array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 166

ثلاثة محاور تحمل السيناريوهات المستقبلية للاستراتيجية الروسية لاحتواء طالبان

الثلاثاء، 28 أيلول/سبتمبر 2021

أدى الانسحاب الأمريكي السريع من أفغانستان وما صاحبه من فوضى إلى إرباك روسيا كغيرها من دول الجوار الأفغاني، وطرح التساؤل حول كيفية تعاطى موسكو مع طالبان والتطورات المتلاحقة المصاحبة لوصولها إلى السلطة. إن خبرة حرب السنوات العشر (1979 – 1989م) في أفغانستان مازالت محفورة في الذاكرة والوجدان الروسي، ولا يمكن لعدو الأمس أن يكون صديق اليوم بسهولة لاسيما مع استمرار التناقضات وما تمثله من تهديد مباشر على أمن ومصالح روسيا وحلفائها، إلا أن برجماتية السياسة الروسية اقتضت التعامل مع الأمر الواقع في أفغانستان وسيطرة طالبان على الحكم.

إن روسيا معنية بأفغانستان، واحتواء التهديدات التي قد تنجم من سيطرة طالبان على الأراضي الأفغانية وحالة عدم الاستقرار التي تجتاحها. فقد انتقد الرئيس بوتين أسلوب الانسحاب الأمريكي ووصف الأحداث التي شهدتها أفغانستان بأنها "كارثة"، وأن التواجد الأمريكي في أفغانستان استمر 20 عامًا دون تحقيق أي تقدم، والنتيجة صفر.. مآس وخسائر فقط حيث أنفقت الولايات المتحدة على حملتها في أفغانستان أكثر من 1.5 تريليون دولار، دون نتائج.

إن عدم الاستقرار في أفغانستان يمثل تهديداً لدول جوارها من الدول السوفيتية السابقة التي لا تزال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بروسيا، وبعضها عضو منظمة معاهدة الأمن الجماعي وهي تحالف سياسي وعسكري يضم روسيا وكل من طاجيكستان وقرغيزستان وكازاخسان وبلوروسيا وأرمينيا. كما تبدى روسيا قلقاً شديداً من أن تصبح أفغانستان نقطة انطلاق للجماعات الإسلامية المتشددة الأخرى، وملاذاً آمناً للجهاديين من منطقة القوقاز الروسية والعالم، لا سيما الموالين لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، أو أن يتمكن الإرهابيون، سواء بشكل مباشر أو تحت ستار اللاجئين، من التسلل من أفغانستان والوصول إلى الدول المجاورة لروسيا ومنها للأراضي الروسية. وأشار الرئيس بوتين إلى أن العديد من الجماعات المتطرفة تنشط في أفغانستان، مثل "حركة أوزبكستان الإسلامية"، وتشكل خطرًا على أمن جيران روسيا وحلفائها في منطقة آسيا الوسطى، خاصة وأنه ليست هناك أي قيود متعلقة بالتأشيرات عبر الحدود بينهما.

هذا إلى جانب خطورة حالة عدم الاستقرار في أفغانستان وما يرتبط بها من مخاطر منها تهريب المخدرات والسلاح وغيرها. ومن المرجح استمرار حالة عدم الاستقرار في أفغانستان في ضوء هجمات إرهابية محتملة من جانب فرع تنظيم داعش في أفغانستان والمعروف بتنظيم الدولة في خراسان، المسؤول عن العمليات الإرهابية بمطار كابل، وحرب عصابات من جانب جبهة المقاومة الأفغانية المتمركزة في ولاية بنجشير، بقيادة أحمد مسعود وكذلك  العناصر الموالية لأمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني منذ مارس 2020م، الذى أعلن نفسه الرئيس "المؤقت" للبلاد وأعلن المقاومة لطالبان ويرجح وجوده في إقليم بانشير الشمالي بأفغانستان، يدعم هذا التشكيل الإقصائي لحكومة طالبان واقتصارها على قادة الحركة دون غيرها من القوى الفاعلة في البلاد، وما أبدته من تشدد وانتهاك لحقوق المرأة والأقليات وغيرها.

