array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 167

توظيف الشراكة الهنديةـ الفرنسية مع دول الخليج مركز الطاقة والتجارة والاستثمار

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

تحميل    ملف الدراسة

أعلن الرئيس جو بايدن وإلى جانبه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ونظيره الأسترالي سكوت موريسون عن شراكة دفاعية وأمنية جديدة بين الدول الثلاث، وذلك في مؤتمرٍ أقيم عن بُعد في 16 سبتمبر المنصرم. ولتجسيد هذه الشراكة، أضاف بايدن أن الدول الثلاث ستتعاون على تصنيع ثماني غواصات لأستراليا تعمل بالطاقة النووية بدلاً من الغواصات الثماني التي تعمل بالديزل والتي كانت أستراليا قد تعاقدت مع فرنسا على شرائها في عام 2016م.

وفي 24 سبتمبر، أي بعد أسبوع من الإعلان، عقد بايدن في واشنطن مؤتمرًا لزعماء الدول الأعضاء الأربعة للحوار الأمني الرباعي، والذي يُشار إليه اختصارًا باسم "كواد"، وهي أمريكا، وأستراليا، واليابان، والهند، في أول قمة تجمع زعماء الدول الأعضاء.

وتعد شراكة "أوكوس" تحالفاً عسكرياً وأمنياً واضحاً، وتكمِّل الاتفاقيات القائمة المتعلقة بالأمن والملزمة للدول الثلاث، مثل معاهدة "أنزوس" المنعقدة في 1951م، بين أمريكا، وأستراليا، ونيوزيلندا، والتي تُلزِم الولايات المتحدة بأن "تعمل للتصدي للخطر المشترك" في حالة حدوث "هجوم مسلح في منطقة المحيط الهادئ". كذلك تجتمع هذه الدول بجانب بريطانيا وكندا في شراكة "العيون الخمس". وتأتي أستراليا بوصفها أحد "شركاء الفرص المعززة" لــ (ناتو)، ما يتيح لها إمكانية التشغيل البيني مع جميع أعضاء المنظمة. وعلى نحوٍ مماثل، تربط بين واشنطن وبريطانيا اتفاقية دفاع مشترك تنص على الترابط الوثيق بين الأفراد العسكريين في البلدين لدعم بعضهما البعض من خلال النشر العسكري في القواعد والمنشآت العسكرية عند كل منهما.

وعلى النقيض، لا توجد اتفاقية تعاون أمني بين أعضاء الحوار الأمني الرباعي "كواد"، ولا توجد جهة تمثل الأمانة العامة لتنسيق تأطير السياسات وتنفيذها. وفي عشية انعقاد القمة، وصف مسؤول أمريكي الحوار الأمني الرباعي "بالتجمع غير الرسمي" وبأنه "نقاش وجهد إشراكي حول عدد من المسائل العملية". وأكد أن الحوار "لم يكن له بُعد عسكري ولا أمني". وأضاف أن الحوار الأمني الرباعي سيكون طريقة ومنصة أساسيتين وحاسمتين للنقاش والأهداف المشتركة في الوقت الذي نقترب فيه من فترة مليئة بالتحديات." إن ما حققته القمة الأخيرة للحوار الأمني الرباعي هو عرض أجندته الإيجابية والبناءة بوضوح.

وجاء البيان المشترك الصادر بعد أول مؤتمر قمة مباشر ليصف الاجتماع المغلق بمثابة "فرصة لإعادة توجيه تركيزنا وتركيز العالم على منطقة المحيطين الهندي والهادئ". وتعهد الزعماء على "تعزيز النظام الحر المفتوح المبني على قواعد والمتجذر في القانون الدولي والذي لا تحركه ضغوطات خارجية، من أجل دعم الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وخارجها." وتفوقت هذه القمة على الاجتماعات السابقة، حيث تضمنت أجندة الحوار الأمني الرباعي مجالات تتجاوز المسائل الأمنية الملحة. ويشمل ذلك التعاون في مجالات الجائحة واللقاحات، والتغير المناخي، والتكنولوجيا، والبنية التحتية، والفضاء، ومنح زمالات لمائة طالب دراسات عليا في البلدان الأربعة.

