array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

دول مجلس التعاون حريصة على عدم الانحياز لأي جانب في أي احتكاك بين أمريكا والصين

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

عندما التقى وزير الخارجية الأمريكي توني بلينكن بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان في باريس أوائل أكتوبر، ظهر التوتر بين البلدين على السطح بشأن الاتفاقية الأمنية الجديدة بين كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، وذلك خلال مقابلة على التلفزيون الفرنسي.

وخلال لقاء على القناة الثانية الفرنسية، وجه المذيع كلامه إلى بلينكن قائلا: "لقد توقعنا تطور العلاقات إلى الأفضل، خاصة مع تغير الإدارة الأمريكية، وخاصة معك ... فأنت تتحدث الفرنسية. أنت من محبي الفرانكوفونية ... كنا نتوقع حوارًا أفضل".

ورد بلينكن بأنه يتفهم الشعور بالخيانة وأن الأمريكيين يدركون أنه "كان بإمكانهم – أو كان ينبغي عليهم -أن يبذلوا جهدًا أكبر من حيث التواصل مع فرنسا.. وعلاوة على ذلك، فإننا نميل أحيانًا إلى اعتبار أن العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسا عميقة ومهمة."

 

إن غضب فرنسا من الاتفاقية لا يرجع فقط إلى نكوص إدارة بايدن عن إخطار باريس بالاتفاقية التي تعرف باسم "أوكوس" أو محتواها، ولكن أيضًا لأن أستراليا ألغت عقدًا بقيمة 90 مليار دولار لشراء غواصات من فرنسا. وعوضًا عن ذلك، قدمت الولايات المتحدة عرضًا لإبرام اتفاق جديد يتضمن مشاركة التكنولوجيا التي تعمل بالطاقة النووية مع أستراليا لبناء ما يقرب من اثنتي عشرة غواصة (لتحل محل اتفاقية الغواصات التي تعمل بالديزل الموقعة مع فرنسا في عام 2016م) على مدار العقدين المقبلين. وردت فرنسا على الاتفاقية، باستدعاء سفرائها لدى أستراليا والولايات المتحدة، وذكرت أنها شعرت "بالخداع" بسبب الاتفاقية الجديدة.

 

إن فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي غضبت من هذه الاتفاقية. فقد أشار بيان رسمي صادر عن الاتحاد الأوروبي إلى الشعور بخيبة أمل لأن التكتل الأوروبي لم يتم إخطاره بهذا الاتفاق أو بهذه المبادرة “... إننا نتفهم إلى أي مدى يجب أن تشعر الحكومة الفرنسية بخيبة أمل". وعلاوة على ذلك، استغلت بروكسل الفرصة للإعلان عن تفاصيل استراتيجيتها التي طال انتظارها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتهدف إلى زيادة تواجد الاتحاد الأوروبي بحريًا في المنطقة من خلال زيارات الموانئ وتدريبات حرية الملاحة في محاولة "لتعزيز هيكل أمني إقليمي مفتوح يقوم على قواعد محددة".

وأصر الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بأن هذه الخطوة لا تهدف إلى مواجهة نفوذ بكين، مضيفًا "يجب أن نعتمد على أنفسنا، كما يفعل الآخرون ... ولكن في العديد من المجالات مثل تغير المناخ والتنوع البيولوجي. التعاون مع الصين أصبح ضرورة ... أعتقد أنه من المهم التأكيد على هذه الجملة: استراتيجيتنا مبنية على الرغبة في التعاون مع الصين، وليس مواجهتها ".

 

ويبدو أن المغامرات الفاشلة التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا وليبيا، وعدم فعاليتها في التعامل مع إيران (خاصة اضطرابات عامي 2019 و2020م، في منطقة الخليج)، والأحداث الفوضوية في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية، وفي النهاية إعلان "أوكوس" الحالي، قد زرع بذور الشك في أذهان الاتحاد الأوروبي حول مصداقية واشنطن.

لذلك سيكون حافزًا للتفكير أن نرى كيف ترد فرنسا على اتفاقية "أوكوس" على المدى الطويل، وذلك بالنظر إلى أن فرنسا -مع إصرارها على الوحدة الأوروبية ضد التحرك الاستباقي الصيني والروسي – دعت كذلك إلى عدم السماح للولايات المتحدة أن تدفع بأوروبا إلى عداء غير مرغوب فيه مع الصين، ولا أن تصبح ضحية للسياسات الرسمية والسياسات الداخلية الأمريكية غير المتوقعة. ويمكن تفسير استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي على أنها استجابة جزئية لدعوة الرئيس ماكرون للاتحاد الأوروبي لتطوير "استقلاله الاستراتيجي'' وحتى تأسيس جيش أوروبي منفصل عن الناتو، على الرغم من أن الوضع على الأرض، وخاصة في ظل التباطؤ الاقتصادي، لن يؤدي إلى أخذ مثل هذه الأفكار الاستراتيجية بجدية.