وتذهب بعض التحليلات إلى أن الولايات المتحدة أرادات بانسحابها على هذا النحو من أفغانستان تفجير قنبلة موقوتة في وجه مثلث أعدائها، روسيا الصين إيران، واستمرارها كمصدر للتوتر وعدم الاستقرار للدول الثلاث، إلا أن موسكو التقطت ذلك مبكراً وقررت تفكيك القنبلة باحتواء طالبان. فقد أدركت موسكو قوة طالبان وسارعت إلى التعامل معها حتى قبل بدء انسحاب القوات الغربية من أفغانستان، في تحرك استباقي يواكب تطور الأوضاع .

في هذا السياق تعمل روسيا في إطار ثلاثة محاور. أولها، سياسي يتضمن الاقتراب الحذر من طالبان والاحتفاظ بقنوات اتصال مباشر معها. ورغم كون الأخيرة مصنفة منظمة إرهابية في روسيا، إلا أن هذا لم يمنع موسكو من بناء علاقات معها، وصياغة تفاهمات حول الخطوط الحمراء التي تضمن بقاءها على الحياد وربما تطوير العلاقات مع طالبان في المستقبل وملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي بما يضمن مصالحها وأمنها، ورحبت طالبان بالخطوات الروسية باعتبارها من أكثر القوى تأثيراً بوسط آسيا والتنسيق معهما عامل حاسم لنجاح مخطط طالبان، فتعهدت بعدم إيواء أي جماعة أو فصيل أو حركة معادية روسيا. كما تعهدت خلال زيارة وفدها لموسكو في 8 يوليو 2021م، بمكافحة "داعش" وعدم خرق حدود دول آسيا الوسطى الحليفة لروسيا، وكانت الزيارة في إطار اتصالات ومفاوضات مستمرة بين طالبان وموسكو على مدى السنوات الثمانية الماضية، من بينها استضافة الأخيرة مؤتمراً للسلام بين الحكومة الأفغانية وطالبان في مارس 2021م، وعلى حين هرعت الدول الغربية في سحب دبلوماسييها من كابول أبقت موسكو على سفارتها هناك وتعهدت طالبان بضمان أمن وسلامة الدبلوماسيين الروس، مما يشير إلى تفاهمات أعمق بين موسكو وطالبان. كما طلبت طالبان في 21 أغسطس من السفير الروسي لدى كابل، دميتري جيرنوف، أن يقوم بالتوسط في مفاوضات بين الحركة وقوات المقاومة المتحصنة في بنجشير قبل فشل المسعى السلمي واجتياحها الأخيرة.

رغم التواصل المستمر بين موسكو وطالبان إلا أن هذا لم يصاحبه محاولة للتأثير على مسار الشأن الداخلي الأفغاني، وأكد الرئيس بوتين، في كلمته بمؤتمر حزب "روسيا الموحدة"، أن موسكو لن تتدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان، ولن تجر القوات المسلحة الروسية إلى صراع "الجميع ضد الجميع". كما أشار السفير ديمتري جيرنوف، في 3 سبتمبر إلى أن لدى موسكو اتصالات عمل مع طالبان على مستوى عال نوعًا ما خاصة في القضايا المتعلقة بأمن السفارة وموظفيها، ومغادرة المواطنين الروس لكنها لن تتدخل في شؤون البلاد ولا تنوي تزويد السلطات الأفغانية الجديدة بالسلاح. كذلك لا يتوقع اعترافاً وشيكاً من جانب موسكو بحكم طالبان كحكومة شرعية في أفغانستان، وأكدت موسكو مراراً أن رفع حركة طالبان من قائمة الإرهاب الروسية يتوقف على "أفعالها وخطوات محددة". وأشار الرئيس بوتين في 3 سبتمبر إلى أن سيطرة الحركة على معظم أراضي البلاد اليوم أمر واقع، لكن يجب التأكد من النوايا الحقيقية التي تقف وراء تصريحات قادتها، وأشار إنه ليس من مصلحة روسيا أن تتفكك أفغانستان، لأن ذلك سيخلق تهديدات أمنية كبيرة بالنسبة لروسيا وحلفائها في المنطقة، وأكد ضرورة "شرعنة" القوى السياسية في أفغانستان، وضم حركة طالبان إلى ما سماها "الأسرة المتحضرة"، كخطوة مهمة لاحتواء الوضع في البلاد.