 

شراكة "أوكوس"

إعلان بايدن عن شراكة جديدة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في 16 سبتمبر، والمتمحور حول الإنتاج المشترك لثماني غواصات لأستراليا تعمل بالطاقة النووية، سيضع أستراليا في المرتبة السابعة عالميًا بين الدول التي تمتلك غواصات تعمل بالطاقة النووية. وبموجب الاتفاقية، ستوفر أمريكا لأستراليا غواصات هجومية بتقنية الجيل الجديد "إس إس إن-إكس ".

ومن ثمَّ، ستكون هذه الغواصات فعالة أمام غواصات القذائف التسيارية الصينية، وقادرة على الدفاع عن نفسها من الطائرات المسيرة تحت الماء، وستعمل بمثابة السفن الأم للسفن غير المأهولة. إن التعاون في تصنيع هذه الغواصات سيكون مدعومًا بالتبادل التقني من خلال دمج العلم المرتبط بالدفاع وسلاسل الإمداد وتكنولوجيا التصنيع. وقد وصف رئيس الوزراء الأسترالي شراكة "أوكوس" بأنها "فرصة تاريخية لحماية القيم المشتركة وتعزيز الأمن والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ." وأطلق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون على الشركاء الثلاثة اسم "حلفاء طبيعيين".

لقد كان رد فعل فرنسا شديدًا على إلغاء عقد الغواصات، حيث تعتبِر هذا الإلغاء بأنه "انفرادية ترامب، وغدر بريطانيا المعهود"، ووصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية شراكة "أوكوس" بأنها تعكس "عقلية رجعية بأسلوب الحرب الباردة والفوز على حساب الآخرين ونظرة جيوسياسية ضيقة الأفق" زادت من حدة سباق التسلح الإقليمي.

ردود الفعل في منطقة رابطة آسيان

تتوسط دول رابطة "آسيان" منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أنها تجد نفسها مهملة تمامًا من جانب التجمعات التي تتشكل حولها، بالرغم من تأثيراتها الجيوسياسية سيكون لها الأثر العميق في مصالحها الأمنية بعيدة المدى. وقد وصف معلق إقليمي انضمام أستراليا لشراكة "أوكوس" بأنها "صفعة قوية على الوجه" بالنسبة للرابطة و"تصرف ينم عن عدم احترام" من جانب أقدم شركاء الحوار للرابطة.

إن الاعتقاد في جنوب شرق آسيا هو أن "أوكوس" و"كواد" يعكسان موقف واشنطن التصادمي الحاد تجاه الصين، حتى وإن أدى ذلك إلى نشوب "حرب باردة" جديدة. وقد يؤدي ذلك إلى تقويض الاستقلال الاستراتيجي الذي حافظ أعضاء "آسيان" على تنميته. وتخشى الدول الأعضاء في الرابطة في ظل تزايد الانشقاق بين أمريكا والصين أن تجد نفسها في مقدمة هذه المنافسة وأنها قد تضطر إلى الانحياز لأحد الطرفين. ويشير أعضاء "آسيان" في ظل هذا الانقسام الناشئ إلى أن واشنطن تضع في مقدمة أولوياتها الجوانب الأمنية لتلك المواجهة المتنامية وتقلل من أهمية المسائل التي تؤثر على نحو مباشر في المنطقة، مثل التحديات الاقتصادية، والتعامل مع آثار ما بعد الجائحة، وأثر التغير المناخي.

تعي الدول الأعضاء في "آسيان" أن الولايات المتحدة قد أقصتها من التحالفات المعادية للصين، والتي شكلتها واشنطن، أساسًا بسبب ما تراه الولايات المتحدة من اتخاذ دول الرابطة موقف "الوقوف على الحياد الاستراتيجي"، حيث ترى دول "آسيان" أنها بالرغم من وجود بعض مواطن القلق فيما يتعلق بسياسات الصين في المنطقة، إلا إنها تستفيد بمزايا من التجارة معها ومن استثماراتها في بلدانها. كما أنها تختلف مع واشنطن في نظرتها إلى "التهديد" الذي تمثله الصين في المنطقة، ففكرة المعركة بين الديموقراطية والاستبدادية التي تروج لها واشنطن لتبرير شراكة "أوكوس" والحوار الأمني الرباعي بالكاد تقنع أي من دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا.

