لا يمكن لها أن تعرقلها أو تجهز على نجاحها اللافت. كما أنها دول جوار للخليج العربى ومعنية بالأمن والاستقرار في المنطقة وتعتبرهما ضرورة لأمنهما القومي ومصالحهما في المنطقة وعلى الصعيد الدولي، وهي حريصة على بناء الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع دول الخليج على النحو الذي يضمن المصالح المتبادلة والأمن للجميع.

مقالات لنفس الكاتب