المحور الثاني، عسكري، إيمانًا بمقولة "العصا والجزرة" تلوح موسكو بقدراتها على درء أي عدوان مباشر على مصالحها وحلفائها ذوى الجوار المباشر مع أفغانستان. فقد وصف وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو الوضع في أفغانستان بالحرج وأكد جاهزية روسيا وحلفائها للتصدي لأي تهديد، وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الأول من سبتمبر أن أولوية موسكو، بعد انسحاب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان، تعود إلى ضمان أمن حلفائها في آسيا الوسطى، محذرًا من أن هذا الأمر يؤثر بشكل مباشر على حدود روسيا الجنوبية. ولا يعني هذا التفكير في إرسال قوات إلى أفغانستان ولكن التصدي لأى تجاوز من الأراضي الأفغانية من جانب طالبان أو تنظيم إرهابي آخر، وقد أكد الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي، ستانيسلاف زاس، في 31 أغسطس، أنها لا تخطط لإرسال قوات إلى أفغانستان، مشيرًا إلى أنها منظمة دفاعية لا تستطيع إعمال قواتها إلا ضمن حدود منطقة مسؤوليتها.

في هذا الإطار، كثفت روسيا ودول منظمة معاهدة الأمن الجماعي في الفترة الأخيرة من التدريبات العسكرية في منطقة آسيا الوسطى، وخاصة في طاجيكستان المتاخمة لأفغانستان، بسبب تدهور الوضع الأمني في الأخيرة عقب سيطرة حركة "طالبان" على العاصمة كابل، وكذلك زيادة نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة. ففي أغسطس أجرت روسيا تدريبين مشتركين على حدود أفغانستان، أحدهما مع أوزبكستان وثانيهما مع أوزبكستان وطاجيكستان، شارك فيهما آلاف العسكريين معززين بالطائرات الحربية والمدرعات والمدفعية. وفى  6 سبتمبر أجرى الجيش الروسي تدريبات قتالية بالذخيرة الحية في جبال "سامبولي" بطاجيكستان تضمنت تدمير أهداف على مسافات تتراوح بين 3 و 10 كيلومترات بهدف القضاء على عدو (مفترض) في محاكاة للواقع، دون إعطائه فرصة لاستعادة قدراته القتالية.

وفى 9 سبتمبر بدأت في قرغيزستان، المرحلة النشطة من مناورات "روبيج 2021"، التي تنفذها بلدان منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وأكد الفريق أول أناتولي سيدؤوف قائد قيادة الأركان العامة لقوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، إن المنظمة مستعدة للتصدي للتهديدات المحتملة القادمة من أراضي أفغانستان. وتضمنت تدريبات مشتركة لقوات الانتشار السريع الجماعية في منطقة آسيا الوسطى التابعة للمنظمة، وتنفيذ عملية مشتركة لمكافحة الإرهاب، والاستعداد للعمليات القتالية وتنفيذها بهدف القضاء على تشكيلات مسلحة غير شرعية تسللت إلى أراضي أحدى دول المنظمة. وشارك في هذه المناورات أكثر من 1000 عسكري تمثل وحدات مقاتلة ومجموعات ميدانية من جيوش روسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، ومن هيئة الأركان المشتركة ومن أمانة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وكذلك من القوات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية وحرس الحدود في قرغيزستان. كذلك أجرت القوات الروسية المرابطة في قاعدة "قانت" الجوية في قرغيزستان مناورات على مكافحة الإرهاب يوم 14 سبتمبر.