مخاوف في رابطة أمم جنوب شرق آسيا

تمثل شراكة "أوكوس" تحديًا كبيرًا بالنسبة لإندونيسيا، الجارة المباشرة والشريك الاستراتيجي القديم لأستراليا. فقد التقى وزيرا الخارجية والدفاع لكلا البلدين مع نظيريهما في كانبيرا قبل إعلان شراكة "أوكوس" بأسبوع واحد فقط واتفقوا على تعزيز الروابط الثنائية ودعم النظام الإقليمي.

وردًا على "أوكوس"، وصفت اندونيسيا "سباق التسلح وفرض القوة العسكرية" بأنهما يمثلان مخاوفها المباشرة. فبالنسبة لإندونيسيا، هناك نتيجتين منفصلتين ولكن مرتبطتين لشراكة "أوكوس"، الأولى هي الزيادة الضخمة في قدرات أستراليا البحرية، التي ستدفع إندونيسيا إلى الاستثمار في قدرات مكافئة، سواء في الغواصات أو مضادات الغواصات.

أما النتيجة الثانية، أن نشاط أستراليا فيما يتعلق بالغواصات في مياه غرب المحيط الهادئ سيشجع على وجود صيني أكبر في هذه المياه، وهو ما قد يتضمن أيضًا تعديات على المنطقة الاقتصادية الحصرية لإندونيسيا. وبوجه عام، ستكون هناك زيادة كبيرة في أنشطة المراقبة والاستخبارات من جانب الصين وأعضاء شراكة "أوكوس" حول المجال البحري لإندونيسيا.

كذلك تراود "آسيان" مخاوف على المدى الأبعد أيضًا. أولها أن من الواضح أن أستراليا ربطت نفسها بتحالف أمريكي / بريطاني، بالرغم من تصريحاتها السابقة التي ربطت فيها مصالحها بدول جنوب شرق آسيا المجاورة، وهذا يحرم "آسيان" من شريك إقليمي رئيسي. ولكن بما أن تصنيع الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية لأستراليا قد يستمر حتى عام 2040م، فإنه بذلك يضفي طابعًا مؤسسيًا على الوجود البريطاني في المنطقة. وهذا لن يعيد قوة استعمارية سابقة فحسب، ولكنه، سيؤدي إلى "ترسيخ أكثر هيمنة الغرب على النظام الإقليمي"، ما سيقلل من أهمية مصالح الدول الإقليمية.

يرتبط الشاغل الآخر الذي يؤرق "آسيان" بالانتشار النووي في المنطقة، فامتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية وتستخدم اليورانيوم المخصَّب بنسبة 93-95 بالمائة، يُخشى أن يؤدي بأستراليا إلى "التوجه أكثر إلى امتلاك ترسانة نووية مكتملة الأركان."

الآثار المترتبة بالنسبة لفرنسا والاتحاد الأوروبي

لا شك أن شراكة "أوكوس" وجهت ضربة قاسية لتحالف أمريكا عبر المحيط الأطلسي، لا سيما لعلاقاتها مع فرنسا والاتحاد الأوروبي. وقد أعلنت واشنطن أنه عندما يتعلق الأمر بمواجهة أهم التحديات الاستراتيجية بالنسبة لها، فإن ثقتها في حليفتيها الأنجلوساكسونيتين أكبر بكثير من ثقتها في شركاء الاتحاد الأوروبي، وأنها على استعداد على مشاركة تقنيتها الحساسة في الغواصات النووية مع أستراليا أكثر من فرنسا أو أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين.