وتشعر دول جنوب شرق آسيا وثيقة الصلة جغرافيًا بتلك المنطقة بالقلق أيضًا من الاتفاق الجديد، الذي قد يستفز الصين، وهو الهدف الرئيسي من اتفاقية أوكوس، علاوة على إطلاق سباق تسلح إقليمي في المنطقة المليئة بالنزاعات الإقليمية البحرية.

ويعزز جميع هذه الإجراءات وردود الفعل، الاتجاه السائد -اتجاه التطور في الشؤون الدبلوماسية والعسكرية العالمية، والذي يركز بالفعل على منطقة المحيطين الهندي والهادي. ويرتبط ذلك بثلاثة عوامل متساوية أو أكثر أهمية من بعضهم البعض، وتشكل شريان الحياة للدول، وهي الطاقة والتجارة والمصالح الاقتصادية.

 

معضلة الخليج

إن محنة دول جنوب شرق آسيا تشبه محنة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي شهدت ارتباطًا سريعًا في العلاقات الاقتصادية مع الصين، بينما لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الترتيبات الأمنية الأمريكية. إن التفكير في زيادة تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة والصين، بالإضافة إلى حرب التعريفات الجمركية المستمر وقلق تايوان، يثير قلق كل من تكتلي جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي. فبينما يعتبر الحفاظ على مسافات متساوية، والاستفادة من نقاط القوة لكلتا الكتلتين، على رأس جدول أعمال دول المنطقتين، فإن التطورات التي تشبه "أوكوس"، والقلق الناتج عنها أصبح من الأمور المتكررة للغاية بما يقوض من راحة تلك البلدان.

 

وكما هو متوقع، ردت الصين عن طريق الإشارة إلى الثلاث دول التي أبرمت اتفاقية "أوكوس"، قائلة: "عمل غير مسئول"، وعلامة على عقلية الحرب الباردة، رغم أن أستراليا أوضحت أن التحالف "لا يُقصد به أن يكون معاديًا لأي قوة أخرى... ولكنه يهدف إلى حماية السلام والأمن في المحيطين الهندي والهادي". وبينما لايزال الاحتكاك بين الصين وبقية دول الاتفاقية على مستوى التصريحات، فمن غير المرجح أن يتسامح أي من الجانبين مع أي تعطيل لسلاسل التوريد الخاصة بهما، وهو ما يجعل الفضاء الجغرافي الاستراتيجي العالمي مليئًا بالاحتمالات.

 

وترى دول الخليج في الإعلان عن اتفاقية "أوكوس" صدفة مثيرة للاهتمام، حيث أعلنت الدول الثلاث عن الاتفاقية بالتزامن تقريبًا مع قبول إيران في منظمة شنغهاي للتعاون كعضو كامل العضوية، وهو ما يقوض جهود واشنطن لعزل الجمهورية الإسلامية. ولإحداث التوازن، دعمت الصين المملكة العربية السعودية للانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون "كشريك حوار".

 

ومن المثير للاهتمام أيضًا أن القاعدة الصينية في جيبوتي أصبحت أمرًا واقعًا عام 2017م، ومع ذلك، لم تتمكن الصين من تقليد أو تحدي البصمة الأمنية الأمريكية الواسعة في المنطقة. (ومن المتوقع أن الصفقة الصينية-الإيرانية المبرمة رسميًا عام 2021م، والتي تمتد لخمسة وعشرين عامًا، قد تمنح الصين إمكانية الوصول في النهاية إلى الميناء الجديد في جاسك، على خليج عمان).

 

كانت هناك اختلافات بالفعل بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي حول استخدام التكنولوجيا الصينية. ففي مايو 2020م، صرح مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، في إشارة إلى دور هواوي في مشاريع البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس في الإمارات، أن هذا المشروع سيجعل من الصعب على القوات الأمريكية والخليجية التواصل"، ولذلك ينبغي على هذه الدول أن تدرك قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة."

وهناك أيضًا وجهة نظر تفيد بأن اتفاقيات أبراهام هي طريق واشنطن لكبح جماح الارتباط المتزايد بين بكين وموسكو في المنطقة من خلال الترويج لإسرائيل، باعتباره حليف الولايات المتحدة، كشريك اقتصادي وتكنولوجي وأمني بديل في المنطقة. ويُنظر إلى هذا الرأي على أنه يمنح واشنطن رفاهية الاستمرار في فك ارتباطها بالمنطقة على مراحل، دون التنازل عن مساحة لخصومها الاستراتيجيين.