وخلال قمة قادة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في 16 سبتمبر بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه وافق قادة المنظمة على خطة لتجهيز القوات الجماعية التابعة للمنظمة وتزويدها بالأسلحة الحديثة ومعدات عسكرية خاصة ووقعوا على إعلان فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان ينص على تحديد خطة توزيع القوات التابعة للمنظمة في آسيا الوسطى، كما نص الإعلان على خطة لإنشاء شرطة ومحاكم عسكرية.

من ناحية أخرى، عززت روسيا من قواتها في قاعدتها العسكرية (201) في طاجيكستان على حدود أفغانستان، وتضمن ذلك تجديد ترسانتها من العربات المدرعة وتزويدها بعربات قتال BMP-2M حديثة. وتعتبر القاعدة العسكرية الروسية (201) نقطة تمركز محورية للقوات العسكرية الروسية في آسيا الوسطى، والوحدات المنتشرة فيها مستعدة في أي وقت لتغطية الحدود مع أفغانستان والرد السريع على زعزعة استقرار الوضع في المنطقة. ومنذ أوائل التسعينيات، قامت الفرقة بتوفير أمن الحدود الجنوبية لروسيا في المنطقة، وغطى الجيش الروسي الحدود مع أفغانستان، وقام بحراسة منشآت مهمة، ودرب كوادر في الجيش الطاجيكستاني. وفي العام 2004م، تم إنشاء القاعدة العسكرية (201) في مدينتي دوشانبه وبختار، ومد عملها وفق الاتفاق المبرم حتى عام 2042م، مع القابلية للتجديد، وتشمل تشكيلات نارية آلية ودبابات ومدفعية واستطلاع، ووحدات الاتصالات والدفاع الجوي والإشعاعي والكيماوي والبيولوجي.

المحور الثالث، يتمثل في التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية المعنية على المستوى الثنائي وعبر الأطر والمنظمات الإقليمية لاسيما منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم روسيا والصين وباكستان والهند وأربعة من دول آسيا الوسطى، وتتمتع فيها إيران بعضوية مراقب. وخلال مشاركته في قمة المنظمة يوم 17 سبتمبر وصف الرئيس بوتين انسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان بأنه "هروب"، مشيرًا إلى ضرورة أن تضع منظمة شنغهاي للتعاون نهجًا منسقًا للتعامل مع المخاطر الناجمة عن ذلك، وتشجيع السلطات الأفغانية الجديدة على الوفاء بوعودها بخصوص إحلال السلام وتطبيع الحياة الاجتماعية وضمان الأمن للجميع، وإطلاق عملية سلام شاملة بين الأفغان بالتزامن مع التصدي لمخاطر الإرهاب وتهريب المخدرات والتطرف الطائفي القادمة منها ودراسة إمكانية استئناف عمل مجموعة العمل المشتركة بين شنغهاي وأفغانستان.

ورغم أن عددًا من الدول الغربية وحلفاء واشنطن دعوا للتعاون مع روسيا والصين إدراكًا منهم لأهمية البلدين ومحورية تأثيرهم في الملف الأفغاني، فإنه لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة في هذا الصدد. فقد أكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في تصريح لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في 2 سبتمبر، اهتمام فرنسا بالحوار مع روسيا والصين حول الوضع في أفغانستان وأن فرنسا قد تكون لها "مصالح متطابقة مع روسيا والصين، تتلخص في ألا تصبح أفغانستان قاعدة للإرهابيين" ولذلك تسعى فرنسا لإقامة الحوار مع البلدين، وخاصة ضمن مجلس الأمن الدولي. وسبق أن أشار وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، لذات التوجه في 30 أغسطس حيث أكد أن المفاوضات بشأن الوضع في أفغانستان "يجب أن يشارك فيها أهم اللاعبين الدوليين ومن المهم أن تكون بينهم روسيا والصين. ورأى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو يوم 27 أغسطس أن روسيا تعتبر شريكًا أساسيًا في إدارة الأزمة في أفغانستان. إلا إن هذه الدعوات لم تلق صدى في موسكو ورفضت روسيا المشاركة في لقاء دول "مجموعة السبع" على مستوى وزراء الخارجية يوم 8 سبتمبر لمناقشة الوضع في أفغانستان الذى دعا إليه وزير الخارجية الياباني توشيميتسو موتيجي.