وقد حاول بايدن تصحيح المسار عندما أقر في 22 سبتمبر "بالأهمية الاستراتيجية" لفرنسا والاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن لم ينل ذلك استحسان الاتحاد الأوروبي، فالرسالة التي وصلت من واشنطن هي أن وجهات نظر ومصالح كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا تتماشى مع بعضها البعض. وقد جاء في "التوقعات الاستراتيجية" لسنة 2019م، من المفوضية الأوروبية والدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية وصفًا للصين بأنها "شريكة ومنافِسة"، وهو أسلوب لبق أقل جزمًا من الأسلوب الذي اتبعته أمريكا والذي يؤكد أن الاتحاد الأوروبي لن يتبنى موقف الولايات المتحدة التصادمي.  كما تؤكد استراتيجية الاتحاد الأوروبي بخصوص منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمقدمة بعد إعلان شراكة "أوكوس" بيوم واحد على "التعاون وليس التصادم" باعتباره محورها الأساسي.

لقد أعادت كارثة "أوكوس" الدعوات لتبني الاتحاد الأوروبي موقف استراتيجي أكثر استقلالية في الشؤون الأوروبية والعالمية. وقد وعدت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بأن تدعو لعقد قمة دفاع للاتحاد الأوروبي لدعم فكرة أن يستجمع الاتحاد الأوروبي إرادته السياسية لتكوين ونشر قواته المسلحة الخاصة به.

وفي زيارة أُجريت مؤخرًا إلى أمريكا، حدد برونو لو مير، وزير المالية الفرنسي، الفروق بين الاتحاد الأوروبي وواشنطن فيما يتعلق بالصين، وقال إن أوروبا يجب أن يُنظر إليها على أنها إحدى القوى العظمى العالمية الثلاث إلى جانب أمريكا والصين، وإن "المسألة الرئيسية" التي تواجه الاتحاد الأوروبي هي "استقلاليته عن الولايات المتحدة ودفاعه عن مصالحه الخاصة، سواء كانت مصالح اقتصادية أو استراتيجية." واتجهت فرنسا سريعًا إلى تدعيم مصالحها من خلال شراكة استراتيجية مع اليونان في الوقت الذي تواكب فيه تلك الأخيرة التحديات المطروحة من تركيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط. فقد وقَّعت فرنسا واليونان اتفاقيات لرفع مستوى القوات البحرية والجوية اليونانية، وصفقة مساعدة دفاعية مشتركة، وعقد اجتماعات دورية بين وزراء الخارجية والدفاع.

ويناسب هذا الأمر فرنسا لأن لديها خلافات قديمة مع تركيا، كدولتين متنافستين في منطقة البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا. وتُولي تركيا أهمية كبيرة لإفريقيا، فبعد زيارة 28 دولة إفريقية، أجرى الرئيس رجب طيب أردوغان في 17 أكتوبر جولة شملت ثلاث دول إفريقية أخرى، وهي أنغولا ونيجيريا وتوغو، وهو بذلك يخترق بقوة مناطق تعتبرها فرنسا ذات أهمية محورية لمصالحها.

وتَعتبِر فرنسا نفسها طرفًا فاعلاً في المحيطين الهندي والهادئ، حيث يقع وجود فرنسي في منطقة المحيط الهندي المتمثل في مقاطعتي ما وراء البحار الفرنسيتين في جزر القُمر وجزيرة ريونيون، حيث يسكن مليونا مواطن فرنسي، كما تمتلك فرنسا قاعدتين في غرب المحيط الهندي في جيبوتي وأبو ظبي يصل عدد القوات العسكرية فيهما إلى سبعة آلاف تقريبًا. كما يذهب ثلث صادرات فرنسا لدول من خارج الاتحاد الأوروبي إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث تتجاوز قيمة استثمارات فرنسا فيها 300 مليار يورو. كذلك لدى فرنسا شراكة جذابة في الهند وذلك في ضوء سعيها لتوسيع آفاقها.