وهناك أمر واحد لا تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على فعله -سواء الآن أو في المستقبل -وهو الانحياز لأي جانب في أي احتكاك بين الولايات المتحدة والصين.

 

وثمة مستوى آخر من التعقيد بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي وهي مجموعة الحوار الأمني الرباعي، والذي يُشار إليه اختصارًا باسم "الكواد ”، والتي تضم بعضًا من أهم الشركاء الاقتصاديين والأمنيين لدول الخليج، وهي الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا. ومثل "أوكوس"، فإن التحالف الرباعي كان أيضًا بقيادة الولايات المتحدة من أجل مواجهة النفوذ المتزايد للصين. وقد انعقدت أول قمة لزعماء المجموعة بواشنطن في سبتمبر 2021م، على الرغم من الإعلان عن فكرة الكتلة المكونة من أربع دول في عام 2007م.

 

ومع استمرار القلق من أن تصبح الهند عضوًا "ملتزمًا تمامًا" في المجموعة الرباعية، وإعلان اليابان أنه حتى مع تعزيز تحالفها مع "الكواد"، فإنها ستسعى إلى استقرار العلاقات مع الصين، وكلاهما مستعد ليكون حائط صد ضد مزيد من التدهور في العلاقات مع جارتها الصين -فهل يمكن أن تكون "أوكوس" خطة بديلة لواشنطن؟ وفي إشارة إلى استيعاب الولايات المتحدة لمخاوف الهند واليابان، تضمنت أجندة القمة الرباعية في واشنطن موضوعات بعيدة عن الصين، مثل وباء كورونا، واللقاحات، وتغير المناخ، والتكنولوجيا، وكذلك البنية التحتية والفضاء والزمالات، وكلها موضوعات تمثل مخاوف عالمية أكثر أهمية من المنافسة الجيوستراتيجية بين القوى العالمية الكبرى.

 

واتهمت بكين "عددًا من الدول" بتضخيم "التهديد الصيني"، وأشارت إلى أن واشنطن سعت إلى "بناء قواعد يمكن أن تتدخل فيها بشكل تعسفي مع دول أخرى دون دفع أي ثمن ... (وإجبارها) على الرضوخ لهيمنتها". وحث الدول المعنية على "التوقف عن السعي وراء المجموعات الحصرية" والسعي نحو تحقيق السلام والأمن الإقليميين.

 

وسيكون من المفيد أيضًا التفكير في كيفية تعامل دول مجلس التعاون الخليجي مع المشاركة الصينية الاستباقية في أفغانستان وتأكيد طالبان العلني على أن بكين سيكون لها "دور كبير" في بناء الدولة التي مزقتها الحرب، بدلاً من نهج عدم التدخل الذي تتبعه واشنطن. وعلاوة على ذلك، هناك سؤال يلوح بالأفق: كيف ستتعامل الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي وحلفاؤهم وشركاؤهم مع "المجموعة الرباعية الأفغانية" -الصين وروسيا وإيران وباكستان؟

 

وعلى الرغم من أن الهدف لم يكن الصين، يُمكن مقارنة "أوكوس" بتحالف طرحته واشنطن وهو التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (MESA)، والذي كان من المفترض أن يكون تحالفًا اقتصاديًا وأمنيًا طرحته إدارة ترامب ولكن لم يكتسب القوة اللازمة. وكان من المفترض أن يشمل التحالف الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت وقطر ومصر والأردن، وكان يهدف في الأساس لمواجهة إيران والتهديدات الأخرى ذات الصلة. وبالنظر إلى أن هذا التحالف ظل حبيس التصريحات والخطابات، هل ستكون اتفاقية "أوكوس" تجربة أمنية أخرى موؤودة؟ تستند إلى الشكليات أكثر من الجوهر.

ونظرًا لاستمرار واشنطن في تقليص وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، فإنها تستكشف إمكانية قيام شركائها بتحمل عبء العمل كضامن للأمن. ولكن وسط عالم "متعدد" ومعقد بشكل متزايد، فليس من المرجح أن تؤيد دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات حصرية مثل "أوكوس" أو "التحالف الرباعي" من بين العديد من البدائل الأخرى محدودة النطاق التي تم إطلاقها مؤخرًا، كالتدريبات البحرية الثلاثية بين الهند وفرنسا والإمارات العربية المتحدة). ونتيجة لذلك، لم يتم حل معضلة تأسيس بنية أمنية جديدة شاملة (تشمل كل من الولايات المتحدة والصين)، ومن المرجح أن نرى المزيد من التبادل والتوافق قبل ظهور تحالف بديل جدير بالثقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كبير باحثين ـ البرنامج الخليجي ــ الآسيوي ـ أكاديمية الإمارات الدبلوماسية

مقالات لنفس الكاتب