على صعيد آخر، هناك تنسيق عالي المستوى بين روسيا والصين حول الملف الأفغاني دبلوماسيًا وعسكريًا حيث تتناغم مصالح البلدين وأولوياتهما في هذا الشأن. وتتعلق مصالح الصين في أفغانستان بالاقتصاد والأمن، فقد أصبحت الشركات الصينية بعد الانسحاب الأمريكي في وضع جيد لاستغلال إمكانات التعدين في أفغانستان، بما في ذلك المعادن النادرة التي تدخل في صناعة الشرائح الدقيقة وغيرها من التقنيات المتطورة. كما تقع أفغانستان عند مفترق طرق حاسم لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، والتي تتضمن التجارة ومشاريع البنية التحتية في كل من إيران وباكستان. ومثلها مثل موسكو، تشعر بكين بالقلق من إمكانية استخدام أفغانستان كملاذ آمن للمتطرفين في المنطقة، ولا سيما للمنحدرين من منطقة شينجيانج غربي الصين والحزب الإسلامي التركستاني.

في هذا الإطار، ناقش الرئيسان الروسي والصيني في 25 أغسطس التطورات في أفغانستان ومواجهة التدخلات الخارجية بالمنطقة، واتفقا على تعزيز الجهود الرامية إلى مواجهة مخاطر الإرهاب والمخدرات القائمة هناك، والتأكيد على أهمية إحلال السلام في أفغانستان بأسرع وقت ممكن، ومنع امتداد حالة عدم الاستقرار إلى المناطق المجاورة، والاستفادة من قدرات منظمة شنغهاي للتعاون بأكبر قدر ممكن في هذا الصدد. وكذلك تفعيل الاتصالات الثنائية والتنسيق بشكل وثيق، بالدرجة الأولى على مستوى وزيري خارجية البلدين، وحث جميع الأطراف في أفغانستان على بناء إطار عمل مفتوح وشامل من خلال التشاور، وانتهاج سياسات خارجية وداخلية معتدلة وحكيمة، بالإضافة إلى النأي بالنفس عن أي تنظيمات إرهابية، والحفاظ على علاقات ودية مع المجتمع الدولي، لاسيما الدول المجاورة.

كذلك لم ترحب موسكو وبكين بالمبادرة الفرنسية ـ البريطانية لإقامة منطقة آمنة في كابل تحت مظلة الأمم المتحدة، لتجمع الراغبين في مغادرة أفغانستان واستمرار العمليات الإنسانية عبرها. وفى 30 أغسطس امتنعت روسيا، ومعها الصين، عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي حول أفغانستان الذي يدعو حركة "طالبان" إلى ضمان إجلاء الأفغان عن بلادهم دون أي عوائق "بسبب تجاهل مقدمي مشروع القرار للنقاط المبدئية التي تثير قلق موسكو"، وكانت روسيا قد اقترحت إضافة بنود حول التأثير السلبي لتجميد الأصول المالية الأفغانية، وإجلاء الكوادر الأفغانية المتمتعة بالأهمية بالنسبة لاقتصاد أفغانستان.

من ناحية أخرى ومع تقدم طالبان انطلقت في 10 أغسطس تدريبات عسكرية مشتركة واسعة النطاق، "التعاون-2021"، بين موسكو وبكين في إقليم نينجشيا شمال وسط الصين، شارك فيها أكثر من عشرة آلاف جندي، وكانت المرة الأولى التي يستخدم فيها جنود روس أسلحة صينية، وحملت التدريبات رسالة واضحة أن البلدين جبهة واحدة تخدم الاستقرار الإقليمي في مواجهة التهديدات المحتملة.

كما امتد التنسيق بين البلدين إلى محيط إقليمي أوسع حيث عقدت روسيا والصين وباكستان وإيران لقاءً رباعيًا حول أفغانستان، يوم 16 سبتمبر لتنسيق المواقف بشأن ضمان السلام والاستقرار والأمن في أفغانستان، وذلك على هامش قمتي منظمة شنغهاي للتعاون ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي في عاصمة طاجيكستان دوشنبه على مستوى وزراء الخارجية.