الهند ومنطقة المحيطين

توزيع المسؤولية بين شراكة "أوكوس" والحوار الأمني الرباعي يناسب الهند تمامًا. ففي الوقت الذي يرتبط فيه الأعضاء الثلاثة الآخرين في الحوار الأمني الرباعي بعدة اتفاقيات تجعلهم حلفاء على الصعيد الأمني، لا ترغب الهند في الارتباط بأي قوة على نحوٍ علني كحليف عسكري. فعلى سبيل المثال، بالرغم أن الهند كان يمكن أن ترغب في الحصول على تقنية الدفع النووي من الولايات المتحدة، إلا أنها على عكس أستراليا لا تود الارتباط بالولايات المتحدة كحليف أمني على المدى الطويل. وهذا ما أكده مسؤول هندي للإعلام عشية قمة الحوار الأمني الرباعي عندما قال إن الهند "ليست لديها نية لعسكرة الحوار الأمني الرباعي". وزيادة في التأكيد، أضاف المسؤول أن تدريبات مالابار البحرية السنوية التي تتضمن الآن أعضاء "كواد" الأربعة "لم تكن مرتبطة" بأي جوانب أمنية أو دفاعية للحوار الأمني الرباعي.

إن الصياغة الدقيقة والمحسوبة للحوار الأمني الرباعي في القمة المنعقدة في سبتمبر أصبحت تربط الأعضاء الأربعة برؤية مشتركة وتتيح لهم جدولاً طموحًا طويل الأجل للأعمال، يخدم مصالحهم وفي نفس الوقت يتحدى طموحات الصين في مجالات شديدة الأهمية، مع مراعاة تجنب الاستفزازات التي قد تثيرها التحالفات الأمنية العلنية. ومن ثمَّ، فإن الحوار الأمني الرباعي يعد شراكة مرنة متعددة الأطراف، تتيح لأعضائها الأربعة، حسبما قال دبلوماسي هندي، "جدول أعمال تطلعي لخدمة الصالح العام العالمي، في مجالات الأمن البحري والمساعدات الإنسانية واللقاحات المضادة للجائحة والتغير المناخي والفضاء السيبراني والتقنيات الناشئة، وغير ذلك الكثير". ولكن من المهم الإشارة إلى أن الحوار الأمني الرباعي لا يتناول العديد من المخاوف الأمنية المحورية لدى الهند، تلك المتعلقة بالإرهاب العابر للحدود من باكستان، وعدم ترسيم حدود بطول 3500 كم مع الصين، وتوسع النفوذ الصيني في أوراسيا وغرب آسيا، والأهم، في منطقة غرب المحيط الهندي. ولذلك تحتاج الهند إلى توسيع علاقاتها خارج التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وهو ما سيتماشى بسهولة أكثر مع مصالحها المتنوعة.

كذلك تعرض فرنسا على الهند شراكة استراتيجية هامة، ففرنسا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي لديها اهتمام كبير بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ وتقدم دعمًا قيمًا للهند في منطقة غرب المحيط الهندي من أقاليمها وراء البحار في جزر القُمر وجزيرة ريونيون وقواعدها في جيبوتي وأبو ظبي. فرنسا أيضًا مورد هام للمعدات العسكرية للهند. وفي ظل استيائها من الإهانة التي تلقتها من أستراليا بسبب إلغاء عقد الغواصات بينهما، يمكن أن تدخل فرنسا في شراكة مع الهند لإنتاج غواصات نووية الدفع.

ويمكن توظيف الشراكة الهندية الفرنسية في عمل علاقات مع دول الخليج الرئيسية، مثل السعودية والإمارات وإيران، فالمزيد من المحتوى الاستراتيجي يمكن أن يخدم مصالح الهند على المدى الطويل، خاصةً في منطقة غرب المحيط الهندي، إذ تعتبر منطقة الخليج مركز الطاقة والتجارة والاستثمار والتمويل على مستوى العالم، فضلاً عن أنها تطبق تغييرات جوهرية في سياساتها الاقتصادية في ضوء استعدادها لعصر ما بعد النفط.  

لطالما بقيت الروابط التاريخية الطويلة مع منطقة الخليج قائمة وذلك لتجددها باستمرار لتلبية الاحتياجات المتغيرة عند الطرفين. ويمكن أن تكون الهند شريكًا طبيعيًا في تسهيل انتقال المنطقة إلى حقبة جديدة من التكنولوجيا وسلاسل الإمداد والاستجابة لتحديات جديدة ناتجة من تطلعات الشباب نحو تعليم عالي المستوى والتدريب وفرص ريادة الأعمال للمشاريع الناشئة القائمة على التكنولوجيا.

تقييم "أوكوس"

تعكس "أوكوس" كما ذكرنا سابقًا مبادرة أمريكية لمواجهة عنيفة مع الصين، بالتعاون مع المملكة المتحدة وأستراليا، من خلال تزويد أستراليا بثماني غواصات تعمل بالطاقة النووية. ولكن إذا كانت هذه المبادرة قد أدت إلى انفصال أستراليا عن مراسيها في جنوب شرق آسيا ووضعت أستراليا على الخطوط الأمامية مقابل الصين، هل يؤدي ذلك إلى أي تغير حقيقي في السيناريو الأمني الإقليمي؟ 

تتمركز القوات البحرية الأمريكية بغواصاتها الثماني والستين نووية الدفع في المياه الإقليمية بالفعل. أما الصين فلديها أكبر قوات بحرية في العالم بعدد غواصات يبلغ اثنين وستين غواصة، 12 منها تعمل بالطاقة النووية. وبحلول عام 2040م، بعد تزويد أستراليا بالغواصات الثماني، سيصل عدد الغواصات الصينية التي تعمل بالطاقة النووية 26 غواصة. ولا يسعنا إلا أن نتساءل ما إذا كانت لمبادرة "أوكوس" قيمة استراتيجية كبيرة بالفعل أم أنها مجرد مناورة أمريكية لإرضاء مصالح صناعتها الدفاعية الخاصة، بينما تدفع الفرنسيين خارجًا بقوة؟

وفي هذا السياق، علينا أن نتذكر أن مدة عقد الغواصات البالغة عشرين عامًا ستشهد أربعة انتخابات رئاسية على الأقل وضعفها لانتخابات منتصف الولاية الرئاسية. وفي ضوء التغير المهول في نهوج السياسات التي يطبقها الرؤساء الجدد، هل يمكن أن نشهد نمطًا مستمرًا في نهج الولايات المتحدة بالنسبة للصين أو شؤون منطقة المحيطين الهندي والهادئ في العموم؟ ألا يمكن أن تحوِّل التطورات في هذه الفترة اهتمام الولايات المتحدة وأولوياتها نحو مجالات أخرى تستدعي تغيرات كبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية؟

وفي خضم كل هذا الغموض، ستضمن "أوكوس" بقاء أستراليا منعزلة في أعين كل من "آسيان" والصين. وقد يكون الثمن غاليًا إلى حد كبير بالنسبة لأستراليا. وكما أشار جيمس لورينسون، لم تنضم أي دولة أخرى لأستراليا في اتخاذ موقف عدائي تجاه الصين، فأمريكا والاتحاد الأوروبي وأعضاء "آسيان" واليابان والهند جميعهم لديهم مواطن قلق مهمة فيما يتعلق بالصين، ولكنهم جميعًا وضعوا علاقاتهم الاقتصادية مع الصين في أولوياتهم. وفي الحقيقة، أشار لورينسون أن واشنطن توفر بضائع تحظر الصين استيرادها من أستراليا.

من المفيد التفكير حول كيفية احتواء تصاعد قوة الصين، وهو المبرر المعلن لشراكة "أوكوس" بل حتى الحوار الأمني الرباعي على المدى الأطول. وتؤكد اتفاقيات الدفاع المختلفة الملزمة لأعضاء الحوار الأمني الرباعي ببساطة أنها تشكل تحالفًا علنيًا ضد الصين. ولكن ماذا سيفعل هذا التحالف لاحتواء الصين؟ بمجرد أن نسترجع ملحمة العقوبات على إيران والتي قادتها واشنطن، يمكننا أن نرى بعد أربعين عامًا أن تأثيرها لا يُذكر في سياسات إيران وسعيها لمصالحها. والجدير بالذكر أيضًا أن أجندة الحوار الأمني الرباعي غير العسكرية التي رُوِّج لها كثيرًا هي عبارة عن بيان نوايا إلى حد كبير، وستستغرق سنوات بل عقود حتى تؤثر في السيناريو العالمي.