 

إن المحاور الثلاثة السابقة تشكل أبعاد الاستراتيجية الروسية لاحتواء طالبان والتداعيات الحالية والمحتملة لوصولها إلى السلطة، فالوضع مازال ضبابياً إلى حد كبير، والساحة الأفغانية والإقليمية مفتوحة على كل الاحتمالات، وتحاول السياسة الروسية تحقيق الأهداف المرجوة وضمان مصالح وأمن روسيا وحلفائها، وتضع نصب أعينها ما قد تؤول إليه الأوضاع، والسيناريوهات المستقبلية لها والتي يمكن بلورتها في إطارات ثلاثة أساسية.

الأول، تطور العلاقات الروسية الأفغانية، وتفعيل التعاون بين الجانبين، وذلك حال استقرار أفغانستان مع تزايد إحكام طالبان على مقاليد الأمور، والاتجاه إلى صيغة توافقية للدستور والحكم تجمع كل الأطياف العرقية والقوى السياسية، والتزامها بالحقوق والحريات للمواطنين عامة والمرأة على وجه الخصوص الأمر الذي يسهم في تحقيق قدر من القبول الدولي لحكم طالبان، هذا إلى جانب وفاء طالبان بتعهداتها لروسيا ودول الجوار فيما يتعلق بالتهديدات والمخاوف بشأن الإرهاب وتجارة المخدرات وغيرها. في هذه الحالة قد تتجه روسيا إلى تطوير علاقاتها بطالبان ودفع التعاون معها في المجالين الاقتصادي والأمني، وقد ينتهي ذلك على المدى البعيد بالتطبيع الكامل للعلاقات بينهما ورفع طالبان من قائمة التنظيمات الإرهابية في روسيا. ولكن يظل هذا السيناريو بعيد المنال بالنظر إلى فشل طالبان حتى اللحظة في تحقيق الاستقرار الكامل وتوجهاتها الإقصائية التي عكستها تشكيلة الحكومة والعديد من السياسات تجاه الأقليات والمرأة، وتحالفها مع القاعدة وموقفها من عدد من التنظيمات المصنفة إرهابية في روسيا.

الثاني، التصعيد والمواجهة بين موسكو وكابل، وذلك حال قيام الأخيرة بنقض تعهداتها لروسيا فيما يتعلق بتسلل الإرهابيين أو إيوائهم وتهديد أمن دول الجوار في آسيا الوسطى، أو الاعتداء السافر على الأقليات داخل أفغانستان والمتمثلة في الطاجيك (20% من السكان) والأوزبك (9% من السكان) على النحو الذى يدفعهم لعبور الحدود باتجاه طاجيكستان وأوزبكستان. في هذه الحالة غالباً ما سيكون التحرك العسكري الروسي في حدود مقتضيات الموقف، فليس من المتصور اجتياح روسي واسع النطاق وإنما على الأرجح ستكون ضربات جوية دقيقة تحقق الهدف المرجو في حماية الحدود ودرء خطر الإرهاب والإرهابيين. ويعتبر هذا السيناريو أقل احتمالاً أيضاً حيث تحرص طالبان على علاقات جيدة وتفاهمات مع موسكو وأكدت ذلك مراراً لأنها تدرك قدرة روسيا وشركائها في تطويق طالبان وتغيير موازين القوى في الداخل الأفغاني.

الثالث، استمرار سياسة الاقتراب الحذر والاحتواء لطالبان، مع الاستعداد للمواجهة عند الضرورة، ومراقبة سلوك طالبان عن كثب مع تعاون محدود. ويعد هذا هو السيناريو الأكثر ترجيحاً في المدى المنظور وذلك في ضوء استمرار ضبابية الأوضاع في الداخل الأفغاني والتزام طالبان بتعهداتها إزاء روسيا فيما يتعلق بالإرهاب وأمن دول آسيا الوسطى.

مقالات لنفس الكاتب