ولكن بالرغم من أن احتواء الصين قد يكون صعب المنال، سيتحتم وقوع سباق تسلح مُكلِف ومطوَّل في مختلف أنحاء المنطقة، خاصةً مع توسع شراكة "أوكوس" أو الحوار الأمني الرباعي أو كليهما. وفي تقرير صادر من معهد ستكهولم الدولي لبحوث السلام في 2020م، بلغت قيمة الإنفاق على التسلح في آسيا، بالرغم من الجائحة، 528 مليار دولار، 62 بالمائة منها كان من جانب الصين والهند. وعلى نفس المنوال، تعمل كل من اليابان وأستراليا على زيادة إنفاقهما على الدفاع، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى المخاوف المتعلقة بالصين. فاليابان خصصت 50 مليار دولار من ميزانيتها لعام 2022-2023م، وبلغ إنفاق أستراليا 44.6 مليار دولار أسترالي في 2021-2022م، وقد ترتفع نفقات أستراليا على الدفاع من 2 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي الآن إلى 3 أو حتى 4 % من إجمالي الناتج المحلي في السنوات المقبلة.

سباق التسلح لن يؤدي إلا لمزيد من انعدام الأمن الإقليمي. وبالرغم من التأثير شبه المعدوم لشراكة "أوكوس" والحوار الأمني الرباعي في احتواء الصين، إلا أنهما سينجحان بالفعل في تصنيف الشركاء كأعداء دائمين للصين ومناصرين للوضع العالمي القائم الذي تقوده واشنطن. ولن يؤدي ذلك إلى خلق بيئة من عدم الاستقرار الممتد طويلاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ فحسب، ولكنه قد يستدرج دول إقليمية أخرى نحو الانقسام الذي صنعته الولايات المتحدة في صورة "حرب باردة" جديدة.

ومن ثمَّ، ستجد غالبية الدول الأعضاء في "آسيان"، والتي تفضل التركيز على التنمية المحلية، نفسها منجرفة كرهًا نحو هذا الانقسام الشرس. فهي تنظر إلى "أوكوس" و"كواد" على أنهما يقوِّضان محورية الرابطة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويحرمان هذه الدول من استقلاليتها الاستراتيجية الثمينة، ويضعاها في قلب المنافسة الصينية الأمريكية. وقد أشار أحد المعلقين أن أعضاء "آسيان" لن يحبذوا رؤية هيمنة الصين في المنطقة، ويرفضون محاولات الاحتواء الآتية من الولايات المتحدة، ولكنهم بالأحرى يفضلون "إقحام" الصين في مؤسسات "آسيان" المتنوعة بدلاً من مواجهتها من خلال تحالف تنافسي.

وفي هذا السياق، يجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من تبنى بايدن موقفًا متشددًا تجاه الصين وتكوينه تحالفين لدعم النهج الذي تبناه، إلا أن الولايات المتحدة في واقع الأمر تستمر في الحفاظ على "درجة كبيرة من الاعتماد المتبادل" مع منافستها الاستراتيجية في مجالات التجارة والاستثمار وحتى في مجال التكنولوجيا، ففي عام 2020م، كانت الصين الشريك الأول لواشنطن في تجارة البضائع، فهي في المرتبة الثالثة بين أكبر أسواق الصادرات لأمريكا. ويمتلك المستثمرون الأمريكيون 1.1 تريليون دولار في صورة أسهم أصدرتها شركات صينية، بينما بلغت قيمة الأسهم المشتركة والسندات 3.3 تريليون دولار بنهاية عام م، وفي مجال التكنولوجيا، تستمر الشركات الأمريكية والصينية الرئيسية في تعاونها على البحث والتطوير. وأخيرًا، وصل عدد الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة إلى 370 ألف طالب في عام 2019-2020، منهم 34 بالمائة من الطلاب الأجانب.

وكما استنتج رايان هاس، "من غير المرجح أن تسعى السياسة الأمريكية في المستقبل المنظور إلى "هزيمة" الصين أو أن تلزم سقوط الحزب الشيوعي الصيني"، حسبما أكد بومبيو في خطاباته الطنانة العام الماضي. ومن المرجح أن تُوجَّه جهود الولايات المتحدة محليًا وإلى الشركاء الخارجيين "لتعزيز تنافسية أمريكا طويلة الأمد مع الصين".

لقد أدركت واشنطن هذه الحقائق. فقد وصفت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، نهج الولايات المتحدة تجاه الصين أثناء زيارة أُجريت مؤخرًا للهند مستخدمة تعبيرات لبقة غير جازمة بعض الشيء، بعيدة كل البعد عن النهج التصادمي العدواني الذي اكتنف عملية انطلاق شراكة "أوكوس". فقد قالت:

"سنتنافس بقوة مع الصين حين يجب علينا ذلك، وسنتعاون مع الصين عندما تقتضي مصالحنا ذلك... سنتحدى الصين عندما يتحتم علينا ذلك، عندما تقوِّض مصالحنا ومصالح شركائنا وحلفائنا أو تهدد النظام الدولي المبني على قواعد."

وقد أجرى المسؤولون الأمريكيون اجتماعات دورية قبل إعلان شراكة "أوكوس" وبعده، وأظهرت ملخصات مشاركات الطرفين أهمية مبدأ الأخذ والعطاء عند كل منهما. وقد ناقش اجتماعان منهم الشؤون الأمنية بين مستشاري الأمن الوطني واستمرا لست ساعات. كما تناول لقاء آخر الشؤون التجارية بين كاثرين تاي، ممثلة التجارة الأمريكية، وليو هي، نائب رئيس الوزراء الصيني.

كذلك وافقت أمريكا، كبادرة حسن نية كما يتضح، على إطلاق سراح مينغ وان تشو، المديرة المالية لشركة هواوي، والتي كانت محتجزة في كندا بناءً على طلب أمريكي في ديسمبر 2018م.  ويشير مراقبون إلى أن إطلاق السراح الذي أُجري بعد عشرة أيام فقط من إعلان شراكة "أوكوس" لا بد وأنه كان قد خُطط له مسبقًا بفترة طويلة، مما يدل على أن الولايات المتحدة كانت تفكر في تحسين العلاقات قبل "أوكوس" بكثير.

وبالرغم من أن الحديث عن احتواء الصين أمر سهل، إلا أنه يجدر الإشارة إلى أن الصين لديها ارتباطات عالمية، من خلال التجارة ومشاريع الاتصالات التي تشمل الخدمات اللوجستية والصحة والتكنولوجيا، وهناك أكثر من مائة دولة مشتركة في مبادرة الحزام والطريق. فجميع مناطق العالم تقريبًا لديها روابط تجارية جوهرية مع الصين التي غالبًا ما تعتبر الشريك التجاري الأول بالنسبة لها.

ولعل أفضل نظرة متعمقة في تكوين روابط مع الصين ما ذكره لي هسين لونغ، رئيس وزراء سنغافورة، حيث قال في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الأسترالي في يونيو هذا العام:  

"سيكون هناك مواقف صعبة (مع الصين) ... وعليكم أن تتعاملوا معها... ولكن تعاملوا معها كمسائل تعتبر جزءًا من شراكة ترغبون في استمرارها وليس مسائل تؤدي إلى خصومة تحاولون قمعها."

وهذه تُعد نصيحة حكيمة من رجل دولة إقليمي لكل من قد يؤيد الموقف التصادمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* سفير الهند السابق في السعودية وعمان والإمارات وأستاذ جامعي-رام ساث للدراسات الدولية، جامعة سيمبيوسيس الدولية ــ مدينة بونة، الهند

مقالات لنفس الكاتب